فأما العراق فلا بواكي له..!

[kurdi91]

في العراق موزاييك قومي وديني واجتماعي وطائفي عجيب، فمن حيث القوميات هناك عرب الذين يمثلون اكثر من ثلاثة أرباع المجتمع العراقي ويأتي بعد العرب الكرد الذين تقترب نسبتهم من الـ 20% والبقية هم تركمان وآشوريون وهناك نسبة من الأرمن، وقد تكون هناك أقليات أخرى انحلت في المذكورة، أما من حيث الديانة، فهناك الإسلام بمذهبيه السني والشيعي، يمثل الديانة الرئيسية في العراق حيث يعتبر المسلمون اكثر من 95% والبقية هم مسيحيون بمختلف مذاهبهم وديانات وطوائف أخرى، أما اجتماعيا فهناك طبقة أغنياء في درجات لا يتصورها العقل وطبقات فقيرة في مستوى متدنية جدا، قد يستغرب تواجد مثل هذا المستوى المعيشي المتدني في دولة غنية الثروات كالعراق، إضافة الى مناطق تسيطر عليها عشائر، حيث فيها الموروث العشائري هو المسيطر، مقابل مناطق أخرى تعيش مدنيا كما يعيش الإنسان الغربي اليوم، أما طائفيا فحدث ولا حرج، فبالنسبة للمسلمين قد يكون العراق النموذج الاول لتجسيم تعايش الشيعة مع السنة بهذه النسب الكبيرة والمتقاربة، حيث هناك 18 محافظة عراقية تتقاسم الشيعة والسنة من حيث التواجد بينها بالتساوي اذا اعتبرت المحافظات الكردية (كركوك، السليمانية، اربيل، دهوك) محافظات سنية الى جانب المحافظات العربية السنية (موصل، ديالى، سامراء، الانبار، بغداد) اما المحافظات الأخرى في الوسط والجنوب فهي محافظات للشيعة، مع محافظات يختلط فيها السنة بالشيعة مثل (بغداد، البصرة، ديالى)، وهناك يزيديون وهم طائفة متصوفة انحرفت عن الاسلام تماما لتتبنى لها ديانة خاصة بها ويتعامل الناس معهم كدين آخر غير الاسلام، وهم اكراد يتواجدون بين مدينتي موصل ودهوك في الشمال العراقي، علما ان هناك من المؤرخين من يعتبرون اليزيدية هي ديانة زردشت الذي يعتبره بعض الاكراد انه كان نبيا للديانة الزردشتية قبل الميلاد، وله كتاب سماوي باسم ( ئافيست) دون ان يكون هناك دليل علمي او حتى تاريخي على ذلك، واليزيدية هم بقية هذه الديانة، ولكن المؤرخون المسلمون يذهبون الى اسلامية هذه الطائفة وتبعيتها لـ (يزيد بن معاوية) الذي هرب والتجأ الى كردستان العراق وبقي هناك، وحب هؤلاء ليزيد دفعهم الى تعظيمه بعد وفاته الى درجة العبادة وكانت النتيجة الطائفة اليزيدية، وهناك الكاكائية وهي ايضا طائفة منحرفة عن الاسلام تتواجد في شرق العراق على الحدود الايرانية في مدن خانقين ومندلي وحواليهما، اما المسيحيون فهم ايضا طوائف تنقسم ما بين الكنيسة الشرقية والغربية، وبين من يفتخر بجذوره الاصيلة في المنطقة والتمسك بآشوريته، وبين من سلك مسلك حركة التنصير العالمية..

اما فكريا، فكان العراق في مقدمة دول المنطقة التي نشطت فيها التيارات اليسارية الشيوعية في منتصف هذا القرن، مع التوجه الاسلامي الممثل بالاخوان المسلمين الذي كان يقوده شمالا وجنوبا الشيخ محمد محمود الصواف، إضافة إلى التوجهات القومية، والطائفية التي كانت تغلي بها المجتمع العراقي، وكان العراق في مقدمة الدول التي وقفت شعوبها ضد الاستعمار، وتحررت من قبضته، اضاف هذا الموزاييك المتنوع في العراق موزاييكا سياسيا اخرا ادت بالعراق الى انقلابات عدة، سواء على الملكية او حتى الانظمة الجمهورية التي تعاقبت بعد الملكية الى أن ثبت العهد بسيطرة الحزب البعث العرابي الاشتراكي الذي اسسه مسيحيون عرب امثال ميشل عفلق، وشبلي العيسمي واخرون قدموا من سوريا ولبنان، اما صدام حسين فكان حينها مجرد كادر حزبي في حزب ميشل عفلق، ترك مدينته تكريت التي تقع في شمال بغداد بحدود 200 كلم، متوجها الى بغداد، ثم سلك في صفوف الحزب، وشكل بعدها عصابة تمكن بواسطتها التقدم في صفوف الحزب والوصول الى الصفوف القيادية، وعن طريق تنحية رفاقه في الحزب بالقوة اصبح هو القوة التي لا تقهر في الحزب البعث العربي الاشتراكي ادت به الى تنحية رئيس الجمهورية العراقي السابق (احمد حسن البكر) الذي استلم السلطة في عام 1968 بعد الانقلاب على عبدالرحمن عارف، وكان صدام هو من كان يتحرك بتخطيطه رئيس الجمهورية لمدة عشر سنوات، الى ان رفسه في طريقه كي ينفرد هو بالسلطة في العراق منذ عام 1979 والى الان..


العراق بهذا التنوع المتعدد، يعتبر مهد حضارات المنطقة التي توالت فالحضارة الآشورية والبابلية والسومرية، وفي كهوف جبال شمالها كان مهد الانسان الاول، ثم موطن ابو الانبياء ابراهيم الخليل، وفيه كان اول قانون وضعها حمورابي، وارضها كان مهبط سفينة نوح عليه السلام لتنطلق الحياة ثانية بعد الطوفان من جبالها، ناهيك عما يكمن في ارض بلاد الرافدين من خيرات وثروات، حيث يجري على طول اراضيها اطول نهرين في المنطقة هما (الدجلة والفرات) ناهيك عن العشرات من الانهار والبحيرات على طول شماله وجنوبه، وبذلك يتوقع خبراء المياه بان العراق سيكون اهم منطقة استراتيجية مائيا في المستقبل حيث يتوقع ان يتحول حرب المصالح على النفط الى حرب المصالح على المياه! لان مياه العراق في شماله هي مياه عذبة نظيفة لم تتلوث بملوثات البيئة التي تلوثت بها اغلب مياه العالم. والعراق يعتبر الاولى من حيث الاحتياط النفطي الغير معمول عليه، ناهيك عن المعمول عليه الان.


وبدلا ان تكون دولة هي هذه، تستفيد من هذه الثروات البشرية والقومية والدينية المتنوعة، اضافة الى الثروات النفطية والمائية والزراعية، اصبحت تعاني شعوبها من كل هذه الخيرات المتنوعة، وبدت وكأنها وبالا على اصحابها، تمكن الحزب البعث العربي الاشتراكي طوال ثلاثين سنة من تحويل هذا الكم المتنوع من حيث الديانات والقوميات والافكار والتوجهات الى وحدة انصهارية واحدة هي المقولة المشهورة في العراق (اذا قال صدام قال العراق، واذا قال العراق قال صدام!) أي اصبح صدام هو العراق وبالعكس!

وفي طريق تحقيق تلك الوحدة الانصهارية العجيبة، كانت هناك مواجهات مع كل الطيف العراقي، دون تجنب للون، او دين، او قومية، او طائفة، او فكرة على حساب الآخر! فكانت هناك مذابح وكوارث ضد الاخر ايا كان هذا الاخر في داخل العراق! وهذا ما سبب رد فعل من الآحر كان هو الاخطر على العراق (الوطن الام) مما مارسه صدام بحق العراق، حيث اعتبر المظلوم ان الاخر العراقي هو الظالم دون ان يحدد بالضبط من هو الظالم!

فاعتبر الكرد بان العرب هو الذي يظلمه.. دون ان يشعر بان العرب مظلوم مثله..

واعتبر الشيعة ان السنة يظلمونه.. وكأن السنة في حال افضل منه..

واعتبر المسيحيون ان المسلمين يظلمونه..

وهكذا ظن صاحب الفكر الشيوعي، والاسلامي، واليبرالي، والعشائري… الخ

هذا ما سبب حالة غريبة في العراق قد لا يجد مثلها في أي مكان آخر، وبذلك زرعت في العراق أمراضا مزمنة تفعل فعلتها بالجسد العراقي بمرور الزمن..

فاصبحت في العراق هناك قضايا كثيرة : (قضية الشيعة، قضية الكرد، قضية التركمان، قضية الاشوريين، قضايا الافكار المتنوعة… الخ) دون ان تكون هناك قضية هي اهمها وهي (قضية العراق)


هناك مشكلة اخرى اصبحت هي ايضا خطرا على العراق:

فالحرب التي قادتها امريكا منذ اكثر من عشر سنوات بدلا ان تكون حربا على نظام قد تجاوز حدوده حسب المقياس الامريكي، اصبحت حربا على العراق كوطن، والدفاع الذي يجب ان يكون عن العراق كوطن من اشقائه في الدين او في القومية، اصبح دفاعا عن النظام، والمعارضة التي يجب ان توجد، وتؤدي دورها لم ترى طريقا الا بالتحالف مع امريكا عدو العراق الاول، ومن منطلق الدفاع عن العراق اصبح المدافع عنها يعادي المعارضة مدافعا عن صدام! اذن اختلطت الامور واصبحت فيها حيص بيص لا أول لها ولا آخر! واكبر دليل على ذلك تحولت كل قضايا الموزاييك العراقي في مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في لندن في اواسط ديسمبر الجاري، الى قضايا لها اصحابها والناطقين باسمها، او كانت لها بواكيها.. الا.. العراق.. حيث لم تكن له البواكي..

فحقا العراق، لا بواكي له..

[السنونو المهاجر]

ما أحوجنا لمثل هذه السطور الآن...!

[أحمد من دبي]

وماذا ستفيد هذه السطور الان ؟؟

[فارس نجد]

خليط عجيب هذا العراق

لكن السؤال هل هو خليط متجانس ؟

هذا ما لا أراه , خصوصاً اذا نظرنا الى المعارضة العراقية فكل حزب يمثل طائفة أو قومية فالشيعة لهم أحزاب و العرب السنة لهم أحزاب و الكرد السنة لهم أحزاب و الآشوريين لهم تجمعات الخ ..

لا نرى أحزاب تجمع الشيعة و السنة العرب و السنة الكرد و غيرهم الا فيما ندر .

أعتقد أن هذا الوضع يثير الشبهات حول مستقبل العراق بعد صدام حسين مما جعل البعض يعتقد أن العراق سيتقسم بعد صدام الى جنوب شيعي ووسط سني عربي و شمال سني كردي .

[جاد]

الله يستر ،،،
اسألوا الله العفو والعافية ،،،

[landles]

نحن دائما بحاجة للأشياء غير المفيدة

[kurdi91]

أشكر المعقبين على الموضوع.. بين من اراد الاستفادة من هذه الاسطر وبين من رىها غير مفيدة..

هناك مشكلة حقيقية وهي تعمالنا مع الازمات التي لنا علاقة بها.. حيث التعمال ليس وليد معرفة داخل الازمة، وحقيقتها، ومولداتها، ونتائجها.. الخ..
للاسف الموقف من اغلب ازماتنا يكون بيعدا عن معرفة المعلومات عن الازمة..
وما اردت من المعلومات المكتوبة اعلاه الا تزويد الاخوة بهذه المعلومات وهي للداخل العراقي والذي يجهل بها الخارج الغير العراقي..
والمعلومات هي مجرد معلومات يعلم بها من هو المختص بالشان العراقي وكذلك للعراقي الذي يعيش بنفسه الازمة.. وهي سواء كانت مفيدة أم مضرة هي معلومات وحقائق عن العراق.. من المهم معرفتها..

هناك ظاهرة استنتجتها من قراءاتي ومشاهداتي للحوارا التي تحدث بين طرفين او اكثر حول الازمة العراقية الحالية ارى شيئا عجبا وهو:

- ان العراقي (الغير المنتمي للسلطة طبعا) يقف الموقف المؤيد لتغيير النظام ولو كان ذلك على حساب تاييد الضربة والحملة الأمريكية العدوانية على العراق..

- اما الطرف الغير العراقي ( الاسلامي او العربي ) يقف موقف الدفاع عن النظام وبقاءه من منطلق الوقوف ضد الحملة الامريكية، بل يقف موقف الضد لكل من لم يقف نفس الموقف..

هذا وكان ليس هناك مواقف بين الموقفين اعلاه لبعض الاشخاص او الاطراف الذين يدرسون القضية من كل زواياه، وخاصة من الذين يعيشون الازمة نفسها..

[السنونو المهاجر]

أستاذي الكريم كردي
لابد وأنك على علم أن العراق الآن يشغل العالم والعالم يشتغل بالعراق.. إلا نحن العرب.. نحن مشغولون بأمور أخرى.. وبعد مرور العاصفة سنستيقظ لتقييم حجم الخسائر والأرباح..
فعلام تتعب نفسك وتكتب كل هذا باكيا باحثا عن بواكٍ لعراق أفل نجمه...!

[السنونو المهاجر]

نسيت أن أقول أن للعراق باكياته.. هم ذكورنا ممن يتهمون أنفسهم بالرجولة.. أنا وأنت أولهم يا سيد كردي..