شيخ عليل العشق
هب هارون الرشيد واقفا يهمس لأحد خدمه بشيء فانصرفت النساء ، وأراد الأصمعي أن يمضي فقال له الرشيد :
-انتظر يا عبد الملك فأنا ضجر ، وهأنذا أجلس أحب أن أسمع حديثا أتفرج به .
فقال الأصمعي :
-لأى الحديث يقصد أمير المؤمنين
فأجاب :
-لما شاهدت وسمعت من أعاجيب الناس و طرائف أخبارهم .
فانطلق الأصمعي يقول :
-كان صاحب لنا من البدو أغشاه وأتحدث إليه ، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة أصح الناس ذهنا وأجودهم أكلا وأقواهم بدنا ، فغبرت عنه زمانا ثم قصدته فوجدته ناحل البدن كاسف البال متغير الحال فقلت له "ما شأنك ، أأصابتك مصيبة ؟" قال "لا" قلت "فمرض"عراك ؟" قال "لا !" قلت "فما سبب هذا الذي أراه بك ؟".
فقال : "قصدت بعض القرابة فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها وطلت بالورس ما بين قرنها إلى قدمها وعليها قميص وقناع مصبوغان وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد :
محاسنها سهام للمنايا
*****مريشة بأنواع الخطوب
بري ريب المنون لهن سهما
*****يصيب بنصله مهج القلوب
فأجبتها :
قفي شفتي في موضع الطبل ترتعي
*****كما قد أبحث الطبل في جيدك الحسن
هبيني عودا أجوفا تحت شنته
*****تمتع فيما بين نحرك والذقن
فلما سمعت الشعر منى نزعت الطبل ورمت به في وجهي وبادرت إلى الخباء ، فلم أزل واقفا حتى حميت الشمس على مفرق رأسي لا تخرج ولا ترجع إلي جوابا فقلت أنا والله معها كما قال الشاعر :
فو الله يا سلمى لطال إقامتي
*****على غير شيء يا سليمي أراقبه
ثم انصرفت سخين العين قرح القلب ، فهذا الذي ترى من التغير هو من عشقي لها".
وسكت الأصمعي بانتهائه من قصة البدوي، فقال الرشيد ضاحكا :
-ويحك يا عبد المالك ابن ست وتسعين سنة يعشق ؟
فقال الأصمعي :
-قد كان هذا يا أمير المؤمنين.
|