من تاريخ السلف : حسن التوكل على الله ....
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام إني اعلمك كلمات: إحفظ الله يحفظك ,احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسال الله , وإذا استعنت فاستعن بالله . واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان تنفعك بشيئ لم ينفعوك إلا بشيئ قد كتبه الله لك, ولو اجتمعت على أن تضرك بشيئ لم يضروك إلا بشيئ قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف ).
****
خليفة المسلمين " الرشيد " يرسل في طلب احد رعيته !!! :
--------------------------------------------------------------------------------
رفع الى الرشيد أن بدمشق رجلا من بني امية عظيم المال والجاه كثير الخيل والجند , يخشى على المملكة منه, وكان الرشيد يومئذ بالكوفة , قال منارة خادم الرشيد : فاستدعاني الرشيد وقال: اركب الساعة الى دمشق وخذ معك مائة غلام وائتني بفلان الاموي, وهذا كتابي الى العامل لاتوصله له الا اذا امتنع عليك , فأذا اجاب فقيده وعادله بعد ان تحصي جميع ما تراه وما يتكلم به , واذكر لي حاله ومآله , وقد أجلّتك لذهابك ستا , ولمجيئك ستا , ولإقامتك يوما أفهمت ؟
قلت : نعم . قال :فسر على بركة الله , فخرجت أطوي المنازل ليلا ونهارا لا انزل إلا للصلاة أو لقضاء حاجة حتى وصلت ليلة السابع باب دمشق, فلما فتح الباب دخلت قاصدا نحو دار الاموي, فاذا هي دار عظيمة هائلة , ونعمة طائلة , وخدم وحشم , وهيبة ظاهرة, وحشمة وافرة , ومصاطب متسعة, وغلمان فيها جلوس, فهجمت على الدار بغير إذن , فبهتوا وسألوا عني , فقيل لهم : إن هذا رسول أمير المؤمنين , فلما صرت وسط الدار رأيت قوما محتشمين فظننت أن المطلوب فيهم , فسالت عنه , فقيل لي: هو في الحمام , فاكرموني , واجلسوني , وامروا بمن معي ومن صحبني إلى مكان اخر , وانا اتفقد الدار, واتامل الاحول, حتى قبل الرجل من الحمام , ومعه جماعة كثيرة من كهول و وشبان وحفدة وغلمان , فسلم علي وسالني عن أمير المؤمنين , فاخبرته أنه بعافية, فحمد الله تعالى , ثم احضرت له أطباق الفاكهة فقال : تقدم يا منارة كل معنا , فتأملت كثيرا إذ لم يمكنني , فقلت ما آكل , فلم يعاودني , ورأيت ما لم اره الا في دار الخلافة , ثم قدم الطعام , فوالله ما رأيت احسن ترتيبا , ولا أعطر رائحة, ولا اكثر انية منه , فقال : تقدم يا منارة , فكل . قلت : ليس لي به حاجة , فلم يعاودني ونظرت إلى اصحابي فلم اجد احدا منهم عندي, فحرت لكثرة حفدته , وعدم من عندي , فلما غسل يديه أحضر له البخور فتبخّر , ثم قام فصلى الظهر , فأتم الركوع والسجود, وأكثر من الركوع بعدها, فلما فرغ استقبلني وقال : ما أقدمك يا منارة؟ فناولته كتاب أمير المؤمنين , فقبله ووضعه على رأسه , ثم فضه وقرأه , فلما فرغ من قراءته استدعى جميع بنيه وخواص أصحابه وغلمانه وسائر عياله, فضاقت الدار بهم على سعتها, فطار عقلي, وما شككت أنه يريد القبض علّى, فقال : الطلاق يلزمه والحج والعتق والصدقة, وسائر أيمان البيعة لايجتمع اثنان في مكان واحد حتى ينكشف امره, ثم اوصاهم على الحريم ثم استقبلني وقدم رجليه وقال : هات يا منارة قيودك , فدعوت الحداد فقيده وحمل حتى وضع في المحمل وركبت معه في المحمل, وسرنا , فلما صرنا في ظاهر دمشق ابتدأ يحدثني بانبساط ويقول: هذه الضيعة لي تعمل كل سنة بكذا وكذا , وهذا البستان لي وفيه من غرائب الاشجار وطيب الثمار كذا وكذا , وهذه المزارع يحصل لي منها كل سنة كذا وكذا , فقلت : يا هذا ألست تعلم ان أمير المؤمنين أهمّه أمرك حتى انفذني خلفك وهو بالكوفة ينتظرك , وأنت ذاهب اليه ما تدري ما تقدم عليه , وقد اخرجتك من منزلك ومن بين أهلك ونعمتك وحيدا فريدا , ,أنت تحدثني حديثا غير مفيد ولا نافع لك ولا سألتك عنه , وكان شغلك بنفسك أولى بك , فقال : إنا لله وانا إليه راجعون , لقد اخطأت فراستي فيك يا منارة , ما ظننت انك عند الخليفة بهذه المكانة إلا لوفور عقلك , فإذا انت جاهل عامي لاتصلح لمخاطبة الخلفاء, أما خروجي على ما ذكرت فإني على ثقة من ربي الذي بيده ناصيتي وناصية أمير المؤمنين , فهو لايضر ولا ينفع الا بمشيئة الله تعالى فان كان قد قضي على امر بامر فلا حيلة لي بدفعه ولا قدرة لي على منعه , وان لم يكن قد قدر علي بشيئ فلو اجتمع أمير المؤمنين وسائر من على وجه الارض على أن يضروني لم يستطيعوا ذلك إلا باذن الله تعالى و وما لي ذنب فأخاف , و إنما هذا واش وشى عند أمير المؤمنين ببهتان , وأمير المؤمنين كامل العقل , فإذا اطلع على براءتي فهو لا يستحل مضرتي, وعلى عهد الله لا كلمتك بعدها الا جوابا , ثم أعرض عني وأقبل على التلاوة وما زلنا كذلك حتى وافينا الكوفة بكرة اليوم الثالث عشر, واذا النجب قد استقبلتنا من عند أمير المؤمنين تكشف عن أخبارنا , فلما دخلت على الرشيد قبلت الارض, فقال : هات يا منارة اخبرني من يوم خروجك عني الى يوم قدومك عليّ فابتدأت احدثه باموري كلها مفصلة والغضب يظهر في وجهه , فلما انتهيت الى جمعه لأولاده وغلمانه وخواصه وضيق الدار بهم, وتفقدي لأصحابي فلم اجد أحدا منهم أسود وجهه, فلماذ ذكرت يمينه عليهم تلك الايمان المغلظة تهلل وجهه , فلما قلت إنه قدم رجليه أسفر وجهه واستبشر , فلما أخبرته بحديثي معه وفي ضياعه وبساتينه وما قلت له , وما قال لي . قال هذا رجل محسود على نعمته , ومكذوب عليه , وقد أزعجناه وأرعبناه وشوشنا عليه وعلى أولاده وأهله . أخرج اليه , وانزع قيوده , وفكه وأدخله عليّ مكرما , ففعلت , فلما دخل قبل الارض , فرحب به أمير المؤمنين وأجلسه , وأعتذر اليه , فتكلم بكلام فصيح فقال له أمير المؤمنين : سل حوائجك , فقال: سرعة رجوعي الى بلدي وجمع شملي باهلي وولدي قال: هذا كائن فسل غيره ؟ قال عدل أمير المؤمنين في عماله ما أحوجني الى سؤال. قال فخلع عليه أمير المؤمنين , ثم قال : يا منارة اركب الساعة معه حتى ترده الى المكان الذي أخذته منه , قم في حفظ الله وودائعه ورعايته ولا تقطع أخبارك عنا وحوائجك , فأنظر الى حسن توكله على خالقه , فانه من توكل عليه كفاه ومن دعاه لباه , ومن سأل اعطاه ما تمناه .
_______________
المصدر : المستطرف في كل فن مستظرف لابي الفتح الابشيهي
الباب العاشر
في التوكل على الله تعالى والرضا بما قسم والقناعة وذم الحرص والطمع وما أشبه ذلك .
|