هكذا تكلم عصامشت

[issam]

هكذا تكلم عصامشت
مقدمة جد ضرورية : (من بين مواضيعي كلها … يحتل هذا الموضوع مكانة خاصة ,عندما أقدمه للبشرية فإني أعطيها أكبر هدية يمكن أن تتلقاها ..إن هذا النص الذي يخترق صوته أعماق القرون المقبلة ليس فقط أرقى موضوع كتب ووجد حتى الآن ,الموضوع الحقيقي الذي يليق بهواء القمم والأعالي ,و إنما هو كذاك أعمق موضوع أنبثق من كنوز الحقيقة الدفينة الآكثر سرية .كل الظواهر البشرية تنحط عن علوه الشامخ أو تقع على مسافات لانهائية تحته ..إنها بئر عميقة لا تستنفذ. وكل سطل أو دلو ينزل إليها لا يمكن أن يخرج إلا وهو مليء بالذهب المصفى والطيبة الإنسانية …)

قصة يحكيها كل عقل بشري صاف.


***


في صباح حالك تناولت ورقة و قلما لأكتب رسالة إلى شخص مهم جدا ..وبمجرد ما انتهيت من كتابتها , أعدت قراءة الرسالة بتمعن مرات ومرات ..تهللت أساريري اغتباطا ,أعجبني جدا أسلوبي في الكتابة , هكذا قلت معتزا لقد بينت فيها كل شيء ولم أهمل أي فكرة قد تخدم قضيتي أحسنت اختيار كلماتها وبرعت جدا في التعبير، إن من أخاطبه شخصية مهمة بل مهمة جدا وطبعا يجب مراعاة من نخاطب . أليس الناس مقامات ؟ طويت الرسالة وأدخلتها في ظرف أبيض مستطيل ، أغلقت الظرف ، ألصقت الطابع البريدي، و أخيراً كتبت على ظهر الظرف، وبخط عربي مبين :
(إلى الضمير العالمي )
لحظة توقفت عن الكتابة مفكرا , وبدأت أتساءل : أين يا ترى مقر الضمير العالمي ؟ما عنوانه ؟في أي بلد وفي أي مدينة موجود ؟لماذا لم تفكر في هذا يا عصام قبل كتابة الرسالة ؟ هل ضاع مجهودي عبتا ؟كيف يمكنني إرسال الرسالة اذن ؟
وخرجت إلى الشارع أسأل : هل منكم من يعرف الضمير العالمي ؟ ما عنوانه ؟ لكن عبثا ، وأعود للمنزل أجر أذيال الخيبة و غصة في حنجرتي أخرستني بعد أن قال لي آخر من سألتهم عن هذا الضمير العالمي وكيف يمكنني مراسلته :
(لا تكبد نفسك عناء ومشقة الكتابة لوهم لا وجود له إلا في مخيلة أشخاص مهووسين بالمدينة الفاضلة ،أو في أذهان من يعانون
الاضطهاد .
و في غرفتي بدأت أفكر في المشكلة …و بعد هنيهة انتفضت …لا وقت لدي ، إن الرسالة قد كتبت وانتهى الأمر :لقد ضمنتها حقائق مدعومة بحجج دامغة ،يجب أن يقرأها هذا الضمير. ضروري أن يقرأها بنفسه ،حقائق يعايشها كل العالم ويعاني من ويلاتها أبرياء كثيرون ..يجب ان يقرأها يجب أن يطلع عليها حالا الضمير العالمي ويتخذ في حقها قرارا حازما عاجلا .نعم ..كفى اجترار المرء لآلامه منفردا ،للصبر حدود ،كفى سكوتا عن الحق ،كفى تسترا عن المجرمين بالصمت أنا لن أتواطأ أبدا إن الساكت عن الحق شيطان اخرس .
من يدري لعل هذا الضمير يلتفت في الأخير ناظرا إلى معانات الإنسانية في كل مكان ، فيحظى المظلومون بالمواساة والاهتمام ويتنفس الأبرياء الصعداء .
حسنا ..
تنحصر مهمتي الآن في إرسال الظرف عن طريق البريد .و هكذا على غلاف الظرف كتبت : (إلى الضمير العالمي ).
* * *
في قاعة فرز الرسائل صاح الموظفون :
-ها ها ها ..من هذا الأحمق صاحب الرسالة؟! !
-ها ها ها … هل هذا لغز يا صديقي ! !
-ها ها ها …نعم مهمتنا أن نبحث له عن عنوان الضمير العالمي …
وأخيرا قام الموظف بحمل الرسالة إلي مديرة ليتخذ فيها قرارا ، حسب ما تقتضيه الأمانة .
ومر أسبوع كامل .. ثم تلقيت رسالة بالبريد ..أمسكت الظرف الأبيض بيدي وآنا أعتقد أنه حتما رد و جواب من الضمير العالمي على رسالتي التي كنت كتبتها له :
وأنا ألقي نظرة على الظرف .. اكتشفت أنها رسالتي نفسها اللي كنت أرسلت لكنها عادت إلي ..
ها هي ذي سطور مكتوبة بالأحمر على الظرف تقول و المعنى صادم .

(يا أحمق..لا وجود للضمير العالمي .)


***


لا تضحك .