ما هكذا يا سعد تورد الإبل
بقلم فضيلة الشيخ محمد أمان بن علي الجامي
عميد كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
بالجامعة الإسلامية
وفي ليلة الجمعة 8/1/1399هـ سمعت صدفة ومن غير قصد.. ندوة علمية تبث من إذاعة القاهرة موجهة إلى طلاب وطالبات (جامعة القاهرة)، وكان من بين الأسئلة التي وجهت للدكتور (أحمد شلبي) السؤال التالي؟:
(هل يعتبر القسم بغير الله شركا)..
وجهت السؤال طالبة من طالبات جامعة القاهرة لم أتمكن من ضبط كليتها، كما لم أضبط اسمها.
ولم يوفق الدكتور شلبي في الإجابة على السؤال، بل حاول أن يميع الإجابة على الرغم من أن السؤال صريح والجواب عليه واضح في السنة - لو وفق الدكتور، وكان من أهلها -.
ولكن لم يوفق، بل أخذ يلف ويدور، وقال مرة في جولته في الدوران قول الإنسان بحياة أبي، أو حياة الرسول، أو بحياة الحسين ليس بقسم وإنما يقصد التأكيد، وفات الدكتور أن القسم نفسه إنما يقصد به تأكيد الخبر بالحلف بعظيم يخشى انتقامه لو كان الحالف كاذباً.
ولست أدرى كيفا اختلط الأمر على فضيلة الدكتور، وأعتقد أن السائلة ومن كان معها يدركون خطأ الدكتور ومحاولته التمييع، ولكن الحياء أو الستر على الدكتور أو كونها امرأة تعجز عن المناقشة؛ فهذه المعاني أو بعضها حالت دون مناقشة الدكتور، ولو كان السائل رجلا يعلم الحكم؛ فيقوى على مناقشته لما تركه وهو يتلاعب بحكم من أحكام دين الله، ولكنها أنثى (وليس الذكر كالأنثى) فيقوى على المناقشة.
ومما قاله الدكتور في أثناء محاولته التهرب عن الإجابة الصحيحة: أن بعض الجماعات المتشددة تقول: "إن القسم بغير اسم الله يعتبر شركا"، وأنا لا أوافقهم على ذلك، ثم بالغ في التهرب من الإجابة فخرج عن الموضوع، فقال: "وهناك نقطة أخرى وهي أن الإنسان إذا حلف لا يفعل شيئا كأن يقول: والله لا أزور أخي مثلا؛ فينبغي أن يزور أخاه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا..}، الآية.. "إلى آخر الكلام الكثير الذي الغرض منه التهرب عن الإجابة الصحيحة التي يعلمها أو يجهلها، ولست أدرى أيهما يختار الدكتور لنفسه.
وأخيرا ختم الإجابة على السؤال بهذه الجملة الجريئة: (القسم بغير الله لا يعتبر شركا!!..).
ومما قاله الدكتور في أثناء محاولته التهرب عن الإجابة الصحيحة: أن بعض الجماعات المتشددة تقول: "إن القسم بغير اسم الله يعتبر شركا"، وأنا لا أوافقهم على ذلك، ثم بالغ في التهرب من الإجابة فخرج عن الموضوع، فقال: "وهناك نقطة أخرى وهي أن الإنسان إذا حلف لا يفعل شيئا كأن يقول: والله لا أزور أخي مثلا؛ فينبغي أن يزور أخاه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا..}، الآية.. "إلى آخر الكلام الكثير الذي الغرض منه التهرب عن الإجابة الصحيحة التي يعلمها أو يجهلها، ولست أدرى أيهما يختار الدكتور لنفسه.
وأخيرا ختم الإجابة على السؤال بهذه الجملة الجريئة: (القسم بغير الله لا يعتبر شركا!!..).
نقول للدكتور: "ما هكذا يا سعد تورد الإبل!".. أي ما هكذا يا دكتور تكون الإجابة العلمية..
يا سبحان الله! هل الذي حمل الدكتور على هذا الموقف الخطير.. الذي مضمونه تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم والخروج عليه، وعدم اطلاعه على النصوص الواردة الدالة على أن الحلف بغير الله شرك؟ أو الحامل له مجاراة العوام ومداهنتهم وكتمان الحكم الشرعي؛ التماسا لرضى العوام وأشباه العوام؟
وسواء أكان الحامل له هذا أو ذلك فإن الدكتور قد تورط؛ فلا عذر له في كلتا الحالتين، فأي الأمرين يختار فضيلته؟.. هل يختار أن يقال له: إنه جاهل؟.. لا أظن ذلك، أو يختار أن يقال له تعمد في مخالفة النصوص والخروج عليها مع الاطلاع عليها والعلم بها؟. هما أمران أحلاهما مرّ، ولكن الاحتمال الأخير هو الأقرب؛ لأنه لا يليق بمكانته العلمية الرفيعة أن يقال إنه جاهل للحكم.
فإذاً إنه عالم تجاهل لحاجة في نفس يعقوب..
وبعد.. أريد أن أذكر الدكتور - فالذكرى تنفع المؤمنين - أن حياة المسلمين اليوم في الغالب الكثير مزيج من العادات والتقاليد المخالفة لما جاء به الإسلام من الهدى والتشريع.. وهذه التقاليد والعادات على نوعين:
1- نوع جاء به المستعمرون الذين استعمروا أكثر بلاد المسلمين، ثم رجعوا إلى بلادهم تاركين خلفهم عاداتهم وتقاليدهم؛ فورثها المسلمون السذج.. وهم ورثة المستعمرين دائما.
2- النوع الثاني عادات وتقاليد كانت موجودة في المنطقة قبل دخول الإسلام إلى المنطقة، ثم بقيت ممتزجة بما جاء به الإسلام، ولم يستطع كثير من الناس أن يميز بينها وبين الحق الذي جاء به الإسلام؛ فتوارثوها، ثم مع بعد كثير من الناس عن تعلم الإسلام ودراسته والتفقه في الدين، وكثرة علماء السوء الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ويفضلون ثمن الرغيف على رضا ربهم؛ لهذا كله راجت تلك التقاليد فالتبس الأمر على العوام؛ لا يفرقون بين السنة المحمدية والبدع المحدثة والأقوال والأفعال الدخيلة؛ فقد اختلطت مع ما جاء به الإسلام من العبادات والأحكام ولم يفرقوا بين الحق والباطل؛ فأخذ كل جيل يرث البدعة عمن كان قبله حتى صارت مألوفة غير مستنكرة؛ فلا يقوى على إنكارها إلا طائفة قليلة غريبة بين الناس وفي أرضها وبين بنى جنسها، وهى الطائفة التي رزقها الله الفقه في الدين، ذلك الفقه الذي يمكن الإنسان من التفريق بين الحق والباطل، ويحمله على مراقبة الله والخوف، والتفقه في المعاني يورث المرء الشجاعة والإقدام والقدرة على القول بالحق وبيان الحق والدعوة إليه، وما جاء به خاتم النبيين هو الحق.. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
ومن فقد هذه المعاني يغلب عليه الجبن والخور ومداهنة الناس والتزلف، وإيثار رضاهم على رضى ربه وخالقه وولي نعمه، وقد كان علماء المسلمين سابقاً يتمتعون بالشجاعة وقول الحق ولو كان أمام السلطان الجائر، ويعتبرون ذلك نوعا من الجهاد في سبيل الله، والله المستعان!
ولعل الذي جعل الدكتور أحمد الشلبي يتهرب من القول (بأن القسم بغير الله شرك) كما تدل السنة الصحيحة الصريحة هو ظنه بأن المراد بالشرك هنا الشرك الأكبر الناقل عن الإسلام، والذي يرادف الكفر...إن كان الحامل للدكتور هو هذا الظن!
فليعلم الدكتور أن الشرك ينقسم إلى قسمين إذا أطلق في لسان الشارع؛ يعرف ذلك بدراسة السنة دراسة فاحصة والفقه في الدين، "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، والفقه في الدين شيء وكثرة الإطلاع أو كثرة الحفظ شيء آخر، ورب قليل للحفظ وقليل الإطلاع يرزقه الله الفقه في الدين، وحقيقة الفقه (الفهم الصحيح في الإسلام، والتصور السليم لما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام):
1- القسم الأول: شرك أكبر يخرج صاحبه من دائرة الإسلام، وهو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله واتخاذ غيره نداً ومعبوداً معه؛ لأن ذلك يتنافى وكلمة التوحيد التي تحصر جميع العبادة لله وحده، وتحرم عبادة من سواه وما سواه؛ إذ معناها لا معبود بحق إلا الله؛ فمن عبد غير الله بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والتوكل - وما في هذه الأشياء من أنواع العبادة كالركوع والسجود والطواف - فقد أشرك مع الله شركا لا يغفر إلا بالتوبة التي هي الإقلاع والندم والعزم على عدم العودة؛ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
2- القسم الثاني: الشرك الأصغر، ويسمى في اصطلاح السلف شركا دون شرك، كما يقال: كفرٌ دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.
ومن لم يدرك هذه الأقسام فليس بفقيه ويكثر تخبطه ويلبس عليه الأمر دائماً، وقد يخرج من الإسلام من هو صحيح الإسلام، وقد يدخل في الإسلام من هو بعيد عن الإسلام.
فتأمل المقام فإنه مهم جداً.
ومن أنواع الشرك الأصغر القَسم بغير الله، وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، ولولاك حصل كذا، وهذا النوع لا يخرج مرتكبه من الإسلام إلا أنه إثم كبير يؤدي إلى الشرك الأكبر.
وقد ينتقل بعض أفراد هذه النوع من الشرك الأصغر إلى دائرة الشرك الأكبر بأمور خارجة تطرأ أحيانا وتصاحب القول، كأن يصل تعظيم المحلوف به في قلب الحالف والخوف إلى حد تعظيم الموحد ربه وخالقه أو أعظم من ذلك، وفي هذه الحالة ينتقل القسم بغير الله من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر؛ لأن من بلغ إلى هذه الحالة فقد خرب قلبه، وحقيقة الكفر هو خراب القلب، ويفقد تقدير الله حق قدره وتعظيمه والخوف منه، ويحل محل تعظيم الله تعظيم مخلوق؛ فنسأله تعالى العفو والعافية.
وهذا الباب باب خطير جداً، ومع خطورته قد أهمل الاهتمام به كثير من طلاب العلم والعلماء الرسميين، وعدم تحقيق هذا الباب هو الذي أوقع الدكتور الشلبي في هذا الخطأ الفادح؛ عفا الله عنا وعنه!