مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 23-09-2002, 01:43 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي الشوكاني

http://www.awu-dam.org/alesbouh%2080...isb825-006.htm

قراءة في كتاب الفكر السياسي والقانوني عند محمد بن علي الشوكاني للدكتور /زياد علي ـــ صالح رمضان الشريف

أشار العالم محمد محمد شاكر في مقدمته القيمة لديوان المتنبي أن محمد بن علي الشوكاني كان أحد الأفذاذ القلائل في العالم الإسلامي الذين كان من الممكن أن تقوم النهضة العربية الإسلامية على أكتافهم في عصرنا هذا لولا الأساليب الاستعمارية الخبيثة التي استبقت الأحداث وقتلت البذرة في مهدها.‏

الشوكاني الذي يشير إليه العالم محمود محمد شاكر هو الفقيه والعالم والمفكر اليمني محمد بن علي الشوكاني، عاش في النصف الأخير من القرن الثامن عشر والثلث الأول من القرن التاسع عشر 1760 -1834 ف في الفترة التي تمتعت فيها اليمن بالاستقلال عن الدولة العثمانية التي امتدت قرابة القرنين من الزمان 1635 -1848 ف ومع أنها فترة اتسمت بالتخلف والانحطاط في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن الحياة الثقافية والعلمية تمتعت خلالها بقدر من الحيوية والنشاط وأنجبت عدداً من العلماء والفقهاء المجددين المجتهدين الرافضين للمذهبية الضيقة والقائلين بالاستقلال الفكري والمذهبي.‏

الدكتور "زياد علي" أضاء بكتابه ((الفكر السياسي والقانوني عند محمد بن علي الشوكاني)) جانباً من جوانب هذا المفكر الموسوعي ومحا شيئاً من الغبن الذي تعانى منه أطراف الوطن العربي بنسيان العلماء ورجال الفكر والإصلاح فيها ومع أن الدراسة التزمت الجانب السياسي والقانوني بشكل رئيسي غير أن الجهود العلمية الأخرى قد وجدت الاهتمام التي تستحقه كذلك اللمحات الإنسانية وما توفر من معلومات عن سيرته الذاتية وأحوال اليمن السياسية والاجتماعية والاقتصادية.‏

المصادر وعلاقتها بالفكر السياسي والقانوني لدى الشوكاني:‏

ما كان لرجل مثل محمد بن علي الشوكاني عاش في بيئة دينية صارمة وتعلم تعليماً دينياً خالصاً وثقافة تشكلت من علوم اللغة العربية وآدابها إلا أن يكون القرآن الكريم والسنة النبوية المصدر والمرجع لفكره وعقله وسلوكه والمرجعية التي لا يملك أن يحيد أو ينصرف عنها لغيرها وأنىَّ له أن ينصرف عنها ولم يكن أمامه غيرها ثقافة وعلماً ومعرفة فاليمن في عصره كانت بلداً شبه مغلق على نفسه وهو نفسه لم يرحل عنها طلباً لمعرفة يرى أنها تنقص أو يشد الرحال بحثاً عن علوم أخرى تكمل ما عنده من نقص.‏

فالدراسات الإسلامية التي نهل منها قد أشبعت جوعه ومنحته الامتلاء والاعتزاز اللازمين للشعور بذاته وبما يملك من معارف ولم تكن اليمن بتخلفها ذاك في حاجة إلى معارف أو علوم أخرى أو هي لا تدري أنها في حاجة إلى معارف أو علوم أخرى.‏

إن التوهج النسبي في الثقافة والعلوم الذي كان سائداً في اليمن يومئذ رغم التخلف والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو الذي شكل وكوّن عالماً متبحراً مثل "الشوكاني" كما أن الاستقلال السياسي عن الدولة العثمانية الذي تمتعت به اليمن قبل الدولة العربية الأخرى كان عاملاً من عوامل التكوين بالإضافة إلى الفكرة الكائنة والراسخة في المذهب الزيدي السائد هناك والتي لم يعرها غيره كبير اهتمام ألهمت عالمنا بمصدر ثالث كان له كبير الأثر في تحرره واستقلاله الفكري ألا وهو الاجتهاد، وإذا كان الاجتهاد وقد سبب له الكثير من المعاناة والألم فقد منحه في الوقت نفسه القدرة على المواجهة والتحدي.‏

التزم الشوكاني بالنص القرآني في أحكام العبادات والمعاملات وفي كل القضايا التي تفصل بين الأفراد والجماعات واعتبره "الحكم الفصل" في قضايا الدين والدنيا.‏

من هنا جاء رفضه المطلق للفصل بين الدين والدولة وعده إجحافا بحق القرآن الكريم وتجاوزاً للدين الإسلامي واعتداءً على دستور السماء بسن قوانين وضعية تخضع لأهواء الأفراد كما فعل جنكيزخان بكتابه المسمى إلياسا.‏

إن العدل والمساواة والحرية واحترام آدمية الإنسان هي المبادئ السامية التي ارتضاها القرآن للبشر وهي التي يسعى البشر دائماً وأبداً لتحقيقها وقد تحققت فعلاً في فترة أمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين، وهو بهذا يدين كل السلاطين والملوك والخلفاء الذي جاءوا بعد ذلك في عدم قدرتهم على تحقيق ما يصبو الدين لتحقيقه ناهيك عن ارتكابهم لألوان العسف والظلم.‏

السنة النبوية رافد مهم للقرآن الكريم ولأنها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي فقد تحرى الدقة ما وسعه في معرفة الأحاديث الصحيحة من الموضوعة سبيله المصلحة العامة فالشريعة ما جاءت إلا لتحقيق المصلحة العامة.‏

الأحاديث النبوية رغبت المسلمين في الجهاد وأشارت إلى أنه فرض كفاية شرع على كل بار وفاجر ولا يؤذن للمجاهد في الجهاد إلا بعد التأكيد من رضا الأبوين وأن أفضل أنواع الجهاد كلمة حق تقال لسلطان جائر، وذكر الأحاديث التي تدعو المسلمين للطاعة والصبر على جور الحكام.‏

القرآن الكريم والسنة النبوية وما يتضمنان من أحكام ومعاملات وأوامر ونواهٍ ورؤى وفكر وعقائد المصدران الرئيسيان في فكر الشوكاني منهما يستمد فكره ورؤيته للأمور وسلوكه في الحياة وأن التطبيق الحرفي لكليهما في الحياة كفيل بتحقيق العدل والمساواة.‏

استحسن "الشوكاني" الاجتهاد ووجد فيه الحل لكثير من الاحباطات التي يعاني منها المجتمع الإسلامي جراء التقليد الأعمى الذي وقعت عليه المجتمعات الإسلامية بعد القرن السابع الذي أقفل فيه باب الاجتهاد وكرّس التقليد، وجعله شرطاً أساسيا لمن يتولى منصب القضاء فبدون توفر هذا الشرط لا يحق لامرئ أن يحكم أو أن يقضي بين الناس، أما الإمامة فشرط الاجتهاد يدخل في باب الاستحسان لأن الإمام المجتهد أنهض من الإمام الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد.‏

تعدد الأئمة غير جائز عند "الشوكاني" فلا بد للأمة من أمام واحد وإذ حصل تنازع فلأهل الحل والعقد أن يرجحوا أو يختاروا أيهما الأصلح ولكن أجاز تعدد الأئمة بعدما رأى استقلال كل أمام ببلد، وبعد اتساع الدولة الإسلامية وهو رأي فرضه الواقع.‏

ولا يحق لكل الناس أن يبايعوا الإمام لأن هذا مستحيل فالبيعة لأهل الحل والعقد من العلماء والوجهاء وكبار القوم.‏

والاجتهاد ثمرة من ثمرات المذهب الزيدي تلقفها محمد بن علي "الشوكاني" بعد فترة طويلة من الركود والاستسلام للتقليد فظهر على أنه فتح جديد لذلك لقي معارضة شديدة، واتهم من ينادي به بالخروج عن الدين فنراه يقول ((وأما في هذه الأزمة فقد أدركنا منهم من هو أشد تعصباً من غيرهم فإنهم إذا سمعوا برجل يدعي الاجتهاد ويأخذ دينه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قاموا عليه قياماً تبكي عليه عيون الإسلام واستحلوا منه مالا يستحلونه من أهل الذمة من الطعن واللعن والتفسيق والتنكير والهجوم عليه في دياره ورجمه بالأحجار والاستظهار وتهتيك حرمته)).‏

ومن هذه الفقرة تتضح معاناة الشوكاني الفكرية والنفسية لأنه عزم على أن يكون حراً لا تحكمه إلا الحقيقة التي تتجلى في ذهنه وعقله.‏

يستشهد الشوكاني برأي الجمهور في تسفيه وتهافت التقليد ((فهو عمل بعلم الرأي على جهل لأنه مقلد لصاحب ذلك الرأي)) والجاهل أي غير القادر على الاجتهاد فعليه أن يسأل عن الشرع لا عن رأي واجتهاد من يوجه له السؤال، فرأي المجتهد عند عدم الدليل ما هو إلا رخصة له وحده، ويمكن للمجتهد أن يصيب ويخطئ فلا مراد في ذلك وإن كان لكل أجر يتناسب واجتهاده، ولا يفتأ يكرر أن القاضي المقلد لا يجوز له أن يقضي بين الناس لأنه لا يكون عادلاً أبداً إذ المقلد إنما هو قائل بقول الغير دون حجته ولا طريق على العلم يكون الشيء حقاً أو عدلاً إلا بالحجة.‏

دافعان اثنان دفعا الشوكاني للاهتمام بالتاريخ والكتابة فيه أولاهما دافع ذاتي وهو حبه للمعرفة وشغفه بالعلم والإطلاع فرجل موسوعي كالشوكاني لم يكن ليسمح لنفسه أن يكون بعيداً عن علم له خطره ودوره ومكانته في حياة الأمم والشعوب، والثاني خارجي حيث بدا له أنه من الممكن أن يقدم رداً مقنعاً للناقمين على الاجتهاد والقائلين بأن الأمة الإسلامية عجزت أن تنجب بعد القرن السابع عالماً يصل إلى مرتبة الاجتهاد.‏

يقف خلف الشوكاني المؤرخ، سياسي ناقد ذو بصيرة نافذة، فوراء الكلمات يصبح الناقد السياسي والمؤرخ الواعي بدوافع الكتابة التاريخية ودروسها المستفادة وهو القائل ((الحمد لله الذي جعل النظر في أخبار من غبر من أعظم العبر)).‏

وكتابات الشوكاني كلها توحي بهذه الرؤية الواعية والنظرة الحادة في كل ما كتب سواء ما كان له علاقة مباشرة به كعلاقة المثقف بالسلطة، أو العلاقة التي يجب أن تسود بين الحكام والرعية وواجبات كل منهما بعد ما أصبح الحكم وراثياً قال بصريح اللفظ ((بعد انقلاب الخلافة إلى ملك عضوض لم تتفق الكلمة من جميع الناس على براءة حاكم من حكام الأرض من اقترافه لنوع أو آخر من أنواع الجور)).‏

يعقب المؤلف "د. زياد علي" على هذا فيقول: ((الشوكاني ليس عفوياً في اختياراته ولا يهمه التاريخ من حيث هو تاريخ انتهت وقائعه وبقيت الحكاية المسطحة ولكن ما يذهب إليه في الغالب هو استحضار ما يجب أن يستفاد منه)) غير أن الشوكاني في بعض كتاباته التاريخية السياسية يغلب المصلحة السياسية على المبادئ والقيم عندما يثنى على المفتي الذي أفتى للسلطان معز الدين أحد أبناء جنكيزخان الذي أسلم، أن يتزوج زوجة أبيه بدعوى أن أباه كان كافراً ولم تكن "خاتون" زوجته معه في عقد صحيح، بدعوى أنه بهذا الإفتاء قد أنقذ الكثير من المسلمين، ونسى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه رفض أن يتراجع عن حرب المرتدين ولو من أجل عقال كانوا يؤدونه للنبي صلى الله عليه وسلم ومنعوه عنه معرضاً دار الإسلام للخطر وهي في بواكير وجودها، كذلك موقفه من شريف مكة غالب بن مساعد ومعارضته للدخول معه في حرب حينما رأى أن التكافؤ العسكري ليس في صالحه.‏

الموقف من الكفار هو موقف المسلم الذي لا يهادن ولا يحالف أعداءه بل يدعو لليقظة والانتباه والاستنفار وتجييش الجيوش وقد وقف ضد الإنجليز عندما حاولوا أن يحصلوا على قاعدة لهم في اليمن.‏

في إطار الكتابة التاريخية والسياسية للشوكاني يتحمس المؤلف د. زياد علي -ويصفها بالواقعية التاريخية أي الكتابة عن قرب ومن خلال الواقع المعيش وهي قضية تضاربت فيها الآراء يقول المؤلف ((ويكون مرجع كاتب التاريخ، القرآن الكريم لشموليته، ويوظف النص القرآني لمصلحة الخطاب السياسي التحريفي في إطار الكتابة للتاريخ الحي لا التاريخ الغابر وهو بهذا قد اختط نهج الواقعية التاريخية. هذا المذهب الذي لا يتفق عليه الكثيرون اعتقاداً بأن كتابة التاريخ لا تتحقق إلا عندما ينظر إليه من بعيد)).‏
  #2  
قديم 23-09-2002, 01:45 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

عاصر الشوكاني أربعة من الأئمة الذين حكموا اليمن، عمل مع ثلاثة منهم كقاضٍ ومستشار ووزير لم يبخل على أي منهم بالمشورة أو النصيحة أو النقد أحياناً ويكون قريباً منهم قرباً خاصاً لا يتعرض لأي أذى من أي منهم لا شك أنه كان محظوظاً قبل أن يكون ذكياً وأنه رغم علمه وثقافته وشجاعته التي تجلت في بعض المواقف ظهر أنه يملك قدراً كافياً من الدهاء والنفعية مكنه من أن يكون في مأمن من غضب هؤلاء.‏

مضمون الفكر السياسي والقانوني للشوكاني:‏

ما هو مضمون أو مفهوم العلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم كما يراها الشوكاني؟‏

يرى أنها مسؤولية متبادلة ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) أي أن كل طرف ملزم بالوفاء بالتزاماته نحو الآخر. العدل والمساواة وتحقيق الأمن ورفع الظلم من واجبات الحاكم، أما الطاعة والنصيحة والصبر فهي قدر المحكومين.‏

وأول مدخل لهذه العلاقة الأبدية هي اختيار الإمام أو الحاكم من عدمه وكيفية هذا الاختيار، ومع التضارب في الرأي بين من يوجب تنصيب الإمام، ويرى أن هذا من أولويات الحياة السياسية، وبين من لا يرى ضرورة لذلك. يقف الشوكاني مع الفريق الأول الذي يرى وجوب اختيار أمام للمسلمين ويستشهد بأحاديث للرسول الكريم منها ((لا يحل لثلاثة يكونون بغلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم)) ويقول مع الماوردي ((الإمامة واجبة بالإجماع)) والإمامة كالجهاد وكطلب العلم فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. ولا أدل على ذلك من أشغال المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم باختيار خليفة قبل الانشغال بتجهيز الرسول ودفنه.‏

أما كيفية الاختيار فتكون من قبل جماعة من أهل الحل والعقد كما مر آنفا، والشروط التي يجب توفرها في أهل الحل والعقد فهي العدالة والعلم والحكمة كما حددها الفراء والمواردي وغيرهما.‏

والشروط الواجب توفرها في الإمام أو الحاكم كثيرة منها التكليف أي القادر على تدبير أموره بنفسه فيخرج الصغير، والذكورة فالمرأة لا يحق لها أن تتولى الإمامة لأنها ناقصة عقل ودين وهذه النظرة الدونية للمرأة لمن تمنعه من أن يدافع عنها في موضع أخر وهو حرمانها من الميراث وأقر بحقها فيه، وأن يكون علوياً فاطمياً أي من صفوة الصفوة من قريش، ويذكر على سلامة الحواس في الإمام، أما الأطراف فلا يعيرها الاهتمام المطلوب.‏

الاجتهاد ليس من الشروط المطلوبة وإن كان يحبذ أن يكون الحاكم عالماً مجتهداً، والعدالة من الشروط الأساسية، كذلك حصافة الرأي، والشجاعة والإقدام، وبالطبع لا يمكن اختيار أمامين في القطر الواحد وأجاز ذلك بعد توسع الدولة وأصبحت أقطاراً.‏

وأهم واجبات الحكام هي تحقيق العدالة، وحماية الضعفاء، وجهاد أهل الكفر، وإقامة الحدود الشرعية، والحث على إقامة الشعائر، وتعيين القضاة، واختبار أهل الحسبة، وتجييش الجيوش، والاهتمام بالتعليم، والضرب بشدة على يد العابثين بالقانون وبمصالح الناس لأن الناس تخشى تطبيق القوانين أكثر من خشيتها من العقاب الديني كما قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)) واحترام الملكية الخاصة، وأن يتحقق الاتصال المباشر بين الحاكم والمحكومين، وتقريب أهل الفضل وتعظيمهم.‏

وواجبات المحكومين أو قدرهم الذي اختطه لهم الفكر الإسلامي إلى يومنا هذا. الطاعة والطاعة دائماً وأبداً للحكام، والصبر على جورهم وظلمهم مخافة الفتنة، والنصح لهم عندما يتاح لهم ذلك.‏

حظى القضاء باهتمام بالغ وبحفاوة واضحة في الفكر الإسلامي فلا عجب أن الشوكاني وهو القاضي بل قاضي القضاة يولى هذا الموضوع اهتماماً كبيراً ويمنحه مساحة خاصة من نفسه وقد قدم لمحة خاطفة في من يتولى القضاء لتبيان أهمية ومرجعية كائنة في القرآن والسنة، فالقرآن يأمر النبي داوود بأن يحكم بين الناس بالحق، والنبي سليمان حكم أيضاً بين الناس، والرسول الكريم كان حكماً في الجاهلية وهو أول القضاة في الإسلام، وكذلك عمر بن الخطاب وعندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية أرسل الرسول الكريم من ينوب عنه ليقضي بين الناس وحديثه مع معاذ بن جبل حديث مشهور، وكذلك فعل من جاء بعده من الخلفاء الراشدين.‏

والقضاء أمر واجب للقادر عليه وأهم الشروط الواجب توفرها في القاضي هو الاجتهاد فلا يحق للمقلد أن يحكم بين الناس، وكذلك نزاهة اليد وعفتها فمن لا يتورع عن أموال الناس فلا خير فيه، والعدل لا يتحقق إلا بالجرأة على مواجهة الباطل، وشرط الذكورة مرتبط بحرمان المرأة من تولي القضاء، ولا بد للقاضي أن يكون سليم الحواس خصوصاً السمع والبصر، أما سلامة الأطراف فالشوكاني يتغاضى عنها بنفسه بأي أسلوب كان وعلى القاضي أن لا يحكم في حالة الغضب، وأن يسوي بين الخصوم والسماع منهم.‏

إن الإحساس بالذات وبمسؤوليته كعالم وفقيه وقاض قد فرضت عليه مسؤولية مضاعفة، وحتمت عليه الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فقد انتقد سوء الإدارة والقائمين عليها وأساليبهم الخبيثة في استغلال المواطنين وممارسة العسف والظلم بحقهم سواء العامل أو القاضي أو الكاتب. فهذه السلسلة من المسؤولين قد تضافرت على المواطن وأرهقته بأطماعها في الوقت الذي يكافح فيه الشوكاني عن العامة ويدعو لإنصافهم ورد الحقوق لهم، لا يستطيع أن ينسى فكره الطبقي واحتقاره للسوقة من أصحاب الحرف والمهن من بدو وحضر.‏

وأوصافه للعامة تبدو في غاية السوء وقبح اللفظ وينسى في لحظة قيم الإسلام المنادية بالمساواة وسلوك النبي الكريم مع البسطاء والضعفاء من الناس ((العاقل لا يفرح بإقرار جماعة له من البدو والحراث أو السواقة من أهل الحياكة والحجامة وسقاط أهل المهن الدنيئة والمعاشر الوضيعة)) ونقده للسياسة الضريبية يشوبها الشك فالعامة لم تكن في ذهنه وهو يوجه نقده للدولة وإنما يقصد حماية الطبقة التي ينتمي إليها.‏

نفى عدد كبير من العلماء والمفكرين الاتصال بالحكام الظلمة أو أن تكون هناك علاقة بين المثقف والسلطة لأن السلطة دائماً وأبداً ترغب في توظيف العلماء ورجال الفكر في أغراضها الدنيئة وأن يكونوا مطية لنواياها السيئة وأعمالها القبيحة وهو الواقع المستفاد من التاريخ. غير أن الشوكاني يذهب مذهباً آخر فهو يدعو للاتصال بين العالم والحاكم وكان يعنى الاتصال المشرّف الذي يحتفظ فيه العالم بحريته الفكرية واختياراته السياسية وأن يكون هذا الاتصال لخدمة مصالح الوطن والمواطنين أو لتحقيق أكبر قدر من المصلحة العامة وقطع الطريق على غير الشرفاء والجهلة والانتهازيين إلا أن هذا التوازن وهذه الشفافية ما كان لها أن تقع أبداً لأن الحكام الفاسدين لا يتفسحون إلا مع الزمرة الفاسدة ولا يطيب لهم العيش إلا مع الجهلة. والشوكاني نفسه لم يحالفه الحظ مع الأئمة الذين خدم معهم بدليل الإمام للمرسوم الذي صدر باسمه بل كان أول الناقضين له.‏

من خلال قراءتي لكتاب الدكتور /زياد علي الفكر السياسي والقانوني عند محمد بن علي الشوكاني تبين لي -والله أعلم -أن الشوكاني كان يراوح بين شخصيتين شخصية العالم المثقف الذي يعيش للعلم والتأليف ويحلم بعالم تسوده القيم والمثل وبين السياسي الذي يلازم الإمام ويقبع في دار السلطان ويخضع للظروف ويتمشى مع الواقع، إن كل من الشخصيتين تراوح مكانها ولا تتجاوزه فالعالم في تأليفه تحكمه قيم ومثل ومبادئ عليا والسياسي تشده مصالح ومنافع وواقع لا يمكن القفز عليه.‏

إن إحدى الشخصيتين لا تتماس مع الأخرى ولا تشاكلها والحرية التي منحت للشوكاني حرية التأليف والكتابة لا حرية السياسي الذي يشير ويستشار ولعل الأئمة قد غضوا الطرف عن بعض الانتفاضات أو الهفوات التي بدرت منه.‏
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م