قصيدة-- لا تسلني---

[عمرو ابو فؤاد]

كان مسجا في زنزانته الباردة المعتمه معه رفيقه في الزنزانة هذا الرفيق الذي ما كان ليأتيه لولا وضعه السيء فهو قد أنهكه المرض وأعياه ، وكان وهو جالس يتمتم ورفيقه لا يفهم ما يقول و لا يدري ما يفعل، فقد اشتد به المرض وأعياه التعب ، فكان يحاول أن يسليه ويحدثه ، ويذكره ببيته وزوجته التي تنتظره وابنته التي يشتاق لها ، فلقد أخبره قبل أيام من اشتداد المرض عليه عن بيته واهله وابنته التي لم يراها قط في حياته فهو ممنوع من الزيارة معزول -بل مقبور- في زنزانته الانفرادية ، ويسأله عن حاله وعن مرضه فأجاب بهذه الأبيات

لا تسلني عن فؤادي= عن جراحات السنين
لا تسلني اليوم عني = فالأسى صاغ الحنين
لا تسلني اليوم إني= بعض حزن لا يلين
لا تسلني كيف دمعي = واسأل الناي الحزين
واسأل الأنسام شذرا= واسأل الحزن الدفين
واسأل العصفور يبكي = فوق روض الياسمين
واسأل الآهات مني=كيف صارت لا تبين
واسال القلب المسجى = صار في صدري سجين
لا تسلني اليوم إني = صرت ذكرى لا تحين
بعض شعري سوف يمضي = حملا حلمي الثمين
حاملا بعض اشتياقي = من ربوع العاشقين
والعصافير ستمضي= لن تبالي بالأنين
والليالي لن تزدني = غير دمع مستكين
غير أني لست أرضى = عيشة الذل المهين
قد رسمت الشعر علي = يا بلادي تسمعين
قد رسمت الشعر نارا= يحرق الذل المَشين
فيه أمضي نحو أرضي = زرت أقصى المسلمين
زرت بيتي زرت أهلي = زوجتي قلبي يقين
هل تراني يا إلهي= ينتهي حزني الضنين
يرحل السجان عني = يُكسر القيد اللعين
يا طيور الشوق عودي = واحملي شعري الرصين
وانثريه فوق أرضي = فيه بعضٌ من حنين
عله يلقى صداه = في قلوب الصادقين
فارحم الآهات منا = يا إله العالمين
قد هديناك حياة = ملؤها دنيا ودين
فارتضيها يا إلهي = يا ملاذ الضارعين
لن أبالي ويح قيدي = ويح آهات السنين
قد حرمنا الوصل قهرا= في حياة المرجفين
غير أنا قد رضينا = في لقاء الخالدين

<******>doPoem(0)
فما أن أكمل هذه الكلمات حتى لفظ معها انفاسه الأخيرة