مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 05-07-2001, 09:13 AM
ميثلوني في الشتات ميثلوني في الشتات غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 2,111
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ميثلوني في الشتات
Post

الفصلين السابع والثامن من الكتاب
.
.
7
عودة اليهود والفجوة الكبرى

إن قارئ أسفار التوراة -لاسيما أنبياء عهد السبي وما بعده- يجد بوضوح تام أنها تشتمل على نبوءات عن اليهود في آخر الزمان ، وأن لهم بقية يكون لها اجتماع ومملكة أخرى في فلسطين ، وأن الله سوف يسلط عليهم غضبه بواسطة أمة قديرة تجتمع عليهم من أطراف الأرض.
ولكن قارئ الشروح والتفاسير سوف يحار ويتيه لكثرة الاختلاف والتناقض بينها في تأويل هذه النبوءات وتنـزيلها على الواقع ، وهو ما يتـزايد مع الزمن بظهور فرق جديدة وآراء جديدة.
لكننا نستطيع مساعدة القارئ بالقول إن جملة هذه الآراء تنحو طريقتين :
1- أن تكون تلك النبوءات قد حدثت فعلاً ، وهو رأي قديم فاليهود في كل عصر ينـزلون تلك النبوءات عليه ترقباً للخلاص ، وهذا يشبه الدول التي قامت في التاريخ الإسلامي باسم المهدي المنتظر ، كدولة بني عبيد ودولة الموحدين وغيرها، فآمن بها أناس -ولا يزال لها أتباع- وكما في إنجيل "مَتَّى" الذي يجعل واضعه النبوءات في المجيء الأول للمسيح. وبهذا تأثر الكاثوليك فمال أكثرهم إلى هذا الرأي.
وهذا الرأي هو الأساس الذي بنى عليه رواد مدرسة النقد التاريخي للكتاب المقدس في عصر التنوير عملهم، حتى تطرف بعضهم فـزعموا أن كلام الأنبياء إنما هو تاريخ للماضي لا حديث عن المستقبل، فهم إذن مجرد أخباريين نقلة وليسوا أنبياء !!
وهذا الاتجاه مناقض لتلك النبوءات نصاً وروحاً ، إذ كيف يقول الله لنبي ((قم وتنبأ على إسرائيل)) أو ((على مصر)) أو ((على أدوم))... ويكون ذلك قد وقع فعلاً من قبل ؟.
وما من دليل على تأخر عصر الأنبياء عن الأحداث التي ذكروا إلا مجرد التخمين بل المجازفة.
ولهذا لا نجد مشقة في رد هذا الرأي من أصله ، لاسيما وقد أصبح التاريخ مكشوفاً لنا أكثر من ذي قبل بكثير ، ولم يعد لمنهج الرد بالجملة من مبرر.
2- أن هذه النبوءات على ظاهرها حديث عن المستقبل ، وهو الاحتمال المنطقي الصحيح، لاسيما وأن تنـزيلها على المجيء الأول للمسيح غير معقول عقلاً وواقعاً فهي تتحدث عن دولة وممالك وحروب .. مما لم يكن قط في عصر المسيح، ولهذا فإن أكثر الشراح من اليهود والنصارى وخاصة في القرون الأخيرة ينـزلون مثل هذه النبوءات على العهد الخلاصي -أو "المشيحي" (بالشين) كما يسمونه- أي أحداث آخر الزمان بين يدي الدينونة الكبرى أو معها ، والعهد الخلاصي منوط عند النصارى بالمجيء الثاني للمسيح. في حين يعتقد اليهود أنه منوط بالملك من نسل داود المسمى عندهم "ملك السلام".
ومعنى ذلك أن كلا الطرفين هنا بل كلا الطريقين في دراسة النبوءات يتفقان على أنه منذ عصر المسيح  أو بعده بقليل ، لا يوجد شيء من أحداث التاريخ تنطبق عليه النبوءات، وسيظل الأمر كذلك إلى أحداث الساعة الكبرى. وهذا بلا شك افتراض جائر لا يسوغه إلا سبب عظيم جداً !!.
إذن فلا بد أن هناك أمراً ما يتعمد هؤلاء تحاشيه بالهرب من إنـزال هذه النبوءات على المرحلة التاريخية الفاصلة بينهم وبين المسيح . فما هو هذا الأمر ؟ ولماذا هذا الإصرار على ترك تلك الفجوة مفتوحة لتـزداد اتساعاً بمرور الزمن ، فربما بلغت الآلاف من السنين والعلم عند الله تعالى وحده ؟.
لا شك أن هذا لم يأت صدفة ، ولكنهم وجدوا أن أعظم حدث تاريخي في هذه المرحلة هو بعثة محمد  وظهور دينه على الأديان كلها ، ولم يكن أمامهم سوى أحد احتمالين :-
1- إما أن يؤمنوا بما جاء عنه من البشارات التي تضمنتها نبوءات الأنبياء ، أو على الأقل بما ينطبق على أمته منها ، وهذا فيه إيمان به أو إقرار بأن بعض النبوءات قد جاء عنه، وهذا يجر بتسلسل منطقي إلى ما بعده ، وفي النهاية يمكن بسهولة ووضوح وضع اللبنات المفقودة في بناء النبوءات ، وإذا بالبناء كله صورة ناطقة بشهادة الحق للإسلام ودولته وحضارته !!
وهذا السبيل قليل من سلكه من شرَّاح أهل الكتاب لأن الواقع أن من سلكه قد انتظم في سلك هذه الأمة المختارة وهم أخرجوه أن يكون منهم !!
2- وإما أن يضربوا صفحاً عن كل ما يتعلق بهذا الدين ويكتموه كتماً يدهش لـه كل ناظر ، وهذا ما اختاروه إلا قليلاً منهم .
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن كفارهم الأولين خير منهم ، وأعني بهم باحثي العصور الوسطى فإنهم لم يستطيعوا تجاوز تلك المرحلة لكنهم اختلفوا طوائف :-
1- فمنهم من وجد أنه لا مناص من الإقرار بنبوة محمد  ، وأن بعثته وملك أمته هو أعظم حدث في التاريخ العالمي كله ، فلا يعقل أبداً أن تأتي النبوءات عن أحداث محلية لعشيرة صغيرة -كبني إسرائيل- وتتجاهل الحدث الأكبر الذي يتمثل في تقويض الامبراطوريات الوثنية العالمية ، وقيام مملكة موحدة تعبد الله وتقدس جميع رسله على أنقاضها ؟ وهي المملكة التي بسطت نفوذها ونشرت العدل والطمأنينة على الدين والنفس والمال في معظم المعمورة ، وهؤلاء تعارضت عندهم هذه الحقيقة الصارخة مع تعصبهم الأعمى لدينهم، فرأوا أن المخرج من ذلك هو الادعاء بأنهم غير مخاطبين بشريعة الإسلام ، وأن الإسلام دين خاص بالعرب ، ومن أشهر هؤلاء بولس الراهب الذي رد عليه شيخ الإسلام في كتابه ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)).
2- ومنهم من كبر عليه إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم ، فـزعم أنه ملك من الملوك كما كان بختنصر وسنحاريب ، وأن ملك أمته هو امتداد لتلك الإمبراطوريات الوثنية . وهؤلاء في الحقيقة لا للنبوءات اتبعوا ، ولا بالإسلام آمنوا ، ولا لبني دينهم نفعوا فكانوا أقل ممن سبقهم عدداً وأثراً .
3- ومنهم من غلا وطغى ، وعكس الحقيقة ، وجعل الليل نهاراً والنهار ليلاً ، فـزعم أن رسول الله  هو "الدجال" أو "النبي الكذاب" أو "الوحش" المذكور في النبوءات ، وأن المحاربين لـه ولأمته هم القديسون الأطهار والملائكة الأبرار ، وعلى هذا التأويل الفاحش اعتمد دعاة الحملات الصليبية من البابوات والرهبان في تأجيج حماس الجماهير الغبية وسوقها إلى بلاد الإسلام( ).
إن النتائج السلبية الواضحة لهذه الآراء الثلاثة جعلت خيار الصمت والتجاهل هو المفضل لدى أكثر الباحثين لاسيما المتسترين بالموضوعية العلمية !!.
وهذه الآراء القديمة كادت أن تختفي في خضم الصراع العنيف في العصر الحديث بين الكنيسة والعلم من جهة ، وبين الطوائف النصرانية نفسها من جهة أخرى ، وصادف ذلك خضوع المسلمين شبه الكامل – للغرب وخروج اليهود من أحيائهم الخاصة ((الجيتو)) وجريهم وراء الذهب والربا والاحتكار متناسين أرض الميعاد وعهد الخلاص.
ولكن ولادة الحركة الصهيونية أعادت هذه القضايا إلى ساحة الإيمان الديني والجدل الفكري.
والعجيب أن الحركة الصهيونية لم تولد يهودية بل هي نصرانية الأصل والمنشأ ، والداعون لها من اليهود جاءوا تبعاً وكانوا من العلمانيين ، ولا تخطيء العين رؤية المزارع الصهيونية "كيبوتـز" نموذجاً للتطبيق الاشتراكي ، ولا يحتاج الباحث إلى دليل ليقول إن كثيراً من اليهود يرون في قيام هذه الدولة تجاوزاً لأحكام الله ونذيراً بهلاك اليهود . فالحركة الصهيونية النصرانية المتمثلة في الأصولية السالف ذكرها هي التي أعادت المعركة جذعة ، وهي التي روجت ولا تزال للتأويلات الباطلة للنبوءات ، وهي التي اعتبرت قيام الدولة اليهودية مقدمة لنـزول المسيح ، وابتهجت بفشل مشروع السلام وقيام الانتفاضة الأخيرة..
إن هؤلاء هم الذين أظهروا بصورة عملية جلية عمق تلك الفجوة التاريخية ، وريبة ذلك الصمت أو التجاهل ، ومن ثم جرُّوا سائر بني ملتهم جراً إلى الخوض فيها بعد أن كانت خطراً ممنوع الاقتراب !!
وهكذا وقع الفكر العالمي عامة والدراسات المستقبلية خاصة في فوضى صاخبة ، وأزمة عنيفة سببها المفارقة والتصادم بين التسليم بأن كل نبوءات الخلاص والعدل والسلام والأمة التي يتخذها الله أداة لانتقامه ، ويسلطها على قوى الكفر والظلام والفساد لن تتحقق إلا في نهاية الزمان وعلى يد المسيح عليه السلام ، وبين الرفض العقلي المطلق لدعوى أن قيام دولة إسرائيل وحلول الألفية هو بداية نهاية الزمان وأن ذلك المستقبل البعيد هو هذا الحاضر المشهود ، والسبب في هذا هو الفكر الكتابي المتناقض الذي فتحت طائفة من أهله الفجوة التاريخية الكبرى وجاءت أخرى لتسدها بكل ما هو لا عقلي ولا منطقي !!
وهكذا ضاع الحق عند أهل الكتاب بين تجاهل مقصود وتحريف متعمد ، وصدق الله تعالى :  يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون 
وليس قلب الحقائق هو جريمة أهل الكتاب هؤلاء فحسب ، بل إن قطع الرجاء لدى البشرية بالخلاص ، وإفقادها الأمل في انتصار الحق والخير والسلام هو جريمة أخرى يجب أن يتفق على إنكارها العقلاء من كل ملة !!
إذ من البدهي أن عقلاء العالم -ومنهم عقلاء أمريكا نفسها- لن يؤمنوا قط بالمستقبل كما يرسمه هؤلاء ، وإذن فأين الخلاص والرجاء..؟ أين حكمة الخالق العظيم ورحمته وعدله التي نطقت بها الكتب ودلت عليها الفطر واستدلت عليها العقول وشهد لها الواقع التاريخي الطويل..؟ أتكون هذه هي النهاية المحزنة أو المعتمة للجنس الذي كرمه الله على سائر المخلوقات..؟
لأن هذا غير ممكن أبداً ، ولأنه لا يمكن إثبات الحقيقة وتنوير البشر إلا الباحث المسلم وحده ، فهو الذي يمتلك النقل الصحيح والعقل الصريح معاً ، لأنه لا يتمسك بالعدل أو الحياد العلمي خوفاً من النقاد ، بل تقوى لله واستجابة لأمره ، لذلك كله ندعو المسلمين إلى القيام بواجبهم في هذا الشأن ونرجو أن يكون فيما نسطره هنا ذكرى لهم وتنبيه لمحبي الخير والعدل من كل ملة وأمة ، ولاسيما أهل الكتاب الذين نأمل أن تعيد طائفة منهم النظر في النبوءات على ضوء القراءة التي سنقدمها لهم.

.
.
.
.
8
.
.
.

نبوءة دانيال

دانيال  نبي من أنبياء بني إسرائيل ، لـه سفر باسمه في كتاب أهل الكتاب يتميز عن أكثر الأسفار بأمور ، وإن كان يشاركها في المشكلة العامة وهي وقوع التحريف أو التعديل ، ومن ميزاته :-
1- وضوح عقيدة التوحيد فهو يسمي الله تعالى بإله السموات خلافاً لتك الأسفار التي تسميه رب القوات (وهي تسمية يهودية تكشف عن النظرة اليهودية لله وللناس). وهو يصف الله بما لا نظير لـه في غيره ، فهو الحي القيوم الذي لـه الحكمة والجبروت والعلم والتدبير والقدرة ، وأنه رب الملوك وكاشف الأسرار والمستحق وحده للسجود والعبادة ، وأن السحر والكهانة والتنجيم باطل...الخ.
2- تطابق ما فيه من النبوءات مع الواقع المعلوم بالتواتر من أحداث التاريخ بحيث لا يشك فيها إلا مغرض.
3- اشتماله على بشارات صريحة بختم النبوة وظهور الرسالة الأبدية.
4- اشتمال نبوءته على أرقام محددة ظلت مدار بحث وجدل طوال التاريخ.
أما دانيال نفسه فهو أشبه الأنبياء بيوسف  ، إذ هو غريب مضطهد لكن الله يرفعه بالعلم وتعبير الرؤيا لدى الملك ، وهو داعية توحيد لا تثنيه الفتن عن ذلك.
ولـه في الإسلام حادثة مشهورة رواها ابن إسحاق وابن أبي شيبة والبيهقي وابن أبي الدنيا وغيرهم ، عن التابعين الذين شهدوا فتح "تستر" ومنهم أبو العالية ومطرف بن مالك، وفيها مما يهم موضوعنا هنا أن الجيش الإسلامي الفاتح وجدوا " دانيال وهو ميت على سرير لم يتغير منه شيء إلا شعيرات من قفاه ، وعند رأسه مصحف فأخذوا المصحف فحملوه إلى عمر  فدعا لـه كعب الأحبار فنسخه بالعربية ((قال أبو العالية فأنا أول رجل قرأه -قال الراوي عنه- : فقلت لأبي العالية : ما كان فيه ؟ قال : سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائنٌ بعدُ ))( )!!.
فالنص إذن مترجم إلى العربية ، وعلى يد الماهر الخبير كعب الأحبار ، وقرأه من قرأه فلا يستبعد أن يكون علماء الإسلام المؤلفون في البشارة بمحمد  من الكتب السابقة " كابن قتيبة وابن ظفر " قد اطلعوا عليه ، وإن لم يكن الأمر كذلك وكان مصدرهم نسخ التوراة في عصرهم فهو أبلغ وأقوى . فهم غير متهمين في نقلهم وأهل الكتاب المعاصرون لهم لم يكذِّبوهم فيه !!
بل قال ابن قتيبة كما نقل عنه شيخ الإسلام في الجواب الصحيح :
((وهذه البشارة الآن عند اليهود والنصارى يقرأونها ويقولون لم يظهر صاحبها بعد)).
ومع ذلك فنحن هنا لن نعتمد على ما ننقله عن العلماء المسلمين بل على ما هو موجود بين أيدي أهل الكتاب اليوم.

نبوءة دانيال العظمى :


رأى الملك نبوخذ نصر (أو بختنصر) رؤيا أزعجته استدعى السحرة والعرافين لبيانها وتأويلها فعجزوا كلهم ، ولكن دانيال تضرع إلى الله تعالى فألهمه الرؤيا وتفسيرها ، ولما دخل على الملك قال له :
((السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون أن يبينوه للملك ، لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرَّف [الإلـهُ] الملكَ ما يكون في الأيام الأخيرة)).
وشرح ذلك قائلاً :
((أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم . هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل . رأس هذا التمثال من ذهب جيد. صدره وذراعاه من فضة . بطنه وفخذاه من نحاس . ساقاه من حديد . قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف . كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما . فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان . أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها . هذا هو الحلم . فنخبر بتعبيره قدام الملك :-
أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرأس من ذهب . وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض . وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء . وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف الفخار والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين . وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً . وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف . وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد . لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب.
الله العظيم قد عرّف الملكَ ما سيأتي بعد هذا . الحلم حق وتعبيره يقين.
حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا لـه تقدمة وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال . حقاً إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت على كشف هذا السر)).
(2 : 21 – 48)
هذا نص الرؤيا التي توصف دائماً بأنها أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية ، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء ولا يصح فيه الخلاف لأن النبي نفسه قد أوّلها ، ولكن أهل الكتاب تعمدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق، فقد أقروا بهذه الرؤيا وتأويلها قروناً ، دون أن يدخلهم ريب في أنها على ظاهرها، وأن المملكة الأولى (الرأس الذهبي) هي مملكة بابل ، وأن المملكة الثانية (الصدر الفضي) هي مملكة فارس ، التي قامت بعد بابل وسيطرت على العراق وبلاد الشام ومصر ، وأن المملكة الثالثة (الفخذ من النحاس) هي مملكة اليونان الذين اجتاحوا مملكة الفرس بقيادة الإسكندر المقدوني سنة 333 ق.م ، وأن المملكة الرابعة (الرجلين من حديد ثم حديد وخزف) هي الإمبراطورية الرومانية التي انقسمت إلى شرقية عاصمتها "بيزنطة = القسطنطينية" وغربية عاصمتها "روما".
لم يكن أحد من أهل الكتاب يشك في هذا إطلاقاً ، بل كانوا جميعاً -لشدة إيمانهم به-ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة الله) التي تدمر ممالك الشرك والكفر والظلم ، لاسيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم فهي التي أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمرت القدس سنة 70 م ، ونصبت الأصنام في المسجد كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من البشاعة والفظاعة قل نظيرها في التاريخ ، وليس "نيرون" الطاغية المشهور إلا واحداً منهم ، وظلوا مضطهدين لهم ثلاثة قرون حتى دخل قسطنطين في النصرانية المحرفة ، واستمر الاضطهاد لليهود والموحدين من النصارى وسائر الفرق المخالفة.
الممالك الخمس الواردة في نبوءة دانيال التي عبر فيها رؤيا بختنصر
وقد ذكرنا ما قبلها للإيضاح( )
موقعها من الرؤيا أهم ملوكها الدولة
قبل دانيال  داود  حكم من 1013-973 ق.م .
سليمان  حكم 973- 933 ق . م .
ثم انقسمت مملة بني إسرائيل إلى مملكة يهوذا وإسرائيل . الدولة الإسلامية التي حكمت بكتاب الله ((التوراة))
سرجون الثاني حكم 772 – 705 ق . م .
أخضع الأراضي المقدسة لحكم الآشوريين . مملكة الآشوريين (بابل)
المملكة الأولى في الرؤيا (الرأس الذهبي) بختنصر حكم من 630 – 562 ق . م .
دمر القدس وأخذ الإسرائيليين أسرى إلى بابل وعاصره دانيال وعبر رؤياه المشهورة . مملكة الكلدان (بابل)
المملكة الثانية (الصدر الفضي) قورش الذي قضى على الكلدان
حكم من (550-529) ق.م. مملكة القدس
المملكة الثالثة (الفخذ النحاسي) الإسكندر الكبير الثالث
حكم (336 – 323) ق.م واستولى على الأراضي المقدسة (333) ق.م . مملكة اليونان
المملكة الرابعة (الساقان الحديديان والأقدام من خزف وحديد) 1- الإمبراطور أغسطين مؤسس النظام الإمبراطوري الذي في أيامه ولد المسيح  .
2- دقليديانوس الذي قسم الإمبراطورية دولتين شرقية وغربية لكل منهما قيصر مستقل . حكم من 248-305 م.
3- قسطنطين الأول مؤسس القسطنطينية ومعتنق النصرانية توفي سنة 327 م بعد مجمع نيقية بسنتين.
4- هرقل حكم سنة 610 م وفتح المسلمون الأراضي المقدسة في عهده وودعها إلى الأبد. مملكة الروم
في ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان ، المسمى عندهم "أركون السلام" ، الذي على كتفه خاتم النبوة ، والذي بشر به الأنبياء كلهم ، حتى أن المهتدين من علمائهم جمعوا من سفر أشعياء وحده ثلاثين بشرى به( ) وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصية . والعلامات الكونية ، ويترقبون تلك الدلائل العلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الإمبراطور المتعبد العالم بدينهم "هرقل" : ((قد ظهر ملك أمة الختان)) وأيقن بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم الكفر الأمي –أبي سفيان– ((بأن ملكه سيبلغ موضع قدميَّ)) كما ثبت في الحديث الصحيح المشهور.
وفعلاً قامت المملكة الربانية الخامسة وملكت موضع قدمي هرقل وغادر الشام وهو يقول : ((سلام عليكِ يا سورية ، سلام لا لقاء بعده)) !!
قامت فسحقت ممالك الوثنية وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام وكانت مساحتها تزيد على مساحة القمر ودخل تحت لوائها من كل شعوب الأرض طوائف عظيمة وهنا فقط تفرق أهل الكتاب واختلفوا !!
 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينةْ
 وءاتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم  !!
فمنهم –وهم كثير جداً– من آمن واهتدى ، ومنهم من كفر وذهبوا في كفرهم شيعاً لا حصر لها ولا يزالون يتكاثرون وينقسمون كما تتكاثر الجراثيم !!
ويهمنا هنا الإشارة إلى اختلافهم بشأن رؤيا دانيال الواضحة :-
لقد انقلبوا على أعقابهم !فبعد أن كانوا لا يختلفون أبداً في تأويل المملكة الرابعة (مملكة الروم) نراهم يتعسفون تأويلها ، ويتعمدون تأجيلها أو تحويلها ، أو على الأقل التعتيم عليها ،كل ذلك تخلصاً وهروباً من الإقرار بالمملكة الأخيرة ، على ما سبق إيضاحه في الفصل السابق.
وبلغ الأمر ذروته وعنفوانه في الحركة الأصولية " الصهيونية النصرانية ".
وقبل أن نعرض تأويلهم ومدى صحته نذكِّر بأن الرؤيا رسمت صورة بليغة لممالك الكفر التي تعبد الأصنام المنحوتة من دون الله تعالى ، إن هذه الممالك هي بذاتها صنم لـه رأس وصدر وفخذ ورجلان وأصابع ، صنم يجسد الوثنيات كلها لكي تتضح في المقابل صورة الجبل الذي ينتصب مكان الصنم.
رمز في منتهى البساطة وصورة في غاية الوضوح ، وما فعله هؤلاء هو تشويه هائل لا يتسق مع الصورة بحال .
فهم -لكي يجعلوا الجبل هو الألفية عند نـزول المسيح الثاني كما يعتقد النصارى أو مملكة داود العظمى التي يرأسها المسيح اليهودي كما يعتقد اليهود– قالوا : إن هناك فجوة في نبوءة دانيال ، وجعلوها بين الساقين والقدمين !!! ومن المعلوم أن طول المسافة الزمنية بين رأس التمثال وساقيه أي بين مملكتي بابل والروم [من وفاة بختنصر إلى استيلاء تيطس على القدس] هو ستة قرون تقريباً لا أكثر.
وهذه الفجوة التي يفتعلونها بين الساق والقدم طولها ألفا سنة !!
والمصيبة أنها ستظل تطول حتى قيام الساعة فلنتخيل هذا التمثال الغريب الذي تطول الفجوة بين أعلاه وأسفله كل يوم !!
إنها صورة لا يصدقها العقل فضلاً عن أن يقبلها فنان أو يستحسنها ناظر.
وقد عرفنا لماذا افتعلوا هذه الفجوة فالسؤال إذن بماذا سدوا الفجوة ؟
لقد انتـزعوا " قطع غيار " شاذة من تمثال آخر وأرادوا إلحامها بالتمثال !!
إن هذا التـزوير لم ينجح ولكنه بلا ريب ألقى ظلالاً من الضباب حول الرمز لابد من تجليته.
وجد هؤلاء أن لدانيال رؤيا أخرى – أو بالأصح في سفره رؤيا أخرى في الفصل السابع هي رؤيا الحيوانات الأربعة ، فسرقوا الحيوان الرابع وركبوه في التمثال ، مما يذكرنا بأكذوبة "بلتداون " التي ارتكبها بعض الداروينيين حين أراد سد الحلقة المفقودة في سلسلة التطور فركّب جمجمة من أعضاء إنسان وأعضاء قرد !!
والفرق أن الغش في الدين أعظم منه في أي شيء آخر !!
تقول الرؤيا الأخيرة : إن دانيال رأى أنه صعد من البحر المحيط أربعة حيوانات عظيمة مختلفة : الأول كالأسد ولـه جناحا نسر... والثاني كالدب وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث مثل النمر وله أربعة أجنحة وأربعة رؤوس ، والرابع حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد أكل وداس بقية الحيوانات برجليه ، وله عشرة قرون طلع بينها قرن صغير قلعت من قدامه ثلاثة قرون ، وظهر لهذا القرن الصغير عيون وفم إنسان فتكلم بإلحاد وكفر ، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة ؟؟ !!
وبقيت الحيوانات الأخرى حية لكن نزع عنهم سلطانهم.
(الإصحاح السابع)
وقد فسرت الرواية نفسها الحيوان الرابع بأنه (مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك تأكل الأرض كلها وتدوسها ، والقرون العشرة من المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك ويتكلم بكلامٍ ضد العليّ)).
وأخيراً يبيد ملكه على يد "قديسي العليّ" الذين تؤكد هذه الرؤيا مراراً أن العاقبة لهم وأنهم يمتلكون المملكة التي لا تزول !!
ربما لأن للحيوان الرابع أسناناً من حديد والمملكة الرابعة تكون من حديد قالوا إن المملكة الرابعة هي الحيوان الرابع لاسيما -وكل منهما هو ‌‌"الرابع" لما سبقه- وقالوا إن هذه المملكة رمز لأوربا التي سيكون فيها عشر دول قومية يخضع لها العالم قبل نزول المسيح!!.
وعليه تكون المملكة الخامسة هي الألفية السعيدة عند نـزول المسيح.
ومن السهل إبطال هذا الرأي من وجوه كثيرة :-
1- أن يقال ما تعبير الحيوانات الثلاثة الأخرى إذن ؟ مع أنهم مهما فسروها فلا يصح أي تعبير يناقض ما فسره دانيال نفسه ، فكيف تظل الثلاثة الممالك في التمثال هي الممالك القديمة والرابعة هي أوربا الحديثة ، إنها مفارقة واضحة ، المنطق السليم يفرض إما أن نحمل الرؤيا على الرؤيا كلياً وإما نجعلهما منفصلتين كلياً وهو الصحيح ‍‍‍!!.
2- الحيوانات طلعت متجاورة وغلبها الرابع دفعة واحدة. أما الممالك في الرؤيا الأولى فمتتابعة متوالية كل منها غلب ما قبله.
3- الحيوانات الأربعة طلعت من البحر المحيط والممالك الأربع قامت في الشرق والخامسة (الإسلامية) قامت في المنطقة نفسها ثم امتدت شرقاً وغرباً حتى وصلت في أيام المغول والترك إلى شمال أوربا وسيطرت على شرقها كله.
4- الحيوانات الثلاثة تسلط عليها الرابع لكنها بقيت حية أما الممالك الثلاث فقد اندثرت مطلقاً.
5- تعبيرهم الرؤيا الأخيرة باطل في نفسه فإنها ذكرت حيواناً لـه عشرة قرون وفسرتها بأنه مملكة لها عشرة ملوك فتفسيرهم بأنها عشر ممالك متجاورة باطل.
وهكذا فالقول بأن هذه الممالك العشر هي التحالف الأوربي أيام نابليون كما ذكر (بيتز ص 251) أو الاتحاد الأوربي الحالي كما يـزعم المعاصرون لا يصح تعبيراً ولا واقعاً، فهو يناقض كلا الرؤيتين ويخالف الواقع ، فأمريكا وحدها اليوم أقوى من الاتحاد الأوربي كله والاتحاد الأوربي ،لم يعد عشر دول بل زاد كثيراً.
ونحن لا نريد أن نخوض في تعبير الرؤيا لكن في إمكاننا أن نقول : إن الحيوانات الأربع التي طلعت من وراء المحيط هي الإمبراطورية البريطانية "الأسد" وروسيا الشيوعية "الدب".
أما الثالث : شبيه النمر ذو الرؤوس الأربعة و الأجنحة الأربعة فقد يكون الدول الكاثوليكية الاستعمارية الأربع " فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال " أو تحالف دول آسيا المسماة النمور وهي ثمان !!
وبالطبع سيكون الحيوان الرابع الذي أكلها وداسها هو الولايات المتحدة الأمريكية (أو حلف الناتو عموماً) ، أما القديسون الذين سيدوسون أمريكا فلا يحتاجون إلى تفسير بل إلى الانتظار.
ونقول للأصوليين :
إن أعجبكم هذا التعبير فخذوه واستريحوا ، وإن رددتموه وقلتم : ظنٌّ وتخمينٌ. قلنا : نعم ولكن أي الظنين أولى ؟ ولماذا ظنكم أنتم يقين وظننا نحن وهم !!
أما اليقين بهذا الشأن فهو أمران :-
1- أن الروم ذات قرون كما أخبر النبي  : ((فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر))( ).
2- أن المعركة بيننا وبينهم سجال إلى أن يكون الفتح الأخير لروما وينـزل المسيح  ، وهذا ما لا يعلم زمان وقوعه إلا الله ، وعليه فلا يعلم عدد قرون الروم إلا الله تعالى وربما كانت العشرة المذكورة في الرؤيا لا مفهوم لها بل مجرد رمز وهذا مذهبٌ لهم في الأعداد المذكورة في الكتاب المقدس كله( )، هذا إن لم نقل إن في الرؤيا تحريفاً وإضافة !!
وعلى أي حال نحن نعلم أن هذه الرؤيا والخلاف فيها قد لا يثير ثائرة القوم إلا إذا تعرفنا على القرن الصغير الملحد من هو ؟
فقد ذهب طائفة منهم إلى أنه دولة الإسلام ؟
وأن التجديف والإلحاد هو إنكار المسلمين لألوهية المسيح !!
وهذا عجيب إذ كيف تكون المملكة الخامسة العظمى الأبدية قرناً صغيراً من قرون حيوان من الحيوانات الأربعة الذي له غير هذا القرن عشرة قرون كبرى !!
وكيف تكون الأمة الإسلامية التي شملت العرب والفرس والترك والبربر والزنج والهنود والتتار وغيرهم مجرد قرن من الروم ؟ وقرن صغير أيضاً !!
إن النـزول بالبحث العلمي إلى هذا الحد يوجب الإعراض والضرب صفحاً عن هذا اللغو لاسيما وأنه لا علاقة للمسيح وألوهيته بالرؤيا من قريب ولا من بعيد بل السفر كله توحيد.
وذهبت طائفة منهم إلى أن القرن الصغير هو الوحش المذكور في سفر الرؤيا !!
وهنا ينبغي أن نعتذر للقارئ المسلم عن الاسترسال في ذكر الغرائب الحيوانية ، ولا يظن أننا سنورد فيلم الرعب الطويل المسمى سفر الرؤيا !
ونرجو منه أن يتأمل معنا هذا الوحش في لقطة لا تتعدى الثواني من هذا الفيلم ، وليعلم أن القوم في الغرب أضاعوا ويضيعون في هذا ما يعد بالملايين من ساعات العمل ، بل ربما من أيام العمل ، وأن الكتب المتعلقة بها أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا !!
فماذا علينا لو تحملنا دقائق وصفحات لنردهم إلى الصواب ، ونريحهم من العناء ونحمد الله على اليقين.
يقول سفر الرؤيا :
((ثم وقفت على رمل البحر ، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر لـه سبعة رؤوس وعشرة قرون ، وعلى قرونه عشرة تيجان ، وعلى رؤوسه اسم تجديف (أي إلحاد وزندقة) والوحش الذي رأيته كان شبه نمر ، وقوائمه كقوائم دب ، وفمه كفم أسد، وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً ، ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي، وتعجبت كل الأرض وراء الوحش)).
[13 : 1 – 3]
لقد حاول "ت.ب.بيتز" -وهو أجود شارح لسفر الرؤيا- أن يصيب كبد الحقيقة، ويدل قومه على القرن الصغير الملحد ، الذي يخرج من بين قرون الروم ، ولكنه لم يستطع لأسباب :
الأول : مشترك بين كل الباحثين وهو اختلاط الحق بالباطل في الأسفار واستحالة تمييز المحرَّف من الباقي على أصله بله المضاف والمحذوف .
الثاني : مشترك بينه وبين أكثر باحثي أهل ملته كما أسلفنا ، وهو جعل النبوات كلها ‍‍في زمن المسيح القادم ، وتجاهله المطبق للإسلام رسالة وحضارة ومملكة !!
الثالث : يخصه ،وهو أنه هلك قبل قيام رجسة الخراب "إسرائيل " فكان من الصعب عليه أن يفسر الأحداث بدقة.
لكن لما يتميز به شرحه سوف نجعله نموذجاً لتصحيح المنهج.
يقرر بيتز أن الوحش هو نظير القرن الصغير في نبوة دانيال (مع التنبيه إلى أن في سفر الرؤيا وحشين اثنين !!).
وهو في الوقت نفسه الشكل الجديد الذي ستتخذه الأمبراطورية الرومانية ، الذي سيفاجئ العالم قبل نزول المسيح لإقامة ملكوته -الذي هو المملكة الأخيرة الأبدية في نظره.
وهو لما رأى أن الفجوة كبيرة ،وقرونها الزمنية كثيرة ، لا يسدها عشرة ملوك ولو حكم كل ملك قرناً ، جاء بتأويل جديد هو أن القرن ليس ملكاً ! بل هو شكل من أشكال الحكم كالشكل الجمهوري أو الإمبراطوري مثلاً ، ولكل شكل ملوكه الكثيرون، لكنه لم يفصل لنا كل الأشكال بل جعل السادس هو الإمبراطوري ، وافترض أن الشكل السابع عتيد.
أن يقوم أما الثامن والنهائي فهو حكومة الوحش الذي هو القرن الصغير. (ص186).
ولأول مرة -بل من النادر- أن تجد في كلام القوم على كثرته وإسهابه مثل هذا الكلام الرصين الذي يشبه في أوله كلام فقهاء الإسلام ، يقول :
نلاحظ وجه شبه بين هذا الوحش وبين قرن دانيال الصغير فقد حارب القرن الصغير القديسين فغلبهم. (دا/ 7 : 21).
كما أعطي للوحش أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم. (رؤ/ 13 : 7).
وكما في دانيال يتكلم القرن بكلام ضد العلي. (7 : 25).
هكذا في الرؤيا يفتح الوحش فمه بالتجديف على الله. (13 : 6).
وكما أن سلطة القرن الصغير تدوم إلى زمان وأزمنة ونصف زمان (دا/ 7: 25).
كذلك سيبقى سلطان الوحش اثنين وأربعين شهراً. (رؤ/ 13 : 5).
وهي نفس المدة المذكورة في دانيال ولو اختلف الاصطلاح. (189-190).
وهنا لنا وقفة يسيرة فالقوم كالعادة لابد أن يتناقضوا ويحيروا العقل ، إذ كيف يوجد شكل سياسي يحكم فيه مجموعة من الملوك ، ويكون مجموع حكمهم هذه المدة الوجيزة ؟ ثم إنه لم يثبت على رأي واحد ، بل جعله مرة شخصاً حاكماً وأخرى هيئة أو جمعية تآمرية - كما سنرى.
فلنتابع معه الأحوال والأحداث المتعلقة بالوحش لكي نعرف هذا القرن الصغير المشؤوم ؟!
عن هذا يقرر بيتز أمورا ً:-
1- أن الوحش سيكون في أورشليم (193). ويقرر ((إن أورشليم هي النقطة المركزية التي تتجمع حولها الحوادث المذكورة هنا بلغة الرموز)) (194). (ونذكِّر القراء بأنه كتب هذا والقدس شبه منسية عندهم إلا من قليل من السّوّاح أو الزائرين).
2- الوحش (إسرائيلي لكنه لا يبالي بيَهْوَه إلـه الأمة ، ولا بالمسيَّا ((الموعود المنتظر)) رجاء الأمة ، ولا حتى بالآلهة الباطلة التي طالما مالت إليـها الأمة…)).
3- يتحالف الوحش مـع ((رأس الإمبراطورية الرومانية ومركز القوة والسلطة العالمية)) (200).
4- يجزم (بيتز) أن هذا الرئيس الروماني ليس أحداً من الأباطرة السابقين ، بل هو الذي سيأتي عند قيام رجسة الخراب ، التي تحدث عنها دانيال ، وذكّر بها المسيح مرة أخرى ، ويقول :
(من مواضع كثيرة في كلمة الله -أي الكتاب المقدس- يتبين أن العشرة الأسباط سيجتمعون في أورشليم بعد خلاصها وعتقها -أي قبل نزول المسيح- وهناك يحتملون نار الضيقة العظيمة في أشدها ، بينما إسرائـيل الذين رفضوا المسيح سيجتمعون إليها قبل ذلك). (ص 217) أي في يوم غضب الرب على الدولة الرجسة الذي سنعقد لـه فصلاً قادماً بعنوان ((يوم غضب الرب)).
مرة أخرى ينبغي أن نتذكّر أنه هلك قبل قيام دولة إسرائيل بكثير.
5- حكومة الوحش ستكون ملحدة على النظام الغربي ، لا على هدي الوحي بل هي من أكبر أسباب الإلحاد والظلام. يقول :
((في أوربا الغربية الوطن المختار للمدنية والحرية والاستنارة والتقدم كانت نتيجة تفاعل تلك المبادئ البشرية هي قيام حكومة الوحش ملتقى الطغيان والظلام والتعاسة والتجديف)) (ص 238).
6- وتحت زعامة الوحش يقرر بيتز اعتماداً على مفهومه لرؤيا دانيال :
((سوف تتكون عصبة من الحكومات المتحالفة مؤقتاً)) (251).
وصفة الحلف الذي ستعقده الإمبراطورية الرومانية الجديدة هو أن :
((العشرة ملوك الذين يحكمونها يصنعون رأياً واحداً ويعطون الوحش ملكهم)) (ص253).
والعجب حقاً هو أنه ((ليس الوحش هو الذي يجبرهم على إطاعة أمره بل هو عمل تطوعي يقومون به من جانبهم)) (ص253).
كما أنه ليس من شرط الوحش أن يحكم كملك بل ((بواسطة نفوذه في مؤامرات و مشورات على أرض الإمبراطورية الرومانية القديمة أو على الأقل الجزء الغربي منها))!! (ص254).
(ونُذَكِّر بأنه كتب هذا قبل قيام الأمم المتحدة وظهور السيطرة الصهيونية على السياسة الغربية عامة والأمريكية خاصة) !!.
7- وعن عدو الوحش والمعركة بينهما يقول بيتز :- ((إن الحلف القائم بين الامبراطور الروماني واليهود غير المؤمنين لا يمنع غزو الجيش الشمالي ، الذي -بسبب العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في ذلك الوقت- سيباغتهم كسيل جارف ، ويجلب الخراب على الأرض)) (214).
ولتفسير الجيش الشمالي نجده يقول :
((يجمع ملوك المشرق قواتهم ليغيروا على حدود أملاك الوحش ومن الناحية الأخرى سيجمع الوحش باتفاقه مع ملوك الغرب قواته ويزحف إلى معركة هرمجدون المشؤومة)) (ص240 ).
9 - وأخيراً يحدثنا بيتز عن نتيجة المعركة :
((قل أن يحلم الوحش ومساعده الأثيم أنهما سيؤخذان أسيرين من ساحة القتال التي يعجلان إليها ! وأنه سيلقى بهما حيين إلى عذابات بحيرة النار الأبدية ، وقل أن يجرؤ القديسون المتألمون المختبئون بين الجبال والمغاير فيؤمِّلون بأنهم سيرفعون رؤوسهم آخر الأمر)) !!.
والآن وقد عرفنا " الوحش " نسأل : هل هذه النهاية لا تكون إلا في "هرمجدون" وعلى يد المسيح ؟.
إن افتراض ذلك هو الخطأ المشترك بين هؤلاء وبين بعض الباحثين المسلمين أيضاً ، والفرق أن هؤلاء لا يحسبون حساباً للمنطق والعقل وسنة الله في التاريخ ، أما المسلمون فيبحثون غالباً عن سنن طبيعية لتفسير الأحداث... المسلمون كمن يخطئ طريقه في النهار أما هؤلاء فكل سيرهم في الظلمات إلا بقايا من البصيص الباهت !!
لقد قلنا إن بيتـز كاد أن يصيب الحقيقة ، ولكي نساعد قراءه على إصابتها نورد لهم تلخيصه للأحداث كما سطره (ص213). مع حذف العناصر المشيحانية وإبقاء الموضوع في حدود المألوف ، ونقرأ كلاماً بدونها فيكون هكذا :
((سوف تعود الإمبراطورية الرومانية إلى الوجود .. وستكون الكتلة اليهودية قد رجعت إلى أورشليم غالباً في عدم الإيمان (ونقول نحن بل قطعاً)... وبينما هم في أورشليم إذا بقوة عظيمة تهدد ذلك الشعب الراجع ، ولكي تتقي الكتلة اليهودية شر تلك القوة فإنها... تعقد عهداً مع الرئيس العظيم الذي سيكون حاكماً للإمبراطورية الرومانية في عهدها الجديد... إلا أن الحلف القائم بين الإمبراطور الروماني واليهود غير المؤمنين لا يمنع غزو الجيش... الذي بسبب العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في ذلك الوقت سيباغتهم كسيل جارف)) (213–214).
ولو أعدنا نحن كتابة الموضوع فسنقول ببساطة :
1- دولة إسرائيل قرن صغير خرج من الروم من بين قرونهم الاستعمارية الكبرى وقد رجع إلى الأرض المقدسة غازياً مدنساً.
2- الوحش أو الوحشان هما : الصهيونية ذات الوجهين أحدهما يهودي والآخر نصراني.
3- اليهود عامة والصهيونيون خاصة هم دعاة الإلحاد والفساد في الأرض وأكثر أصحاب النظريات الإلحادية منهم : ماركس ، وفرويد ، ودوركايم ، وفيشتة وأرلر ، وماركوز ، وهسّرل ، وشيلر ، وبرجسون ، ومارتن بوبر.
4- قيام رجسة الخراب في القدس هو احتلال اليهود لها واتخاذها عاصمة لحكمهم وهذا مما سنفصل الحديث عنه لاحقاً.
5- الإمبراطورية الرومانية الجديدة هي الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن يشتمل الاسم : الغرب كله وهنا تتداخل مع بابل الجديدة المذكورة في النبوءات الأخرى ، وهي التنبين الذي أعطى الوحش القدرة والسلطان !! وسنرى نهاية هذا التنين مع نهاية رحسه الخراب في يوم غضب الرب.
6- الجيش الآتي من الشمال أومن الشرق هم المجاهدون المسلمون ولهذا أيضاً تفصيله في فصل آتٍ من نبوءات أخرى !!.
وبقية القصة من التحالف والحرب وحلول غضب الرب لا إشكال فيها حينئذٍ !!.
إلا أنه لا بد من الإشارة إلى سبب آخر يوجب تعديل كلام بيتـز ، وهو أن التثليث الذي أفسد عقيدة هؤلاء قد أفسد عقولهم أيضاً ، فهو في ص ( 211 ) ينسى كل ما قال ويؤكد أن الثلاثة الأشخاص الملقبين بالقرن الصغير والوحش والرئيس الإمبراطوري كلهم في الحقيقة شخص واحد !!!.
والمهم أن تغييراً ذا شأن لم يمس جوهر (السيناريو) وكل ما صنعناه هو تعديل أسماء شخصيات المسرحية !!.
والعنصر الأساس في المسرحية هو ((عودة اليهود إلى الأرض المقدسة بلا إيمان)) بل بكفرهم القديم وإلحادهم الحديث ، ومن هنا أقاموا على الأرض المباركة الطاهرة دولتهم التي سماها دانيال ((رجسة الخراب)) وهذا هو موضوع الفصل التالي.
__________________
الشعب الذي يرفض دفع ضريبة عزه من دماء خيرة أبنائه يدفع أضعاف أضعافها ضريبة لذله من دماء كل أبنائه
  #12  
قديم 01-08-2001, 03:04 PM
ميثلوني في الشتات ميثلوني في الشتات غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 2,111
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ميثلوني في الشتات
Post

9
.
.

رجسة الخراب

رجسة الخراب مصطلح كتابي مهم جداً وهو واضح لكن القوم كالعادة أحاطوه بهالة من الغموض في لفظه وفي تأويله.
وهذا التركيب بصيغة المضاف والمضاف إليه له مترادفات أخرى مثل "وحشة الخراب" و "شناعة -أو شنيعة– الخراب" وله ترجمات بالمعنى مثل : "معصية الخراب ، والمعصية المدمرة" أو "الخطيئة المدمرة"... وجاء بمعنى أوضح وهو "المملكة الخاطئة" !!
أما بيـتـز فقد حقق أنها : "المُخَرِّب الشنيع" ويمكن ترجمتها بـ "المخرِّب النجس أو الرجس" ولعل الأصح في الترجمة والأوفق لكلمات الله أن تسمى ((المفسد الرجس)) أو ((الرجس المفسد)).
فلنقرأ ما قال سفر "دانيال" عنها فهو الذي جعل لها هذه الأهمية الكبرى في التاريخ:
ونبدأ ببيان أنه بعد أن أوَّل المَلَك (من الملائكة) لدانيال رؤيا الحيوانات الأربعة السابق ذكرها ختم بخاتمة حاسمة فقال :
((والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي، ملكوته ملكوت أبدي ، وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون . إلى هنا نهاية الأمر ))
ولكن دانيال فزع كثيراً ولا يزال في حاجة إلى معرفة أكثر وكأنما رأى أن رؤيا التمثال عامةٌ وتتعلق برائيها "المَلِك" ورؤيا الحيوانات الأربعة تُهِمّه هو. فأراد تفسيراً أوضح لما يجري في قريب الزمان وفي نهايته وهما الطرفان المهمان عادة لكل إنسان . أما المستقبل القريب فكل إنسان يتطلع إلى معرفة مصير هؤلاء البشر ، وهذه الأحداث التي يعيش بينها ولا يكاد أحد -جاهلاً أو عالماً- يخلو من هذا ، وأما المستقبل البعيد فالنهاية دائماً موضع تساؤل واهتمام :
نهاية العالم كله ، ونهاية الأمة التي ينتمي إليها نهاية أهل الإيمان وأهل الكفران لاسيما لمن كان نبياً أو من أتباع الأنبياء.
وهكذا كانت الرؤيا الثالثة :-
((رأيت وإذا بكبش واقف عند النهر ، وله قرنان والقرنان عاليان ، والواحد أعلى من الآخر، والأعلى طالع أخيراً ، ورأيت الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً ، فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده... وإذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض ، وللتيس قرن معتبرٌ بين عينيه وجاء إلى الكبش صاحب القرنين.. فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه ، فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه.. فتعظم تيس المعز جداً ، ولما اعتـز انكسر القرن العظيم وطلع عوضاً عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الأربع ، ومن واحدٍ منها خرج قرن صغير وعظم جداً نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي ، وتعظم حتى إلى جند السماوات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض ، وداسهم وحتى إلى رئيس الجند تعظم ، وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن (بيت) مَقْدِسِه وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح)).
قال دانيال :
((فسمعت قدوساً واحداً يتكلم ، فقال قدوس واحد لفلانٍ المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين ؟ فقال لي : إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء . فيتبرأ القدس)).
[8 : 3-14]
وفي الطبعة الكاثوليكية :
((إلى ألفين وثلاث مئة مساء وصباح ثم تُرد إلى القدس حقوقه)).
وهكذا طلب دانيال من المَلَك أن يعبر الرؤيا . فخاطبه قائلاً :
((يا ابن آدم إن الرؤيا لوقت المنتهى... ها أنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط لأن الرؤيا لميعاد الانتهاء ، أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس، والتيس العافي مُلْك اليونان ، والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول، وإذا انكسر وقام أربعة عوضاً عنه فستقوم أربع ممالك من الأمة ليس في قوته( ) ، وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل ، وتعظم قوته ولكن ليس بقوته ، يهلك عجباً وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين وبحذاقته ينجح أيضاً المكر في يده ، ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر . فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق ، أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيامٍ كثيرة)).
[8 : 2-26]
ولكن الشوق إلى المعرفة يزداد لاسيما ودانيال يعيش زمن أحداث كبرى بين إمبراطوريتي بابل وفارس ، ويهمه جداً مصير شعبه البائس المسبي ، ويهمه شأن القدس ومن يسيطر عليها ، فأخذ يتضرع ويبكي ويصلي حتى أراه الله رؤيا أكثر دقة من جهة الزمن والعدد ، ولكن تعبيرها مشكل جداً ولا نشك أن القوم حرفوها وأحالوا وضوحها ودقتها غموضاً . إنها رؤيا "الأسابيع" المشهورة وفيها يقول الملَك له :
((سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين ، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً...)) إلى أن يقول :
((وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدس ، وانتهاؤه بغمارة (طوفان) وإلى النهاية حرب وخِرَبٌ قضى بها ، ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطِّل الذبيحة والتقدمة ، وعلى جناح الأرجاس مُخَرِّب حتى يتم ويصب القضاء على المخرَّب)).
[9 : 24-27]
وفي الطبعة الكاثوليكية :
((ويأتي رئيس فيدمروا المدينة والقدس وبالطوفان تكون نهايتها ، وإلى النهاية يكون ما قضى من القتال والتخريب ، وفي أسبوع واحد يقطع عهداً مع كثيرين عهداً ثابتاً وفي نصف الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة ، وفي جناح الهيكل تكون شناعة الخراب إلى أن ينصب الإقناء المقضي على المخرب)).
إن هذا الغموض يجعلنا نجزم بوقوع التحريف وإن كان بعض الباحثين بذلوا جهوداً حسنة لتفسير هذه النبوءة لتطابق مولد المسيح أو بعثة محمد .
وعلى أي حال عرف دانيال التسلسل الزمني للأحداث ولكن كيف تقع ؟ لا يزال الإنسان في شوق شديد إلى المعرفة والرب كريم يعطي كل مرة.
يعود دانيال إلى الصلاة والضراعة فيأتيه الملك قائلاً :
((جئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيامٍ بعد))
[10 :14]
هنا نلحظ تكرار التنبيه إلى تأخر زمان وقوع التأويل بهذه العبارة وما في معناها حتى لا يخطئ دانيال.
فقد كان دانيال يريد المستقبل القريب والرؤيا تحدد الأهم وهو النهايات البعيدة ، والملك يوصي دانيال ألا ينسى هذا فيظن أن هذا في القريب ، وهو مع ذلك يخبره بما سيقع مـن حروب بين ملوك فارس واليونان وملك الشمال وملك الجنوب يهمنا منه قوله :
((وتقوم منه -أي من ملك الشمال- أذرع وتنجِّس المقدس الحصين وتنـزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرِّب)).
[11 : 21]
وهو يشير إلى حكومة وثنية تتسلط على بيت المقدس وتقيم فيه عبادتها ، اختلف أهل الكتاب ما هي ؟ وهذا لا يهمنا بل المهم هو أن هذا يوضح ماهية الرجس المخرب الآخر الذي سيأتي بعد ويقيمه الوحش أو القرن الصغير في الأرض نفسها وأنه دولة ، فالاسم واحد لكن المذكور هنا وثني أما الآخر فقد سبق بيان أنه إسرائيلي !!
ويختم الحديث عن تلك الأحداث بقيام الساعة وبعث الأموات ويوصي دانيال قائلاً :
((أما أنت يا دانيال فأخفِ الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية)).
ولكن الملكين يخاطب أحدهما الآخر ليسمع دانيال ويفهم قائلاً :
(( إذا تم تفريق الشعب المقدس تتم هذه )).
وعندها يقول دانيال :
((وأنا سمعت وما فهمت فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه ؟ فقال : اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية … من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرِّب (وفي ترجمة أخرى : شناعة الخراب) ألف ومائتان وتسعون يوماً ، طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً ، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح …)).
وانتهى السفر واستراح دانيال ولاسيما وقد اطمأن إلى أن القدس ستعود لـه حقوقه بعد 45 سنة !!
ولكن أهل الكتاب لم يستريحوا ولن يستريحوا بشأن هذه الأحداث إلا من ترك التعصب وفتح عينيه على الحقائق – لقد تعبوا وأتعبوا العالم وأتعبونا..
إن ما تقدم هو عرض موجز لأهم النبوءات في الكتاب المقدس كله "نبوءات دانيال" ومنه نلحظ أموراً كثيرة ، منها :-
1- زيادة توكيد لما سبق من الحديث عن " القرن الصغير " فهو ماكر محتال زنديق لا يقوم بقوته بل بالاعتماد على غيره ، وعدوه هم شعب القديسين أتباع خاتم الأنبياء فهو يتعالى عليهم ويسقط رئيس رؤسائهم ((الخليفة)) بلا جيش وأخبث أعماله أنه يدوس القدس ويهينها بجنده ويبطل الصلاة ويهدم بيت الله فيها ويقيم فيها دولته الموصوفة بالرجس المخرِّب.
2- هذا القرن الصغير يفعل ذلك في أيام سلطان المملكة الأخيرة مملكة القديسين لا في أيام فارس والروم .. وقيام دولة الرجس لا يدل على انقضاء تلك المملكة الأبدية، وهذا ما أكده السفر مراراً ، وإنما هو حدث عارض محدود المدة والمكان ، فهو ليس من جنس ما في رؤيا التمثال حيث تسقط مملكة وتقوم أخرى مكانها ولا من جنس ما في رؤيا الحيوانات الأربعة حيث يتغلب واحد ضخم هائل على الأخرى . لا ، لاشيء من ذلك ، فهذا قرن صغير ، ومجال سيطرته محدود ، لكن مكره كبير ودهاؤه عظيم ووراءه قوة عظمى تمده ، ويصادف ذلك حالة ضيق شديدة [أشار إليها دانيال (12: 1)] وضعف شديد لدى شعب القديسين ، لكن الضيقة تـزول والقديسون ينتصرون من جديد ويفرحون بيوم زوال رجسة الخراب وتطهير القدس منها . أن هذا القرن الصغير الخبيث المفسد يهدم ويقيم ، يهدم بيت قدس الله ويقيم الرجسة مكانه ومن هـنا قال بعض شراح أهل الكتاب : إن الرجسة هي "صنم يقوم في الهيكل" وبالأصح "هيكل يقام في المسجد" وليس هذا الخلاف في معنى الرجسة مؤثراً ، لأنه لا يقام بناءٌ أجنبيٌّ عدوٌ في معبد أمة ما إلا بجند وسلطة، فالرجس مدلوله عام وخاص ، العام قيام الدولة الرجسة نفسها والخاص بناؤها للصنم أو الرجس الذي تتعبد لـه أو فيه !! كما أن إزالة الصنم من بيت الله لا تكون إلا بجند وسلطة . هكذا فعل النبي  حين فتح مكة وهكذا سيفعل أتباعه إذا دخلوا المسجد ووجدوا فيه بناءً رجساً لدولة الرجس !! (وربما لا يكون الرجس الذي فيه إلا علم الدولة الصهيونية) ولهذا كان أكثر الشراح لا يرتابون في أن قيام الرجسة هو قيام دولة رجسة مخربة على أرض القدس ولكن ما هي هذه الدولة ؟! الأمم الثلاث التي تعظم القدس كل منها قد أقام دولته عليها أو فتحها وغلب عليها ولا شك أن واحدة منها هي الرجسة دون الأخريين.
ومن هنا نستطيع معرفة تلك الدولة ليس من كلام دانيال فحسب بل من شهادة التاريخ والواقع. والأمر المهم هنا هو أن هذه الدولة ستكون بعد المسيح  لأنه كما في إنجيل متَّى وغيره أخبر عما قاله دانيال وأوضح أن ذلك سيكون في آخر الزمان على ما سيأتي تفصيله ، وبهذا يظهر خطأ من قال إن قيام الرجسة كان قبل المسيح وأن المقصود هو هيكل الصنم " زيوس " وكذلك من قال إنها في الأحداث التي تلت وفاته بعدة عقود (سنة 70 أو 135) لأسباب كثيرة :
1- أن تلك الأحداث عادية في قائمة أحداث التاريخ وقد عرف التاريخ اليهودي مثلها كرات ومرات كما في عهود القضاة !!
2- أن اليهود حينئذ كانوا كفاراً لكفرهم برسالة المسيح  والمعنيُّ بتلك الأحداث هم المؤمنون برسالته.
3- أن تلك الأحداث تخالف الزمان والشروط الأخرى التي حددها دانيال والمسيح ، بل تخالف ما جاء في معظم أسفار الأنبياء عن عودة اليهود ومحاكمتهم وتجمعهم النجس وحلول غضب الله عليهم بواسطة الأمة المختارة ، وغير ذلك مما سوف يأتي الحديث عنه مفصلاً بحيث لا يبقى لدى القارئ شك.
إن الشراح اليهود بسبب كفرهم بالمسيح  ورسالته لا يعتدون بكلامه أصلاً، ومن هنا فسروا قيام الرجسة بأنها وثن يقام مكان الهيكل ، ثم احتاروا واختلفوا متى قام أو يقوم ، فبعضهم جعل ذلك قبل المسيح ، وبعضهم بعده ، واضطربوا اضطراباً شديداً في الزمن الذي حدده دانيال بدقة ولاسيما من فهم منهم الأيام على ظاهرها المعروف . أما من فسرها بالسنين فقد لزمه يقيناً أن يعترف بأن ذلك لم يقع ولن يقع إلا بعد مرور ألفين وثلاث مئة سنة ، وخاصة أنه لم يقع في التاريخ أن دولة جاءت بعد 2300 يومٍ وأقامت دولة لمدة 45 يوماً ورحلت !!
إن هذا من التفاهة بحيث لا يستحق أن يدونه التاريخ إلا عبوراً !!
وذلك أن الأسفار نفسها تحدد اليوم بالسنة كما في حزقيال ((قد جعلت لك كل يوم بسنة. 4 : 6)) كما أن لفظ الرؤيا ((طوبى لمن ينتظر...)) لا يدل على 45 يوماً فالانتظار إنما يكون لخمسة وأربعين سنة.
على أن لدينا شهادة مهمة من اليهود أنفسهم ، فإن طائفة عظيمة منهم كانت ولا تـزال –تقول إن الكيان الصهيوني القائم حالياً هو الرجسة- وهم الذين حذروا أتباعهم من الفكر الصهيوني قديماً وحديثاً ، ولديهم إيمان عميق بأن تجمع اليهود هو لحلول غضب الله عليهم وانتقامه منهم ، وهم طائفة كبيرة في أمريكا وغيرها ، ومنهم من يؤمن بهذه الحقيقة ولكنه يفسرها تفسيراً علمانياً وأشهرهم المفكر اللغوي العالمي "نعوم شومسكي" ، ومنهم مجموعات في الأرض المحلة نفسها ومنهم الحاخام "هيرش" وزير الشؤون اليهودية في السلطة العرفاتية ومجموعته تسمى "ناتوريم كارتا" نواطير القرية (حراس القرية).
فلندع اليهود إذن ولننظر ماذا قال النصارى ؟
إن الخطأ المشترك بين الطائفتين هو أن المقصود بالرجسة شعب غير اليهود ، وغير اليهود هم عند الطائفتين وثنيون ، ومن هنا كان من السهل وصف أي دولة وثنية بالرجس حتى أن "بيتـز" نفسه مع إقراره بأن اليهود سيكونون وثنيين في عبادتهم فسر الرجسة بأنها "مملكة آشور" التي تغزو الأرض المقدسة في آخر الزمان (ص 209).
وربما كان لـه العذر لكونه كتب ذلك قبل قيام دولة إسرائيل وما كان أحد يتخيل قيام دولة لليهود ، ولهذا هو لم يسمهم -عند عودتهم إلى أورشليم- دولة بل كتلة أو مجموعة كما رأينا.
ثم إنه وأمثاله كانوا يتصورون أن اليهود سيكونون مضطهدين تحت تأثير الحكم الأممي (العربي) ولهذا فسوف يـبادرون إلى الإيمان بالمسيح حال حلول الألفية أو حال نزوله وسيكون ذلك معجزة كما عبر "ماكينتوش" بقوله :
((إن دهشة كل العالم في ذلك اليوم ستكون كيف أن هذه الأمة النجسة قد أصبحت مقدسة للرب))( ).
ويعلل ذلك بأن ((الثلث فقط هم الذين سينقذون من النار الآكلة والضيقة)) وهذا إشارة منه إلى ما ورد في الأسفار عن نهاية دولة الرجس كما في فصلٍ آتٍ.
إذن فهؤلاء لديهم نصف الحقيقة وهو كفر اليهود ونجاستهم ، أما أن تكون لهم دولة فهو النصف المفقود ، وهم بلا ريب أفضل حالاً من سائر الشُّرَّاح والمؤرخين الذين اعتمد الأصوليون المعاصرون على تفسيرهم الإجرامي لرجسة الخراب ، ومنهم "ستيفن رنسمان" مؤلف كتاب تاريخ الحروب الصليبية المشهور الذي قال :
((في أحد أيام شهر فبراير سنة 638 دخل إلى بيت المقدس الخليفة عمر بن الخطاب...
وسار إلى جانب الخليفة البطريرك صفر ونيوس باعتباره رأس رجال الإدارة في المدينة التي أذعنت، على أن عمر بادر بالتوجه رأساً إلى موقع هيكل سليمان (؟!!) الذي صعد منه صاحبه سيدنا محمد إلى السماء ، وبينما كان البطريرك ينظر إليه أثناء وقوفه استذكر أقوال المسيح ، وأخذ ينبس بها من خلال دموعه :
((فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي ......
كان هذا آخر ما قام به البطريرك من الأعمال العامة وكان الذروة الفاجعة لحياة طويلة أنفقها في سبيل الأرثوذكسية ووحدة العالم المسيحي))( ).
وعلى هذا الرأي أيضاً المؤرخ النصراني العربي "فيليب حتى"( ).
وقد تصدى المهتدون من أهل الكتاب للرد على هذا ، بل إن بعضهم ذكر نبوءة دخول عمر رضي الله عنه إلى القدس من التوراة دون أن يعلم من قال هذا القول الفاحش ، وذلك بما جاء في سفر زكريا :
((ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يا بنت أورشليم
هو ذا ملكك آتيا إليك
بارّاً مخلصاً متواضعـاً ...
ويكلم الأمم بالسـلام
ويكون سلطانه من البحر إلى البحر
ومن النهر إلى أقاصي الأرض ))
[9 : 9-10]
وهي النبوءة التي يفسرها النصارى –رغماً عنها– بأنها تعني دخول المسيح إلى القدس زائراً وحيداً !(3) ولو لم يكن للفتح الإسلامي أي نبوءة ولو لم يكن الفاتح هو عمر بنفسه فإن وصف الرجس أبعد ما يكون عن أمة التوحيد وفتوحاتها العظمى التي أخرجت الناس من الظلمات والرجس إلى النور والطهارة ، وهذا ولله الحمد ما شهد به التاريخ كله ، ولا ينكره إلا مكابر أسقمه التعصب وأعمى عينه الحقد.
ثم إنه لا ينطبق عليها بحال أنها بعد 2300 سنة سواء كان الابتداء من وفاة دانيال أو من التاريخ الإسكندري لأن دانيال توفي سنة (453) ق.م ، وما بين هذه السنة والفتـح الإسلامي هو ( 453 + 638 = ) 1091 سنة !!
وإن كان بالتقويم الإسكندري فهو ( 333 + 638 = ) 971 فقط !!
وهنا لا بد أن نعرج على أرقام دانيال ، وإن كنا نحب تأخير الحديث عنها لأن الوقائع والحقائق الثابتة تجعلنا في غنى عنها ، ولكن ما من الأمر بد لاستكمال الصورة :
يقول دانيال إن قيام رجسة الخراب إلى 2300 سنة أي سيكون بعد 2300 سنة -كما أوضحنا - فهذا الأسلوب (( إلى متى .. إلى كذا )) متكرر في الرؤيا نفسها وغيرها من الأسفار ، وهو من الخطأ في الترجمة أو من الترجمة الحرفية غالباً ، لاسيما وقد رأينا التوكيد على أنها في آخر الزمان وعند حلول السخط وبعيدة الوقوع.
ولا يخالفنا في هذا أحد من الباحثين الذين يفسرون اليوم بالسنة وقد تبين لنا سقوط التفسير الحرفي بأنه اليوم المعروف.
ولكن الاختلاف والإشكال هو من أين يبدأ ؟
يمكن معرفة الأقوال من شرح " جانسي " الذي جمعه حسب قوله من خمسة وثمانين تفسيراً كتابياً وقال فيه كما لخصه الشيخ رحمة الله الهندي :
((تعيين زمان مبدأ هذا الخبر في غاية الإشكال عند العلماء من قديم الأيام ومختار الأكثر أن زمان مبدئه واحد من الأزمنة الأربعة التي صدر فيها أربعة فرامين (مراسيم) سلاطين إيران :
الأول : سنة 636 قبل ميلاد المسيح التي صدر فيها فرمان قورش.
الثاني : سنة 518 قبل الميلاد التي صدر فيها فرمان دارا.
الثالث : سنة 458 قبل الميلاد التي حصل فيها فرمان اردشير لعزرا...
الرابع : سنة 444 قبل الميلاد التي حصل فيها لنحميا فرمان أردشير (الأخير)..
والمراد بالأيام السنون ويكون منتهى هذا الخبر [أي زمن وقوعه كما سبق أن أوضحنا] باعتبار المبادئ المذكورة على هذا التفصيل :
بالاعتبار الرابع بالاعتبار الثالث بالاعتبار الثاني بالاعتبار الأول
سنة 1856 سنة 1843 سنة 1782 سنة 1764
يقول جانسي الذي ألف كتابه سنة 1838 م :
((ومضت المدة الأولى والثانية وبقيت الثالثة والرابعة والثالثة أقوى وعندي هي بالجزم)).
ونحن نقول عندنا كما عند العالم كله اليوم إن هذا خطأ فماذا بعد ؟.
ويقول جانسي :
((وعند البعض مبدؤه خروج الإسكندر الرومي (الصحيح اليوناني) على ملك إيشيا (آسيا) (يعني دارا الفارسي) وعلى هذا منتهى هذا الخبر سنة 1966))أ.هـ( ).
وعلق الشيخ "رحمة الله" المتوفى سنة 1891م على هذا قائلاً :
((إن كذب المبدأ الأول والثاني كان قد ظهر في عهده ، كما اعترف هو نفسه وقد ظهر كذب الثالث الذي كان أقوى في زعمه جازماً به وكذا كذب الرابع ، ..بقي المبدأ الخامس))( ).
ولما كان هم الشيخ متوجهاً إلى إبطال كل نبوءات الأسفار لإثبات أنها محرفة أو مشكوكاً فيها فقد توقع للخامس الكذب أيضاً وقال :
((ومن يكون في ذلك الوقت يرى أنه (يعني الخامس) كاذب أيضاً إن شاء الله)) بل إن الشيخ لما نقل قول من قال منهم إن الواقع هو الذي سيظهر حقيقة هذه النبوءة رده بتهكم وعلل ذلك بأن هؤلاء معذورون لكون الكلام فاسداً من أصله))( ).
ونحن نقول :
رحمة الله على الشيخ "رحمة الله" لقد كان في وسعه أن يعلق الأمر ، لأن الجزم بنفي أمر محتمل الوقوع عقلاً فيه مجازفة وإن كانت الغاية إثبات التحريف ، إذ ليس كل شيء محرفاً باتفاق فلا أقل من أن ندع للاحتمال مجالاً.
ثم إن الشيخ لما كانت تلك غايته لم يلتفت إلى ترجيح القول الأخير أو تضعيفه في ذاته فاقتضى ذلك أن نقول :-
إن أصل الخطأ في الأقوال الأربعة هو تحديد المبدأ بصدور المرسوم بتجديد أورشليم، وهذا ما لا ذكر لـه في الرؤيا نفسها –رؤيا الكبش والتيس- وإنما ورد في رؤيا الأسابيع السالف ذكرها ، وهي رؤيا أخرى -والأرجح عندنا أن العبارة نفسها مقحمة في الرؤيا (أي عبارة : منذ صدور الأمر...) والله أعلم- ، فالذين فسروا المبدأ بظهور الإسكندر أرجح لأنهم استنبطوه من الرؤيا نفسها . وبعد موت دانيال اتخذ الناس التاريخ الإسكندري. ومبدؤه من حادثة استيلائه على آسيا وهي سنة 334 عند البعض ولكنها سنة 333 على الصحيح المشهور ، وظل هو التاريخ العالمي حتى وضعت الكنيسة التاريخ الميلادي ، وعليه فيكون :
قيام رجسة الخراب هو (2300-333) = سنة 1967 !!
وهو ما حدث فعلاً وكان وقعه أليماً شديداً على أمة القديسين !!
وكان فرحاً عظيماً للصهاينة والأصوليين !!
وهو فعلاً –بغض النظر عن الأرقام والنبوءات– أعظم حدث تاريخي لليهود منذ قرابة ألفي سنة !!
والآن وقد رأينا رجسة الخراب قائمة ، برجسها وخرابها بوحشيتها وشناعتها بوثنيتها وإلحادها ، بتعطيل الصلوات في المسجد الأقصى وهدمه وحرقه -ونسأل الله أن يكف شرها فلا تقضي على البقية الباقية منه- الآن نعود إلى قول المسيح  عنها لنرى حقيقة هؤلاء الصهاينة الإنجيليين أهم مسيحيون كما يدعون أم أتباع الوحش الصهيوني وهم يشعرون أو لا يشعرون ؟
في إنجيل متَّى عن المسيح :
((وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين :
قل لنا متى يكون هذا (( هدم الهيكل )) وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر ؟
فأجاب يسوع : وقال لهم : انظروا لا يضلكم أحد فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا المسيح ، ويضلون كثيرين ، وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب . انظروا لا ترتاعوا ، لأنه لابد أن تكون هذه كلها ، ولكن ليس المنتهى بعد . لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون .. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلَّص ويكرِّز (أي يذكر ويعظ) ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهى.
فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس -ليفهم القارئ- فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ، والذي على السطح فلا ينـزل ليأخذ من بيته شيئاً ، والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه...
وحينئذ إن قال لكم أحد هو ذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا . لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً . ها أنا قد سبقت وأخبرتكم فإن قالوا لكم ها هو في البرية فلا تخرجوا ، ها هو في المخدع فلا تصدقوا . لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان لأنه حيثما تكون الجثة فهناك تجتمع النسور)).
[24 :1-8،11-20،23-28]
كالعادة.. نصوص عن أحداث هائلة لكن غموضها محير واختلافهم فيها شديد ، وذلك بسبب التحريف بالزيادة والنقصان ، ومع ذلك فلها تفسير وحيد لا يصح غيره ، وكلما نرجوه أن يستعين أهل الكتاب بمفاتيح الرموز التي أهديناها لهم مجاناً ، وسيجدون التفسيرات المقبولة -بشرط افتراض التحريف دائماً- والمفتاح هنا هو"ابن الإنسان" أو "ابن الرجل" فهو محمد  وهو مذكور بهذه الصفة في الأناجيل لهدف واضح وهو التفريق بينه وبين ابن العذراء عيسى .
ورجسة الخراب قد عرفناها ، وإذا قامت فالذي سيأتي هو ابن الإنسان بجيوشه لا بذاته.
فالموضوع متحد بين ما في سفر دانيال وما هنا فممالك تقوم على ممالك وخاتمتها في كليهما هو قيام مملكة ابن الإنسان وتداعي جيوشه للقضاء على الرجسة أو ((الجثة)).
(دانيال : 7 : 13-14) و (مـتَّى : 24-31)
ورجسة الخراب هي هي . بل تصريح باسم دانيال في متى ومرقص (13-15) إلا أن لوقا يشرح الرجسة بما يؤيد ما قلنا فهو يقول :
((متى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش ... إلخ 12 : 2)) فهو موضوع واحد لا أظن أن أحداً من الأصوليين وغيرهم يجادل فيه ، وعليه فما وصية المسيح  وما أمره لمن أدرك ذلك الزمان – زمان قيام رجسة الخراب ؟
لقد حذر أبلغ تحذير من المسحاء الكذابين في أول كلامه وفي آخره ، وحذر من الاغترار بقولهم إن المسيح نـزل أو موجود هنا أو هناك ، وزجر عن البقاء مع الأرجاس، مشدداً على الهرب العاجل من بينهم لأن عقوبة الله الأليمة ستنـزل بهم على يد جيوش المسيح الآخر ابن الرجل لا ابن العذراء ، الذي ستهاجم جيوشه دولة صهيون كما تهاجم النسور الجثة ، وكلتاهما رجس منتن !!
وصية عظيمة وقضية واضحة كالشمس ، فهل يعي ذلك جيري فولويل ، وبات روبنسون، وجيمي سواجارت وأمثالهم وأشياعهم ؟!
وهل يسمع المختارون ( أمة الإسلام ) فلا يضلون كما ضل أهل الكتاب ؟
ربما يجادل الأصوليون في تفسير النص كالعادة قائلين : ((أن ابن الإنسان شخصية سماوية))( ).
فليكن ولكن ماذا يقولون في وصية المسيح حين تقوم الرجسة ؟!
أتتفق مع الضجة الكبرى التي يفتعلونها والصخب الهائل الذي يثيرونه فرحاً وابتهاجاً بقيام رجسة الخراب وتبشيراً للعالم بأن قيامها هو تمهيد لنـزول المسيح وحضاً للأتباع على زيارتها والحج إليها لملاقاته حين ينزل فجأة وضغطاً شديداً لكي تقف أمريكا والعالم دائماً مع دولة الرجس والعدوان ؟
أليس هذا أعظم المناقضة والمعاندة لما قال المسيح ؟!
ثم أليست أناجيلهم كلها تنسب قتل ربهم المزعوم والتآمر عليه إلى اليهود ، فهل رأى عقلاء العالم أمة تقدس قاتل معبودها ، وتعادي من يحب رسولها ويؤمن به أشد الحب وأعظم الإيمان !!
ألم يصف المسيح  اليهود بمثل ما ورد في الأسفار (( ألاد الأفاعي، قتلة الأنبياء، المراؤون ، القادة العميان ، الغشاشون ... وحسبك بالفصل الثالث والعشرين من متَّى..؟!
فمتى يفيق الملايين من الأصوليين أتباع هؤلاء المسحاء الكذابين..؟

.
.
.
.
10
.
.
.
الأسفار كلها تحدد "الرجسة"

إذا كان الحديث عن صفات اليهود الإجرامية وسلوكهم المشين عداءً للسامية كما يدعي الصهيونيون فإن أعظم كتاب على وجه الأرض معاداة للسامية هو التوراة نفسها، فلو جمعنا كل ما أصدرته الكنائس النصرانية من لعنات على اليهود ، وأضفنا إليه ما صورته الروايات العالمية عنهم كما عند "شكسبير" و"ديكنـز" وغيرهما ثم جمعنا الشعراء العرب وطلبنا منهم ديواناً في هجاء إسرائيل ، لو جمعنا هذا كله في كتاب واحد فلن يكون مثل ما ورد في أسفار التوراة ولا قريباً منه ، ولكن المصيبة أن أكثر اليهود لا يقرأون ذلك فضلاً عن المهووسين بحب إسرائيل من الأصوليين النصارى بل إن كثيراً من العرب والعالم لا يعلمون عنه شيئاً.
إن التوراة كلها -وليس سفر دانيال وحده- تحدد المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة وتبدئ وتعيد في ذلك بأساليب متعددة في التعبير والبيان من الأمثال والاستعارات والمجازات ما بين تكرار وإسهاب واختصار.
أما الصفات المذمومة فلا حصر لها ، إنها تشمل كل خلق ذميم بلا استثناء ، إلا أن وصفاً واحداً يتكرر كقافية الشعر العربي في كل سفر ،مما يدهش قارئ التوراة أياً كان ، ويزيد الدهشة أن هذا الوصف خاصة يجب أن يكون أبعد الأوصاف عن شعب يدعي أنه شعب الله المختار استناداً إلى هذا الكتاب نفسه ، هذا الوصف هو النجاسة ، وهي نجاسة مركبة معجونة بدم الطمث ومعصرة الوحشية والعنف ممزوجة بالغدر والصلف ، نجاسة ذاتية لا يطهرها شيء..
((إنك لو اغتسلت بالنطرون وأكثرت من الأشنان لا تـزالين ملطخة بإثمك يقول السيد الرب : كيف تقولين لم أتنجس ؟))
[أرميا 2 : 22]
((خطئت أورشليم خطيئة لذلك صارت نجسة)).
وفي الترجمة الأخرى : ((رجسة)).
[أرمياء 1 : 8]
وهي نجاسة زانية : ((دنست الأرض بزناها))
[أرمياء 3 : 2]
((بل تحت كل شجرة خضراء زنت)) وليس مع فاجر واحد بل : ((زنت مع أخلاء كثيرين)) (ن.م) لا بل : ((زنت مع الحجر ومع الخشب)).
[أرمياء 3 : 9]
وقضى الله أن لا تطهر من نجاستها أبداً.
((إن في نجاستك فجوراً لأني أردت أن أطهرك فلم تطهري ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن أريح فيك غضبي)).
[حزقيال 24 : 13]
ولهذا يذكر سفر أرمياء أن الرب قال له :
((إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل قد طلقتها فأعطيتها كتاب طلاق))
( 3 : 8 )
وسبب هذه العقوبة واضح متكرر.
((تدنست الأرض تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا العهد الأبدي فلذلك أكلت اللعنة الأرض)) ؟؟.
هذه اللعنات مسطورة في سفر التثنية يقول :
((وإن لم تسمع لصوت الرب إلهك حافظاً وصاياه وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم ، ولم تعمل بها تأتي عليك هذه اللعنات كلها وتدركك ؛ فتكون ملعوناً في المدينة، وملعوناً في البرية، وتكون ملعونة سلتك ومعجنك ، وملعوناً ثمر بطنك وثمر أرضك ونتاج بقرك وغنمك، وتكون ملعوناً أنت في دخولك ، وملعوناً أنت في خروجك ، يرسل الرب عليك اللعنة والاضطراب والوعيد في كل ما تمتد عليه يدك وما تصنعه ، حتى تبيد وتهلك سريعاً بسبب سوء أعمالك بعدما تركتني)).
وعلى مدى أربعة وعشرين فقرة تستمر هذه اللعنات في أسلوب لا نظـير لـه ثم تختتم قائلاً :
((هذه اللعنات كلها تأتي عليك وتطاردك وتدركك حتى تبيد ، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه التي أمرك بها فتكون فيك آية وخارقة وفي نسلك للأبد)).
[28 : 15 – 46]
وكما أن تلك النجاسة مزيجها اللعنة فإن الخزي قرينها ((كما يخزى السارق حين يضبط كذلك خزي بيت إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم)).
[أرمياء 2 : 26]
ونجاسة إسرائيل هذه تخرج من فوق كما تخرج من أسفل ولذلك قال أشعياء في سفره : ((أنا مقيم بين شعب نجس الشفاه)).
[6 : 5]
وحتى بعد موتهم وطردهم من الأرض المقدسة تلاحقهم النجاسة ، ففي عاموس :
((على بيت إسحاق هكذا قال الرب : إن امرأتك تـزني في المدينة وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف ، وأرضك تقسم بالحبل ، وتموت أنت في أرض نجسة، وإسرائيل يطرد من أرضه طرداً)).
[7 : 17]
لقد فاقت في رجاستها وفواحشها ومظالمها أكثـر الأمم نجاسة في التاريخ:
((صار إثم بنت شعبي "أورشليم" أعظم خطيئة من سدوم التي قُلِبت في لحظة ولم تمد إليها يد)).
[مراثي أرمياء 4 : 6]
((إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك)).
[المراثي 16 : 48]
ومن أعظمها الوحشية والإفراط في سفك الدم ولهذا فحين يسأل حزقيال ربه ((أتهلك جميع بقية إسرئيل في صب غضبك على أورشليم ؟)).
(لا حظوا قوله بقية إسرائيل).
يقول الرب :
((إن إثم بيت إسرائيل ويهودا عظيم جداً جداً وقد امتلأت الأرض دماءً وامتلأت المدينة انحرافاً)).
[9 : 8 ، 9]
وفي مراثي أرمياء يصور حالة الوحشية والفوضى الصهيونية وكأنه يتحدث عن الانتفاضة المعاصرة :
((سفكوا في وسطها دم الأبرار ، تاهوا كعميان في الشوارع ، تلطخوا بالدم حتى لم يطق أحد أن يلمس ملابسهم ، نادوهم : تنحوا ، هناك نجس ، تنحوا تنحوا ولا تلمسوا)).
[4 : 13- 15]
واستمعوا إلى هذه التعبيرات :
((لكثرة إثمكِ –يعني أورشليم– كشفتْ أذيالكِ فاغتصبتِ... فأنا أيضاً رفعت أذيالكِ على وجهكِ وظهر عارك ، فسقكِ وصهيلكِ وفحش زناكِ على التلال وفي الحقول رأيت أقذاركِ ، ويل لكِ يا أورشليم إنكِ لا تطهرين فإلى متى بعد)).
[أرمياء 13 : 22 ، 26 ، 27]
وأصبح من المعتاد أن يخاطبوا كما في أشعياء :
((يا بني السامرة نسل الفاسق والزانية بمن تسخرون وعلى من تفتحون أفواهكم وتدلعون ألسنتكم ألستم أولاد المعصية ونسل الكذب)).
[57 : 4]
ويقول سفر هوشع عن الرب :
((رأيت في بيت إسرائيل ما يقشعر منه ، هناك زنى أفرائيم وتنجس إسرائيل)).
[6 : 10]
وحرصاً على وقتنا ووقت القارئ وخوفاً من مقص الرقيب الأخلاقي لا نفيض في ذكر هذه النجاسات والأرجاس ونكتفي بما قال حزقيال عن جرائم أفرائيم كما في هذه الألفاظ.
((وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً : وأنت يا ابن الإنسان ، هلا تدين ، هلا تدين ، مدينة الدماء وتعلمها بجميع قبائحها . فقل : هكذا قال السيد الرب : المدينة التي تسفك الدم في وسطها يأتي وقتها ، فإنها تصنع قذارات لتتنجس بها . لقد أثمت بدمك الذي سفكته ، ونجستِ بقذاراتك التي صنعتها فأدنيت أيامك وبلغتِ إلى سنيّك ، فلذلك قد جعلتك عاراً للأمم وسخرة لجميع الأراضي . الدانيات منك والقاصيات عنك يسخرن منك ، أيتها النجسة الاسم الكثيرة الاضطراب . ها إن رؤساء إسرائيل كانوا فيك لسفك الدم ، كل واحد على ما أطاقت ذراعه. فيك أهانوا أباً وأماً ، وفي وسطك عاملوا النـزيل بالظلم ، وفيك جاروا على اليتيم والأرملة . لقد ازدريت أقداسي وانتهكت سبوتي . رجال نميمة كانوا فيك لسفك الدم ، وفيك أكلوا على الجبال ، وفي وسطك صنعوا الفجور . فيك من كشف عورة أبيه وفيك أُذِلَّت المتنجسة بطمثها . واحد صنع مع امرأة قريبه ما هو قبيحة ، وواحد نجس كنته بفجور ، وواحد أذل فيك أخته بنت أبيه فيك أخذت الرشوة لسفك الدم، وأنت أخذت الفائدة والربى ، واغتصبت قريبك بالكسب ، ونسيتني، يقول السيد الرب.
فها أنذا أضرب كفي على كسبك الذي اتخذته وعلى الدم المسفوك في وسطك. فهل يثبت قلبك أو تقوى يداك ، أيام أجري أمري معك . أنا الرب تكلمت وسأفعل . أشتتك بين الأمم وأذريك في الأراضي وأزيل نجاستك منك، وأتدنس بك على عيون الأمم ، فتعلمين أني أنا الرب)).
…………………
((هكذا قال السيد الرب : بما أنكم جميعاً قد صرتم خبثاً ، لذلك هاءنذا أجمعكم في وسط أورشليم ، جمع الفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير في وسط الأتون ، لأنفخ عليها النار حتى أذيبها . هكذا أجمعكم في غضبي وسخطي وأدعكم هناك وأذيبكم . احشدكم وأنفخ عليكم في نار سخطي وأذيبكم في وسطها. كما تسبك الفضة في وسط الأتون ، كذلك تذابون في وسطها ، فتعلمون أني أنا الرب صببت غضبي عليكم)).
((إنك أرض غير مطهرة ، لم تمطر في يوم الغضب . في وسطها مؤامرة أنبيائها (الدجالين) . كأسد زائر مفترس فريسة قد التهموا النفوس وأخذوا المال والنفيس، وكثروا الأرامل في وسطها . كهنتها تعدوا على شريعتي ودنسوا أقداسي ، ولم يميزوا بين المقدس والحلال ، ولم يُعلِموا الفرق بين النجس والطاهر، وحجبوا عيونهم عن سبوتي ، فتدنست في وسطهم . ورؤساءها في وسطها كالذئاب المفترسة الفريسة ، سافكين الدم ، مهلكين النفوس ، لكي يكسبوا كسباً… جاروا جوراً على شعب الأرض ، واختلسوا خلسة وظلموا البائس والمسكين ، وجاروا على النـزيل بغير حق)).
[حزقيال 24 : 30]
نعم لقد جاروا على شعب الأرض جوراً عظيماً واختلسوا أمنهم وراحتهم وبلادهم ومزارعهم !. فهل نستمر مع حزقيال في استعراض أرجاس رجسة الخراب أم ننتقل إلى حديثه عن العقوبة ؟ !!
الجواب : يجب أن نقف ليس لأننا خرجنا عن منهجنا في الاختصار بل حياءً من القارئ –وربما خوفاً من مقص الرقيب الأخلاقي- فإن السفر ضرب بعد هذا مثلاً للرجستين "السامرة" و"أورشليم " اليهوديتين بامرأتين زانيتين سماهما ( أهله وأهليبه ) ، وفي التسمية تورية لفظية عنهما ، وهما قصتان تليقان بما يكتبه الإعلام الأمريكي عن جيمي سواجارت وأمثاله من قادة الصهيونية النصرانية أصحاب السيرة الأخلاقية السيئة ، لكنها لا تليق ببحثنا ونستحيي من إيرادها . ولا أدري هل المتدينون النصارى يسمحون لأبنائهم وبناتهم بقراءة مثل هذه الموضوعات في ((الكتاب المقدس ؟!! )) أم يقرأونها وحدهم عند مشاهدة أفلام آخر الليل التي لا يراها من هم دون الثامنة عشرة ؟!
أما عقوبة "أهله " وأختها فلا بأس من ذكرها كما أوردها السفر.
((هكذا قال السيد الرب لتُستدعَ عليهما جماعة ولتسلما إلى الذعر والنهب فترجمهما الجماعة بالحجارة وتقطعهما بسيوفهما ويقتلون بنيهما وبناتهما ويحرقون بيوتهما بالنار فأبطل الفجور من تلك الأرض)).
فهنيئاً لأبطال الحجارة وهم يرجمون "أهله وأهليبه" المعاصرتين !!
أما السيف والنار فعما قريب بإذن الله، فالفصل التالي سوف يعرض لنا بالتفصيل ما هو مجمل هنا.
__________________
الشعب الذي يرفض دفع ضريبة عزه من دماء خيرة أبنائه يدفع أضعاف أضعافها ضريبة لذله من دماء كل أبنائه
  #13  
قديم 03-08-2001, 07:46 PM
ميثلوني في الشتات ميثلوني في الشتات غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 2,111
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ميثلوني في الشتات
Post

11
.
.
.

محاكمة لا مصالحة
.,
.
.
.

يعتقد الصهيونيون بوجهيهم –اليهودي والنصراني- أن اجتماع بقية بني إسرائيل على أرض فلسطين هو تحقيق لوعد الله بالمصالحة بينه وبين شعبه المختار ، ولذلك نصرهم على العرب وبارك من يباركهم "أمريكا" ولعن من يلعنهم..!!
والواقع أن أسفار التوراة لا تخلو من دعوة لليهود إلى المصالحة مع الرب ولكن بماذا؟
إنها دعوة إلى التوبة وترك الكفر بالله ورسله ، ونبذ عبادة غير الله وحفظ فرائضه والشفقة على الضعفاء والأيتام والإحسان إلى الخلق.
هذا ما نجده بوضوح في معظم الأسفار ، ومعه في الوقت نفسه الوعيد الشديد عليهم إن هم خالفوا ذلك ونكثوا العهد ونقضوا الميثاق ، وهو ما لا علاقة له ضرورة بالنبوءات وأحداث آخر الزمان ، بل هو دعوة عامة للتوبة والإيمان للفرد والجماعة في كل مكان ، أما اجتماع البقية الشريرة المطرودة، وعودتها إلى الأرض المقدسة ليحل عليها غضب الله ، فالنبوءات فيه صريحة وخاصة ، وهي من الكثرة والوضوح بحيث يصعب حصرها وإيرادها إلا من خلال أمثلة وإشارات فقط.
فلنبدأ بما يعتمد عليه الصهيونيون من نبوءات :
يقول سِفر حزقيال :
((ها أنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها ، وأجمعهم من كل ناحية، وآتي بهم إلى أرضهم ، وأصيِّرهم أمةً واحدة في الأرض ، على جبال إسرائيل ، وملك واحد يكون ملكاً عليهم ولا يكونون أمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين)).
[37 :22،21]
ربما كان هذا أقوى دليل وأصرحه للصهاينة ، ولا بأس. فلنكمل ما ورد في السفر نفسه ولنقرأ بقية الكلام :
((لا تنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشيء من معاصيهم بل أخلِّصهم من كل مساكنهم التي فيها أخطأوا ، وأطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً ، وداود عبدي يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راعٍ واحد ، فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها)).
[37 : 23 ، 24]
لا ريب أن ذكر "داود" هنا ينفي أن يكون المقصود هو دولة صهيون المعاصرة بل إن حزقيال نفسه كان بعد داود ! ومن هنا يحق لنا أن نشك في أن العبارة محرفة ، لكن الصهاينة يؤولون ذلك بأنه "رمز" لدولة إسرائيل.
فلنسلِّم جدلاً ، ولنسأل :
أهذا وعد مطلق أم مشروط ؟ وهل يتحقق في دولة إسرائيل شيءٌ من الشروط ؟ أليسوا إلى اليوم كافرين برسالتي المسيح ومحمد  ودينهما الواحد ((الإسلام)) ؟ وهب أن المقصود أحكام التوراة المنسوخة فأين هم منها ؟.
إن دولة إسرائيل هي من أكبر مباءات الفواحش والإلحاد والإجرام في العالم ، إنها تنافس أمريكا في القمار والشذوذ والربا وارتكاب كل الموبقات، والمؤسسون لها كانوا ملاحدة اشتراكيين زعماء عصابات إجرامية وإرهابية. وكل الوصايا العشر الموسوية مهجورة منكورة ، والشيء الوحيد الذي يحفظه اليهود من التوراة هو أنهم شعب الله المختار ونسل إبراهيم .
فلنبحث إذن عن حال هذه الدولة التي أقامتها "بقية بني إسرائيل" على حقيقتها لنجده في الأسفار واضحاً كالنهار.
ولنبدأ بالملخص الذي شرح به ناشرو الكتاب المقدس كلمة "بقية" لدى ورودها في سفر أشعياء وهو :
((سيُعاقَب إسرائيل (أي الشعب) على خيانته ، ولكن بما أن الله يحب شعبه فهناك بقية صغيرة تنجو من سيف المجتاحين)).
ثم أحال إلى مواضع كثيرة واستمر قائلاً :
((ستبقى هذه البقية في أورشليم ، وتُطَهَّر وتصبح أمينة فتصير أمة قديرة !! وبعد كارثة السنة 587 (يعني السبي) ظهرت فكرة جديدة ، وهي أن البقية ستكون بين المجلوين ، وتتوب في الجلاء (وذكر مصادر) فيجمعها الله عندئذٍ لإحياء المملكة المشيحية (وذكر مصادر) وبعد العودة من الجلاء ستكون البقية غير أمينة مرة أخرى وتطهر بالقضاء على قسم منها..)).
هذا هو مجمل الفكرة حيث يزعم الأصوليون أن المملكة المشيحية قد تمثلت بقيام دولة إسرائيل التي سينـزل فيها المسيح.
أما كونها ستكون غير أمينة وسوف تطهر بالقضاء على قسم منها فيغضون الطرف عنه كأن لم يكن !!
وأما الأمة القديرة فإنهم أنفسهم ذكروا بعد ثلاث صفحات فقط أن الله يتخذ أمة قديرة للانتقام من بني إسرائيل فهي إذن ستقضي على القسم المقضي عليه بغضب الله وهلاكه منهم. فأداة الانتقام هي الأمة القديرة المطهرة الأمنية.
ونحن سندلهم على القراءة الحقيقية لما جاء عن هذه البقية ونوردها على محاور :
الأول : أن هذه البقية لا عهد لها مع الله فليس لله عهدٌ دائمٌ مع أحدٍ إلا بالالتزام بتقواه وطاعته :
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.
وتاريخ بني إسرائيل هو دورات متعاقبة من الإيمان والكفر ، لا يفرقه عن تاريخ بقية الأمم إلا غلظ كفرهم وزيادته مقارنةً بكثرة أنبيائهم ، وتتابع إمهال الله لهم ونعمه عليهم لعلهم يرجعون.
وما مرحلة القضاة –الذين هم رؤساء عشائر- إلا نموذج جلي لهذا. وقد ابتدأت هذه المرحلة من بعد يوشع غلام موسى  حتى داود . وفي كل مرة ينقضون عهد الله ويعبدون "بعلاً " و "عشتروت" و "تموز" وغيرها من الأرجاس ويذبحون لها أبناءهم ، فينذرهم الله ويُرسل لهم نبياً فيتوب منهم من شاء الله ، ثم سرعان ما يعودون لشركهم ورجسهم فيسلط الله عليهم أمةً ممن حولهم تذيقهم سوء العذاب ، وهكذا مرات ومرات !!
وهذا ما عبَّر عنه سفر الملوك الثاني بقوله :
((وكان الرب قد أشهد على بني إسرائيل ويهوذا على ألسنة جميع الأنبياء وكل راءٍ قائلاً : توبوا عن طرقكم السيئة ، واحفظوا وصاياي وفرائضي على حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم ، والتي بلغتكم إياها عن يدي عبيدي الأنبياء ، فلم يسمعوا وصلبوا رقابهم مثل رقاب آبائهم الذي لم يؤمنوا بالرب إلههم ، ونبذوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم ، والشهادة التي أشهدها عليهم وساروا وراء الباطل ، وساروا باطلاً وراء الأمم التي حولهم مما أمر الرب أن لا يفعلوا مثلها ، وتركوا جميع وصايا الرب إلههم ، وصنعوا لهم عجلين (صنمين) من المسبوكات ، وأقاموا وتداً مقدساً وسجدوا لجميع قوات السماء (يعني الكواكب) وعبدوا البعل، وأمَروا بنيهم وبناتهم بالنار ، وتعاطوا العرافة والفراسة (الكهانة).. فنبذ الرب جميع ذرية إسرائيل وأذلهم وأسلمهم إلى أيدي الناهبين حتى رذلهم من وجهه)).
[17 : 13-17 ، 20]
والبقية الباقية إنما تبقى للابتلاء والامتحان فإن وفَّت وفَّى الله معها ، وإن نقضت عاقبها الله ، وليس بقاؤها لأنها طاهرة أمينة طهارة وأمانة أبديتين ، بل إن هذه البقية تبقى لتكون عبرة للأمم كلها وإمهالاً منه لها لكي تتوب :
يقول سِفر حزقيال بعد أم أمره الله أن يتنبأ عليهم بدمارٍ هائلٍ وقتلٍ وتخريبٍ وتطهيرٍ للأرض من أرجاسهم :
((لكن أبقي بقية ليكون لكم مفلتون من السيف بين الأمم ، إذ تُذَرُّون في البلدان فيذكرني مفلتوكم بين الأمم التي يسبون إليها ، إذ أسحق قلوبهم الزانية التي حادت عني وعيونهم التي زنت في السير وراء قذارات)).
[6 : 8-10]
ويصرح أرمياء بأكثر من هذا : فهو بعد أن يخبر عما ينالهم من دمار وتنكيل ، حتى أن جثثهم تطرح في المدن فتأكلها طيور السماء وبهائم الأرض ، بل حتى أن عظام ملوكهم ورؤسائهم تُنبش وتُنثر وتكون زبلاً على وجه الأرض يقول :
((ويُفضَّل الموت على الحياة عند جميع البقية الباقين من هذه العشيرة الشريرة الباقين في جميع الأماكن التي طردتهم إليها)).
[8 : 3]
أما التائبون العائدون إلى الله فهم قليلٌ وهم الذين يسلمون فيكونون البقية المقدسة التي سيأتي الحديث عنها في آخر هذا الفصل ، ويكون هذا بعد أن تفقد الصهيونية القوة التي تسندها فتسقط كل عروشها وتخسر كل دعاواها.
يقول أشعياء بعد ذكر الحريق الهائل الذي يسلطه الله عليهم :
((وفي ذلك اليوم لا تعود بقيت إسرائيل والناجون من بيت يعقوب يعتمدون على من ظربهم ، وإنما يعتمدون على الرب قدوس إسرائيل حقاً والبقية ترجع -بقية يعقوب- إلى الله الجبار.
إنه وإن كان شعبك إسرائيل كرمل البحر إنما ترجع بقية منه)).
[10 : 20-22]
وهذا يبين بلا أدنى شك أن اليهود ليسوا أبناء الله وأحباؤه بل هم بشر ممن خلق !! وهو ما يُصرح به سفر عاموس :
((ألستم لي كبني الكوشيين "شعب النوبة" يا بني إسرائيل يقول الرب : ألم أُصعد إسرائيل من أرض مصر ، والفلسطينيين من كفتور وآرام من قير. ها إن عيني السيد الرب على المملكة الخاطئة سأبيدها عن وجه الأرض إلا أني لا أبيد بيت يعقوب إبادة يقول الرب. فإني ها أنذا آمر وأهز بيت إسرائيل في جميع الأمم هز الغربال فلا تسقط حصاة على الأرض ، وبالسيف يموت جميع خاطئي شعبي القائلون : إن الشر لا يقترب منا ولا يدركنا)).
[7 : 10]
وقد عرفنا أن المملكة الخاطئة هي رجسة الخراب فسيدمرها إلا من أسلم أو هرب أما بقية اليهود في العالم فيهزهم هزَّاً ويغربلهم غربلة !!
الثاني : لا حق لها في وراثة إبراهيم  :
يقول حزقيال في سفره :
((وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً : يا ابن الإنسان إن سكان تلك الأخربة في أرض إسرائيل يتكلمون قائلين : كان إبراهيم وحده وورث الأرض ، ونحن كثيرون فقد أعطينا الأرض ميراثاً. لذلك قل لهم : هكذا قال السيد الرب : إنكما تأكلون بدم، وترفعون عيونكم إلى قذاراتكم وتسفكون الدم أفترثون الأرض ؟ إنكم اعتمدتم على سيوفكم وصنعتم القبيحة (وفي الترجمة الأخرى وفعلتم الرجس) ونجستم كلَّ رجلٍ امرأةَ قريبه أفترثون الأرض ؟)).
إنه خطاب لشعب رجسه الخراب. وإلا فقد جاءت هذه النبوءة زمن النفي وليس لليهود قوة ولا سلطان ودماؤهم هم مسفوكة ، أما الأرجاس المعاصرون فكل ما قيل هنا صادقٌ عليهم.
ولهذا يقول بعد ذلك مباشرة :
((هكذا تقول لهم : حي أنا ، إن الذين في الأخربة يسقطون بالسيف ، والذي على وجه الحقول أجعله مأكلاً للوحوش ، والذين في الحصون والمغاور يموتون بالطاعون، وأجعل الأرض خربة ومقفرة ، وأزيل الكبرياء عزتها فتصير جبال إسرائيل مقفرة لا عابر فيها ، فيعلمون أني أنا الرب حين أجعل الأرض خربة مقفرة بسبب جميع قبائحهم التي فعلوها)).
وفي الترجمة الأخرى ((على كل رجاستهم التي فعلوها)).
[33 : 23-29]
بل إنه ينفي نسبهم إلى إبراهيم  وهو عماد دعوى الميراث المزعوم : يقول :
((يا ابن الإنسان : أخبر أورشليم بقبائحها –وفي الترجمة الأخرى- عرّف أورشليم برجاستها – وقل : هكذا قال السيد الرب لأورشليم : أصلك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك أموري وأمك حثية)).
[16 : 1-3]
وبعد أن يفيض في نجاستها وزناها وفجورها جداً يعود فيقول :
((إنما أنت ابنةٌ امِّك التي عافت رجلها وبنيها ، وأنت أخت أخواتك اللاتي عفن رجالهن وبنيهن إن أُمّكن حثية وأبوكن أموري ، فأختك الكبرى هي السامرة مع توابعها الساكنة عن يسارك ، وأختك الصغرى الساكنة عن يمينك هي سدوم وتوابعها ، وأنت لم تقتصري على القليل في سيرك في طريقهن وصنعت مثل قبائحهن (في الأخرى رجاستهن) بل زدت عليهمن فساداً في كل سلوك ، حي أنا، يقول السيد الرب : إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك)).
[16 : 44-48]
وسواء كان هذا من قبيل "إنه ليس من أهلك" ومن قبيل قول المسيح  لهم :
((أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا)).
[يوحنا 8 :44]
أو أنه حقيقة قد انقطعت صلتهم بإبراهيم  .
والذي لا جدال فيه أن اليهود اليوم هم خليطٌ غريبٌ من حثالات شعوب كثيرة ، إلا أن أغلبهم من الأصل الخزري ، وربما كان في قوله ( حِثِّيَّة ) إشارة لهذا فالحثيون شعب مجهول ، كان يسكن في جهة الشمال بالنسبة للأرض المقدسة –في تركية اليوم- فلا يبعد أن يكون الموطن الأصلي للخزر ، أو أن المقصود الإشارة إلى تلك الجهة التي سيكون منها معظم اليهود لا سيما عند قيام رجسة الخراب "دولة إسرائيل".
لقد عجزت كل الحيل الصهيونية عن إثبات النسب السامي لليهود ولم يستطع أحدٌ ممن يوثق بعلمه من دارسي السلالات البشرية أن يشهد لهم بهذا !!
كيف وهم من الفلاشا إلى المغاربة ومن الفرس إلى الأسبان ومن البولنديين إلى جنوب إفريقيه ؟!!
ومن هنا كان سفر "هوشع" يقطع كل صلة لهؤلاء بالله ورسله ، حين رمز لهم بامرأة زانية تلد ولداً فيأمره الرب أن يسميه (يَزْراعيل) وهو الوادي الذي ستقع فيه معركة مجدو أو هرمجدون ، ثم تلد بنتاً فيأمره أن يسميها (غير مرحومة) ثم تلد ولداً فيقول الرب سمه (لا شعبي) أو (ليس شعبي) وهذا الرمز الأخير هو الذي يستخمه الكاثوليك ومن وافقهم في تسمية اليهود !!
فنسبهم باطل وأمهم غير مرحومة وذريتهم ليست شعب الله !!
الثالث : أن الله سيعيدها إلى الأرض المقدسة للمحاكمة والعقوبة لا للصلح والمثوبة :
يقول حزقيال :
((يقول السيد الرب : إني بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضب مصبوب أملك عليكم وأخرجكم من بين الشعوب وأجمعكم من الأراضي التي شُتِّتم فيها بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضبٍ مصبوب ، وآتي إلى برية الشعوب وأحاكمكم هناك وجهاً لوجه كما حاكمت آباءكم في برية مصر)).
[20 : 33-36]
وهذا إحالة إلى ما عاقبهم الله به من التيه أربعين سنة وما حل بهم هناك من العقوبات المتتابعة.
ويوضحه ما في سفر صفينا :
((تكدّسي تكدّسي -في الترجمة الأخرى : تجمّعي تجمّعي- أيتها الأمة التي لا حياء لها قبل أن تطردوا كالعصافة العابرة في يوم واحد قبل أن يحل بكم اضطرام غضب الرب قبل أن يحل بكم يوم غضب الرب ! )).
ثم يتوجه بالخطاب إلى المظلومين المستضعفين في أرض فلسطين :
((التمسوا الرب يا جميع وضعاء -في الترجمة الأخرى : يا بائسي- الرب الذين نفذوا حكمه ، التمسوا البر ، التمسوا الضعة فعسى أن تستتروا في يوم غضب الرب)).
[2 : 1-3]
وهكذا فاجتماعها إنما هو لحلول غضب الرب عليها ، وحينئذٍ تطرد وتذاد عن الأرض المقدسة كما تكون العصافة في البيدر ، تذهب بها الرياح كل مكان ، وينجو المستضعفون المتمسكون بحبل الله وتقواه.
لكن الطرد لا يعني أنهم يستطيعون الفرار بل يلوذ بعضهم به عائدين إلى مواطنهم الأولى أو غيرها أما الأكثرون فمصيرهم كما في حزقيال :
((من حيث إنكم صرتم زغلاً فلذلك ها أنذا أجمعكم في وسط أورشليم جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص وقصدير ، إلى وسط كور -(كير) (في الكاثوليكية : الأتون)- لنفخ النار عليها لسبكها ، كذلك أجمعكم بغضبي وسخطي وأطرحكم وأسبككم فأجمعكم فأنفخ عليكم في نار غضبي ، فتسبكون في وسطها كما تسبك الفضة في وسط الكور ، كذلك تسبكون في وسطها ، فتعلمون أني أنا الرب سكب سخطي عليكم)).
[22 : 19-22]
…وهذا ما سيكون في يوم الغضب الآتي ذكره قريباً.
وهنا يأتي السؤال :
ما مصير البقية من بني إسرائيل التي تبقى في الأرض بعد يوم الغضب ؟
ما مصير الشعب الصهيوني بعد يوم الغضب ؟
تحدد الأسفار مصير شعب إسرائيل حين حلول يوم الغضب على النحو التالي :
أشعياء يخبر عن أنهم يفنون ويعاقبون إلا قليلاً منهم :
((ها إن الرب يخرب الأرض ويدمرها، ويقلب وجهها، ويبدد سكانها، فيكون الكاهن كالشعب والسيد كالعبد والسيدة كخادمتها... تدنست الأرض تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا العهد الأبدي، فلذلك أكلت اللعنةُ الأرض وعوقب الساكنون فيها، ولذلك احترق سكان الأرض فبقي نفرٌ قليل)).
[24 : 1 ، 5-6]
وفي زكريا تفصيل أكثر إذ يجعلهم أثلاثاً :
((ثلثين منهما يُقطعان ويموتان ، والثلث يبقى فيها ، وأُدخل الثلث -الباقي- في النار وأمحّصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب)).
[13 :7-9]
أما في حزقيال فهم كما قال :
((أحرق ثلثاً بالنار … وخذ ثلثاً واضرب عليهم بالسيف … وذرّ ثلثاً للريح)).
ثم يقول :
((وخذ من ذلك –(أي الثلث المشرد)- عدداً قليلاً وصرّه في ذيلك وخذ منه أيضاً وألقه في وسط النار وأحرقه بالنار ، من هناك تخرج نار على كل بيت إسرائيل)).
[5 : 2-4]
ويقول صفنيا :
((وأبقي في وسطك –(يعني إسرائيل)- شعباً وضيعاً فقيراً ، فتعتصم باسم الرب بقية إسرائيل لا يرتكبون الظلم ، ولا ينطقون بالكذب ، ولا يوجد في أفواههم لسان مكر لأنهم سيرعون ويربضون ولا أحد يفزعهم)).
[3 : 12-13]
هذه البقية المؤمنة يصفها أشعياء :
((تصير المدن خراباً بغير ساكن والبيوت بغير إنسان … وإن بقي فيها العشر من بعد فإنها تعود وتصير إلى الدمار ولكن كالبطمة والبلوطة التي بعد قطع أغصانها يبقى جذع فيكون جذعها زرعاً مقدساً)).
[6 : 13]
لا خلاف بيننا وبين الأصوليين في أن سكان إسرائيل اليوم من اليهود كفار ليس بينهم معتصمب الله ولا مقدِّس ، ولكن الأصوليين يقولون إنه وفقاً لهذه النبوءات سوف يؤمن اليهود بالمسيح عند نزوله فتكون تلك البقية المقدسة.
أما نحن فنقول :
حين يسترد المسلمون القدس ويدمرون الرجس تتحقق هذه النبوءات ، فمن اليهود من يُقتل، ومنهم من يفر ويتشتت في الأرض ، ومنهم من يبقى فيدخل في عهدنا وذمتنا ويرعى ولا يفزعه أحد ، ومنهم من يسلم وجهه لله ويهتدي وهو البقية المقدسة.
ومن البقية التي تفر ومن اليهود الذين لم يأتوا إلى فلسطين أصلاً تكون البقية الأخيرة التي تتبع الدجال في آخر الزمان ، وحين ينزل عيسى  لا يكون هناك ثلاثة أثلاث ، بل نصفان : نصفٌ يُقتل ضمن المقتولين من جيش الدجال ، ونصفٌ يُسْلِم مع
عيسى  لأنه كما ثبت عندنا بالخبر الصادق يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.

.
.
12
.
.
يوم غضب الرب
.
.
.
.
كيف يحل يوم غضب الله وتنـزل العقوبة على دولة الرجس والظلم والعدوان "إسرائيل" :
تحدثنا الأسفار بوضوح عن هذه الأمور :-
1- صفات الجيش المنتصر.
2- انهيار الجيش الصهيوني.
3- مصير الحلفاء الاستراتيجيين للدولة الصهيونية.
وفي ثنايا كل سياق تتكرر أسباب العقوبة والخراب :
((الشرك بالله والكفر برسله والتمرد على أمره ، سفك الدم البريء ، والظلم والعدوان ، المكر والغش والغدر ، الفواحش ، اضطهاد البائس والأرملة))…إلخ.
يبدأ الزمن الجديد بإعلان الجهاد والمرجو أن تكون هذه الانتفاضة هي بدايته فإن لم تكن فهي بلا شك تمهيد له. فلابد أن يعلن وأن تسقط الشعارات الأخرى.
لقد وضع ناشرو الكتاب المقدس عنوان ((الزمن الجديد ويوم الرب)) لما جاء في سفر يوئيل عن تصور هذا اليوم العظيم ، الذي يبدأ بأن يتداعى جند الله للجهاد -بل إن السفر نفسه يدعو ويحض- ولأنه في الغالب جهاد شعوب لا تملك الطائرات والعتاد الثقيل ، بل أكثرهم لا يملك من الحديد إلا أدوات الفلاحة ، ولأن بعضهم أو أكثرهم من شعوب فقيرة ، اصطلت بنير الاحتكار الرأسمالي والربا اليهودي والتسلط الاستبدادي والحصار الأمريكي .. فهم ضعاف البنية ، ويداخلهم لأجل ذلك شيء من التخوف ، فالعدو جيش نووي قوي ووراءه بالطبع قوى عالمية حاشدة – لأن ذلك كله واقع تأتي البشرى لتنفض الوهن وتشحذا لعزائم :
((أعلنوا حرباً مقدسة
وأنهضوا الأبطال
وليتقدم رجال القتال ويصعدوا
اطرقوا محاريثكم سيوفاً
ومناجلكم رماحاً
وليقل الضعيف : إني بطل
اسرعوا وهلموا
يا جميع الأمم من كل ناحية
واجتمعوا هناك)).
[4 : 9 – 11]
هكذا : جهاد وتوكل ، إعداد بحسب الاستطاعة ، لا استجداء للسلاح من أعداء الله.
أما سفر أرمياء فيحث على مسابقة الزمن وتدمير دولة الترف ومجتمع العنف :
((أعلنوا عليها حرباً مقدسة
قوموا نصعد عند الظهيرة
ويل لنا فإن النهار قد مال
وظلال المساء قد امتدت
قوموا نصعد في الليل
ونهدم قصورها
فإنه هكذا قال رب القوات
إقطعوا خشباً واركموا على أورشليم مردوماً
هذه هي المدينة التي ستفتقد
التي ليس فيها إلا ظلم
كما أن البئر تنبع مياهها
فكذلك هي تنبع شرها
فيها يسمع بالعنف والنهب
وأمامي كل حين مرض وضربة))
[5 : 4 – 7]
((هوذا شعب مقبل من أرض الشمال
وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الأرض
قابضون على القوس والحربة
قساة لا يرحمون
صوتهم كهدير البحر
وعلى الخيول راكبون مصطفون
كرجل واحد للمعركة
ضدَّكِ يا بنت صهيون))
[6 : 22 ، 23]
ولأن السؤال يظل وارداً بإلحاح : أين الجيش الذي لا يقهر ؟ أين جيش الخراب المتسمي بجيش الدفاع ؟! يجيب سفر أشعياء جواباً قطعياً مختوماً ناسخاً لا منسوخاً.
بأن الرب ناداه :
((فهلمّ الآن واكتب ذلك على لوح أمامهم
وارسمه في سفر
ليكون لليوم الأخير
دائماً وللأبد !
بما أنكم نبذتم هذه الكلمة
وتوكلتم على الظلم والالتواء !
واعتمدتم عليها
لذلك يكون هذا الاثم لكم
كصدع يحصل فيتضخم في سور عالٍ
فيحدث انهدامه بغتة على الفور
فينهدم مثل إناء الخزّافين
الذي يسحق بغير رفق
فلا يوجد في مسحوقه شقفة
لأخذ نار من الموقد !!
أو لغرف ماء من الجب !!
......................
ألف معاً تجاه تهديد واحد !!
وتجاه تهديد خمسة تهربون !!
حتى تتركوا كسارية على رأس الجبل
وكراية على التلة)).
[30 : 8 ، 12 ، 14 ، 17]
ويؤكد سفر عاموس ذلك :
((قد أتت النهاية لشعبي إسرائيل
فلا أعود أعفو عنه
فتصير أغاني القصر ولوالاً
في ذلك اليوم ، يقول السيد الرب
وتكثر الجثث
وتلقى في كل مكان بصمت)).
[8 : 2 ، 3]
أما صفات المجاهدين وبسالتهم فيرسمها يؤئيل في صورة بيانية بديعة :-
((كما ينتشر الفجر على الجبال
شعب كثير مقتدر
لم يكن له شبيه منذ الأزل
ولن يكون له من بعد
إلى سني جيل وجيل
...................
قدامه النار تأكل
وخلفه اللهيب يحرق
قدامه الأرض كجنة عدن
وخلفه قفر وخراب
ولا ينجو منه شيء
كمنظر الخيل منظره
ومثل الفرسان يسرعون
كصوت المركبات
على رؤوس الجبال يقفزون
كصوت لهيب النار الآكلة القش
وكشعب مقتدر مصطف للقتال
من وجهه يرتعد الشعوب
وجميع الوجوه قد شحبت
كالأبطال يسرعون
وكرجال الحرب يتسلقون السور
وكل منهم يسير في طريقه
ولا يحيد عن سبله
ولا يزاحم أحد أخاه
بل يسيرون كل واحد في طريقه
ومن خلال السهام يهجمون
ولا يتبددون
يثبون إلى المدينة
ويسرعون إلى السور
ويصعدون إلى البيوت
ويدخلون من النوافذ)).
[2 : 2 – 9]
...
ويصفها أشعياء هكذا :
((فيرفع راية لأمة بعيدة
ويصفر لها من أقصى الأرض
فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة
ليس فيها منهك ولا عاثر
لاتنعس ولا تنام
ولا يحل حزام حقويها
ولا يفك رباط نعليها
سهامها محددة
وجميع قسيها مشدودة
تحسب حوافر خيلها صواناً
ومركباتها إعصاراً
لها زئير كاللبؤة
وهي تـزأر كالأشبال
وتزمجر وتمسك الفريسة
وتخطفها وليس من ينقذ
فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر
وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق
وقد أظلم النور في غمام حالك))( ).
[5 : 26-30]
أما الأسرى الصهاينة فتحدد الأسفار مصيرهم هكذا :
في سفر التثنية :
((ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها فتباعون هناك لأعدائك عبيداَ وإماءً وليس من يشتري)).
[28 : 68]
ويوضحه ما في أرمياء :
((هاأنذا أحاكمك على قولك لم أخطئ .. إنك تخزين من مصر كما خزيت من آشور))
[2 : 35 ، 36]
((أعبدٌ إسرائيل أم هو مولود بيت ، عليه زأرة الأشبال وأطلقت أصواتها وجعلت أرضه دماراً ، ومدنه احترقت بلا ساكن فيها وبنو نوف وتحفنحيس -مدينتان مصريتان معروفتان في ذلك الوقت- أيضاً حلقوا هامتك)).
[2 : 14-16]
لاشك أن المجاهدين سيكونون من كل بلاد الإسلام ولكن التبكيت والخزي بمصر له دلالته، فهي التي أخرجوا منها أول عهدهم حين أنجاهم الله من العبودية لآل فرعون ، والآن بسبب ردتهم -التي صرح بها السفر مراراً- سيعادون إليها عبيداً، لكن لا أحد يشتري هذه المرة..! لماذا..؟ لأنهم رجس..!
فهم يحملون في أبدانهم فيروسات الايدز ، ويحملون في قلوبهم الحقد والغدر ، فلا يريدهم أحد ولو عبيداً وإماءً.
وفي الاتجاه المقابل وفيما يشبه النفخ في الصور يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم ويتداعى المسلمون بعد المعركة الكبرى والنصر العظيم إلى الأرض المباركة للزيارة والاعتكاف ، ولاسيما من العراق ومصر.
يقول أشعياء :
((في ذلك اليوم يدوس الرب قمحه من مجرى النهر إلى وادي مصر ، وأنتم تلقطون واحداً فواحداً يا بني إسرائيل.
وفي ذلك اليوم ينفخ في بوق عظيم ويأتي الهالكون في أرض آشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في جبل القدس في أورشليم)).
[27 : 12 ، 13]
أما العراق فلأن الله قد فك عنهم الحصار الذي أهلكهم وأجهدهم !
وأما مصر فلأنها تشعر بالحرج البالغ بسبب كامب ديفيد !
أما مصير الحليف الاستراتيجي فقد سبق ما يمهد لـه في الكلام عن نبوءة دانيال فهناك اتفقنا نحن وهم على أن الإمبراطورية الرومانية الجديدة هي ذلك الحليف ولكن لأن الذين كتبوا عن النبوءات قبل قيام دولة إسرائيل فسروا بابل الجديدة بأنها القديمة أي أن النبوءة قد مضت -أو فسروها بأنها "روما" مقر الكنيسة الكاثوليكية ، ولأن الذين كتبوا بعد قيام دولة الرجس أغفلوا هذا بل هم يزعمون أن عظمة أمريكا وقوتها هو ببركة نصرتها لإسرائيل- لأجل ذلك ضاعت الحقيقة عن مصير هذا الحليف المجرم.
فلنذكر نحن ما قالت الأسفار عن وصفه ومصيره :
1)- يخاطب سفر أشعياء دولة الرجس قائلاً :
((إذا صرختِِ فلتنقذك مجموعاتك لكن الريح سترفعها جميعاً والنسيم يذبها أما الذي يعتصم بي فيملك الأرض ويرث جبل قدسي)).
[57 : 13-14]
وفي الترجمة الأخرى :
((ولكن الريح تحملهم كلهم تأخذهم نفخة أما المتوكل عليّ فيملك الأرض ويرث جبل قدسي)).
ويذكرهم قائلاً :
((إذا مد الرب يده عثر الناصر وسقط المنصور وفنوا كلهم جميعاً))
[13 : 3]
2)- يصف أرمياء حال بابل الجديدة قائلاً :
((كيف كسرت وحطّمت مطرقة الأرض بأسرها ؟ كيف صارت بابل دهشاً عند الأمم ، نصبتُ لكِ فخاً فأُخذتِ يا بابل ولم تشعري ، لقد وجدتِ نقيضي عليكِ لأنك تحديتِ الرب)).
[50 : 23-24]
ويصفها بأنها :
((اعتدّت بنفسها على الرب ...)) ويقول :
((ها أنذا عليك أيها الاعتداد بالنفس.. لأنه قد أتي يومك وقت افتقادك ، سيعثر الاعتداد بالنفس ويسقط وليس أحد ينهضه وأوقد ناراً في مدنه فتلتهم كل ما حوله)).
[50 : 29 ، 31 – 32]
ومن أوصافها فيه :-
أ – هي ((كأس ذهب بيد الرب ، تسكر كل الأرض . من خمرها شربت الأمم ولذلك فقدت رشدها)).
[51 : 7]
ب- ((قائمة على المياه الغزيرة)) و ((كثيرة الكنوز)).
[51 : 13]
ج- هي خليط من الشعوب ولذلك هم عند بداية يوم غضب الله عليها ينصح بعضهم بعضاً : ((اهجروها ولنذهب كل واحد إلى أرضه فإن الحكم عليها بلغ أعلى السموات ورفع إلى الغيوم)).
[51 : 9]
3)- يذكر أشعياء أن العقوبة في يوم الغضب لا تختص بالرجسة وحدها بل :
((في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد ، لاوياثان الحية الهاربة، ولاوياثان الحية الملتوية ويقتل التنين الذي في البحر)).
لقد حار شراحهم في تفسير ذلك ، ولكن المتأمل في قيام رجسة الخراب يجد أن ثلاث حيات أنشأتها :-
1- الحية الهاربة التي أعطت وعد بلفور وهيأت للعصابات الصهيونية ثم هربت (بريطانيا).
2- الحية الملتوية التي التفت على الأرض المقدسة وهي دولة صهيون.
3- التنين أو الحية العظمى التي في البحر -إذ في البحر حاملات طائراتها ومدمراتها لإرهاب المسلمين- وهي أمريكا !!
ويؤيد ما سبق (ص62 و 67) عن الوحش وأن التنين هو الذي يعطيه القدرة والملك.
إن الشراح البروتستانت -وإليهم تنتمي المدرسة الأصولية- يفسرون بابل بأنها الكنيسة الكاثوليكية في آخر الزمان -أي منذ بضعة قرون إلى نـزول المسيح- ويؤولون صفات بابل الجديدة الواردة آنفاً بأنها مدينة روما ويتنبأون بهلاكها.
والحقيقة أن هذا الوصف لا ينطبق على مدينة ضالة في تدينها بل هو على إمبراطورية ضالة في غطرستها وتحديها لخالقها اعتداداً بقوتها وهيمنتها ، ولذلك فمن السهل علينا إثبات خطأ " بيتـز " في شرح سفر الرؤيا ، وذلك بذكر الصفات التي ذكرها هو نقلاً عن السفر :-
- ((الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر كل سكان الأرض من خمر زناها)) (ص245).
- ((المياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي : شعوب وجموع وأمم وألسنة)) (ص245).
- بعد تدميرها ((يبكي تجار الأرض وينوحون عليها لأن بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد ، بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز ..والعاج والخشب والنحاس والحديد والقرفة والبخور والطيب والخرد والزيت والحنطة والبهائم غنماً وخيلاً ومركبات... كل هذه البضائع تجارها سيقفون من بعيد من أجل خوف عذابها يبكون وينوحون ، ويقولون ويل ! ويل ! ... خربت في ساعة واحدة ! (انظر : ص259-260 ).
إنها دولة الرفاهية والتجارة العالمية والشركات العملاقة ..فأين روما من هذا ؟
ثم يقول السفر :-
((رفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً : هكذا بدفْعٍ سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد )) (ص262).
ويقول :
((لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم (أتباع) أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض )) (ص263).
وحينئذٍ كما يقول السفر : تهلل الشعوب ويهلل من في السماء قائلين :
((المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها)) (ص263).
إذن ليست روما ولكنها أمريكا وعقوبتها في الأسفار إما ربانية "رياح " كما سبق أو إعصار ((كيف صارت بابل دهشاً بين الشعوب ؟ طلع البحر على بابل فغمرها بهدير أمواجه ، وصارت مدنها دماراً . أرضاً قاحلة مقفرة…)).
[أرمياء 51 : 42-43]
وفي دانيال ومتّى "زلازل وأوبئة" على الأرض ولبابل -بلا ريب- النصيب الأوفر منها!!
..وإما بشرية يرسلها الله :
((أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز ، قد حان أجلكِ ، بنفسه أقسم رب القوات : أملأك رجالاً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف الانتصار ؟ هو الذي صنع الأرض بقوته وثبّت الدنيا بحكمته)).
[نفسه 51 : 13-14]
فما هتاف الانتصار الذي ينشده جند الله بعد تدمير رجسة الخراب يقيناً أو بعد تدمير أمريكاً غالباً :
إنه هتاف عجيب يورده أشعياء :
((استيقظي استيقظي
البسي عزك يا فلسطين -في الأصل صهيون-
البسي ثياب فخرك يا أورشليم
يا مدينة القدس
فإنه لا يعود يدخلك أقلف ولا نجس
انفضي الغبار عنك
قومي اجلسي يا أورشليم
حُلَّت قيود عنقك
أيتها الأسيرة)).
[52 : 1-2]
ويمتن الله على عباده المؤمنين الذين يفرحون بنصره قائلاً :
((لأني حينئذٍ أجعل للأميين (في الأصل الشعوب) شفة نقية (لا شفة نجسة كشفة إسرائيل) ليدعو جميعاً باسم الرب وليعبدوه كتفاً على كتف)).
[صفيناء 3 : 9]
يعلم الناس عامة وأهل الكتاب خاصة أنه ما من أمة تعبد الله كتفاً على كتف كالبنيان المرصوص إلا أمة الإسلام. وهم أطهر الناس شفة وحسب شفاههم طهارة أنها لا تسب الله فتقول إن له ابناً أو إنه يجهل وينسى ويندم -تعالى الله عما يقول المشركون علواً كبيراً-.
..
.
الخاتمة
.
.
.
.
فسيقولون متى هو ؟
قل عسى أن يكون قريباً

بقي السؤال الأخير والصعب : متى يحل يوم الغضب ومتى يدمر الله رجسة الخراب ومتى تفك قيود القدس وتعود لها حقوقها ؟
إن الإجابة قد سبقت ضمناً فحين حدد دانيال المدة بين الكرب والفرج وبين عهد الضيقة وعهد الطوبى كانت كما سبق 45 سنة !!
وقد رأينا أن تحديده قيام دولة الرجس كان سنة 1967 م وهو ما قد وقع وعليه فتكون النهاية أو بداية النهاية سنة (1967 + 45) = 2012م أي سنة (1387+45) = 1433هـ.
وهو ما نرجو وقوعه ولا نجزم – إلا إذا صدقه الواقع - لكن لو دخل معنا الأصوليون في رهان كما دخلت قريش مع أبي بكر الصديق بشأن الروم فسوف يخسرون قطعاً وبلا أدنى ريب وبدون أن نلتـزم بتحديد سنة معينة !!
__________________
الشعب الذي يرفض دفع ضريبة عزه من دماء خيرة أبنائه يدفع أضعاف أضعافها ضريبة لذله من دماء كل أبنائه
  #14  
قديم 11-08-2001, 06:56 PM
ميثلوني في الشتات ميثلوني في الشتات غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 2,111
إرسال رسالة عبر  AIM إلى ميثلوني في الشتات
Post

http://aasms.com/aqsa.html
__________________
الشعب الذي يرفض دفع ضريبة عزه من دماء خيرة أبنائه يدفع أضعاف أضعافها ضريبة لذله من دماء كل أبنائه
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م