مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 23-08-2007, 05:30 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
Thumbs up ~~~ أيّها الولـــــــــد ~~~


أيها الولد المحب .. !


رسالة من الفيلسوف المتصوف حجة الإسلام



أبي حامد محمد الغزالي


451 - 505هـ

(1058 - 1111م)

-المقدمة-









صاحب هذه الرسالة هو الإمام محمد بن محمد بن أحمد الطوسي (الغزالي) ولد بطوس من أعمال خراسان بفارس (450 - 550هـ، 1056 - 1111م)، تنقل في أرجاء الوطن الإسلامي قبل أن يعود في أواخر حياته إلى طوس مرة أخرى ليواصل الكتابة وتصنيف الكتب التي قاربت الأربعمائة كتاب.



جاء الإمام الغزالي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري ليشهد (سياسيًا) نوعًا من التفتت السياسي نتج عن ضعف الخلافة وانتهى بعد أكثر من قرن بمأساة التتار (واقتصاديًا) شهد تكالب الناس على الدنيا وتحول المجتمع الإسلامي من مجتمع منتج إلى مجتمع الاستهلاك، ولم تكن الجوانب الفكرية بأفضل حالاً فالمعين الصافي يختلط بشطحات الفلاسفة وأفكار الإغريق، وهكذا وجد الإمام الغزالي مأساة عصره في البعد عن المثل الإسلامي الأعلى الذي تجلى في عصر النبوة والخلافة الراشدة فكانت دعوته للعودة إلى ذلك المثل الأعلى هي محور أعماله ونضاله.


والرسالة التي بين أيدينا واحدة من أعماله الإسلامية الخالدة أجاب بها على سؤال لأحد تلامذته، وقد كتب الإمام رسالته بالفارسية ثم عربت وفي العصر الحديث ترجمت إلى الألمانية والتركية والفرنسية والإنجليزية.



إنها حقًا جديرة بالقراءة والتأمل والمعيشة.
__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #2  
قديم 23-08-2007, 05:32 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

-1-




اعلم أيها الولد المحب العزيز أطال الله بقاءك بطاعته، وسلك بك سبيل أحبائه أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة عليه السلام، إن كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي؟ وإن لم يبلغك فقل لي: ماذا حصلت في هذه السنين الماضية؟!!



-2-



من جملة ما نصح به رسول الله أمته قوله: (علامة إعراض الله عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار) وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.



-3-




النصيحة سهل، والمشكل قبولها، لأنها في مذاق متبع الهوى مر، إذ المناهي محبوبة في قلوبهم، على الخصوص لمن كان طالب علم مشتغلاً في فضل النفس ومناقب الدنيا، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه، وأنه مستغنٍ عن العمل، وهذا اعتقاد الفلاسفة، سبحان الله العظيم!! لا يعلم هذا القدر أنه حين حصَّل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكد، كما قال رسول الله: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه).


وروي: أن الجنيد قدس الله سره رئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال طاحت تلك العبارات، وفنيت تلك الإشارات، وما نفعنا إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل.
__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #3  
قديم 23-08-2007, 05:33 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي


-4-




أيها الولد..!!




لا تكن من الأعمال مفلسًا، ولا من الأحوال خاليًا، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ اليد، مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعًا وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، فما ظنك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟ ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب فكذا لو قرأ الرجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها. ولم يعمل بها، لا تفيده إلا بالعمل.


ومثله أيضًا: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجين والكشكاب([1]) فلا يحصل البرء إلا باستعمالها.


ولو قرأت العلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدًا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل وأن ليس للإنسان إلا ما سعى([2]) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا([3]) جزاء بما كانوا يكسبون([4]) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا([5]) إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا([6]).


وما تقول في هذه الأحاديث؟ (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً).


والإيمان. قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، ودليل الأعمال أكثر من أن يحصى وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه، لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته، لأن رحمة الله قريب من المحسنين. ولو قيل أيضًا: يبلغ بمجرد الإيمان قلنا: نعم.. لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود ينتقلها إلى أن يصل؟



أول تلك العقبات: عقبة الإيمان، وأنه هل يسلم من سلب الإيمان أم لا؟ وإذا وصل يكون خائبًا مفلسًا، وقال الحسن البصري: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم.



-5-




ما لم تعمل لم تجد الأجر، حكي أن رجلاً من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة، فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكًا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة، فلما بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة، فينبغي لنا أن نعبده، فلما رجع الملك قال: إلهي.. أنت أعلم بما قال، فقال الله تعالى: إذا هو لم يعرض عن عبادتنا. فنحن (مع الكرم) لا نعرض عنه، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له.




قال رسول الله: (حَاسِبُوا قبل أن تُحَاسَبُوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا) وقال علي رضي الله عنه (من ظن أنه بدون الجهد يَصِلُ فهو متمن، ومن ظن أن ببذل الجهد يصل فهو مستغن). وقال الحسن رحمه الله تعالى: (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب) وقال: (علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل).



وقال رسول الله: (الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق من اتبع هواه، وتمنى على الله تعالى الأماني).




-6-


أيها الولد..!!

كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرمت على نفسك النوم، لا أعلم ما كان الباعث فيه؟ إن كان نيل عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة على الأقران والأمثال، فويل لك ثم ويل لك، وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي، وتهذيب أخلاقك، وكسر النفس الأمارة بالسوء، فطوبى لك ثم طوبى لك، ولقد صدق من قال شعرًا:

سهر العيون لغير وجهك ضائع *** وبكاؤهن لغير فقدك باطل



__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #4  
قديم 23-08-2007, 05:36 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

-7-



أيها الولد..!!

عش ما شئت فأنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به.





-8-



أيها الولد..!!

أي شيء حاصل لك من تحصي علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف غير تضييع العمر بخلاف ذي الجلال، إني رأيت في إنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام قال: من ساعة أن يوضع الميت على الجنازة إلى أن يوضع على شفير القبر يسأل الله بعظمته منه أربعين سؤالاً، أوله: بقول: عبدي.. طهرت منظر الخلق سنين وما طهرت منظري ساعة، وكل يوم ينظر في قلبك يقول: ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري!!! أما أنت أصم لا تسمع؟!!




-9-



أيها الولد..!!

العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون، واعلم أن العلم لا يبعدك اليوم عن المعاصي، ولا يحملك على الطاعة، ولن يبعدك غدًا عن نار جهنم، وإذا لم تعمل اليوم، ولم تدارك الأيام الماضية تقول غدًا يوم القيامة: فأرجعنا نعمل صالحًا([7]) فيقال: يا أحمق أنت من هناك تجيء.





-10-



أيها الولد..!!

اجعل الهمة في الروح، والهزيمة في النفس، والموت في البدن، لأن منزلك القبر، وأهل المقابر ينتظرونك في كل لحظة متى تصل إليهم، إياك إياك أن تصل إليهم بلا زاد، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هذه الأجساد قفص الطيور، واصطبل الدواب، فتفكر في نفسك من أيهما أنت؟ إن كنت من الطيور العلوية، فحين تسمع طنين طبل (ارجعي إلى ربك) تطير صاعدًا إلى أن تقعد في أعالي بروج الجنان، كما قال رسول الله (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ).

والعياذ بالله إن كنت من الدواب كما قال الله تعالى: أولئك كالأنعام بل هم أضل([8]) فلا تأمن انتقالك من زاوية الدار إلى هاوية النار.

وروي أن الحسن البصري رحمه الله تعالى أعطي شربة ماء بارد، فأخذ القدح.. غشي عليه وسقط من يده، فلما آفاق قيل له: ما لك يا أبا سعيد؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار حين يقولون لأهل الجنة: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله([9]).




__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #5  
قديم 23-08-2007, 05:40 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي


-11-



أيها الولد..!!

لو كان العلم المجرد كافيًا لك، ولا تحتاج إلى عمل سواه، لكان نداء: (هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب([10])) ضائعًا بلا فائدة.

وروي أن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ذكروا عبد الله بن عمر عند رسول الله، فقال: (نعم الرجل هو لو كان يصلي بالليل).

وقال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: يا فلان.. لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل يدع صاحبه فقيرًا يوم القيامة.



-12-



أيها الولد..!!

]ومن الليل فتهجد به([11])[ أمرٌ ]وبالأسحار هم يستغفرون([12])[ شكرٌ، ]والمستغفرين بالأسحار([13])[ ذكر.

قال عليه السلام: (ثلاثة أصوات يحبها الله تعالى: صوت الديك، وصوت الذي يقرأ القرآن، وصوت المستغفرين بالأسحار).

قال سفيان الثوري رحمة الله تعالى عليه: إن الله تبارك وتعالى خلق ريحًا تهب بالأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبار.

وقال أيضًا: إذا كان أول الليل ينادي مناد من تحت العرش: ألا يقيم العابدون، فيقومون ويصلون ما شاء الله، ثم ينادي منادٍ في شطر الليل: ألا ليقيم القانتون، فيقومون ويصلون إلى السحر، فإذا كان السحر نادى منادٍ: ألا ليقم المستغفرون، فيقومون ويستغفرون، فإذا طلع الفجر نادى منادٍ: ألا ليقم الغافلون، فيقومون من فروشهم كالموتى نشروا من قبورهم.





-13-



أيها الولد..!!




روي في وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: يا بني.. لا يكونن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم.


ولقد أحسن من قال شعرًا:





لقد هتفت في جنح الليل حمامة *** على فنن وهنا وإني لنائم

كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا *** لما سبقتني بالبكاء الحمائم
وأزعم أني هائم ذو صبابة *** لربي فلا أبكي وتبكي البهائم؟!









-14-



أيها الولد..!!

خلاصة العلم: أن تعلم أن الطاعة والعبادة ما هي؟ واعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي بالقول والفعل، يعني: كل ما تقول وتفعل وتترك يكون باقتداء الشرع كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصيًا، أو صليت في ثوب مغضوب (وإن كانت صورة عبادة) تأثم.






-15-



أيها الولد..!!

ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقًا للشرع؛ إذ العلم والعمل بلا اقتداء الشرع ضلالة، وينبغي لك ألا تغتر بالشطح وطامات الصوفية؛ لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة، لا بالطامات والترهات.

واعلم أن اللسان المطلق والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة علامة الشقاوة، حتى لا تقتل النفس بصدق المجاهدة لن يحيى قلبك بأنوار المعرفة.

واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها، يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة تعرف ما هي، وإلا فعلمها من المستحيلات لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقيًا، لا يستقيم وصفه بالقول، كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا يعرف إلا بالذوق، كما حكي أن عنينًا كتب إلى صاحب له: أن عرفني لذة المجامعة كيف تكون؟ فكتب له في جوابه: يا فلان.. إني كنت حسبتم عنينًا فقط (الآن عرفت أنك عنين وأحمق) لأن هذه اللذة ذوقية، إن تصل إليها تعرف، وإلا لا يستقيم وصفها بالقول والكتابة.




__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #6  
قديم 23-08-2007, 05:42 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

-16-



أيها الولد..!!

بعض مسائلك من هذا القبيل، وأما البعض الذي يستقيم له الجواب فقد ذكرناه في (إحياء العلوم) وغيره، ونذكر ههنا نبذًا منه ونشير إليه فنقول: قد وجب على السالك أربعة أمور:

أول الأمر: اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة.

والثاني: توبة نصوح، لا يرجع بعده إلى الذلة.

والثالث: استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لأحد عليك حق.

و الرابع: تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدى به أوامر الله تعالى، ثم من العلوم الأخرى ماتكون به النجاة.





-17-




أيها الولد..!!




إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلى العلم الكثير وتأمل في حكاية أخرى.. وذلك أن حاتم الأصم كان من أصحاب الشقيق البلخي رحمة الله تعالى عليهما، فسأله يومًا قال: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصلت فيها؟ قال: حصلت ثماني فوائد من العلم، وهي تكفيني منه لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها، فقال شقيق: ما هي؟


قال حاتم الأصم:


الفائدة الأولى:


أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوبًا ومعشوقًا يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت وبعضه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله، ويتركه فريدًا وحيدًا، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد، فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل في قبره، ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبًا لي؛ لتكون سراجًا لي في قبري، وتؤنسني فيه، ولا تتركني فريدًا.


الفائدة الثانية:


أني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله تعالى: ]وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى([14])[ وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى رضيت بطاعة الله سبحانه وتعالى وانقادت.


الفائدة الثالثة:


أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا، ثم يمسكها، قابضًا يده عليه، فتأملت في قوله تعالى: ]ما عندكم ينفذ وما عند الله باق(1)[ فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالى ففرقته بين المساكين ليكون ذخرًا لي عند الله تعالى.


الفائدة الرابعة:


أني رأيت بعض الخلق ظن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر فاغتر بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد، فافتخروا بها، وحسب بعضهم الشرف والعز في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه وتبذره، وتأملت في قوله تعالى: ]إن أكرمكم عند الله أتقاكم([15])[ فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حق صادق، وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل.


الفائدة الخامسة:


أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضًا، ويغتاب بعضهم بعضًا، فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت قوله تعالى: ]نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا([16])[ فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل، فما حسدت أحدًا، ورضيت بقسمة الله تعالى.


الفائدة السادسة:


أني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضًا لغرض وسبب، فتأملت قوله تعالى: ]إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا([17])[ علمت أنه لا يحوز عداوة أحد غير الشيطان.


الفائدة السابعة:


أني رأيت كل أحد يسعى بجد، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام، ويذل نفسه وينقص قدره، فتأملت في قوله تعالى: ]وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها([18])[ فعلمت أن رزقي على الله تعالى وقد ضمنه، فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عمن سواه.


الفائدة الثامنة:


أني رأيت كل واحد معتمدًا إلى شيء مخلوق، بعضهم إلى الدينار والدرهم، وبعضهم إلى المال والملك، وبعضهم إلى الحرفة والصناعة، وبعضهم إلى مخلوق مثله، فتأملت في قوله تعالى: ]ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا([19])[ فتوكلت على الله تعالى فهو حسبي ونعم الوكيل.



فقال شقيق: وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والإنجيل والزابور والفرقان، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثماني، فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة.





__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #7  
قديم 23-08-2007, 05:46 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي


-18-




أيها الولد..!!




قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم، والآن أبين لك ما يجب على سؤالك سبيل الحق: فاعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مرب، ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته، ويجعل مكانها خلقًا حسنًا، ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته، ويكمل ريعه، ولابد للسالك من شيخ يؤدبه ويرشده إلى سبيل الله تعالى. لأن الله أرسل للعباد رسولاً للإرشاد إلى سبيله فإذا ارتحل قد خلف الخلفاء في مكانه، حتى يرشدوا إلى الله تعالى.


وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبًا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه أن يكون عالمًا، ولكن.. لا كل عالم يصلح للخلافة، وإني أبين لك بعض علامته على سبيل الإجمال؛ حتى لا يدعي كل أحد أنه مرشد فنقول: من يعرض عن حب الدنيا وحب الجاه، وكان قد تابع لشخص بصير تتسلسل متابعته إلى سيد المرشدينe، وكان محسنًا رياضة نفسه من قلة الأكل والقول والنوم وكثرة الصلوات والصدقة والصوم، وكان بمتابعة الشيخ البصير جاعلاً محاسن الأخلاق له سيرة، كالصبر والصلاة والشكر والتوكل واليقين والقناعة وطمأنينة النفس والحلم والتواضع والعلم والصدق والحياء والوفاء والوقار والسكون والتأني وأمثالها، فهو إذًا نور من أنوار النبي، يصلح للاقتداء به، ولكن وجود مثله نادر أعز من الكبريت الأحمر، ومن ساعدته السعادة فوجد شيخًا كما ذكرنا، وقبله الشيخ، ينبغي أن يحترمه ظاهرًا وباطنًا، أما احترام الظاهر فهو أن لا يجادله، ولا يشتغل بالاحتجاج معه في كل مسألة وإن علم خطأه، ولا يلقي بين يديه سجادته إلا وقت أداء الصلاة، فإذا فرغ يرفعها، ولا يكثر نوافل الصلاة بحضرته، ويعمل ما يأمره الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته.


وأما احترام الباطن: فهو أن كل ما يسمع ويقبل منه في الظاهر لا ينكره في الباطن لا فعلاً ولا وقولاً؛ لئلا يتسم بالنفاق، وإن لم يستطع يترك صحبته إلى أن يوافق باطنه ظاهره.


ويحترز عن مجالسة صاحب السوء؛ ليقصر ولايته شياطين الجن والإنس من صحن قلبه، فيصفي عن لوث الشيطنة، وعلى كل حال يختار الفقر على الغنى.


ثم اعلم أن التصوف له خصلتان: الاستقامة، والسكون عن الخلق، فمن استقام واحسن خلقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي.


والاستقامة: أن يفدي حظ نفسه لنفسه. وحسن الخلق مع الناس: ألا تحمل الناس على مراد نفسك، بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفوا الشرع.


ثم إنك سألتني عن العبودية وهي ثلاثة أشياء:


أحدها: محافظة أمر الشرع.


وثانيهما: الرضاء بالقضاء والقدر وقسمة الله تعالى.


وثالثهما: ترك رضاء نفسك في طلب رضاء الله تعالى.


وسألتني عن التوكل وهو أن تستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد، يعني تعتقد أن ما قدر لك سيصل إليك لا محالة، وإن اجتهد كل من في العالم على صرفه عنك، وما لم يكتب لن يصل إليك، وإن ساعدك جميع العالم.


وسألتني عن الإخلاص، وهو أن تكون أعمالك كلها لله تعالى، ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس، ولا تبالي بمذمتهم.



واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق، وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة، وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة لتخلص من مراياتهم. ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء.




__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #8  
قديم 23-08-2007, 05:48 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

-19-



أيها الولد..!!

والباقي من مسألك بعضها مسطور في مصنفاتي، فاطلبه ثمة وكتابة بعضها حرام، (اعمل أنت بما تعلم؛ لينكشف لك ما لم تعلم).




-20-




أيها الولد..!!




بعد اليوم لا تسألني ما أشكل عليك إلا بلسان الجنان، قال تعالى: { ولوأنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم} [20]



واقبل نصيحة الخضر عليه السلام حين قال: { فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} [21]



ولا تستعجل حتى تبلغ أوانه يكشف لك وتره: { سأوريكم آياتي فلا تستعجلون}. [22]


فلا تسألني قبل الوقت وتيقن أنك لا تصل إلا بالسير لقوله تعالى: { أولم يسيروا في الأرض فينظروا}. [23]






-21-



أيها الولد..!!

بالله إن تسر تر العجائب في كل منزل، وابذل روحك؛ فإن رأس هذا الأمر بذل الروح، كما قال ذو النون المصري رحمه الله تعالى لأحد من تلامذته: (إن قدرت على بذل الروح فتعال، وإلا فلا تشتغل بالترهات الصوفية).



__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #9  
قديم 23-08-2007, 05:49 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

-22-



أيها الولد..!!

إني أنصحك بثمانية أشياء، اقبلها مني لئلا يكون علمك خصمًا عليك يوم القيامة، تعمل منها أربعة، وتدع منها أربعة:

أما اللواتي تدع:

أحدهما: ألا تناظر أحدًا في مسألة ما استطعت، لأن فيها آفات كثيرة، فإثمها أكبر من نفعها، إذ هي منبع كل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها، نعم لو وقع مسألة بينك وبين شخص أو قوم، وكانت إرادتك فيها أن تظهر الحق ولا يضيع، جاز البحث، لكن لتلك الإرادة علامتان:

إحداهما: ألا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو على لسان غيرك.

والثانية: أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أيكون في الملأ.

واسمع أني أذكر لك ههنا فائدة، واعلم أن السؤال عن المشكلات عرض مرض القلب إلى الطبيب، والجواب له سعي لإصلاح مرضه.

واعلم أن الجاهلين: المرضى قلوبهم، والعلماء: الأطباء، والعالم الناقص لا يحسن المعالجة، والعالم الكامل لا يعالج كل مريض، بل يعالج من يرجو فيه قبول المعالجة والصلاح، وإذا كانت العلة مزمنة، أو عقيمًا لا تقبل العلاج، فحذاقة الطبيب فيه أن يقول: هذا لا يقبل العلاج، فلا تشغل بمداومته لأن فيه تضييع العمر.

ثم اعلم أن مرض الجهل على أربعة أنواع، أحدها يقبل العلاج والباقي لا يقبل، أما الذي لا يقبل:

أحدها: من كان سؤاله واعتراضه عن حسده وبغضه، فكلما تجيبه بأحسن الجواب وأفصحه وأوضحه، فلا يزيد له ذلك إلا بغضًا وعداوة وحسدًا، فالطريق ألا تشتغل بجوابه، فقد قيل:



كل العداوة قد ترجى إزالتها
إلا عداوة من عاداك عن حسد



فينبغي أن تعرض عنه، وتتركه مع مرضه؛ قال الله تعالى: ]فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا([24])[.

والحسود بكل ما يقول ويفعل يوقد النار في زرع علمه (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).

والثاني: أن تكون علته من الحماقة، وهو أيضًا لا يقبل العلاج كما قال عيسى عليه السلام: (إني ما عجزت عن إحياء الموتى، وقد عجزت عن معالجة الأحمق) وذلك رجل يشتغل بطلب العلم زمنًا قليلاً ويتعلم شيئًا من العلوم العقلي والشرعي، فيسأل ويعترض من حماقته على العالم الكبير، الذي أمضى عمره في العلوم العقلي والشرعي، وهذا الأحمق لا يعلم، ويظن أن ما أشكل عليه هو أيضًا مشكل للعالم الكبير، فإذا لم يعلم هذا القدر يكون سؤاله من الحماقة، فينبغي ألا يشتغل بجوابه.

والثالث: أن يكون مسترشدًا، وكل ما لا يفهم من كلام الأكابر يحمل على قصور فهمه، وكان سؤاله للاستفادة، لكن يكون بليدًا لا يدرك الحقائق، فلا ينبغي الاشتغال بجوابه أيضًا، كما قال رسول الله (صلي الله عليه و سلم): (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).

وأما المرض الذي يقبل العلاج، فهو أن يكون مسترشدًا، عاقلاً فهمًا لا يكون مغلوب الحسد والغضب وحب الشهوة والجاه والمال، ويكون طالب طريق المستقيم، ولم يكن سؤاله واعتراضه عن حسد وتعنت وامتحان، وهذا يقبل العلاج، فيجوز أن تشتغل بجواب سؤاله بل يجب عليك إجابته.

والثاني مما تدع: وهو أن تحذر وتحترز من أن تكون واعظًا ومذاكرًا؛ لأن فيه آفة كبيرة إلا أن تعمل بما تقول أولاً، ثم تعظ به الناس، فتفكر فيما قيل لعيسى عليه السلام: يا ابن مريم عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستح ربك.

وإن ابتليت بهذا العمل فاحترز عن خصلتين:

الأولى: عن التكلف في الكلام بالعبارات والإشارات والطامات والأبيات والأشعار؛ لأن الله تعالى يبغض المتكلفين، والمتكلف المتجاوز عن الحد، يدل على خراب الباطن وغفلة القلب.

ومعنى التذكير: أن يذكر العبد نار الآخرة، وتقصير نفسه في خدمة الخالق ويتفكر في عمره الماضي الذي أفناه فيما لا يعنيه ويتفكر فيما بين يديه من العقبات من عدم سلامة الإيمان في الخاتمة، وكيفية حاله في قبض ملك الموت وهل يقدر على جواب منكر ونكير؟ ويهتم بحاله في القيامة ومواقفها، وهل يعبر عن الصراط سالمًا أم يقع في الهاوية ويستمر ذكر هذه الأشياء في قلبه، فيزعجه عن قراره، فغليان هذه النيران، ونوحة هذه المصائب يسمى تذكيرًا، وإعلام الخلق وإطلاعهم على هذه الأشياء، وتنبيههم على تقصيرهم وتفريطهم، وتبصيرهم بعيوب أنفسهم لتمس حرارة هذه النيران أهل المجلس، وتجزعهم تلك المصائب ليتداركوا العمر الماضي بقدر الطاقة، ويتحسروا على الأيام الخالية في غير طاعة الله تعالى.

هذه الجملة على هذا الطريق تسمى وعظًا، كما لو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد، وكان هو وأهله فيها فتقول: الحذر الحذر فروا من السيل!! وهل يشتهي قلبك في هذه الحالة أن تخبر صاحب الدار خبرك بتكلف العبارات، والنكت والإشارات؟ فلا تشتهي البتة؛ فكذلك حال الواعظ فينبغي أن يجتنبها.

الخصلة الثانية: ألا تكون همتك في وعظك أن ينفر الخلق في مجلسك ويظهروا الوجد، ويشقوا الثياب؛ ليقال: نعم المجلس هذا؛ لأن كله ميل للدنيا، وهو يتولد من الغفلة، بل ينبغي أن يكون عزمك وهمتك أن تدعو الناس من الدنيا إلى الآخرة ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الحرص إلى الزهد، ومن البخل إلى السخاء، ومن الغرور إلى التقوى، وتحبب إليهم الآخرة، وتبغض إليهم الدنيا، وتعلمهم علم العبادة والزهد، لأن الغالب على طبائعهم الزيغ عن نهج الشرع، والسعي فيما لا يرضي الله تعالى به، والاستعثار بالأخلاق الردية، فألق في قلوبهم الرعب، وروعهم وحذرهم عما يستقبلون من المخاوف، ولعل صفات باطنهم تتغير، ومعاملة ظاهرهم تتبدل، ويتظاهروا الحرص، والرغبة في الطاعة والرجوع عن المعصية، وهذا طريق الوعظ والنصيحة، وكل وعظ لا يكون هكذا فهو وبال على من قال ويسمع، بل قيل: إنه غول وشيطان، يذهب بالخلق عن الطريق ويهلكهم، فيجب عليهم أن يفروا منه؛ لأن من يفسد هذا القائل من دينهم، لا يستطيع بمثله الشيطان، ومن كان له يد وقدرة يجب عليه أن ينزله عن منابر الوعظ، ويمنعه عما باشر، فإنه من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والثالث مما تدع: أنه لا تخالط الأمراء والسلاطين ولا تراهم لأن رؤيتهم ومجالستهم ومخالطتهم آفة عظيمة، ولو ابتليت بها دع عنك مدحهم وثناءهم؛ لأن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق والظالم، ومن دعا لطول بقائهم فقد أحب أن يعصي الله في أرضه.

والرابع مما تدع: ألا تقبل شيئًا من عطاء الأمراء وهداياهم وإن علمت أنها من الحلال، لأن الطمع منهم يفسد الدين، لأنه يتولد منه المداهنة، ومراعاة جانبهم والموافقة في ظلمهم، وهذا كله فساد في الدين وأقل مضرته أنك إذا قبلت عطاياهم، وانتفعت من دنياهم أحببتهم، ومن أحب أحدًا يحب طول عمره وبقائه بالضرورة، وفي محبة بقاء الظالم إرادة في الظلم على عباد الله تعالى، وإرادة خراب العالم، فأي شيء يكون أضر من هذا على الدين والعاقبة، وإياك إياك أن يخدعك استهواء الشياطين أو قول بعض الناس لك: بأن الأفضل والأولى أن تأخذ الدينار والدرهم منهم، وتفرقها بين الفقراء والمساكين، فإنهم ينفقون في الفسق والمعصية، وإنفاقك على ضعفاء الناس خير من إنفاقهم، فإن اللعين قد قطع أعناق كثير من الناس بهذه الوسوسة، وقد ذكرناه في إحياء العلوم فاطلبه ثم.

وأما الأربعة التي ينبغي لك أن تفعلها:

الأول: أن تجعل معاملتك مع الله تعالى، بحيث لو عامل معك بها عبدك ترضى بها منه، ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب، والذي لا ترضى لنفسك من عبدك المجازي فلا ترض أيضًا لله تعالى وهو سيدك الحقيقي.

والثاني: كلما عملت بالناس اجعله كما ترضى لنفسك منهم، لأنه لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه.

والثالث: إذا قرأت العلم أو طالعته، ينبغي أن يكون علمك يصلح قلبك ويزكي نفسك، كما لو علمت أن عمرك ما يبقى غير أسبوع، فبالضرورة لا تشتغل فيها بعلم الفقه والأخلاق والأصول والكلام وأمثالها؛ لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تغنيك، بل تشتغل بمراقبة القلب، ومعرفة صفات النفس، والإعراض عن عائق الدنيا، وتزكي نفسك عن الأخلاق الذميمة وتشتغل بمحبة الله تعالى وعبادته، والإتصاف بالأوصاف الحسنة، ولا يمر على عبد يوم وليلة إلا ويمكن أن يكون موته فيه.

و الرابع: الا تجمع من الدنيا الا كفاية سنة، كما كان رسول الله عليه الصلاة و السلام، يعد ذلك لبعض حجراته، و قال: (اللهم أجعل قوت آل محمد كفافا). و لم يكن يعد ذلك لكل حجراته بل كان يعده لمن علم أن فى قلبها ضعفا. و أما من كانت صاحبة يقين فما كان يعد لها أكثر من قوت يوم أو نصف.



__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
  #10  
قديم 23-08-2007, 05:50 AM
عاشق القمر عاشق القمر غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,761
إفتراضي

-23-


أيها الولد..!!

اسمع مني كلامًا آخر، وتفكر فيه حتى تجد خلاصًا، لو أنك أخبرت أن السلطان بعد أسبوع يختارك وزيرًا، اعلم أنك في تلك المدة لا تشتغل إلا بإصلاح ما علمت أن نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن، والدار والفرش وغيرها، والآن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهم والكلام الفرد يكفي، أليس قال رسول الله عليه السلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم).

وإن أردت علم أحوال القلب فانظر إلى (الإحياء) وغيره من مصنفاتي وهذا العلم فرض عين، وغيره فرض كفاية إلا بمقدار ما يؤدي به فرائض الله تعالى، وهو يوفقك حتى تحصله.





-24-


أيها الولد..!!

إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك، فينبغي لك أن تعمل بها ولا تنساني فيه من أن تذكرني في صالح دعائك.

وأما الدعاء الذي سألت مني فأطلبه من دعوات الصحاح، واقرأ هذا الدعاء في أوقاتك، خصوصًا أعقاب صلواتك: اللهم إني أسألك من النعمة تمامها، ومن العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده ومن الإحسان أتمه، ومن الإنعام أعمه، ومن الفضل أعذبه، ومن اللطف أقربه.

اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا، واصبب سجال عفوك على ذنوبنا، ومن علينا بإصلاح عيوبنا، واجعل التقوى زادنا، وفي دينك تهادنا، وعليك توكلنا واعتمادنا.

اللهم ثبتنا على نهج الاستقامة، وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة، وخفف عنا ثقل الأوزار، وارزقنا عيشة الأبرار، واكفنا شر الأشرار، واعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأخواتنا من النار، برحمتك يا عزيز يا غفار، يا كريم يا ستار، يا عليم يا جبار يا الله.. يا الله.. يا الله.. برحمتك يا أرحم الراحمين ويا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.




__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد


سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة

اخوكم/
عاشق القمر
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م