مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 26-11-2003, 08:20 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي التشابه بين اليوم والامس

قالت جريدة القدس العربي

جريدة القدس العربي

حادث تفجير الرياض وظاهرة بن لادن في الذاكرة التاريخية السعودية ( ( د. مداوي الرشيد ) )

لا يملك المرء إثر انفجار الرياض، وإزاء الانسياب المستمر لصور بن لادن عبر غرف الحوار (التشات) علي الأنترنيت إلا أن يستحضر في ذاكرته قصص شخصيات سبقت يعرفها جيداً أولئك الذين جعلوا من تاريخ المملكة العربية السعودية مهنة يحترفونها. ومن أهم تلك الشخصيات التي تخطر بالبال سريعاً شخصية فيصل الدويش وشخصية جهيمان العتيبي، واللذين يجد المرء في قصصهما تشابهاً مذهلاً مع قصة أسامة بن لادن، رغم البون الشاسع بين هاتين الشخصيتين المبكرتين من جهة وشخصية معاصرنا اسامة بن لادن من جهة أخري. ومع أن ظاهرة بن لادن فريدة من حيث أثرها وحجمها، إلا أنها ـ وكما هو حال الأحداث السابقة في التاريخ السعودي ـ تشير بوضوح إلي وجود ارتباط معين ما بين السياسات السعودية الداخلية وعلاقات البلد بالقوي الخارجية.
كان فيصل الدويش، المنحدر من قبيلة مطير، هو الثائر الذي تحدي السلطة السعودية عام 1927 عبر تجييش الإخوان، إحدي القوي القبلية التي أوجدها ابن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية. كان هؤلاء الإخوان قد نشأوا وتربوا علي مناهج وأفكار الحركة الوهابية، تلك الحركة الإصلاحية التي تعود جذورها إلي القرن الثامن عشر الميلادي. وكان ابن سعود هو الذي تبني جهود هذه الحركة في إرسال المعلمين، المطاوعة، الذين كانت مهمتهم هي تعليم القبائل مبادئ الإسلام وتعضيد ولائهم لسلطان آل سعود ومن ثم الالتزام بنشر نفوذهم وتعميم هيمنتهم. وفوق ذلك كله، كانت مهمتهم تتضمن تشجيع القبائل علي المشاركة في الجهاد، أي شن الحرب المقدسة ضد أولئك الذين كانوا يعتبرونهم ضالين ومنحرفين عن جادة الصواب وعن صراط الإسلام المستقيم. ولقد أثبت الإخوان ومعلموهم من المطاوعة فعلاً أنهم كانوا قوة لا يستهان بها في تعزيز صرح الدولة السعودية في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين. وكان نهجهم في ذلك هو اللجوء إلي وسائل من الإرهاب لم يكن من السهولة بمكان تفاديها ظالما تمتعوا بدعم ابن سعود لهم.
وكزعيم قبلي جمع الدويش ما بين موقعه القيادي كشيخ لقبيلته والحماس الديني المتقد ليبسط الهيمنة السعودية ويفرضها علي القبائل والجماعات الأخري عبر البلاد. خضع الدويش وأتباعه القبليين إلي برنامج صارم من الطاعة والمحاسبة بإدارة وإشراف المطاوعة، الأمر الذي بدل شخصيته وحوله من كائن همجي متعجرف ومن بدوي داهية إلي متدين متقد الحماس.
ولكن ما لبث المشروع أن دهمه أمر جلل. ففي الوقت الذي كان حماس الدويش وطموحه في أسلمة سكان الجزيرة العربية بلا حدود، طرأ تحول كبير بنهاية العشرينيات من القرن العشرين علي السياق الموضوعي الذي كان يسعي لإنجاز مهمته من خلال، وذلك بسبب تعزز الوجود البريطاني في كل من الكويت وشرقي الأردن والعراق. وكانت بريطانيا في ذلك الوقت منهمكة في ترسيم الحدود وتحصين الجبهات في منطقة لم يعهد سكانها مثل هذه الأمور ولم يجربوها من قبل. أراد الدويش أن يتوسع حيث لا يروق ذلك للبريطانيين، فكان لا مفر من أن يصطدم طموحه لنشر مفهومه هو للإسلام بفهموم بريطانيا لحدود الدولة الحديثة وبمصالحها هي في المنطقة. فما كان من الدويش إلا أن قدم عريضة بمطالبه لابن سعود مندداً بالكفار البريطانيين لإعاقتهم التحركات القبلية عبر الحدود التي وقع ترسيمها مؤخراً، ولم يفت الدويش أن يعظ ابن سعود نفسه موبخاً إياه لخضوعه لضغوط ضباط بريطانيا ووكلائها السياسيين الموفدين إلي المنطقة.
ذهب الدويش إلي أبعد من ذلك حين أعلن ومن معه من المتمردين بأن ابن سعود لم يعد صالحاً لحكم الجماعة المسلمة بعد أن فقد استقلالية قراره وقدرته وعلي الفعل لصالح بريطانيا. كما تضمن انتقاد الدويش للقيادة السعودية تسليط الضوء علي ما اعتبره سلوكاً شخصياً منحرفاً لآل سعود وخارجاً عن الإسلام الذي نشأ الدويش وأتباعه عليه. وتعرض ابن سعود نفسه للتوبيخ والتنديد بسبب سلوكه الشخصي وزواجاته العديدة. أما ابن سعود فما لبث أن أدرك بأن عليه أن يضبط تبيعه وضمينه الدويش إذا ما رغب في الاحتفاظ بعلاقات ودية مع بريطانيا، القوة الإقليمية الأعظم في ذلك الوقت. وفعلاً، شكل ابن سعود قوة مقاتلة تتكون بشكل أساسي من رجال ينحدرون من الواحات النجدية لوضع حد للدويش وإنهاء تمرده. اندلعت الحرب بين الطرفين، وكانت أولي معاركها سبيلا ، والتي تلتها سلسلة هجمات عسكرية علي معسكرات الإخوان. وفي نهاية المطاف قبل ابن سعود بالعروض البريطانية بإرسال طائرات سلاح الجو الملكي المتخذة من الكويت والعراق مقرات لها لمطاردة الدويش ومواليه في الصحاري والقفار الممتدة والتي كانت تفصل ما بين مملكة ابن سعود والمناطق الخاضعة للحماية البريطانية. لجأ عدد من أعضاء الإخوان إلي الكويت حيث كانت التقارير تشير إلي أن أعداداً غفيرة من الناس التي تملكها الهلع كانت تلوذ فراراً من سلاح الجو الملكي البريطاني ومن ابن سعود في نفس الوقت. وأخشي ما كان يخشاه البريطانيون هو أن يلجأ الإخوان إلي جوار القبائل الكويتية وينتهي بهم الأمر إلي الاندماج والذوبان فيها.5 بعد عدة غارات جوية علي قواته عام 1930 تمكنت القوات البريطانية من أسر الدويش، ولعلهم في البداية ترددوا في تسليمه لابن سعود دونما شروط خشية إما أن يتعرض لمحاكمة سريعة تنتهي بإعدامه وعدد كبير من أتباعه بما في ذلك النساء والأطفال أو أن يصدر عفو عام عنهم جميعاً يستعيدون بعده حريتهم مما يمكنهم من العودة إلي التمرد والغزو من جديد. ولكن ما لبثت بريطانيا أن سلمت ابن سعود الدويش ومن أسرتهم معه من الثوار، فما كان من ابن سعود إلا أن سجن الدويش الذي ما لبث أن فارق الحياة وهو رهن الاعتقال بعد شهور معدودة من وقوعه في الأسر. وما من شك في أن هزيمة الإخوان أسدلت الستار علي حقبة مضطربة في التاريخ السعودي، أثبت الإخوان خلالها، وعن جدارة، بأنهم كانوا قوة مقاتلة فعالة في مشروع ابن سعود التوسعي رغم أنهم تحولوا فيما بعد إلي مصدر إزعاج له حينما شرع بتعزيز دعائم سلطانه. وما أن تم له القضاء علي تمرد الإخوان بادر ابن سعود بإعلان تأسيس المملكة العربية السعودية علي كامل الأراضي الخاضعة لنفوذه وذلك في العام 1932.

يتبع ...
  #2  
قديم 26-11-2003, 08:21 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي

جزء 2 قال

أما الشخصية الثانية فهي أقرب إلي زماننا، وتعود تحديداً إلي العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 حينما فاجأ جهيمان العتيبي ومجموعة من أنصاره الحكومة السعودية والعالم الإسلامي باقتحام الحرم المكي واحتجاز من كان فيه من المصلين والحجيج في موسم حج ذلك العام. كان جهيمان واعظاً نشطاً يركز جل اهتمامه علي قضايا ذات صلة بمواصفات الحاكم المسلم العادل، وبالعلاقات مع الكفار ، وبفساد وانحراف حكام آل سعود وانغماسهم في متع الحياة الدنيا. وكان يوجه نقده بشكل خاص إلي الحكومة السعودية التي كانت من وجهة نظره تتبني قضايا غير المسلمين بسبب تحالفها الوثيق مع القوي الأجنبية، وبالذات في ذلك الوقت مع الولايات المتحدة الأمريكية. أما أتباعه، الذين تراوح عددهم ما بين 200 و400 شاب، فكان معظمهم طلاباً في كليات الدراسات الشرعية بجامعات المملكة العربية السعودية، وكان بعضهم سعودي الجنسية وكان البعض الآخر من دول إسلامية أخري وخاصة من الكويت واليمن ومصر. يري معظم المراقبين للشأن السعودي بأن جهيمان وأتباعه كانوا يمثلون انتفاضة إسلامية هدفها الاحتجاج علي ما اعتبروه تفريطاً دينياً وتسيباً بل وانحلالاً أخلاقياً في مسالك الحكام السعوديين. وعلي منهج الدويش من قبله فقد هاجم جهيمان العائلة الملكية الحاكمة في السعودية مندداً بها بسبب المسالك غير اللائقة لأفرادها وبسبب فسادهم واعتمادهم علي الكفار لضمان أمنهم. إلا أن الفرق بين جهيمان وسلفه أنه انتفع من التعليم الديني الرسمي الذي كانت الدولة السعودية قد أنشاته وأخذت علي عاتقها تبنيه ودعمه، وذلك أنها كانت تحرص علي إبراز هويتها الإسلامية وطبيعتها الدينية لترسيخ شرعيتها ليس فقط داخل المملكة وإنما في الخارج أيضا.
لقد كان تمرد جهيمان تعبيراً عن التوترات التي كانت تعصف بالمجتمع السعودي، ومن هذه التورات ثلاث يجدر التنويه بها: أما الأول فيتعلق بكيفية التوفيق ما بين الثراء الهائل والمفاجئ والتحديث الاقتصادي السريع من جهة والتمسك الصارم بتعاليم الدين الإسلامي من جهة أخري. وأما الثاني فهو الناجم عن عدم التوافق ما بين العقيدة الإسلامية من جهة والنظام السياسي الملكي من جهة أخري. وأما الثالث فذو علاقة بقابلية العائلة الحاكمة للتعرض لهجوم من قبل الإخوان الجدد سليلي أولئك الذين قادوا التمرد ضد ابن سعود في الفترة من 1927 إلي 1930. ولعل من المفيد الإشارة هنا إلي أن جهيمان نفسه كان قد ولد في مستوطنة ساجير الإخوانية في القصيم.
تمثل رد النظام في المملكة العربية السعودية في حشد العلماء السعوديين، حتي أن المرجع الديني الأعلي في المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز كان قد أصدر فتوي تؤيد الفئة الحاكمة وتجيز التدخل العسكري في الحرم المكي، ولعل هذا ما أضفي شرعية علي الاستعانة بالقوة العسكرية الفرنسية. وفي الثالث من كانون الأول (ديسمبر) 1979 تمكنت الحكومة السعودية من القضاء علي التمرد بفضل المساعدة العسكرية الأجنبية التي يسرت اقتحام الحرم في مكة المكرمة. وأسدل الستار علي العملية بخروج المتمردين من الحرم والقبض علي جهيمان الذي ما لبث أن أعدم قتلاً بالسيف بعد أن حصلت الحكومة علي فتوي بذلك من أبرز علمائها.
كان التمرد رد فعل علي تطور أفرز نتائج اجتماعية وتوترات لم تكن الحكومة التي تزعمت برنامج التحديث قد توقعتها رغم أن عملية التحديث التي مضت فيها كانت تستهدف بالدرجة الأولي إيجاد أرضية جديدة لشرعيتها. كان ذلك بمثابة صحوة سياسية استمدت زخمها من خطاب ديني عميق ومفصل يعود الفضل فيه إلي التبني الحكومي لمراكز التعليم والتوجيه والتثقيف الديني. ولا أدل علي ذلك من أن جهيمان تميز بتعليمه الديني وأبحاثه اللاهوتية التي نمت وتطورت عبر فترة زمنية طويلة من الدراسة في الجامعة الإسلامية التي أنشأتها الدولة السعودية.
إذا ما انتقلنا إلي التسعينيات من القرن العشرين فإننا نواجه هنا بأسامة بن لادن (من مواليد العام 1957). ونحن هنا بصدد ظاهرة تتجاوز الحدود القطرية والقومية لشخص ولد وترعرع في المملكة العربية السعودية. ليس لابن لادن أي جذور قبلية في هذا البلد، فوالده جاء إلي المملكة العربية السعودية من حضرموت في الثلاثينيات من القرن العشرين. ورغم أنه يستهدف الولايات المتحدة بالدرجة الأولي إلا أنه يزعم بأنه يمثل أكثر من ذلك. يستدل من ثراءه ومصالحه التجارية علي أنه كان شخصاً مندمجاً اجتماعياً، بل إن الحكومة السعودية كانت تعتبره حتي العام 1994 مواطناً صالحاً. ورغم أن المملكة العربية السعودية حاولت جاهدة منذ منتصف التسعينيات النأي بنفسها عن ابن لادن إلا أنه كان ذا شخصية راسخة الاندماج وعلي صلات وطيدة بأرفع مستويات السلطة في النظام، ولعل ثقة النظام فيه كانت تنبع من كونه بلا جذور قبلية داخل المملكة العربية السعودية، ولربما كان هذا العامل، بالإضافة إلي شبكة العلاقات الهامة التي ربطته بالأمراء المهمين، هو ما ساعده علي تكوين ثروة طائلة. وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت عليه الحكومة السعودية لوضع خطتهم لتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي عام 1979 موضع التنفيذ. إذا كان هو قد تبرع بتقديم الخدمات والقيام بعمليات نقل المجاهدين الذين هبوا لتلبية نداء الجهاد لتحرير أفغانستان وتزويدهم باحتياجاتهم من السكن والتدريب. استهل نشاطاته في البداية في بيشاور داخل باكستان وانتقل من بعد إلي أفغانستان، وأثبت جدارة فائقة وأصبح مصدر إلهام للجيل الناشئ من الشباب السعودي ولعامة شباب المسلمين محفزاً لهم علي القتال في سبيل القضية الأفغانية. وعلي شاكلة الدويش وجهيمان، ما أن أنهي بنجاح مهمته في أفغانستان حتي بدأ يعير اهتمامه لكفلائه في النظام السعودي. ولكن لم يلبث طويلاً حتي اصطدمت طموحاته في تكوين أمة إسلامية عالمية قوية ومستقلة بالاهتمامات السياسية للسعوديين. إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في استدعاء الحكومة السعودية عام 1990 الأمريكيين للدفاع عن أرض الإسلام ضد الغزو المحتم الذي كانت توشك أن تتعرض له من قبل قوات صدام حسين. كانت المملكة العربية السعودية قد سخرت كميات هائلة من ثروتها لبناء تجهيزات عسكرية زودت بالسلاح المقتني بالدرجة الأولي من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي عزز من اعتراضات أسامة بن لادن، والذي ندد بدوره بالحكومة السعودية للجوءها إلي دعوة القوات الأمريكية للدفاع عن المملكة. كما اعترض أيضاً علي تحالف المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب دعم هذه الأخيرة الدائم لإسرائيل. فأخذ ينادي بإسقاط الزعماء المسلمين، بما في ذلك الحكام السعوديين، بسبب علاقاتهم الحميمة بالغرب. وفي عام 1994 سحبت المملكة العربية السعودية جنسية أسامة بن لادن واعتبرت جماعته، التي كانت تعرف بلجنة النصيحة والإصلاح، جماعة غير مشروعة. وفي أفغانستان اكتسبت معسكرات التدريب التابعة لأسامة بن لادن صفة أسطورية بما كان يتردد عن شبكة القاعدة وإمكانياتها العسكرية والتقنية العالية سواء في مجال الاتصالات أو المختبرات العلمية، بل وما كان يدعي من إعداد للأسلحة البيولوجية والكيماوية في أجواء أقرب ما تكون إلي القرون الوسطي من بيوت طينية بدائية وكهوف جبلية عصية.


يقدر عدد السعوديين الذين استجابوا لندائه بالقتال في أفغانستان بأكثر من خمسة وعشرين ألف شخص. إلا أن هذا الرقم يظل محل نزاع في غياب دليل قطعي وطالما التزمت الحكومة السعودية الصمت إزاء عدد المواطنين السعوديين الذين توجهوا إلي أفغانستان في الثمانينيات للانضمام إلي صفوف المقاومة، وقد لا يتسني إطلاقاً معرفة الرقم الحقيقي.
جل المتعاطفين مع أسامة بن لادن لا يشكلون جزءاً من التنظيم السري للقاعدة وإنما هم مجرد متعاطفين يرون في شخص إسامة بن لادن الأب الروحي (أو العراب) الذي تجد رسائله صدي لديهم وتبدو منسجمة مع تطلعاتهم. إن من الصعوبة بمكان تقدير حجم منظمة كتلك التي يقودها أسامة بن لادن، ولكن ما من شك في أن قطاعات كبيرة من الشارع السعودي ترحب بنقده للحكومة السعودية وتحديه للولايات المتحدة الأمريكية. ولعل حقيقة أن خمسة عشر من التسعة عشر الذين خطفوا الطائرات الثلاث وفجروها في مركز التجارة العالمي بنيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 كانوا سعوديين تثبت بأن السعوديين تجاوبوا فعلاً مع نداءات ابن لادن لهم. ويؤكد ذلك استطلاع للرأي أجري مؤخراً بعد الهجوم، حيث تبينأن أكثر من 90 بالمائة من الشباب السعوديين يتعاطفون مع رسالة أسامة بن لادن. ومع ذلك لابد من التفريق بين هذا التعاطف من ناحية والموافقة علي أساليبه العسكرية وتلقي أوامر مباشرة من منظمته من الناحية الأخري، فهذا أمر مختلف تماماً.
ما من شك في أن أوجه التشابه ما بين الشخصيات التاريخية الثلاث المذكورة آنفاً تشابه مذهل، فثلاثتهم زهدوا في الحياة الرغيدة المريحة في القصور الملكية مؤثرين عليها حياة الزهاد والمتصوفة والمطاريد. كما أن الثلاثة هم إفراز مشاريع تبناها وتكفل برعايتها أفراد العائلة الملكية الحاكمة في السعودية، وثلاثتهم قاوموا إغراء الثراء والجاه، وثلاثتهم لا يعرفون الرحمة في التعامل مع خصومهم، وثلاثتهم لم يتسن تدميره والقضاء عليه إلا بمساعدة قوي أجنبية (تجري حالياً عملية تصفية أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة التابع له علي أيدي الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأخري المتحالفة معها في حربها ضد الإرهاب). والثلاثة هم إفراز مجتمع تجري له عملية تغيير سريعة.
إنها رسالة واحدة صادرة عن ثلاث شخصيات تاريخية فصل بينها الزمن ووحدتها الجغرافيا. ولو تأمل المرء في البيئة الصحراوية الجافة والقاسية التي دارت فيها رحي ثورة الدويش والتي شكلت أفكاره ومنهج حياته النازع نحو الطهورية والنقاء وعبر عنها مظهره الباعث علي البؤس والرثاء (كما وصفه الضباط البريطانيون في الكويت أثناء وجوده في الأسر)، وهي نفس البيئة التي شهدت ترعرع جهيمان، لوجدها تختلف النذر اليسير عن البيئة التي لجأ إليها أسامة بن لادن في أفغانستان الحاضر. إلا أن ابن لادن، ولعل هنا مكمن البون الشاسع، ينشط في عالم تغير بشكل كبير بفضل التحولات الهائلة التي شهدتها الساحات المحلية والعالمية، سواء في المملكة العربية السعودية أو في الخارج. ففي المملكة العربية السعودية نجد اليوم شعباً متعلماً أكثر قابلية من أي وقت مضي لاستيعاب أحداث الساعة وأكثر وعياً بالمتغيرات السياسية التي عصفت بالبلاد علي مدي الخمسين عاماً الماضية. هذا بالإضافة إلي أن حرب الخليج عام 1990 ساهمت بدورها في خلق وعي سياسي غير مسبوق في البلاد.
  #3  
قديم 26-11-2003, 08:21 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي

جزء 2 قال

أما الشخصية الثانية فهي أقرب إلي زماننا، وتعود تحديداً إلي العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 حينما فاجأ جهيمان العتيبي ومجموعة من أنصاره الحكومة السعودية والعالم الإسلامي باقتحام الحرم المكي واحتجاز من كان فيه من المصلين والحجيج في موسم حج ذلك العام. كان جهيمان واعظاً نشطاً يركز جل اهتمامه علي قضايا ذات صلة بمواصفات الحاكم المسلم العادل، وبالعلاقات مع الكفار ، وبفساد وانحراف حكام آل سعود وانغماسهم في متع الحياة الدنيا. وكان يوجه نقده بشكل خاص إلي الحكومة السعودية التي كانت من وجهة نظره تتبني قضايا غير المسلمين بسبب تحالفها الوثيق مع القوي الأجنبية، وبالذات في ذلك الوقت مع الولايات المتحدة الأمريكية. أما أتباعه، الذين تراوح عددهم ما بين 200 و400 شاب، فكان معظمهم طلاباً في كليات الدراسات الشرعية بجامعات المملكة العربية السعودية، وكان بعضهم سعودي الجنسية وكان البعض الآخر من دول إسلامية أخري وخاصة من الكويت واليمن ومصر. يري معظم المراقبين للشأن السعودي بأن جهيمان وأتباعه كانوا يمثلون انتفاضة إسلامية هدفها الاحتجاج علي ما اعتبروه تفريطاً دينياً وتسيباً بل وانحلالاً أخلاقياً في مسالك الحكام السعوديين. وعلي منهج الدويش من قبله فقد هاجم جهيمان العائلة الملكية الحاكمة في السعودية مندداً بها بسبب المسالك غير اللائقة لأفرادها وبسبب فسادهم واعتمادهم علي الكفار لضمان أمنهم. إلا أن الفرق بين جهيمان وسلفه أنه انتفع من التعليم الديني الرسمي الذي كانت الدولة السعودية قد أنشاته وأخذت علي عاتقها تبنيه ودعمه، وذلك أنها كانت تحرص علي إبراز هويتها الإسلامية وطبيعتها الدينية لترسيخ شرعيتها ليس فقط داخل المملكة وإنما في الخارج أيضا.
لقد كان تمرد جهيمان تعبيراً عن التوترات التي كانت تعصف بالمجتمع السعودي، ومن هذه التورات ثلاث يجدر التنويه بها: أما الأول فيتعلق بكيفية التوفيق ما بين الثراء الهائل والمفاجئ والتحديث الاقتصادي السريع من جهة والتمسك الصارم بتعاليم الدين الإسلامي من جهة أخري. وأما الثاني فهو الناجم عن عدم التوافق ما بين العقيدة الإسلامية من جهة والنظام السياسي الملكي من جهة أخري. وأما الثالث فذو علاقة بقابلية العائلة الحاكمة للتعرض لهجوم من قبل الإخوان الجدد سليلي أولئك الذين قادوا التمرد ضد ابن سعود في الفترة من 1927 إلي 1930. ولعل من المفيد الإشارة هنا إلي أن جهيمان نفسه كان قد ولد في مستوطنة ساجير الإخوانية في القصيم.
تمثل رد النظام في المملكة العربية السعودية في حشد العلماء السعوديين، حتي أن المرجع الديني الأعلي في المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز كان قد أصدر فتوي تؤيد الفئة الحاكمة وتجيز التدخل العسكري في الحرم المكي، ولعل هذا ما أضفي شرعية علي الاستعانة بالقوة العسكرية الفرنسية. وفي الثالث من كانون الأول (ديسمبر) 1979 تمكنت الحكومة السعودية من القضاء علي التمرد بفضل المساعدة العسكرية الأجنبية التي يسرت اقتحام الحرم في مكة المكرمة. وأسدل الستار علي العملية بخروج المتمردين من الحرم والقبض علي جهيمان الذي ما لبث أن أعدم قتلاً بالسيف بعد أن حصلت الحكومة علي فتوي بذلك من أبرز علمائها.
كان التمرد رد فعل علي تطور أفرز نتائج اجتماعية وتوترات لم تكن الحكومة التي تزعمت برنامج التحديث قد توقعتها رغم أن عملية التحديث التي مضت فيها كانت تستهدف بالدرجة الأولي إيجاد أرضية جديدة لشرعيتها. كان ذلك بمثابة صحوة سياسية استمدت زخمها من خطاب ديني عميق ومفصل يعود الفضل فيه إلي التبني الحكومي لمراكز التعليم والتوجيه والتثقيف الديني. ولا أدل علي ذلك من أن جهيمان تميز بتعليمه الديني وأبحاثه اللاهوتية التي نمت وتطورت عبر فترة زمنية طويلة من الدراسة في الجامعة الإسلامية التي أنشأتها الدولة السعودية.
إذا ما انتقلنا إلي التسعينيات من القرن العشرين فإننا نواجه هنا بأسامة بن لادن (من مواليد العام 1957). ونحن هنا بصدد ظاهرة تتجاوز الحدود القطرية والقومية لشخص ولد وترعرع في المملكة العربية السعودية. ليس لابن لادن أي جذور قبلية في هذا البلد، فوالده جاء إلي المملكة العربية السعودية من حضرموت في الثلاثينيات من القرن العشرين. ورغم أنه يستهدف الولايات المتحدة بالدرجة الأولي إلا أنه يزعم بأنه يمثل أكثر من ذلك. يستدل من ثراءه ومصالحه التجارية علي أنه كان شخصاً مندمجاً اجتماعياً، بل إن الحكومة السعودية كانت تعتبره حتي العام 1994 مواطناً صالحاً. ورغم أن المملكة العربية السعودية حاولت جاهدة منذ منتصف التسعينيات النأي بنفسها عن ابن لادن إلا أنه كان ذا شخصية راسخة الاندماج وعلي صلات وطيدة بأرفع مستويات السلطة في النظام، ولعل ثقة النظام فيه كانت تنبع من كونه بلا جذور قبلية داخل المملكة العربية السعودية، ولربما كان هذا العامل، بالإضافة إلي شبكة العلاقات الهامة التي ربطته بالأمراء المهمين، هو ما ساعده علي تكوين ثروة طائلة. وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت عليه الحكومة السعودية لوضع خطتهم لتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي عام 1979 موضع التنفيذ. إذا كان هو قد تبرع بتقديم الخدمات والقيام بعمليات نقل المجاهدين الذين هبوا لتلبية نداء الجهاد لتحرير أفغانستان وتزويدهم باحتياجاتهم من السكن والتدريب. استهل نشاطاته في البداية في بيشاور داخل باكستان وانتقل من بعد إلي أفغانستان، وأثبت جدارة فائقة وأصبح مصدر إلهام للجيل الناشئ من الشباب السعودي ولعامة شباب المسلمين محفزاً لهم علي القتال في سبيل القضية الأفغانية. وعلي شاكلة الدويش وجهيمان، ما أن أنهي بنجاح مهمته في أفغانستان حتي بدأ يعير اهتمامه لكفلائه في النظام السعودي. ولكن لم يلبث طويلاً حتي اصطدمت طموحاته في تكوين أمة إسلامية عالمية قوية ومستقلة بالاهتمامات السياسية للسعوديين. إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في استدعاء الحكومة السعودية عام 1990 الأمريكيين للدفاع عن أرض الإسلام ضد الغزو المحتم الذي كانت توشك أن تتعرض له من قبل قوات صدام حسين. كانت المملكة العربية السعودية قد سخرت كميات هائلة من ثروتها لبناء تجهيزات عسكرية زودت بالسلاح المقتني بالدرجة الأولي من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي عزز من اعتراضات أسامة بن لادن، والذي ندد بدوره بالحكومة السعودية للجوءها إلي دعوة القوات الأمريكية للدفاع عن المملكة. كما اعترض أيضاً علي تحالف المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب دعم هذه الأخيرة الدائم لإسرائيل. فأخذ ينادي بإسقاط الزعماء المسلمين، بما في ذلك الحكام السعوديين، بسبب علاقاتهم الحميمة بالغرب. وفي عام 1994 سحبت المملكة العربية السعودية جنسية أسامة بن لادن واعتبرت جماعته، التي كانت تعرف بلجنة النصيحة والإصلاح، جماعة غير مشروعة. وفي أفغانستان اكتسبت معسكرات التدريب التابعة لأسامة بن لادن صفة أسطورية بما كان يتردد عن شبكة القاعدة وإمكانياتها العسكرية والتقنية العالية سواء في مجال الاتصالات أو المختبرات العلمية، بل وما كان يدعي من إعداد للأسلحة البيولوجية والكيماوية في أجواء أقرب ما تكون إلي القرون الوسطي من بيوت طينية بدائية وكهوف جبلية عصية.


يقدر عدد السعوديين الذين استجابوا لندائه بالقتال في أفغانستان بأكثر من خمسة وعشرين ألف شخص. إلا أن هذا الرقم يظل محل نزاع في غياب دليل قطعي وطالما التزمت الحكومة السعودية الصمت إزاء عدد المواطنين السعوديين الذين توجهوا إلي أفغانستان في الثمانينيات للانضمام إلي صفوف المقاومة، وقد لا يتسني إطلاقاً معرفة الرقم الحقيقي.
جل المتعاطفين مع أسامة بن لادن لا يشكلون جزءاً من التنظيم السري للقاعدة وإنما هم مجرد متعاطفين يرون في شخص إسامة بن لادن الأب الروحي (أو العراب) الذي تجد رسائله صدي لديهم وتبدو منسجمة مع تطلعاتهم. إن من الصعوبة بمكان تقدير حجم منظمة كتلك التي يقودها أسامة بن لادن، ولكن ما من شك في أن قطاعات كبيرة من الشارع السعودي ترحب بنقده للحكومة السعودية وتحديه للولايات المتحدة الأمريكية. ولعل حقيقة أن خمسة عشر من التسعة عشر الذين خطفوا الطائرات الثلاث وفجروها في مركز التجارة العالمي بنيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 كانوا سعوديين تثبت بأن السعوديين تجاوبوا فعلاً مع نداءات ابن لادن لهم. ويؤكد ذلك استطلاع للرأي أجري مؤخراً بعد الهجوم، حيث تبينأن أكثر من 90 بالمائة من الشباب السعوديين يتعاطفون مع رسالة أسامة بن لادن. ومع ذلك لابد من التفريق بين هذا التعاطف من ناحية والموافقة علي أساليبه العسكرية وتلقي أوامر مباشرة من منظمته من الناحية الأخري، فهذا أمر مختلف تماماً.
ما من شك في أن أوجه التشابه ما بين الشخصيات التاريخية الثلاث المذكورة آنفاً تشابه مذهل، فثلاثتهم زهدوا في الحياة الرغيدة المريحة في القصور الملكية مؤثرين عليها حياة الزهاد والمتصوفة والمطاريد. كما أن الثلاثة هم إفراز مشاريع تبناها وتكفل برعايتها أفراد العائلة الملكية الحاكمة في السعودية، وثلاثتهم قاوموا إغراء الثراء والجاه، وثلاثتهم لا يعرفون الرحمة في التعامل مع خصومهم، وثلاثتهم لم يتسن تدميره والقضاء عليه إلا بمساعدة قوي أجنبية (تجري حالياً عملية تصفية أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة التابع له علي أيدي الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأخري المتحالفة معها في حربها ضد الإرهاب). والثلاثة هم إفراز مجتمع تجري له عملية تغيير سريعة.
إنها رسالة واحدة صادرة عن ثلاث شخصيات تاريخية فصل بينها الزمن ووحدتها الجغرافيا. ولو تأمل المرء في البيئة الصحراوية الجافة والقاسية التي دارت فيها رحي ثورة الدويش والتي شكلت أفكاره ومنهج حياته النازع نحو الطهورية والنقاء وعبر عنها مظهره الباعث علي البؤس والرثاء (كما وصفه الضباط البريطانيون في الكويت أثناء وجوده في الأسر)، وهي نفس البيئة التي شهدت ترعرع جهيمان، لوجدها تختلف النذر اليسير عن البيئة التي لجأ إليها أسامة بن لادن في أفغانستان الحاضر. إلا أن ابن لادن، ولعل هنا مكمن البون الشاسع، ينشط في عالم تغير بشكل كبير بفضل التحولات الهائلة التي شهدتها الساحات المحلية والعالمية، سواء في المملكة العربية السعودية أو في الخارج. ففي المملكة العربية السعودية نجد اليوم شعباً متعلماً أكثر قابلية من أي وقت مضي لاستيعاب أحداث الساعة وأكثر وعياً بالمتغيرات السياسية التي عصفت بالبلاد علي مدي الخمسين عاماً الماضية. هذا بالإضافة إلي أن حرب الخليج عام 1990 ساهمت بدورها في خلق وعي سياسي غير مسبوق في البلاد.


يتبع ...
  #4  
قديم 26-11-2003, 08:22 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي

جزء 3

قال

الحادي عشر من سبتمبر والمشهد السعودي المحلي

من المألوف أن يلجأ المختصون بالشأن السعودي إلي البحث عن العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي أسهمت في تشكل ونمو ظاهرة ابن لادن ومن سبقه. وكان السؤال الأكثر إلحاحاً هو: لماذا أفرز المجتمع السعودي عدداً من المتمردين الطهوريين الذين يسبغون علي معارضتهم السياسية خطاباً دينياً متحدين بذلك السلطات الملكية في مجتمع عرف عنه طواعيته وإذعانه لهذه السلطات؟ ثم لماذا جمع هؤلاء المتمردون نقدهم للسياسات المحلية الداخلية مع هجوم لا يستكين علي علاقة الحكومة بالغرب، أولاً علي العلاقة ببريطانيا في النصف الأول من القرن العشرين ثم علي العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني منه؟
إحدي الأفكار المؤسفة ـ ولكنها شائعة ـ التي تتردد في أوساط الأكاديميين الغربيين ومن يسمون باللبراليين داخل المملكة العربية السعودية هي التركيز علي الإسلام بشكل عام وعلي ما يعتبرونه الصنف الوهابي منه بشكل خاص معتبرين ذلك مصدراً لإلهام وتحفيز الحركات المتمردة في السابق وظاهرة الإرهاب في الحاضر. ولا أدل علي ذلك من الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام الأمريكية في الآونه الأخيرة علي نظام التعليم في المملكة العربية السعودية رابطة بشكل لا يحتمل اللبس التعليم والتوجيه الديني بالإرهاب. ويري أصحاب هذا القناعة بأن نظام التعليم الديني ينتج أفراداً كارهين وراهبين للأجانب يتغذون علي الحقد والشك تجاه تشكيلة من المخالفين لهم: اليهود والنصاري وغيرهم من غير المرغوب فيهم. وبمقتضي هذا التحليل فإن خريجي المدارس ومعاهد الدراسات الدينية العليا من السعوديين يخرجون من فصولهم وقاعات محاضراتهم متسلحين بخطاب يحولهم في سن البلوغ إلي أفراد لا يساومون ولديهم الاستعداد لإجابة نداء حي علي الجهاد والمشاركة في غير ذلك من النشاطات التي تدخل بعمومها ضمن تصنيف الإرهاب. مثل هذا التفكير ما هو إلا صدي لتفكير سبقه، وبالذات ذلك الذي نشأ كرد فعل علي الثورة الإيرانية حينما اعتبر عدد غير قليل من المعلقين فكرة الاستشهاد عند الشيعة سبباً في نجاح مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران. وها هو الإسلام السني في شكله السعودي ينضم إلي المذهب الشيعي كإطار تحليلي وتفسيري لسلسلة متعاقبة من الأحداث بما في ذلك أحداث العنف التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال الشهور الستة الماضية.
يغيب عن بال المرجين لمثل هذا التحليل بإن الإسلام ما هو إلا نص يظل خاضعاً لتفسير الأفراد الذين هو بدورهم نتاج سياق تاريخي معين. وهؤلاء في معرفتهم للحالة السعودية محدودون جداً إذ لم يبلغهم علي سبيل المثال أن جل ما تتضمنه مناهج التعليم الديني في المدارس السعودية لا يتجاوز مسائل مبادئ الاعتقاد والأفعال والأخلاق، وكلها جمعت في باقة واحدة تحت عنوان العبادات والشعائر الإسلامية كالصلاة والصيام والحج. أما سيرة النبي صلي الله عليه وسلم فتفتح أمام الدارسين آفاقاً من التاريخ السياسي غاية في الثراء بما يشتمل عليه من تحالفات وصراعات مع غير المسلمين وما يصاحب ذلك من توازنات وتنازلات. وحتي لو افترضنا أن المعلمين والموجهين الدينيين يركزون علي أوجه التعارض والاختلاف مع غير المسلمين محفزين بذلك علي رفضهم وإقصائهم، فإن منهج التاريخ الإسلامي الذي يدرس في المدارس يقدم ما يكفي من الأدلة علي التنوع في العلاقة مع من يطلق عليهم مصطلح الكفار ، ولهذا يصعب الحديث عن نموذج إسلامي واحد في العلاقات مع غير المسلمين.
إضافة إلي ما سبق، لم يحدث حتي الآن أن قدم لنا أحد، بما في ذلك إخصاءوا علم الاجتماع أو علم النفس أو حتي الطب النفسي، توضيحاً للعلاقة بين التعليم أو التوجيه من جهة والفعل من جهة أخري، إذا ما يزال ثمة خلاف حول ما إذا كان الطلاب ينزعون إلي فعل ما يطلب منهم. لابد من وجود عوامل متعددة لها دور إما في تسهيل أو إعاقة عملية الاستيعاب التام فالتبني الكامل حتي من قبل أكثر الطلاب حماسة للمواد التعليمية التي تقدم في فصول الدراسة أو قاعات المحاضرات. ولذلك فإن من الأهمية بمكان تجاوز هذه الآراء والمقولات غير الصحيحة، وخاصة تلك التي تقصر الأمر علي عامل التعليم لأنها تنزع إلي الاعتماد علي فرضيات خاطئة أو أحكام غير موفقة. لئن كان أسامة بن لادن قد نجح في إلهاب مخيلة السعوديين، فإن ذلك لا يمكن أن يعزي لفكرة أن برامج التعليم التي يخضعون لها تعدهم لانتهاج التطرف وإنما يعزي إلي الجاذبية التي تتمتع بها شخصيته والتي تروق للشباب الذين خابت آمالهم وباتوا يشعرون بإحباط بالغ في بلد أحوج ما يحتاج إليه اليوم هو قيادة شابة مفعمة بالحيوية والقدرة علي العطاء، ذلك البلد الذي يقوم علي رأس الأمر فيه اليوم بدلاً من ذلك زعماء ردوا إلي أرذل العمر وتملكهم الفساد والأسن.
بالرغم من أن عقوداً تباعد ما بين الشخصيات الثلاث التي تتناولها هذه المقالة، فإن حقيقة ثابتة واحدة لم تتغير. فنظراً لأن رمزية المملكة العربية السعودية تتعدي مواطنيها وتتجاوز الساحة المحلية لتشمل العالم الإسلامي بأسره، فإن لمتمرديها الإسلاميين تأثيراً يتجاوز كثيراً تأثير المتمردين الذين يمكن أن يوصفوا بأنهم علمانيون أو يساريون أو اشتراكيون أو قوميون. ففي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين حصلت المملكة علي نصيبها من أمثال هؤلاء إلا أنهم جميعاً وبلا استثناء تواروا في صفحات النسيان التاريخي، والسبب في ذلك أنهم فشلوا في تضمين معارضتهم ما يجد صدي لدي عامة الناس، أي الإرث الثقافي الإسلامي للملكة العربية السعودية. صحيح أن قيادة البلد تدعي حماية الإسلام ومقدساته وقضاياه، ولكن هنا تكمن المشكلة. فالحكومة التي تستقي شرعيتها من هذا المصدر المهم لا مفر من أن تواجه معارضة تستند إلي الممارسة التقليدية للتفسير وإعادة التفسير، والتي تحتل مكان الصدارة في الإسلام. وبتقلده منصب خادم الحرمين الشريفين فإن العاهل السعودي يخضع نفسه لمسؤوليات مستمدة من هذا التراث الإسلامي المقدس. ولكنه غير معصوم كبشر، وحكومته يمكن أن ترتكب الأخطاء، ويظل سلوكه وسلوك من هم في حاشيته تحت المجهر وعرضة للنقد. كانت القيادة السعودية ضمن سياق تعزيز الدولة وتحديث المؤسسات في البلاد قد اتخذت قرارات اعتبرها كثير من الناس انحرافاً عن الإسلام الأصيل، وكانت إحدي إبرز تلك الانحرافات الاعتماد المستمر علي الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يمتعض منه أصحاب الاختصاص في الدراسات الإسلامية ويؤيدهم في ذلك الغالبية العظمي من السعوديين الذين لا يروق لهم استمرار حكامهم في الاعتماد علي هذه القوة الأجنبية في سبيل ضمان أمنهم. ولكن لابد من الإشارة هنا إلي أنه ليس من الواضح علي الإطلاق كيف يضمن الوجود العسكري الأمريكي في البلاد أمن العائلة السعودية الحاكمة أو يوفر لهم الحماية. بل إن الذي تجلي بوضوح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) هو أن مثل هذا الوجود العسكري الأمريكي في المملكة العربية السعودية إنما هو مصدر خطر لا مصدر أمن أو حماية. كما يغيظ السعوديين أن تتعرض أراضيهم للانتهاك ومنظومتهم الأخلاقية للهجوم من قبل قوي العولمة والرأسمالية العالمية. ومع ذلك لا يمكن مقارنة هذا الاستياء بالمشاعر المماثلة التي تنتشر في أوساط شعوب بلدان إسلامية أخري وذلك لسبب مهم جداً، ألا وهو اعتبار المملكة العربية السعودية مهد الإسلام ومقر أهم مقدساته علي الإطلاق. ولعل هذه الرمزية المهمة هي التي تعيق التوصل إلي مساومات حينما تتعلق القضية بمسألة فقدان دولة إسلامية حظيت بنعمة الثراء الهائل إرادتها الحرة وقدرتها علي التصرف باستقلالية تامة. بل يري معظم السعوديين بأن بلادهم لم توفق في ترجمة ما تنعم به من رمزية دينية وثروة طبيعية هائلة إلي قوة حقيقية علي الساحة الدولية. وما يزال العقم السياسي للملكة العربية السعودية علي المستوي الدولي يشكل إحباطاً للجمهور السعودي اليوم تماماً كما شكل إحباطاً للسعوديين عبر العقود الأولي من تاريخ المملكة. ولعل انعدام حل المشكلة الفلسطينية حتي الآن من أكثر ما يذكر بفشل المملكة العربية السعودية في ترجمة خطابها حول مساندة قضايا الإسلام والمسلمين إلي فعل حقيقي. وحينما يضاف إلي هذا العقم سوء إدارة المشهد السياسي المحلي وتبديد الثروة القومية والفساد المستشري في أعلي المستويات القيادية وانعدام الثقة بالمستقبل الاقتصادي فنحن بصدد حالة متفجرة تولد المتمردين من أمثال المذكورين آنفاً. وهنا تتداخل السياسة الداخلية بالســياسة الدولية وتتشابكان بحيث يصبح من المتعذر فصل الواحدة عن الأخري. كما تولد هذه الحالة آراء حول العالم تراه منقسماً إلي فسطاطين: نحن و هم . بينما توجد في معظم البلدان الإسلامية الأخري أرضية متوسطة تساهم في تجسير الهوة بين الطرفين يظل التعايش المريح أمراً بعيد المنال في المملكة العربية السعودية، والمشكلة هنا لا تكمن في التوجيه الديني أو في مناهج التعليم الدراسية أو حتي في البحوث اللاهوتية التي تندد بغير المسلمين وإنما تكمن في انعدام التنمية الاقتصادية والسياسية الحقيقية والتي من شأنها لو حصلت أن تساعد السعوديين علي تحديد أسلوب التعامل مع الدعاة والتفاعل مع مؤسسات التعليم الديني.

يتبع...
  #5  
قديم 26-11-2003, 08:22 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي

جزء 4

قال

لا يوجد ثمة اختلاف بين رسالة واحد وآخر من كل من الشخصيات التاريخية الثلاث التي تناولتها هذه الورقة بالنقاش، كما أن العدو لم يتغير، فهو من وجهة نظر ثلاثتهم: الجماعة السعودية الحاكمة و الكفار ، أي بريطانيا في مطلع القرن العشرين والولايات المتحدة في نهايته. حينما شن شارون حربه التنكيلية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية في إبريل (نيسان) 2002 خرج السعوديون إلي الشوارع في مختلف المدن للتظاهر دعماً للقضية الفلسطينية، متحدين بذلك حظراً حكومياً علي المظاهرات ومرددين شعارات تهاجم كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. نعم، لقد كانت تلك المظاهرات منضبطة مقارنة بما كان يجري في البلدان العربية الأخري، كالبحرين علي سبيل المثال، إلا أنها عكست بوضوح حالة الإحباط التي تراكمت مع الأيام في البلاد. كانت تلك فرصة أمام الشباب السعوديين لينطلقوا من المساجد معبرين عن استيائهم وسخطهم من الأوضاع، وأخذت الصحف السعودية تناقش قضية ما إذا كانت المظاهرات عملاً لائقاً وما إذا كان الإسلام يبيحها أو كانت منسجمة مع قيمه وتعاليمه. بالمقابل كان السؤال الأهم الذي يستحوذ علي أذهان كثير من السعوديين هو لماذا لا يسمح لهم بالمشاركة في مظاهرات كتلك التي شهدتها مدن كثير من الأقطار العربية الأخري بل ومدن أقطار غير عربية وغير إسلامية؟ وكانت الرسالة التي أفرزها هذا الجدال تفيد شيئاً واحداً: إلي متي سيسكت المواطنون السعوديون عن حرمانهم من حق التعبير عن أنفسهم في بلادهم؟ حصل شيء مشابه في أكتوبر 2003 حينما استجاب السعوديون إلي نداءات بالتظاهر وجهتها إليهم جماعة إسلامية سعودية معارضة تتخذ من لندن مقراً لها، فخرج مئات المتظاهرين استجابة للنداء ليجدوا قوات الأمن لهم بالمرصاد تجابههم وتعتقلهم. وبسبب القيود المفروضة علي المشاركة السياسية وعلي حرية التعبير، سيظل المسجد في المستقبل المنظور هو قاعة التجمع ومصدر الإلهام في آن واحد لجموع الشباب السعوديين الذين يشكلون الغالبية العظمي من سكان المملكة. إن الركود الاقتصادي، التي تفاقم من آثاره الضغوط التي تمارس لتحرير وخصخصة الاقتصاد، وما يرافقه من استمرار تقلص فرص العمل مقابل زيادة مطردة في تعداد السكان، بالإضافة إلي القيود المفروضة علي المشاركة السياسية، كل ذلك من شأنه أن يسعر حالة الغليان الحالية ويزيد من معدلات التمرد والإحباط. لقد فشلت الرمزية الدينية للسعودية وكل ما أوتيت من ثروة في تحقيق الاستقلال والإرادة السياسية التي يرنو إليها معظم السعوديين، الذين يفسرون العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية علي أنها جزء من المعادلة التي تفسر هذا الفشل. بمعني آخر، لقد تشابكت في أذهانهم مثالب نظامهم السياسي المحلي مع ما يرونه من علاقات غير مقبولة بين حكومتهم والقوي الأجنبية التي تعمل من وجهة نظرهم علي إدامة المظالم التي يتعرضون لها محلياً والتي تتحمل المسؤولية عن حالة الامتهان التي يشعر بها كثير من العرب والمسلمين بسبب الصراع العربي الإسرائيلي. وما لم يطرأ تغيير جدي علي المشهد السياسي المحلي ويتم التوصل إلي تسوية مقبولة مع العالم الخارجي، فإن المرء لا يملك إلا أن يجزم بأن ظاهرة أسامة بن لادن لا هي الأولي من نوعها ولن تكون الأخيرة في الذاكرة السعودية التاريخية

ہ المحاضرة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية
بكلية كينغز، جامعة لندن
  #6  
قديم 26-11-2003, 11:27 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

إذا حذفنا إسم ( فيصل الدويش ) من هذا المقال
ووضعنا بدلاً عنه إسم ( سفيه لندن )
سنجد أن الكلام أصبح صحيحاً تاماً سبحان الله ...
تتغير الأزمنة ، ولكن الذي يدور في الساقية لا يتغير

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #7  
قديم 27-11-2003, 12:36 AM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي

تبقى ان حقيقة ال سعود وعوراتهم بانت للناس ولم يعد الشعب السعودي مخدرا وان اوان جز الرؤوس.
  #8  
قديم 27-11-2003, 07:55 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .. والأيام شواهد
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #9  
قديم 27-11-2003, 12:51 PM
خبيب خبيب غير متصل
فلتسقط المؤامرة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2003
المشاركات: 269
إفتراضي

في هذه صدقت يا الوافي. اقرا التاريخ تعرف هل الايام شاهدة لامثال ال سعود ام عليهم.
  #10  
قديم 27-11-2003, 05:01 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

بل بمثلهم يكتب التاريخ أمجاده ...
حفظهم الله ورعاهم وأبقاهم ذخرا
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م