مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #21  
قديم 11-11-2003, 09:20 PM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي "د.الأهدل: رمضان محطة سفر إلى الجنة (18)

رمضان محطة سفر إلى الجنة.. (18)

لا تيأس من رحمة ربك مهما كثرت ذنوبك !

تصور أن ملكاً ظالماً جباراً قوياً، لا يتردد في إيذاء من يريد من رعيته، بأي نوع من أنواع الإيذاء بحق وبدون حق..

السجن والاعتقال، الضرب المبرح، غصب الأموال، تخريب الديار، تشريد الناس ونفيهم.

وقد قرب إليه بعض الفقراء الخاملين الضعفاء من رعيته، فرفع منـزلته، بما أغدق عليه من الأموال، وبما منحه من الجاه والسلطان، ووضع له منهجاً يسير عليه في تصرفاته، بحيث لا يتعدى الحدود التي رسمها له…

ولكن الرجل طغى وأعطى نفسه الحق في الخروج على ما حدده له الملك، وبالغ في عصيانه إلى الحد الذي اعتدى فيه على بعض أقارب الملك، بالقتل والسخرية والإهانات، وعلى أمواله، بالسلب والنهب والسرقة، وعلى عرضه بالقذف والسب....

وأصدر ذلك الملك أوامره لرجال شرطته وجيشه واستخباراته بالقبض عليه، لينـزل به ما يشفي غيظه من العقوبات، فلم يتمكن من القبض عليه، لقدرته على الاختفاء والهرب…

ثم بدا لهذا الرجل أن يعود إلى الملك الجبار الظالم، مستسلماً له طالباً عفوه ورحمته..!

تُرَى ماذا سيكون مصير الرجل عند هذا الملك الجبار؟

هل تظنه سيعفو عنه؟

أو تظنه سيوبخه ثم يطرده من عمله ويكتفي بذلك؟

أو تظنه سيأمر بضربه وإهانته ثم يدعه وشأنه؟

كلا! إنه سينـزل به من الإهانات والخزي أمام الملأ، ما لم يكن يتصوره الرجل ولا غيره من الرعية، وقد يصلبه بعد الضرب والإهانات، وهو حي في أكبر ميادين بلده، حتى يموت، ليراه الناس بتلك الحال، وقد يأمر بتقطيعه إرْبا إرباً..

هذا مثال واحد يوضح شأن مواقف الجبَّارين، في ولاياتهم، ممن خرج عن طاعتهم، وجنى عليهم..


بل إن الجبارين ليعتدون على من خالفهم – وإن كان على حق - بكل أنواع العدوان، من ضرب وسجن وحرق ورجم و طرد وقتل..

كما فعلت الأمم السابقة مع الأنبياء والرسل، حتى لو طلب أهل الحق المهادنة بين الفريقين، حتى يحكم الله بينهم، فلا يرضون بالمسالمة والمهادنة، إلا بإكراه أهل الحق على ترك دينهم والدخول في ملة الكفر.

ومن أمثلة ذلك ما بينه الله تعالى من موقف قوم شعيب منه، في قوله تعالى: (( وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ )) [الأعراف:87-88].

والأمثلة كثيرة جداً، في القرآن وفي السنة، و في قصة أصحاب الأخدود عبرة.. هذه طبيعة جبابرة المخلوقين..

فكيف يستقبل الله تعالى الجبار القادر على قصم كل جبار من المخلوقين، مَن رجع إليه نادماً، طالباً عفوه ورحمته، وقد ارتكب كل أنواع المعاصي التي نهاه عنها، من أكبر الكبائر الذي هو الشرك الأكبر، إلى أصغرها، كوضع قليل من الأذى في طريق الناس؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن يلتفت الإنسان إلى الوراء، ليتذكر نعم الله تعالى عليه، ابتداء من إيجاده بعد العدم، ومروراً بكل أطوار حياته، التي لا يجد نفسه في أي لحظة من لحظات عمره، مستغنياً عن فضل الله عليه، ونعمه التي لا يحصيها إلا هو تعالى..

(( هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً )) [الإنسان:1].

(( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )) [النحل:18].

(( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ )) [النحل:53].

(( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) [النحل:78)]. [ الآيات كلها من سورة النحل]..

وقد اختصر القرآن الكريم للإنسان رحلته في الدنيا والآخرة، في خمس آيات من كتابه، فقال: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ )) [المؤمنون:12-16].

هذا الإنسان الذي تلك حاله، ينسى ربه الذي أوجده من العدم، وينسى نعمه التي لا حياة له بدونها، إضافة إلى نعمة هدايته إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، بإرسال رسله بوحيه، ينسى هذا الإنسان، خالقه ونعمه عليه..

فإذا هو كما وصفه خالقه… ((خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )) [النحل (4)].

(( أَوَلَمْ يَرَ الأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ )) [(77) يس].

ومع ذلك ينادي الخالق العظيم، عبده الآبق المسرف في معاصيه، ليعود إليه بكل ذنوبه ومعاصيه، ليغفرها له، وينهاه عن القنوط واليأس من تلك المغفرة والرحمة..

فقال تعالى: (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الزمر:53].

ومعلوم عند أهل السنة والجماعة، أن جميع الذنوب، ما عدا الشرك بالله، هي تحت مشيئته تعالى، إن شاء غفرها وأدخل صاحبها الجنة، بدون أن يدخله النار، وإن شاء أدخله النار وعذبه ليطهره، ثم يدخله الجنة…

كما قال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً )) [النساء (48)].

ولكن المسلم العاقل الذي يعلم أن الله تعالى قد لا يغفر له ذنوبه، بل قد يعذبه بالنار، قبل أن يدخله الجنة، هذا المسلم يحرص على البعد عن معاصي الله، وإذا وقع في شيء منها، رجع إلى ربه فتاب توبةً نصوحا، لينجو من العذاب، ويفوز بدخول الجنة ابتداء..

دعوة الله عبده إلى التوبة وفرحه بها..

فقد دعا رسل الله تعالى قومهم، إلى التوبة..


كما قال تعالى عن هود عليه السلام لقومه.. (( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ )) [هود:52].

وقال تعالى عن صالح: (( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)) [هود:61].

وقال تعالى عن شعيب: (( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )) [هود:90].

وأمر الله تعالى المؤمنين من هذه الأمة بالتوبة..

فقال تعالى: (( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ )) [هود:3].

وقال تعالى: ((…وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) [النور:31].

وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) [التحريم:8].

روى عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( لَلَّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش..
ثم قال: أرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت..
فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده.. ).
[البخاري (5950) من حديث أنس مختصراً، مسلم رقم (2744) واللفظ له، و"الدوية" بتشديد الدال المفتوحة، والياء المشددة: الأرض القفر]..

ولهذا الموضوع بقية..

موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home...enu&sub0=start
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
  #22  
قديم 12-11-2003, 07:41 PM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي الدرس التاسع عشر

رمضان محطة سفر إلى الجنة (19)

بادر بالتوبة قبل فوات الأوان..

سبق أن الله تعالى يدعو عباده إلى التوبة ويفرح بها، وهي واجبة على جميع الناس، من جميع الذنوب، وتجب على الفور، ولا يجوز للعاصي تأخيرها.

قال تعالى: (( … وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) [النور(31)].

وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) [التحريم: 8].

أليس فرح الله بتوبتك حافزاً لك على الإسراع بالتوبة إليه من ذنوبك؟

ربك الذي خلقك ورزقك، وأسدى إليك كل نعمة في حياتك.. تجاهره بالمعاصي، بترك ما أمرك به، وفعل ما نهاك عنه، ثم يدعوك إلى التوبة ويفرح بتوبتك..

هل يليق بك أن تستمر في عصيانه، وتصر على سخطه؟!

ربك يريدك أن تفارق هذه الحياة وهو راضٍ عنك، تأتيك ملائكة الرحمة عند قبض روحك…. فيقولون لها: اخرجي راضية مرضية، فتخرج تنتشر منها رائحة زكية كأطيب ريح المسك..

ويناولها بعضهم بعضاً فيشمونها، ثم يزفونها إلى أبواب السماء، وترحب بها في كل سماء ملائكتها، ويقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فكلما أتوا سماءً قالوا ذلك.. كما ترحب بها أرواح المؤمنين، فيفرحون بها أشد الفرح..

ثم تفوز في قبرك في الإجابة على أسئلة الملائكة التي تلخص تاريخ حياتك في الدنيا..

"من ربك .... ما دينك .... من نبيك.. وما عملك؟

فتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد رسول الله… وعملي: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت..

فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة...

فيأتيك من رَوْحِها وطيبها، ويفسح لك في قبرك مد بصرك....

ويأتيك عملك في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح..

فيقول: أبشر بالذي يسرك.. هذا يومك الذي كنت توعد..
فتقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير؟
فيقول: أنا عملك الصالح.

وعندئذ تتمنى أن تقوم الساعة، لتنال الفضل العظيم، والثواب الجزيل، وتلقى ربك الكريم، فتفوز بما كنت تقرأه في كتابه..

(( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) [القيامة:23].

فتقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة..

ثم يأتي يوم البعث والنشور والحساب، والجزاء فتؤتى كتابك بيمينك، وتنادي لشدة سرورك و فرحك مَن يقرأ كتابك..

(( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ )) [الحاقة:19-24].

هذا ما يدعوك إليه ربك الذي يفرح بتوبتك، ويفتح لك أبواب جنته..

(( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) [يونس:25].

وإذا لم تستجب لدعوة ربك الذي بفرح بتوبتك، فلدعوة من تستجيب؟ وما مصيرك في الاستجابة لغير الله؟

(( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) [فاطر (6)].

(( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ )) [المجادلة (19)].

(( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً )) [النساء:26-27].

مجاهدة الأمل المهلك..

إن الواجب على الإنسان أن يتوب إلى الله تعالى من المعصية، فور وقوعها منه، وإذا تمادى في الإصرار عليها، سواء كانت تركَ واجبٍ أو فعلَ محرم، فإثمه مستمر حتى يتوب منها..

وكثير من الناس قد تؤنبه فطرته فيشعر بالندم على معصية ربه، ولكنه لا يقلع عنها، ممنياً نفسه بالتوبة في مستقبل عمره، ناسياً أنه قد ينام فلا يصحو من نومه، إلا في قبره عندما يستجوبه في قبره منكر ونكير، بل قد يخرج نَفَسُه في أي لحظة، فلا يعود إليه، لأن ملك الموت قبض روحه..

قال تعالى: (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) [الزمر (42)].

وقال: (( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ )) [الأنعام (61)].

وقال: (( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )) [الأعراف (34)].

وقال تعالى: (( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)) [الحجر:2-3].

قد يقال: بعض هذه الآيات تتحدث عن الكفار، لا عن المسلمين، والجواب أن الأمر الجامع بين الكافر والمسلم العاصي الذي يسوِّف توبته إلى ربه، هو طول الأمل الذي يترتب عليه ندم كل منهما، مع ما عرف من التخليد للكافر في النار، ورجاء المغفرة للمسلم، أو تعذيبه، ثم إدخاله الجنة.

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عبرة لمن كلما أسرع إليه أجله، طال أمله..

فقد قال:
"خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خطوطاً صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: ( هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به... به وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نهشه هذا، وأن أخطأه هذا نهشه هذا ) [البخاري برقم (6054)].

وكتب الأوزاعي إلى أخٍ له:
"أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به.. والسلام.

نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
،،،،،،،،،،،،،،،،وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ
،،،،،،،،،،،،،،،،،إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الأَمَانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا
،،،،،،،،،،،،فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ لِلرَّأْسِ شَاعِلُ
تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنّ التُّقَى
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فعمرك أيام وهن قلائل

وقال أبو العتاهية:

وَمَا أَدْرِي وَإِنْ أَمَّلْتُ عُمْرًا
،،،،،،،،،،،،،،،،،،لَعَلِّي حِينَ أُصْبِحُ لَسْتُ أُمْسِي
أَلَمْ تَرَ أَنَّ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وَعُمْرُكَ فِيهِ أَقْصَرُ مِنْهُ أَمْسِ
[جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/383)].

فعلى الإنسان، وبخاصة المسلم أن يجاهد الأمل الذي يجعله يسوِّف في التوبة والرجوع إلى الله تعالى، حتى لا يندم يوم لا ينفع الندم.

موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home...enu&sub0=start
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
  #23  
قديم 13-11-2003, 09:20 PM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي رمضان محطة سفر إلى الجنة (20) الجزء الأول

رمضان محطة سفر إلى الجنة (20) الجزء الأول..

طهرة للصائمين وطعمة للمساكين..

فرض الله تعالى زكاة الفطر على جميع المسلمين، لا فرق بين كبير وصغير، وذكر وأنثى، وحر وعبد.

كما روى ابن عمر رضي الله عنهما، قال:
"ثم فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". [البخاري (1432) ومسلم (985، 986)].

وجماهير علماء الأمة اتفقوا على أن زكاة الفطر فرض، بل قد نقل كثير من العلماء الإجماع على ذلك، فلا يلتفت إلى من زعم نسخها بفرض الزكاة. [راجع المغني لابن قدامة (2/351) ونيل الأوطار (4/250)]

ويخرج الزكاة عن الصغير والعبد وليُّ أمرهما، وكذلك كل من تجب عليه نفقته...

كما قال أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه:
"كنا نخرج زكاة الفطر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، عن كل صغير وكبير حر ومملوك.." [مسلم (985) ، وسنن البيهقي الكبرى (7461)]

ما الحكمة في فرض زكاة الفطر؟

إن المسلم مأمور بطاعة الله، في تنفيذ ما أمر الله به، سواء عرف الحكمة في ذلك أم لا..

ولكن كثيراً من أبواب الشريعة قد تظهر حكمتها من النصوص الواردة فيها، وما لم يظهر من النصوص، قد يعلمه بعض العلماء، وإن خفي على غيرهم، ومما ظهرت بعض حِكَمِه من النصوص، زكاة الفطر..

ومنها ما يأتي:

الحكمة الأولى:

إغناء الفقراء في يوم فرح وسرور المسلمين، فلا يليق بالأغنياء، أن يفرحوا ويسروا، ويلبسوا جيد الثياب، ويأكلوا لذيذ الطعام، وبعض إخوانهم يتضورون من الجوع، ويلبسون رديء الثياب، لما في ذلك من حسرة نفوسهم، وانكسار قلوبهم…

وينبغي للأغنياء أن يتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: الذي رواه عنه عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ). [البخاري، رقم (13) ومسلم رقم 45]

ويضعوا أنفسهم موضع إخوانهم الفقراء، ليكون ذلك حافزاً لهم على البذل والإنفاق.

الحكمة الثانية:
جبر ما قد يكون حصل من الصائم، في شهر الصيام، من لغو ورفث وغيرهما، ليكمل له صومه، وهذا من فضل الله تعالى على عبده المؤمن، حيث يشرع له ما يطهره ويجبر النقص الذي يقع في عبادته.

وقد نبه على هاتين الحكمتين، حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي زكاة من الصدقات". [أبو داود (1609) والحاكم في المستدرك، وقال: "صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه" رقم (1488)].

الحكمة الثالثة:
تذكير الصائمين من الأغنياء، بأن ما مسَّهُم من الجوع في صيامهم في شهر رمضان، يمس إخوانهم الفقراء في رمضان وغيره، وأن ذلك يذكرهم بأن إنفاق أموالهم على إخوانهم الفقراء، مما يرضي ربهم سبحانه وتعالى..

ووجوب زكاة الفطر على الأغنياء يدعوهم إلى الاستمرار في مواساة الفقراء في جميع الأوقات، والصحيح أنه يجب على الغني أن يطعم الجائع، ولا يليق به أن يبيت شبعان وجاره جائع، وأن في المال حقاً سوى الزكاة.

وقت أداء زكاة الفطر..

سبق أن من حِكَم فرض زكاة الفطر، إغناءَ الفقراء والمساكين في يوم العيد واستقرارهم، واستغناءهم عن الطواف على الأغنياء لطلب الرزق، ولهذا شرع أداؤها يوم العيد، قبل صلاة العيد..

ولا يجوز تأخيرها عنها، فإذا أخرت لم تجزئ عن الفرض، وإنما تكون صدقة من الصدقات.


روى ابن عمر رضي الله عنه:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". [البخاري، رقم (1440) ومسلم، رقم (986)].

ويجوز إخراجها قبل يوم العيد، لئلا يشغلوا عن أدائها في وقتها، وللعلماء في وقت إخراجها قبل يوم العيد أقوال، فصلت في كتب الفقه، والذي يظهر أنه ينبغي ألا يطول الوقت قبل يوم العيد..

وقد أشار إلى ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
" وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين..". [البخاري، رقم (1440) وراجع أقوال العلماء في المغني لابن قدامة (2/359) ونيل الأوطار للشوكاني (4/252)].

وقد تدعو المصلحة، إلى تقديمها في وقت أوسع، كأن تنقل إلى بلد غير البلد الذي يسكنه مؤديها....كما سيأتي..

الأصناف التي يجب إخراج زكاة الفطر منها..

وردت السنة بإخراج زكاة الفطر من بعض الأطعمة، كما سبق في حديث ابن عمر المتفق عليه: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير" وذكرت أصناف أخرى، كالزبيب والأقط.

والصحيح أنه لا يتعين شيء من الأطعمة، بل الراجح أن تخرج من غالب قوت أهل البلد، لأنه الأسهل على الغني والفقير معاً.

قال ابن تيمية رحمه الله:
"وكذلك أمره بزكاة الفطر بصاع من تمر أو شعير، هو عند أكثر العلماء لكونه كان قوتاً للناس، فأهل كل بلد يخرجون من قوتهم، وإن لم يكن من الأصناف الخمسة، كالذين يقتاتون الرز أو الذرة، يخرجون من ذلك عند أكثر العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد". [مجموع الفتاوى (21/205)]

وهل يجزئ إخراج القيمة من النقود؟

ذهب جمهور العلماء، إلى أن زكاة الفطر لا تخرج إلا من الأصناف التي ذكرت في الحديث، وبعضهم أجاز إخراجها من غالب قوت أهل البلد، ومنعوا إخراج قيمتها من النقود اختياراً من صاحبها..

بخلاف ما إذا اضطر إلى ذلك، كأن يكون في مكان يصعب عليه وجود الطعام فيه، ولو أخر إخراجها حتى يجد الطعام، فات وقتها، فإنه يجوز له إخراجها بالقيمة.

وعلى هذا الرأي المالكية والشافية والحنابلة، وحجتهم في منع إخراج القيمة اختياراً، مخالفة ذلك لتعيين الشارع..

وللحديث بقية..


موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home...enu&sub0=start
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
  #24  
قديم 15-11-2003, 12:28 AM
المناصر المناصر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
المشاركات: 396
إفتراضي رمضان محطة سفر الحلقة (20) الجزء الثاني

رمضان محطة سفر إلى الجنة (20) الجزء الثاني

الأصناف التي تخرج منها..

قال ابن قدامة:
"وَمَنْ أَعْطَى الْقِيمَةَ، لَمْ تُجْزِئْهُ قَالَ أَبُو دَاوُد قِيلَ لأَحْمَدَ وَأَنَا أَسْمَعُ: أُعْطِي دَرَاهِمَ - يَعْنِي فِي زكاة الْفِطْرِ - قَالَ: أَخَافُ أَنْ لاَ يُجْزِئَهُ، خِلاَفُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
قَالَ لِي أَحْمَدُ: لاَ يُعْطِي قِيمَتَهُ، قِيلَ لَهُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ.
قَالَ يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُونَ قَالَ فُلاَنٌ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )). [المغني (2/357) ومنار السبيل (1/197)].

وقال القرطبي في تفسيره (8/175):
"الثاني أخذ القيمة في الزكاة، وقد اختلفت الرواية عن مالك في إخراج القيم في الزكاة، فأجاز ذلك مرة ومنع منه أخرى فوجه الجواز وهو قول أبي حنيفة هذا الحديث..

[يقصد حديث معاذ الذي ذكره قبل ذلك، ونصه:
"روي أن معاذاً قال لأهل اليمن: ايتوني بخميس أو لبيس، آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الزكاة، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة" أخرجه الدارقطني" قال: "والخميس لفظ مشترك وهو هنا الثوب طوله خمس أذرع"].

وأثر معاذ ذكره الإمام البخاري في الصحيح (2/525) قال:
"باب العرض في الزكاة. وقال طاووس قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبي بالمدينة... "

وقال النووي رحمه الله:
"اتفقت نصوص الشافعي رضي الله عنه، أنه لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة، وبه قطع المصنف وجماهير الأصحاب". [المجموع(5/384)]

وذهب الحنفية إلى جواز إخراجها بالقيمة، واحتجوا بأن المقصود هو إغناء الفقراء والمساكين بها، والإغناء يحصل بالقيمة، كما يحصل بالطعام، بل قد تكون القيمة أكثر مصلحة لهم.

قال الكاساني رحمه الله:
"...فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير أو فلوساً أو عروضاً أو ما شاء، وهذا عندنا.

وقال الشافعي:
لا يجوز إخراج القيمة... ولنا أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم )..

والإغناء يحصل بالقيمة، بل أتم وأوفر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة، وبه تبين أن النص معلول بالإغناء...". [بدائع الصنائع (2/73)]

وقد لخص ابن رشد رحمه الله، أقوال العلماء في إخراج القيمة عن الأعيان في الزكوات عموماً..

فقال: "واختلفوا هل يجوز فيها أن يخرج بدل العين القيمة أو لا يجوز؟

فقال مالك والشافعي: لا يجوز إخراج القِيَم في الزكوات بدل المنصوص عليه في الزكوات.

وقال أبو حنيفة: يجوز سواء قدر على المنصوص عليه أو لم يقدر..

وسبب اختلافهم: هل الزكاة عبادة، أو حق واجب للمساكين؟

فمن قال: إنها عبادة، قال: إن أخرج من غير تلك الأعيان لم يجز، لأنه إذا أتى بالعبادة على غير الجهة المأمور بها، فهي فاسدة.

ومن قال: هي حق للمساكين، فلا فرق بين القيمة والعين عنده....

والحنفية تقول: إنما خصت بالذكر أعيان الأموال، تسهيلاً على أرباب الأموال؛ لأن كل ذي مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذي بين يديه، ولذلك جاء في بعض الأثر، أنه جعل في الدية على أهل الحُلل حُللا، على ما يأتي في كتاب الحدود". [بداية المجتهد (1/277)]

ومعنى قول ابن رشد: "هل الزكاة عبادة أو حق واجب للمساكين"..

يقصد هل إخراجها من الأعيان المذكورة أمر تعبدي وليس معقول المعنى، أو هو حق للمساكين يراعى فيه مصلحتهم، فيكون معقول المعنى، ولا يفهم من ذلك أنها ليست عبادة إذا كانت حقاً للمساكين، بل هي عبادة على كلا الحالين.

وهناك رأي آخر، وهو أنه يجوز إخراج القيمة عن الأعيان، للحاجة أو المصلحة..

وفي هذا قال ابن تيمية رحمه الله:
وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ.. فَلاَ بَأْسَ بِهِ : مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ بُسْتَانِهِ أَوْ زَرْعِهِ بِدَرَاهِمَ، فَهُنَا إخْرَاجُ عُشْرِ الدَّرَاهِمِ يُجْزِئُهُ وَلا يُكَلَّفُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا أَوْ حِنْطَةً، إذْ كَانَ قَدْ سَاوَى الْفُقَرَاءَ بِنَفْسِهِ".. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ..

وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلزَّكَاةِ طَلَبُوا مِنْهُ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ، لِكَوْنِهَا أَنْفَعَ فَيُعْطِيهِمْ إيَّاهَا، أَوْ يَرَى السَّاعِي أَنَّ أَخْذَهَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ..

كَمَا نُقِلَ عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لأَهْلِ الْيَمَنِ: " ائْتُونِي بِخَمِيسِ أَوْ لَبِيسٍ أَسْهَلُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِمَنْ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار" وَهَذَا قَدْ قِيلَ: إنَّهُ قَالَهُ فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ: فِي الْجِزْيَةِ". [مجموع الفتاوى(25/82)].

وهذه النصوص التي ذكرناها عن العلماء، وإن كان غالبها في الزكاة عامة، فإن زكاة الفطر داخلة في هذا المعنى العام.

والرأي الذي ذكره ابن تيمية، من أن الأمر يعود إلى المصلحة والحاجة، هو الراجح إن شاء الله، لثلاثة أمور:

الأمر الأول:

حاجة مخرج الزكاة إلى إخراج القيمة، لصعوبة حصوله على أحد الأصناف المذكورة في الأحاديث، والذي يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، نص على الأعيان المذكورة، لكونها كانت أيسر على الأغنياء من القِيَم.

الأمر الثاني:
أن إخراج الزكاة – ومنها زكاة الفطر - ليس تعبدياً محضاً، بل لها معنى معقول، وهو إغناء الفقراء والمساكين، والإغناء يحصل بالعين ويحصل بالقيمة...

الأمر الثالث:
أن إخراج القيمة قد يكون أكثر نفعاً و مصلحة من إخراج العين، وهذا واضح في عصرنا هذا في غالب البلدان؛ لأن الفقير يستفيد من القيمة أكثر من استفادته من الأطعمة، حيث يستطيع أن يوفر حاجاته بالقيمة مباشرة، مثل ملابسه وملابس أسرته، وأجرة منزله، بدون خسارة..

بخلاف ما إذا أعطي الأطعمة، فإنه قد يضطر إلى بيع ما يحتاج منها، للحصول إلى النقود، والغالب أنه يبيعه بأقل من قيمته بكثير.. وغالب الأحكام الشرعية مبنية على الحكم والمصالح..

كما قال ابن القيم رحمه الله:
"فصل في تغير الفتوى واختلافها، بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، .... فإن الشريعة مبناها وأساسها، على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها". [إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/3)].

وهل يجوز نقل زكاة الفطر من بلد إلى بلد؟

روى ابن عباس رضي الله عنهما:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما بعث معاذاً رضي الله عنه على اليمن، قال: ( إنك تقدم على قوم أهل كتاب..) الحديث..

إلى أن قال: ( فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم، وترد على فقرائهم...) [البخاري، رقم (1389) ومسلم، رقم (19)].

ذكر الإمام النووي أن الضمير في قوله ( فترد على فقرائهم ) يحتمل أن يعود إلى فقراء المسلمين أينما كانوا، ويحتمل أن يراد به فقراء أهل بلد الزكاة، وأن الاحتمال الثاني أظهر. [شرح النووي على صحيح مسلم (1/198)].

وبناء على هذا الاحتمال، يكون الأصل صرف الزكاة على فقراء أهل البلد، ولا تنقل الزكاة إلى بلد آخر، إلا إذا فاضت عن أهل البلد الذي تخرج فيه..

إلا أن الواجب مراعاة أحوال المسلمين، في بلد الزكاة وفي البلدان الأخرى، فإذا علم أن فقراء بلد الزكاة عندهم ما يسد بعض حاجتهم، والمسلمون في بلد آخر لا يجدون ما يأكلون من الطعام وما يلبسون من الثياب، وما يسكنون من البيوت..

فإن الواجب نقل ما يحفظ حياتهم من الزكاة، ولا يجوز تركهم يموتون من الجوع والبرد والحر...

ومن أظهر الأمثلة في عصرنا ما نشاهده في الأرض المباركة "فلسطين" التي يخرج اليهود فيها المسلمين من بيوتهم، بل يهدمونها على رؤوس بعضهم، فلا يجد من بقي حياً، مأوى يسكنه، ولا طعاماً يأكله، ولا ثوباً يستره، ولا دواء يستشفي به..

لقد كثر أيتامهم، وكثرت أراملهم، وكثر مرضاهم، وكثر معوقوهم، واشتد حصارهم، وأفسدت مزارعهم وبساتينهم، ولا يجد أقوياؤهم عملاً يأخذون عليه أجراً، يسد حاجتهم.

إن الواجب على أغنياء المسلمين، وولاة أمرهم، في جميع البلدان الإسلامية، أن يقارنوا بين فقراء بلدهم، وفقراء المسلمين في فلسطين، ويقدموا الأكثر حاجة، بل الأكثر ضرورة..

إضافة إلى أن الفقراء في فلسطين، مجاهدون في سبيل الله، جهاد دفع عن أنفسهم، وأرضهم وعرضهم.

وليست هذه دعوة لحرمان فقراء بلد الزكاة منها، وإنما هي دعوة للعدل بين فقراء المسلمين، وتقديم أهل الضرورات على أهل الحاجات، والأشد ضرورة على من هو أخف حاجة...

ولكن قد يطرأ بعض الأسباب التي تقتضي نقل الزكاة من البلد الذي تصرف منه، إلى بلد آخر.

وقد ورد في بعض الأحاديث، أن معاذاً رضي الله عنه، نقل بعض أموال الزكاة من اليمن، إلى المهاجرين والأنصار في المدينة..

قال القرطبي رحمه الله:
"وقد اختلفت العلماء في نقل الزكاة عن موضعها على ثلاثة أقوال:


القول الأول:
لا تنقل.. قاله سحنون وابن القاسم وهو الصحيح لما ذكرناه، وقال ابن القاسم أيضاً: وإن نقل بعضها لضرورة رأيته صواباً، وروي عن سحنون أنه قال: ولو بلغ الإمام أن ببعض البلاد حاجة شديدة جاز له نقل بعض الزكاة المستحقة لغيره إليه، فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج، والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه.

والقول الثاني:
تنقل.. وقاله مالك أيضاً، وحجة هذا القول ما روي أن معاذاً قال لأهل اليمن: ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الزكاة، فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة" أخرجه الدارقطني وغيره...

القول الثالث:
وهو أن سهم الفقراء والمساكين يقسم في الموضع، وسائر السهام تنقل باجتهاد الإمام والقول الأول أصح والله أعلم". [الجامع لأحكام القرآن (8/175)].

هذا ما رجحه القرطبي رحمه الله، وأرى أن ما ذكره عن سحنون أنه قال:
"ولو بلغ الإمام أن ببعض البلاد حاجة شديدة جاز له نقل بعض الزكاة المستحقة لغيره إليه، فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج، والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه". أقرب إلى مقاصد شرع الله... والله أعلم

موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home...enu&sub0=start
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م