إخوتي لقد تداعت الأمم علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ولم يكن ذلك لقلة عدد أو عتاد، فنحن مليار ومائتا مليون نسمة، وأموالنا بالمليارات في البنوك ينتفع بها أعداء الإسلام والمسلمين، صرنا غثاء كغثاء السيل، ودب إلينا الوهن، حب الدنيا وكراهية الموت، مما تسبب في نزع المهابة من قلوب أعدائنا وأورثنا الوهن، بل من المفارقات العجيبة أن نصير حرباً على الإسلام وأهله، تركنا ديننا وراءنا ظهرياً، وحدثت الموالاة مع أعداء الإسلام والمسلمين وطمسنا الشرائع والشعائر وتقدم الملاحدة والزنادقة الصفوف.
ومهدنا الطريق لكل انحطاط وفجور، واعتبرنا ذلك هو الطريق للتطور والتحضر والتنوير واللحاق بركاب العصر؛ فكان نصيبنا الذلة والمهانة، وهان أمرنا على عدو الله وعدونا، حتى صرنا إلى حال تبلد فيه الحس والشعور، وغابت فيه معاني الإيمان وصارت الخيانة لدين الله ولعباد الله وسام استحقاق وسلم الوصول لقيادة البلاد والعباد.
ضاعت معالم النصر والعزة والتمكين التي ورثناها عن خير سلف، وكنا يوماً خير أمة أخرجت للناس بإيماننا بالله وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر وبتمسكنا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرنا في ذيل الأمم.
ولم يكن هذا إلا لعيوب فينا، هي كالتالي:
* عيوب على مستوى الفرد: تقصير مع الله، واستسلام للواقع، وعدم السعي للتغيير، وتقصير في المواظبة على حلقات العلم والحفظ.
* وعلى مستوى الأسر والبيوت: تقصير في تربية أولادنا على لزوم الطاعات والصلوات، ودخل بيوتنا المنكرات، وصارت القوامة للنساء في معظمها.
* وفي المؤسسات والمصالح: إهمال المصالح وتسيب ورشوة وخراب ذمم.
** والحل لهذا كله يكمن في ثلاث وصايا:
1. إصلاح النفس:
وهو يعتمد على لزوم طاعة الله سبحانه وتعالي وطاعة نبيه محمد صلي الله وسلم , ومحاسبة الإنسان لنفسه , وتنقيتها من كل ذنب وخطيئة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } "المائدة:105" . بل إن من محاسن شريعتنا أن أوصت الإنسان بأن يقي نفسه من نار جهنم قبل الآخرين، ولو كانوا أهله أو أولاده؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } "التحريم:6". حتى في دعاء المسلم لربه فحريّ أن يدعوا لنفسه أولاَ. وهذه من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ قال تعالي علي لسان نبيه نوح عليه السلام: "{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً } نوح28. ثم إن العبد المسلم إذا أراد إصلاح من حوله فلا بد أن يكون قدوة صالحة لمن حوله كالأب لأبنائه, أو الرئيس لمرؤوسيه, أو المدرس لتلاميذه؛ إذ يستحيل أن يطاع بشيء هو لا يعمل به أصلا, بل إن ذلك من الأمور المنهي عنها في الشرع أصلا، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} البقرة:44 ", ثم إن ذلك من أكبر المقت وأعظم الجرم قال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف 3,2"
وقال أحدهم:.
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيم
والجميع مطالب بأن يسجل كل واحد منا اعترافاته, ويدون تقصيره, ويعلم تماما بأنه جزء من هذه الأمة يتحمل الكثير من المسئوليات, وأنه ليس بهامشي أو صفر على الشمال أو لا يستفاد منه, بل لدى كل واحد منا الكثير من الخير, ويختزن من الأمور النافعة ما يفيد الأمة بإذن الله, تعمد كما قال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا" وكما قال أيضا:.
عليك نفسك فتـــش عن معايبها وخل عن عثرات الناس للناس
2. الدعوة إلى الله، والدعاء الخالص
إن الدعوة إلي الله وظيفة الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام وهي صمام الأمان لمسيرة هذا الدين العظيم, والدعوة إلى الله تأتي مباشرة بعد تنقية النفس من شوائبها , وتطهيرها من الأكدار , فمتى ما قوم المسلم معوج نفسه , وعدل مائلها , فعليه بطريق الدعوة إلي الخير آمرا بالمعروف ناهياً عن المنكر.
ولتعلم أن خيرية هذه الأمة مرتبط ارتباطا وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر....الآية}آل عمران110. واعلم أن الله تعالى قرن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيمان بالله، قال تعالي: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110.
ولا تأبه بما ستواجه من عوائق وعقبات في طريق الدعوة وتذكر أن آدم تعب من أجلها , وناح لأجلها نوح , وقذف في النار إبراهيم , وأدخل السجن يوسف , وشكى الضر أيوب , ونشر بالمناشير زكريا , والتقم الحوت يونس , وسافر من بلاده موسي , وعاصر أنواع الأذى وأشكال العذاب نبينا محمد صلي الله علية وسلم.
ادع إلى الله على بصيرة في كل مكان وتحت أي ظرف؛ فلقد دعا حبيبك محمد صلي الله علية وسلم في السر والعلن, وفي السفر والحضر, وفي السلم والحرب, وعلى الصفا, وفي الشعب, ودعا في البيت والسوق وعلي البغلة والفرس, حتى وهو يكابد سكرات الموت كان يدعو بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ادع إلى الله على بصيرة، ولا تهتم بأباطيل المرجفين, واستهزاء المثبطين, وسخرية المقصرين. ولا تستعجل النتائج , ولا تيأس إذا لم يصغ لك أحد؛ فإن من الأنبياء من لم يتبعه إلا شخصين، ومنهم من لم يتبعه إلا شخص واحد، بل جاء في الحديث "يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد"، كما قال صلي الله عليه وسلم.
واعلم أنك منارة في الأرض , وقدوة صالحة , ونجم يهتدي به , وأن الشجر والحجر والطير والحوت يستغفرون لك.
ادع إلى الله على بصيرة، وليس شرطاً أن تعتلي المنابر أو تقف أمام الجموع فإن الدعوة طرقها شتى , ومجالاتها متعددة , وأساليبها متنوعة فالنصيحة دعوة , والهدية دعوة , والمعاملة الحسنة دعوة , والابتسامة دعوة , وإصلاح ذات البين دعوة , وزيارة الأقارب والأحبة في الله دعوة, والصدقة دعوة , وبناء المساجد ودور الرعاية دعوة.......الخ. وإذا لم تستطع أن تقوم بشيء مما تقدم، فيكفي أن تكفي المسلمين من شر لسانك ويدك.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
ثم اعلم أن الدعاء من أهم الأسلحة التي يمتلكها المسلم. فهو سهام الليل يستطيعه كل شخص , ولكن مع الأسف معظم أهل القبلة يهملون هذا السلاح المهم , بل وصل حال بعضهم إلى الاعتقاد بعدم جدواه ومنفعته والعياذ بالله , متناسين قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 , وقال تعالى أيضاً {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة 186وهو نهج الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام , وسنة الأولياء والصالحين رحمهم الله , والدعاء مرضاة للرب , واطمئنان للقلب , وراحة للنفس , وسهام على الأعداء , ومفتاح للخير , وجالب للولد والرزق والمطر.
والمقصود الدعاء للإسلام وأهله بالنصر والتمكين, والدعاء على الكفر وأهله بالذل والخسران والمهانة, خاصة في ظل ما يواجهه هذا الدين الشريف من نكبات ومصائب تتوالى عليه.
يتبــــــــــــــــــع
|