مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 07-10-2000, 12:30 PM
NASIH NASIH غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2000
المشاركات: 39
Post براءة المسلمين من عقائد المشركين

بسم الله الرحمن الرحيم
أجابني سيدي سيف الله الصقيل ناصر الحق الإمام الشيخ طارق بن محمد السعدي حفظه الله عن سؤال لي حول ادعاء بعض المبتدعة توحيد المشركين بما أسموه ربوبية، وزعمهم أن عقيدة المشركين كانت تدور على التوسل، فقال:
(( اعلم حبيبي: أن معرفـة هذه المسـألة ( أي: كون عقيدة المشركين: هي التوسـل، أم لا )، متوقفة على معرفة ( عقيدة المشركين )، والتي تُعرف من وجهين:
الوجه الأول: ( الكلام ) أي: علم التوحيد؛ لمعرفة العقيدة والتوحيد والعِبـادة والشِّـرك، المفضية إلى معرفة مـا هو إيمان وما هو شـرك، فتحديد هوية شـرك المشركين.
والوجه الثـاني: ( السَّـمع )؛ لمعرفة عقيدة المشركين وأحوالهم؛ إذ هو السـبيل لذلك.

 فأما الكلام، فقد ثبت فيه أصول:
الأصل الأول: أن ( العقيدة ) هي: الإيمان، وهو: عقد القلب على أمور عِلميّة ثابتةٍ لا تقبل الشَّـك.
ومنه: قول الله تعـالى: { لا يُؤَاخِـذُكُـمُ اللهُ بِاللَّغْـوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِـذُكُـم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَـانَ .. }[ المائدة: 89 ].
ويسـتفاد من هذا الأصل:
أن الاعتراف بالمعلوم وإثباته متوقف على ثبوته الذي لا شكّ فيه.
ويتفرّع على هذا: بيان جهل هؤلاء المبتدعة في فهم آيات المُسـاءلة الآتي ذكرُهـا في ( وجه السمع )؛ لأن عقائد المشركين غير ثابتـة بالقطع فضلاً عن أن تكون ظنّيّة، خلافـاً للعقيدة الإسـلامية التي ألزمتهم بالإقرار بصحتها، كما سـتعلم بعون الله تعـالى.
الأصل الثاني: أن ( توحيد الله تعالى ) هو: الإيمان بالله تعـالى، أي: الشَّـهادة بـأن لا إلـه إلا اللهُ تعـالى. وذلك يعني: أن ( الله تعـالى ) هو وحده الرَّبّ الحق، المستحق لعِبـادة الخلق؛ لاسـتحالة تعدد الآلهة.
و( الرَّبّ ) هو: المؤثر في العالم، إيجاداً وإعداماً، فيستحقّ العبـادة.
و( الإله ) هو: المؤثر في العالم، إيجاداً وإعداماً، المستحقّ للعبـادة.
فـ( الإله ) بمعنى ( الرب )، غير أنه يشتمل التنبيهَ على استحقاق العبودية، خلافـاً لـ( الرب ) فإن استحقاق العبودية يُعرف بالتلازم. فلا يوجب التعبير بـ( الإلهيَّة ) معنىً زائداً على ( الرَّبوبيَّة )، بل يبيّن حقّـاً ثابتـاً لها.
يهديك لذلك: قول الله تعالى حكاية عن سيدنا رسول الله إبراهيم عليه السلام: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: مَاذَا تَعْبُدُونَ؟ * أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ!! * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟!! }[ الصافات: 83 ـ 99 ]، وإطلاق الشـارع لـ( الإله ) حيث الكلام عن التأثير في العالم إيجاداً وإعداماً، و( الرب ) حيث الكلام عن المعبود.
ويُسـتفاد من هذا الأصل:
1. أن الألوهية لا تثبت إلا للمؤثر لذاته، أي: المؤثّر على التحقيق.
فائدة: الفرق بين ( المؤثر لذاته ) و( المؤثر بذاته ): أن الأول غير مكتسب تأثيره من شيء، خلافاً للثاني؛ فإنه مكتسب تأثيـرَه من غيره، فلا يُنسـب التأثيرُ إليه على التحقيق، كـ( النـار )؛ فإنها تؤثّـر فيما أتت عليه بالحَرق لا لكونها مُحرقـة لذاتها بل لأن الله تعـالى أوجد الحرق فيها، لذلك لم تحرق سـيدنا رسول الله إبراهيم عليه السلام لمـا ألقي فيها.
ويتفرع على هذا: كفـر مَن اعتقد التأثيـر لشيءٍ لا في شيءٍ مع أو من دون الله تعالى؛ لأنه إشـراك ناقض لاعتقاد الوحدانيَّة اللازمة للألوهيـة.
وكذا: بيان جهل هؤلاء المبتدعة في اعتبار من لم يعتقد التأثير في الشيء لذاته مؤلّهاً له، كافراً بذلك!!؛ لأن الشارع أثبته، كقول الله تعالى حكاية عن عبده الصالح في قصّة سيدنا نبيّ الله سليمان عليه السلام: { قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْـكَ طَرْفُكَ }[ النمل: 40 ].
2. تلازم الربوبية واستحقاق العبودية، فلا يستحق العبوديَّة إلا من اتّصف بالربوبيّة.
ويتفرَّع على هذا: بيان جهـل هؤلاء المبتدعة بتقسـيم التوحيد إلى ما أسـموه: ( توحيد ربوبية ) وهو: الإيمان بأن الله تعـالى المؤثِّـر في العالَـم، وما أسـموه: ( توحيد ألوهية ) وهو: الإيمان بأن الله تعالى مستحق للعبادة؛ لتصوّرهم إمكانية انفصال الربوبية عن استحقاق العبوديّة!!
ومحل الجهل: اسـتحالة هذا الانفصال؛ لتلازم الربوبيّة واستحقاق العبودية؛ فإنه لا يُعتقد اسـتحقاق العبودية إلا لمن اتصف بالربوبية، والعكس صحيح.
وإنما قلت ( تصورهم ): لأنه لم يوجد هذا الفصل ولا يوجـد إلا في مخيلة هؤلاء المبتدعة ضعيفي النظر قليلي العلم؛ فإن المشركين حتى زماننا هذا لم يعتقدوا استحقاق آلهتهم العبادة إلا لاعتقادهم تأثيرها في العالم، كما ستعلم من أخبار عقائد المشركين الواردة في السمع، وما يُعْلَمُ من واقع المشـركين المُعاصرين.
وإنما أُخِـذ هؤلاء المبتدعة مِن قِبَـل جهلهم بالفَـرْق بين ( العِبادة ) و( الفعل المجرّد عن العبوديّة )، وسوف نبين ذلك في ( أصل العبـادة ) بعون الله تعالى.
علماً بأن المؤمن بمـا أسـموه ( توحيـد ربوبية ) دون ما أسـموه ( توحيـد ألوهية ) لا يُعتبر موحداً على فرض وجـوده.
فإن قيل: أن المقصود بـ( توحيد الربوبية ) ما ذهبتم إليه تماماً، وبـ( توحيد الألوهية ) توحيد الله تعالى بالعبادة!!
قلنا: هذا جهل آخر يُسـجل عليكم؛ لأنكم إن لم تَعْنُوا ما تقدَّم فأنتم تطالبون من اعتقد أربابـاً متفرقين مع الله تعالى بصرف عبادته لله تعالى وحده دونهم!! وهذا لغو باطل، لا يدعو إليه أو يدَّعيه من الإيمـان إلا عنجهي عاطل؛ لأن في ( الدعوة إليه ) طلب من المشرك أن يترك عبادة من يعتقد أنه مستحق لها. وفي ( ادِّعائه من الإيمان ) ـ على فرض استجابة مشرك لتلك الدعوة ـ جهل مرَّكب؛ لأن فيه إثبات اعتقاد ربوبية غير الله تعـالى، فبطلان ربوبيته سـبحانه عند العقلاء، وذلك كفر يحول دون اعتبـار عبادته.
بـل نحن نظن أن المشـركين الذين نزلـت فيهم سـورة ( الكافرون ) ـ وإن جاز عندهم تعدد الآلهة ـ لم يُريدوا فعلاً التداول في عبادة الله تعالى وعبادة أصناهم، بل أرادوا نصب فخٍّ لسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بأن لو وافق على طلبهم، لكان شـاهداً على كذب دعواه بأن لا إله إلا الله، فتكون حجة عليه؛ لأنهم لو لم يعتقدوا استحقاق العبادة في آلهتهم لما عبدوها.
وليس ثمة معنى يُراد بذلك غير ما ذكرنا، إلا أنهم يُريدون بذلك: اعتبارَ ما خالف أهواءهم من ( الأفعال المجردة عن العبودية ) عبادةً لمن فُعلت له، تقتضي كفر فاعلها!! وهذا حكم بغير ما أنزل اللهُ تعالى، بل كفرٌ بما أنزل سبحانه، يأتي تفصيلُه في ( أصل العبادة ) بعون الله تعالى.
فإن قيل: أريد بـ( توحيـد الله تعالى بالعبادة )، ما أسماه الشَّـارع والعلمـاء: ( إخلاصـاً )!!
قلنا: إذاً تُسـجلون جهلاً آخر على أنفسكم؛ لأن مدار الإخلاص وعدمه على ( عبـادة الله تعالى ):
فـ( المخلـص ) يعبُد الله تعـالى له، أي: يقصد بها طـاعة الله تعـالى، و( غير المخلص ) يعبد الله تعالى لغيـره، أي: ريـاءً.
و( المُخلِـص ) مؤمنٌ مقبـول العمل، و( غير المخلِص ) مؤمنٌ مُحبَط العمل.
وأما مَن خـرج عن هذا الحـد، بأن توجه بالعبـادة لغير الله تعـالى، فإدخاله في هذا الباب جهل مركَّب؛ لأنه من البـاب المتقدم، كما هو ظاهر.
والأصل الثالث: أن ( العِبـادة ) هي: فعل الشـيء تقرّباً أو تنفيذاً لحُكم مَن اعتُقِد ألوهيته.
وهي قسمان:
الأول: ( عبادة مباشرة )، وهي: فعلٌ بين العبد وربِّه بلا واسطة، كالصلاة.
الثاني: ( عبادة غير مباشرة )، وهي فعلٌ بين العبد وربِّه بواسطة، كطاعة الرّسل وأولي الأمر، وتعظيمهم، والتوجه إلى القِبلة، وطلب الرزق بالكسب .. الخ.
ومِن حِكمة الشارع في الأول: تعظيم نفس الفِعْل، وفي الثاني: تعظيم الواسطة مع الفعل.
فخرج بذلك: ( الفِعـل المجرّد عن العُبُوْدِيّـة )، وهو: إما فِعْلُ الشَّيء تقرّباً أو تنفيذاً لحُكم من لا يُعتقد ألوهيّته، أو: فِعْلُه طَبْعاً، من غير التفات إلى شيء من ذلك.
يهديك لذلك جميعاً: أن الشارع أمر بطاعة عباد لله تعالى، وتعظيمهم، والتذلل لهم، وقصدهم في الحاجات .. الخ.
ولم يُثِب المشركين على أفعال البِرِّ، بل قال في غير الفعل العبادة بذاته: { إنما الأعمال بالنيات }.
ويُستفاد من هذا الأصل:
1. ( تلازم العبادة واعتقاد الألوهيّة )، فلا يُسمى الفعل المجرد عن اعتقاد ألوهية المفعول له ( عبادة )، ولا تجري عليه أحكامها.
ويتفرع على هذا: بيان جَهْل هؤلاء المبتدعة بتصور وقـوع العبادة من غير اعتقادِ ألوهية!! فضلاً عن وقوعها أصلاً؛ لأنه ليس كل فعل عبادة وإن كان في مظهره عبادة.
يهديك لذلك: ( السجود )، فإنما يكفر المرءُ بفعله لغير الله تعالى تألهاً لا تأدّباً؛ فقد سجد الملائكة لسيدنا نبي الله آدم عليه السلام، وسجد سيدنا نبي الله يعقوب وأهله وأبنائه لسيدنا نبيّ الله يوسف عليهما السلام، ولما سأل بعض الصّحابة رضي الله تعالى عنهم سيدنا رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم السجود له نهاهم عنه؛ أي: لكونه حُرّم في شريعته سدّاً للذّرائع، فمن فعله من أمته على غير وجه التألّه عصى ولم يكفر. علماً بأن ( المكفّرات ): هي الأمور الدّينيّة الزائغة، التي لا يتغيّر حكمها أبداً.
وسـيأتي بعون الله تعـالى في ( وجه السـمع ) بيانُ جهلهم في فهم أخبار المشـركين التي يستندون عليها.
2. ( التفريق بين المعبود والوسيلة )، فكل مقصودٍ بالعبادة معبود، وكلّ مقصود للعِبادة وسـيلة.
ومن الوسـائل المشـروعة:
 ( طاعة من أجاز اللهُ تعالى بطاعته )، ومنه قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }[ النساء: 59 ].
 ( تعظيم ما أجاز اللهُ تعالى تعظيمه )، ومنه قول الله تعالى: { وَمَن يُعَظِّمْ شَـعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَـا مِن تَقْـوَى الْقُلُوبِ } [ الحج: 32 ]، { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَـاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْـرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّـهِ }[ الحج: 30 ].
 ( الطَّلب ممَّن أجاز الله تعالى الطَّلب منه )، ومنه قول الله تعالى في آية ( الحاجة للاستغفار ): { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيما }[ النساء: 64 ]، مبيّناً جوازَ وفضلَ طلب الاستغفار من الصالحين والاستغفار في مجالسهم. وقوله تعـالى فيما حكاه عن سيدنا نبي الله سليمان عليه السلام: أنه لما اضطر لقهر بلقيس، قال لأهل مملكته: { يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِـهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }[ النمل: 38 ]، وكذا ما ثبت من حث الشَّـارع وإقراره طلبَ الصّحابة رضي الله تعـالى عنهم من سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبعضهم البعض الدّعاء، والشفاعة، وقضاء الحوائج .. الخ
 ( الطَّلب بمَا أجاز الله تعالى بالطَّلب منه )، ومنه قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[ المائدة: 35 ]، وهذه الآية تبين ما فُسّر بآية الحاجة للاسـتغفار المتقدّمة: من ضرورةَ الجمعِ بين ( الوسـائل العِلميّة ) و( الوسائل العمليّة ) من جِهة الفِعلِ الكَسبي، وبين ( الفِعل الكَسبي: وهو ما يُحدثه العبد من الأفعال الذّاتيّة ) و( الفعل الوسطيّ: وهو الاستشفاع بالوسائط المشروعة ) من جهة التوسّل، للفلاح وتحقيق المقصود.
ومن النصوص الجامعة لكل الطلبات المتقدّمة: ( حديث الأعمى ) الثابت، وفيه: أن سـيدنا رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ جاءه يسأله حاجة فظلم نفسه بعدم الأخذ بنصيحته الشـريفة: { اذهب إلى الميضـأة فتوضأ ثم صلّ ركعتين وقل: اللهم إني أسـألك وأتوجّه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي لتُقضى لي، اللهم شفّعه فيّ }[ صحيح، رواه الحاكم وغيره ]، وفي رواية صحيحة أيضاً عند النسائي في عمل اليـوم والليلة، أنه صلى الله عليه وسـلم قال عند ذكر الحاجة: { أن يقضي حاجتي، أو حاجتي إلى فلان، أو حاجتي في كـذا وكـذا }، وهذه الزيـادة مقبولة؛ لعـدم تعارضها مـع الأولـى.
وهذا صريح في مشـروعية التوسّل بأولياء الله تعالى رضي الله تعالى عنهم: بطلب الحاجة منهم، وسؤال الله تعالى بهم، وسؤالهم التوجه إلى الله تعالى بالحاجة، مع: الإتيان بفعل كسبي والإقرار بالتأثير لله تعـالى.
فيُخرج مما تقدم جميعا في هذه الفائدة: بجواز ( التوسل ) وهو: الاستشفاع بوجيـه عند الله تعـالى إليه: بسؤالِ الله تعـالى بجـاهه، أو بسـؤالِه التوجهَ إلى الله تعالى بحاجة المتوسِّل، أو سـؤالِه قضاء حاجةٍ للمتوسِّـل، مع اعتقاد: أن تأثيـرهم بذواتهم لا لها، وأن ذلك إنما سَـنَّه الله تعالى سبباً للإجـابة، وإظهاراً لشـرف وفضل أوليـائه رضي الله تعـالى عنهم.
فليس لغير الله تعالى ـ من الحبيب سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فما دونه ـ تأثير في شيء من العالم إلا بإذن الله تعالى. وذلك مراد الشارع بقوله: { إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله }، أي: عند سؤالك بوجهاء الله تعالى أو استعانتك بهم: كن سائلاً مستعيناً الله تعالى؛ لأنه القاضي لحاجتك على التحقيق.
ولا يُقال: فنترك هذه الوسائل إذاً، ونطلب من الله تعالى مباشرة!! لأنه جهل مركَّب من وجوه:
 أن طالب الوسـيلة إلى الله تعالى ليس طالباً لغيره حتى يتركها.
 أن تركها إهمال لما حثّ الشارع عليه وندب إليه، وذلك إن كان على وجه التحريم فكفر، أو على وجه الكراهية ففِسق، وإلا فإنه عُنْجُهِيّة.
 أن تركها ليس أولى من غيرها من الوسائل: كالأكل والشرب والتداوي وكسب الرزق والاستعانة بالعباد لقضاء حوائج العمارة وغيرها .. الخ؛ فإن ذلك جميعاً وسائل لا تأثير لِذَواتهـا مثلها.
ويتفرّع على هذا: بيان جهل هؤلاء المبتدعة بمشروعيّة العبادة غير المباشرة!!
وبيان براءة المسلمين من عقائد وأفعال المشركين، وفرط جهل هؤلاء المبتدعين: باعتبارهم التوسلَ عبادةً للصالحين، وشِركاً كفّر المؤمنين!!
وما يحطّ هذا الجهل إلى العنجهيّة المُفْرِطة، أو يُبيّن أنه اتّباعُ هوى: إثباتُ هؤلاء المبتدعة العبادةَ غير المباشرة في غير مواضع معيّنةٍ ينفونها فيها!!
والأصل الرابع: أن ( الشِّـرك ) شرعاً: عدم توحيد الله تعالى. وهو قِسمان:
أحدهما: ( شـرك في الألوهية )، بأن يُدّعى إله مع أو من دون الله تعالى.
وهذا مُخْرِج لمُعْتَقِده وقائِلِه ومُقِرِّه من مِلّة الإسلام، موجب استحقاقَ العـذابِ الدائم لمن أصرّ عليه بعد تبلغه الحَقّ من الرّسـل عليهم السلام.
ثانيهما: ( شـرك في العبادة )، بأن يُعْبَـدَ الله تعالى رياءً؛ لأن ( الحِكمةَ من العبادة ): التألّه، أي: التَّعلّق بمن اعْتُقِد ألوهيّته. والمُرائي لم يقصد هذا المَطلب، بل طلب بعبادة الله تعـالى وحده ما عند الخلق، فأشـبه بعدم توحيده الله تعالى في الطلب المشركَ الذي يعبد غير الله تعـالى، فسُمّي فِعله شركاً لأجل ذلك.
وهذا مُفْسِـد للعبادة، موجب اسـتحقاق العذاب المنقطع ما لم يُضَف إليه ( اعتقـاد ألوهية المُراءى له )، وإلا عاد للقِسـم الأول.
ويُسـتفاد من هذا الأصل:
1. ( الفرق بين المعبود والمطلوب بالعبادة )، فالأول يُعتقد فيه الألوهية، خلافاً للثاني: فيجوز أن لا يكون إلهاً.
ويتفرّع على هذا: ( كفر ) معتقد الأول في غير الله تعالى، و( فسق ) فاعل الثاني لغير الله تعـالى ما لم يعتقد ألوهيته وإلا لحق بالأول.
وبيان جهل هؤلاء المبتدعة بتكفيرهم الطالب من غير الله تعالى بما هو لله سبحانه، والذي قد نص الشـارع على عدم كفره بنحو قوله: { مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله دَخَلَ الْجَنّـةَ }، { أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ. لاَ يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ، غَيْرَ شَاكٍ فيهِمَا، إِلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ } .. الخ
وهو ظاهر أيضاً في عدّ سـيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم له من جملة ( أركان الإسـلام ) التي لا يكفر إلا جاحدهـا فقـال: { الإِسْـلاَمُ أَنْ تَعْبُـدَ الله لاَ تُشْـرِكَ بِهِ شَـيْئاً }، أي: أن تخلص في عبادتك لله تعـالى فلا ترائي فيها أحـداً.
وأما قول الله تعـالى: { إن الله لا يغفر أن يُشـرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }، فيحتمل أن يكون معنى: ( لا يغفر ): لا يُدخل فاعله الجنة، أو يُدخله بعد الاقتصاص منه:
فإن كان الأول: فالمُراد بـ( الشِّرك ): الشّرك الحقيقي، وهو: رؤية حق غير الله تعالى بمعان الألوهيّة.
وإن كان الثاني: فالمُـراد بـ( الشِّـرك ): الرّيـاء؛ لأنه من الكبـائر التي ينجو مرتكبها من النار بعد الاقتصاص منـه.
يهديك لذلك: الجمعُ بين الأدلة، وقولُ الإمام النووي رضي الله تعالى عنه في شرح مسلم:" مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف: أن من مات موحِّداً دخل الجنة قطعاً على كل حال، .. فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحـد مـات على الكفر ولو عمل من أعمال البـر ما عمل .. وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسـنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي.
فإذا تقررت هذه القاعدة، حمل عليها جميع ما ورد ..، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشـرع .."اهـ
2. ( الفرق بين الشّرك والوسيلة )، فالأول عدم توحيد الله تعالى في الألوهيّة والطّلب، خلافاً للثاني.
ويتفرّع على هذا: بيان جهل هؤلاء المبتدعة بحدّي الشرك والوسـيلة، ما أدى إلى الخلط بينهما، فتكفيرهم العباد بغير حـق!!
 وأما ( السَّـمع )، فقد دلت مُحْكماتُه: أن شـرك المشـركين كان في الألوهيّة، أي: فيما أسماه هؤلاء المبتدعةُ: ( توحيد ربوبية ) و( توحيد ألوهية ) جميعاً. فوجب تأويـل النصوص المُوهمة خلاف ذلك به؛ عملاً بقول الله تعالى: { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب }، ودفعاً لضرب خِطَاب الشّـارع بعضه ببعض.
فأما ( النصوص المُحْكَمَة ):
فمنها: النصوص المصرِّحة بـأن المشـركين اتخـذوا أصنامهم ( آلهة )، وقد علمت أن الإله هو: المؤثّر في العالم إيجـاداً وإعدامـاً، المستحقّ للعبـادة. وقد اكتفى الشارع بـ( الإله ) في كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله )، ما يدلّ على كون تصور غير المعنى الذي ذكرنا فيه عنجهيةٌ مركّبة.
وقد قال الله تعـالى: { اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }[الأعراف: 59]، { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ }[المؤمنون: 23] مطالباً المشركين بعبادة الله تعالى؛ لأنه الإله الحق الذي لا إله سواه، مبيناً اعتقادهم الألوهيّة فيما كانوا يعبدون مِن الأنداد.
ومن هذا أيضاً: قول الله تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِـدُونَ }[الأنبياء: 98 – 99]، فلو لم يكن تأليههم إياها بمعنى اعتقاد التأثير فيها لكان هذا الخطاب لغواً والعياذ بالله تعالى.
ولا يتعارض هذا مع إقرار بعض المشركين بألوهيّة الله تعالى كما ستعلم؛ لما جاز عندهم من تعدد الآلهة.
ونحو قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }[ البقرة: 21– 22 ]، فإنه خطاب بما بالألوهيّة، بل بما أسماه هؤلاء المبتدعة ( توحيد ربوبية ) خاصّة؛ لأن مداره عل إثبات الصانع وأحديّته المثبتة استحقاق العبادة، فلو كان ذلك عند المشركين كما يزعم هؤلاء المبتدعة، لكانت الدعوة إليه لغواً والعياذ بالله تعالى.
ونحو قول الله تعالى: { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْاْ إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً }[الإسراء: 42 – 43]، { لَوْ كَـانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَـدَتَا فَسُبحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنبياء: 22 ]، { وَاتَّخَـذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهـةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ * لا يَسْـتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُـمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ }[ يس: 74 ـ 75 ] .. الخ
فإنه صريح في: ( عـدم التفريق ) أي: أن الشَّارع لم يُفرِّق بين الإله والرَّب في خِطابه، بل أطلق كلاً منهما على مستحق العبادة لذاته. وفي كون شرك المشركين كان مبنياً على ما أسماه هؤلاء المبتدعة ( توحيد ربوبية )؛ لأن خلاف ذلك لا يلزم منه المنـازعة على العرش، ولا يترتب عليه الفسـاد الكونـي، ولا يُستنصر به لذاته.
وأما ( النصوص المتشابهة ): فعلى ضربين:
الضرب الأول: نصوص أوهمت أن المشركين كانوا يُقرّون بألوهيّة الله تعالى وحده، ويتوسلون إليه بعبادة أوثانهم!!
كقوله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لهُ الدِّينَ * أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ، وَالَّذِينَ اتَّخذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى، إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّـارٌ }[ الزمر: 2 – 3 ].
وتأويله: أن قولهم ( نعبدهم ) يحتمل ثلاثة معان:
المعنى الأول: ( الحقيقي )، فيكون المعني: ما اعتقدنا ألوهيتهم فتقرَّبْنا إليهم إلا توسلاً إلى الله تعالى!! ..
المعنى الثاني: ( المجازي )، فيكون المعنى: لسنا نتقرّب إليهـم إلا باعتبـارهم وسـائل مقرّبة إلى الله تعـالى، لا آلهـة!!
المعنى الثالث: الكذب، فيكون ادعاءهم التقرّب إلى الله تعـالى، الموهم إقرارهم بألوهيته كذب واحتيال!!
والحق: أنه الثالث؛ لأن الله تعـالى ردَّ المعنيين الأولين بما كشف به حقيقتهم في قرائن متّصلة ومنفصلة:
فالمتَّصـلة:
1. قول الله تعـالى: { وَالَّذِينَ اتَّخذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء }، أي: اعتقدوا النفع والضر في آلهتهم لذواتها؛ بقرينة ( من دونه ).
2. قول الله تعـالى: { إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَـا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }، أي: يقولونه على خلاف ما هم عليه.
3. قول الله تعـالى: { إِنَّ اللهَ لا يَهْـدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ }، مبيناً عدم اسـتحقاقهم الهداية لإضـافتهم الكذب إلى كفرهم، والذي يدل بدوره على الإصرار على الكفر.
علماً بأن قولهم ( نعبدهم ) يدل على اعتقادهم ألوهيتهم.
والمنفصلة:
ما تقدّم من إثبات اعتقادهم ألوهية أصنامهم.
وعليه: تكون الآية دليلاً على مشروعيّة التوسّل؛ لأنه لو كان محظوراً كما يزعم هؤلاء المبتدعة، لوجب إنكاره في هذا الموضع بالذات، ولكن الله تعالى لم يُنكره، بل أقرّه ببيان كذّب المشركين في ادعائه.
وهو ما يبيّن سبب دعوى المشركين ذلك، وهو: أنهم لما علموا صحة التوسل إلى الله تعالى بعبـادِه الصالحين، زعموا أن شِركهم من باب التوسـل؛ مكراً لسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم!! ففضحهم الله تعالى ورد مكرهم في نحورهم.
ويؤيد هذا: ما ينقله هؤلاء المبتدعة جاهلين سُطوعَ دلالته على مشروعية التوسل، وهو: قول سيدنا عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمَا:" صَارَتْ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ: أَمَّا ( وَدٌّ ) كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا ( سُوَاعٌ ) كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا ( يَغُوثُ ) فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَـبَإٍ، وَأَمَّا ( يَعُوقُ ) فَكَانَتْ لهَمْدَانَ، وَأَمَّا ( نَسْرٌ ) فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لآلِ ذِي الْكَلاعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَاباً وَسَمُّوهَا بِأَسْـمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ "اهـ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما فعله الأولون، ولَمَا قال سـيدنا ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمَا:" فلم تُعبد .. الخ ".
تنبيه: وأما قوله ( أَوْحَى الشَّيْطَانُ .. الخ )، إنما قاله لبيان ما كاد به الشيطانُ، لا أن المسألة جميعاً منه. فالمعنى: أن الشيطان لما عرف مشروعية التوسل ومكانتَه استَغلَ علمَ هؤلاء النفر به، فدفعهم لصنع التصاوير كيداً بمن بعدهم؛ لأنه عَلِم أنّ الذِّكرَ المُنزل عليهم غير محفوظ. خلافـاً لهذه الأمة؛ فإنه لما عرف حِفظ الذكر المُنزل عليها، كاد لهم بتلك الفِرقة لتلفتهم عن التوسل فيُحرمون من فضله الذي عرفه ونكّره لهم، فدعت إلى هذه البِدعة الشنيعة، فلا أدري هل يؤذن لهم بالاستغاثة بسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، أم يُحرمون من ذلك جزاءً وفاقا!!
ولله در القائل:
يا صاحب الجـاه عند الله خالقه ** مـا رَدَّ جاهـك إلا كلُّ أفّـاك
أنت الوجيه على رغم العِدا أبداً ** أنت الشّـفيع لفتـاك ونسّـاك
يا فرقة الزّيـغ لا لقيت صالحةً ** ولا شفى اللهُ يوماً قلب مرضاك
ولا حظيت بجاه المصطفى أبدا ** ومَن أعانك في الدّنيـا ووالاك
كما أن الأثر يبيّن أن الشرك صار باعتقاد التأثير في المُتَوسّل بهم، ما يؤكّد ما تقدّم بيانه من التلازم.
ويُؤيّد هذا التأويل: أن الشّـارع أجاز التوسل من جهة النّدب مطلقاً: فقال الله تعـالى: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله } يعني: في حضرتك، فهو دليل على بركة المقامات وجواز قصدها لدعاء الله تعـالى فيها كسبب للإجابة. { واستغفر لهم الرّسول } يعني: بعد إخبارهم له بظلمهم على وجه الندم وسؤال الشفاعة في المغفرة، { لوجدوا الله تواباً رحيماً }؛ لكونهم حققوا شروط التوبة، وضمّوا إليها اعترافهم بحيائهم الداعي للتوسل بالأولياء المحبوبين، فضلاً عما في ذلك من عبادة الله تعالى بتعظيم شـعائره والاعتراف بكونه يعز من يشاء ويذل من يشـاء، ويهب الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، لا يُسـأل عما يفعل؛ لا إله إلا هو الحمِيد المجِيـد.
وقد تقدّم حديثُ الأعمى، وثبت عن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسـلم غير حديث في فعـل التوسل والنَّدب إليـه، وفعلته الأمة من بعده كما بيّنا في كتابنا ( إجابة السـائلين )، وكذا في ( كشف الأحزان ) وغير موضع دعا لذكر المسألة.
وعليه: فهذه الآية فضلاً عن كونها ليست دليلاً على وهم هؤلاء المبتدعة المزعوم، فإنها حجة لنا على جواز التوسل.
الضرب الثاني: نصوص أوهمت أن المشركين كانوا يُقرّون بألوهيّة الله تعالى وحده، ويعبدون أوثانهم!!
كقول الله تعالى: { وَلَئِن سَـأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّـمَاوَاتِ وَالأرْضَ؟ لَيَقُولُنَّ: اللهُ. قُلْ: أَفَرَأَيْتُم مَـا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُـرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِـفَاتُ ضُرِّهِ؟ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِـكَاتُ رَحْمَتِهِ؟ قُلْ: حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }[ الزمر: 38 ].‏
وتأويله: ولئن ناظرتهم فيمن خلق السماوات والأرض، فسوف يُقرّون بأنـه الله تعالى؛ لكونهم سـيقرّون بوجوب خالق أحد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وذلك هو الله جل جلاله.
يهديك لذلك:
1. الأصل المُحكم الذي بيناه لك ابتداءً، وهو كاف.
2. قول الله تعالى فيما تقدم هذه الآية: { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }[ الزمر: 36 ]، مبيناً أن هؤلاء المشركين اعتقدوا ألوهيّة أصنامهم ( فيما أسماه هؤلاء المبتدعة: توحيد ربوبية، وتوحيد ألوهية )، ما يوجب مناظرتهم في ذلك؛ لإثبات عدم ألوهيتهم بإظهار حِدثانهم وعجزهم.
3. قوله في موضع آخر ذكر فيه نحو هذه المناظرة، عن المشركين: { ‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ }[ العنكبوت: 53 ]، مبيناً عدم إقرارهم بألوهية الله تعالى فضلا عن اعتقادها؛ لعدم تصور ذلك فيمن لا يخاف الله تعالى، ولا يُصدق أنه قادر على تعذيبه.
يهديك لذلك أيضاً: قول الله تعالى حكاية: { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَـةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَـفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ }[ يس: 23 ـ 25 ]؛ فإنه صريح في عدم تصديق المشركين بألوهيَّة الله تعالى.
وقد ثبت عن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قوله في جوامع كلِمه: { ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع }، وفي رواية: { كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت } فأثبت جهل هؤلاء المبتدعة، وقطع شـبهتهم؛ لأنه من المحال أن يكون عندهم نحو ما أسموه ( توحيد ربوبية )، ثم يقول سـيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسـلم أنه تحت قدمـه موضوع، سيما أنه لم يستثن إلا السـقاية والسـدانة. فتأمل
 فـ( خلاصة هذه المسألة ):
أن ( التأليه ) لا ينقسم، فلا يُعبد إلا من اعتُقد استحقاقه للعبادة لتأثيره في العالَم.
أن ( التوحيد ) مبني على تأليه الله تعالى وحده.
أن ( الشـرك ) الناقض للتوحيد، المُخرج من المِلّة: هو الدائر على الكفر بالله تعالى.
أن ( المشركين ) ليسوا موحّدين، بل ابتنت عقائدهم على تأليه الخلق مع أو من دون الله تعالى.
أن جهل هؤلاء المبتدعة مُرَكّب بـ( الإله، التوحيد، والعبادة، والفعل، والوسيلة، والشّرك، وعقائد المشركين ).
أن المتوسلين مشهود لهم في خطاب الشارع بالإيمان، والإجابة.
هذا، ولو أراد عنجهي من هؤلاء المبتدعة الإصرار على خلاف ما بيناه لك من عقيدة المشركين، فليس له التمسك بكونه دليلاً على تحريم التوسّل؛ لما بيناه لك فيما تقدم.

خادم الحق
طارق بن محمد السعدي ))
(###)
لاستفتائه ومراجعته: talsaadi@hotmail.com


  #2  
قديم 10-03-2001, 04:00 AM
المحايد ـ100%ـ المحايد ـ100%ـ غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2001
المشاركات: 23
Post

للرفع
أين أنت يا أخ ناصح؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
  #3  
قديم 14-03-2001, 04:07 AM
المحايد ـ100%ـ المحايد ـ100%ـ غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2001
المشاركات: 23
Post

للرفع
ومرة أخرى: أين أنت يا ناصح؟؟؟؟؟؟؟
  #4  
قديم 14-03-2001, 11:06 AM
التميري التميري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 124
Post

عذرا
للاستفادة
الكلام السابق انشائي ،لم ار كلام الصحابة وتفسير العلماء
وخاصة في الكلام على توحيد الربوبية والالوهية،واعرف ان كلام الله يفسر بالكتاب والسنة وتفسير الصحابة ....
  #5  
قديم 19-03-2001, 01:08 AM
قلم التوحيد قلم التوحيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2001
المشاركات: 32
Post

للرفع والفائدة
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م