مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 23-10-2004, 07:29 AM
نجي البحر نجي البحر غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2004
المشاركات: 47
إفتراضي الدخيل _ قصـ قصيرة ـة



تجمعت الأيدي تظلل الأطباق المتناثرة على المائدة، إنها كالنسور تنتظر ابتعاد القناص لتنقض على فريسته، وليست الفريسة هنا إلا بضعة أطباق من حواضر البيت تجمعت وسط الغرفة على صفيحة معدنية مجعّدة.
كانت الأعراف الطلابية تمنع أن تُفتتح مائدة الطعام قبل اكتمال أفراد البيت، البيت الذي يحوي ثلّة من الطلاب الجامعيين الذين تقاذفتهم الدنيا من كل مكان لتجمعهم فيه، حيث لا أمّ رؤوم، ولا أخت عطوف،
ولا زوج حنون، هنا .. حيث تنام جائعاً إن لم تعمل على إعداد طعامك، وتلبس وسخاً إن لم تقم بغسل ثيابك، وتسجل غائباً في المحاضرة الأولى إن لم تجتهد لإيقاظ نفسك.
هنا .. في هذا البيت، كانت الأيدي معلقة في الهواء تنتظر الآكل الأخير، وما إن طلعت بشائره حتى هطلت الأيدي على تلك الصحاف المتناثرة هطول المطر الغاضب على الأرض القاحلة، إن هطولاً كهذا لينثر الغبار قبل أن يغسله، وإنك لو أمعنتَ النظر للاحظتَ تطاير غبار الزعتر الذي يتخلل أبخرة الشاي وقطرات الزيت، كانت الحركة دائبة فوق تلك الصفيحة المعدنية القديمة، الأيدي تهطل خماصاً وتعود بطاناً، والألسن صامتة مصغية لتلك الحركة الآلية تحتها، بل لعلها صامتة لأن ما يشغلها أكثر أهمية من الكلام.
النَّصَب بادٍ على الجميع، والحركة مستمرة دؤوب، والكلّ مجتهد مجدّ .. ولكل مجتهد نصيب،
ليس هناك ما يقطع هذا النظام الطائش، الكل منهمك بعمله، جاهد أن يؤدي واجبه، قاصد أن يرضي معدته ..
ولا معكّر لهذا الصفو..
فجأة .. انتفض أحد الآكلين، وبصوتٍ مزيجٍ بين صياح التنبيه وقهقهة الضحك انفجر فمه: فأر .. فأر .. توقفت الحركة الدؤوب، وتعطّل خط الإنتاج، واختلفت ردّات الفعل، فهذا امتطى صهوة السرير، وأخذ يدور ببصره متحفزاً، وآخر قفز واقفاً وتسلّح بكتابه المفضل وهو يقول: أين .. أين ؟، واثنان جالسان يضحكان وهما يحسبان أنه مقلب ناجح، وواحد لم تؤثر فيه صافرة الإنذار .. إنه ما يزال مستغرقاً في متعته الأولى _ الأكل _ مستغلاً فرصة انقطاع زملائه عن الطعام.
- إنه هناك .. لقد رأيته ..
وما كاد يكمل كلماته حتى انطلق من تحت الفراش المكوَّم على الأرض فأر صغير، واتجه نحو الخزانة متترساً بها .. إن الأمر جدّ وليس مجرد مزحة عابرة.
انقطعت لذة الأكل، وبلمح البصر تناول كل منهم سلاحاً: حذاء .. ممسحة .. عصا .. كتاب .. مكنسة .. كمّاشة، وتحلقوا يتربصون الخصم العنيد أن يبرز لهم، لكنه كان ساكناً في مكمنه،
لا يتحرك ولا يتزحزح .. ولم يطل الانتظار ..
لا بدّ من إزاحة الخزانة
لكنها ثابتة ولا يمكن أن تتزحزح
نكسرها
كلا .. أرجوكم .. ما عندي خزانة غيرها
لا حلّ إلا هذا
واستغلالاً لفرصة الموقف وخفة صاحب الخزانة، غرز أحدهم العصا خلف الخزانة مكوناً عتلة،
ثم بدفعة أو دفعتين انقلبت الخزانة على وجهها، وتناثرت قطع الزجاج والكتب على أرض الغرفة، أمام ذهول صاحب الخزانة الذي لم ينبس ببنت شفة ...
انطلق الفأر كالسهم بعد أن تهدّم متراسه، وصار يتخبط في أرجاء الغرفة والضربات الطائشة المرتعدة تلحقه حيثما اتجه .. ضربة عصا هنا، وضربة حذاء هناك، رنة كمّاشة هنا، وخبطة كتاب هناك،
وما زال الفأر يتفادى هذه ويتحاشا تلك، حتى انقضت عليه بجناحها العريض وذراعها الطويلة المتشعبة،
إنها مكنسة القشّ _ ما تزال قادرة على إثبات جدارتها _ لقد تثبت الفأر بين أعواد القش لا يستطيع حراكاً،
إنه ما زال حياً، غير أن الأعواد القاسية قد ثبتت جسمه بالأرض فلا يستطيع حراكاً .. لقد وقع أسيراً !!
لم يكن الفأر قد أفاق من صدمة أسره حتى رأى فكي الكماشة قد فتحا عن آخرهما، وصارا يزحفان نحوه كحوت فاغر فاه يسبح نحو غريق!
وجد الفأر نفسه معلقاً من ذيله بين فكي الكماشة، وقد تجمعت حوله العيون الطافية على ابتسامات صفراء، وأصوات القهقهة وصيحات الظفر تصمّ أذنيه.
إنّ جدران بعض البيوت القديمة تتميز بأنها تطلى بالجبصين. ولا يمكن أن تسعدك هذه المعلومة
لو كنت مستنداً على أحد هذه الجدران وقد لبست قميصك الكحلي النظيف .. لكنها قد تسعدك لو أنك أمسكت بفأر دخيل وأردت أن تفرغ فيه مخزون الكبت والضغط الذي نفسك.
أمسك الطلاب بالفأر واتجهوا به إلى وسط المنزل، وبالقرب من لوحة الإعلانات .. وبمكبس الورق .. وعلى الملأ .. تمّ الأمر ... لقد ضُرب ذيل الفأر بالمخرز فثبته الدبوس بالجدار الجبصيني .. فتدلى الفأر متأرجحاً وسط الحاضرين .. والعيون مصوبة نحوه .. والابتسامات الصفراء تحيط به.
كان الطالب ذو الخزانة ما يزال رازحاً تحت تأثير صدمته الأولى بفقد خزانته، لكنه أخذ يقترح عليهم أن يكفوا أذاهم عن الفأر، وأن يقتلوه ويرتاحوا منه، ويذكرهم بأن امرأةً دخلت النار في قطة عذبتها. وكانت الإجابات تُلقى بين يديه مختمرة بالضحكات الهازئة، والقهقهات الساخرة:
تلك قطة .. أما هذا ففار.
حسناً .. حسناً .. سنفعل.
إننا لن نعذبه .. لكننا سنقتله بطريقتنا الخاصة.
لا بدّ أن نعرف أغراضه ودوافعه أولاً، ثم نتخلص منه..
وهل دخول الحمّام مثل خروجه ؟!

وبدأت جولة التعذيب وسلِّ الاعترافات ...
رفع صاحب الملعقة ملعقته وقرع بها رأس الفأر وهو يخاطبه:
أنا أسأل وأنت تجيب .. هذه هي القاعدة هنا!، من أرسلك؟ هيا تكلم .. هم أرسلوك ها ؟
وَلَكْ أنا دبيب النملة أسمعه .. إنهم ليسوا هنا لينجدوك .. أنت وحدك هنا .. اعترف وإلا .. ها .. ها ..ها
كانت المحاورات ممزوجة بالضحك والقهقهة، لعبة مبتكرة لاقت رواجاً عند هؤلاء الطلاب. أخذ أحدهم العصا وراح يداعب الفأر بطرفها، والفأر يحاول التشبث بها بلا جدوى ..
كن صريحاً .. من زمان تشتغل بهذه الشغلة ؟! .. هل تظنّ أنك تخيفنا أنت وجماعتك ؟!
ألم تسمع بالمثل القائل: الفار مهما دار آخرته للمصيدة .. ها .. ها .. ها
كأنهم كانوا يؤدون أدواراً قد ألِفوها، والفأر المعلق من ذيله يتشبث بكل ما قرُب منه، و صاحب الخزانة بين الفينة والأخرى يرجوهم أن ينتهوا من هذا القرف، ويقتلوه ويريحوه، وهم يتلذذون بتعذيبه، كأنها طاقة مكبوتة انفجرت من مكنونها ..
ألف مرة حكيت لك .. من يعق أباه يدخل النار .. من يعص أمه يدخل النار ..
آه يا مسكين .. آخرتك الإعدام .. وبالمقلوب !!
أشعل أحد المدخنين سيجارته، وأخذ يقول متقمصاً دور مذيع برنامج للأطفال:
إنهم يزعمون أن الدخان سمّ قاتل .. أعزائي الأطفال سنجري الآن هذه التجربة،
وإذا أردتم إجراء هذه التجربة في بيوتكم فتذكروا دائماً أن تستعينوا بالماما لإشعال السيجارة .. فالنار تحرق الأصابع!
ثم سحب نفساً عميقاً من سيجارته حتى امتلأ صدره، وتوجه إلى الفأر كتنّين ثائر وأخذ ينفث الدخان من فمه ومنخريه، فإذا بالفأر تبيضُّ عيناه وترتعش يداه ينتفض جسمه .. ثم أتبعه بنفثة ثانية، ما إن لامست وجه الفأر حتى تحجر في مكانه بلا حراك ... وانطلقت أصوات الانتصار : " تموت الفئران وتحيا القطط .. تموت الفئران وتحيا القطط "
قطع هذه الجلبة فجأة رنين جرس الباب، وساد الصمت لحظة قبل أن تنطلق الحركة الدؤوب ثانية..
انزع الفار عن الجدار وارمه خارجاً
أطفئ سيجارتك
افتح النوافذ
ارفع الطعام
رتبوا الغرفة .. هيا .. هيا
عند الرنة الثانية للجرس، كان أحدهم قد فتح مزلاج الباب مرحباً بالقارعين، بينما لزم الباقون غرفهم .. في هدوء تام.

(هذه القصة كتبها: عمار يحيى)
__________________
البحر يسكن خافقي
والنبض موج يلتطم
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م