مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 02-10-2003, 08:27 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي رص الصفوف والتفخيدفي التقريب

العولمة تقتضي إحياء رسالة التقريب

بعد نصف قرن على تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة (1368 هـ / 1947م)، ما زالت الضرورات تقتضي إحياء رسالة التقريب في الأمة، وتتأكد هذه الضرورات مع دخول العالم القرن الحادي والعشرين، وما يشهده العصر من تحولات وتغيرات واسعة ومتسارعة في ظل تيار العولمة الكاسح، العولمة التي غيرت صورة العالم في علاقاته وتوازناته ومعادلاته، وفي أنماط الرؤية وطرائق التعامل معه، وفي ظل حركة المعلوماتية التي فتحت أمام العالم ما سمي بثورة المعلومات أو انفجار المعرفة وعبر الطرق السريعة، بحيث لم تعد المشكلة في نقص المعلومات كما كان في السابق، بل المشكلة أصبحت في السيطرة على المعلومات وضبط حركتها، إلى جانب التطورات المذهلة في تكنولوجيا الإعلام وشبكات الاتصال التي جعلت العالم يتحول إلى صورة مرئية يتأثر بها الجميع، وتنتقل فيه الأفكار والمواقف والنماذج في فترات قياسية وعابرة ما بين الثقافات والقوميات واللغات، وفي ظل مقولات من نوع نهاية التاريخ أو صدام الحضارات أو التفوق الغربي أو البحث عن عدو جديد، إلى غير ذلك من مقولات تدفع بالعالم نحو الانقسام والتصادم وتكريس الفوارق بين الحضارات والتمييز بين الثقافات. فمقولة (نهاية التاريخ) تحرِّض العالم على الاندماج في النموذج الغربي، باعتباره النموذج المنتصر في التاريخ على افتراض نهايته، من دون الاعتراف بأي فرادة للحضارات الإنسانية الأخرى غير الغربية، ومنها الحضارات التي تعلم الغرب منها، كالحضارة الإسلامية، وهي الحضارة التي وصفها (فوكوياما) بأنها لا سحر لها خارج محيطها، وبخلاف مقولة (نهاية التاريخ) تأتي مقولة (صدام الحضارات)، التي تتضمن تحريضاً للغرب لمقاومة انبعاث الحضارات غير الغربية وتكريس التصادم فيما بينها.

فإذا كانت المقولة السابقة لا تعترف بالحضارات غير الغربية، فإن هذه المقولة تعترف بتعدد الحضارات، لكن على قاعدة الصدام والصراع، وأما مقولة (التفوُّق الغربي) فهي ليست جديدة على الإطلاق، فإن التاريخ الغربي كان ينطلق من هذه المقولة منذ انبعاث التقدم هناك، ورسخها في الحقول المعرفية، كالأدب والفلسفة والثقافة والاجتماع والانتربولوجيا، وفي الدراسات التاريخية والأبحاث المقارنة حول الحضارات. وفي إطار هذا النسق من المقولات، تأتي مقولة (البحث عن عدوٍّ جديد) على خلفية العلاقة الجدلية بين الصراع والتقدم، الصراع الذي يولِّد البواعث والتماسك والمبادرة والاندفاع نحو التقدم.

كل ذلك مع ما يشهده العالم من تحولات وتغيرات شديدة الأهمية في ميادين الاقتصاد والسياسة والعلوم.

التقريب وتحديات المستقبل

هذه الوضعيات والتحولات والسياقات، تفتح علينا حديث المستقبل عن أنفسنا وموقعنا كأمة في هذا العالم المتغير، أو هكذا يفترض علينا. فما هو المستقبل الذي نبحث عنه؟ وهل ترك العالم لنا من مستقبلٍ نبحث عنه فعلاً؟ إن المستقبل لا يمكن التحكم فيه خارج إرادة أية أمة، فكلُّ أمة هي قادرةٌ على التحكم بمستقبلها إذا تحكمت بإرادتها. لذلك فإن المستقبل مفتوحٌ على كلِّ الأمم والحضارات، وبإمكان كلِّ أمة أن تصنع مستقبلها بإرادتها إن هي أرادت وسعت سعيها. والحضاراتُ هي أكثرُ وعياً بذاتها اليوم. فالمستقبل هو الأمل الذي ينبغي التمسك به والإصرار عليه والتحرك نحوه. وفي إطار التفكير بالمستقبل، يأتي الحديث حول التقريب بين المذاهب الإسلامية بقصد النظر إليه برؤية مستقبلية، وفي نطاق إدماجه بمستقبليات الأمة. وهنا نصل إلى ضرورة أن يقترن مفهوم التقريب بمفهوم النهضة والتقدم في الأمة؛ الاقتران الذي يحدد لنا مدخلاً حضارياً في تكوين عملية الفهم حول هذه القضية، ولتجديد مناهج النظر حولها، بإخراجها من علم الكلام القديم الذي كرس الفروقات بين الفرق، وعزز الخلافات بين المذاهب، وأصبحت قضيته البحث عن الفرقة الناجية، إلى علم الكلام الجديد الذي ينطلق من التحديات والمشكلات الجديدة التي تواجه الدين في هذا العصر، وبإخراجها من الفهم التقليدي الجامد الذي ينـزع نحو الماضي ويتشبث به، إلى الفهم الذي يعيش واقع العصر وينـزع نحو المستقبل ويتمسك به. فالأمة بحاجة إلى نهضة فكرية ترتقي بوعيها الجمعي والعام لإدراك هذه القضية بصورة جادة وفاعلة، وتضعها كمصير في رؤيتها للمستقبل ولموقعها في هذا العالم.

وبقدر خطوات الأمة نحو النهضة والتقدم، بقدر ما تترسخ قناعاتها وتتحرك إرادتها تجاه هذه القضية، قضية التقريب. فالقناعة والإرادة هما من أكثر ما تحتاج إليه الأمة في هذا الشأن؛ القناعة من موجبات الذهن، والإرادة من موجبات العمل. والتقريب بحاجة إلى قناعة كبيرة به، وإلى تأكيد هذه القناعة في الأمة، وضرورة أن تتحول هذه القناعة إلى إرادة حقيقية في الدفاع عنها، والعمل من أجلها، وتحمل الصعوبات في سبيلها، لا أن تكون مجرد تعبير عن رغبة أو مجرَّد طموحٍ لا غير.

والتقريب هو من صور العلاقات الفكرية والاجتماعية والإنسانية، ضمن إطار الأمة الواحدة، وكلّ صور العلاقات هذه بحاجة إلى قدر من الوعي والنضج الحضاريين، لأن المشكلة بالتأكيد ليست في الاختلاف بين المذاهب أو في تعدد مناهجها أو تنوع اجتهاداتها، وإنما المشكلة في طريقة الفهم والنظر لهذا الاختلاف والتعدد والتنوع. وهذا هو جوهر المشكلة المعرفية لهذه القضية. فالاختلاف قد يكون سبباً للنـزاع وقد يكون سبباً للرحمة، والتعدد قد يكون سبباً للصدام وقد يكون سبباً للتطور، والتنوع قد يكون سبباً للانقسام وقد يكون سبباً للتجدد والإبداع. فالذي اختلف هنا هو طريقة النظر بين طريقة متأزمة تصور الأمور بشكل معين، وبين طريقة ناضجة تصور النظر للأمور بشكل مختلف. والانتقال من تلك الطريقة الأولى في النظر إلى الطريقة الثانية بحاجةٍ إلى انتقال من زمان تلك الرؤية المتأزمة أو المتخلفة إلى زمان الرؤية الناضجة أو المتحضّرة، وذلك عبر إصلاح مناهج الفكر والنظر وسعي الأمة نحو النهضة والتقدم.

لذلك فإن ظواهر التعصب والتطرف والكراهية والقطعية وعدم التسامح، هذه الظواهر وغيرها، لا يمكن معالجتها أو التخلص منها عن طريق مفهوم التقريب فحسب، وإنما أيضاً من خلال مفهوم النهضة والتقدم في الأمة، فالتقريب قد يعالج تلك الظواهر على مستوى النخبة من العلماء والمفكرين والمصلحين، لكن معالجتها على مستوى الأمة بكل شرائحها وفئاتها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر نهضة فكرية تطور وعي الأمة بهذه القضية وطريقة التعامل معها.

وفي تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ارتبطت قضية التقريب بقضية النهضة والإصلاح، فقد ارتبطت بحركة السيد جمال الدين الأفغاني الإصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، الذي رفع لواء الدفاع عن الجامعة الإسلامية، وكان تجسيداً حياً لهذا المفهوم الذي عرف به، وتميزت به حركته، حيث اشتهرت بحركة الجامعة الإسلامية. لقد بعث السيِّد جمال الدين الأفغاني وحركته الإصلاحية روح الوحدة والتضامن والتقارب في الأمة بتعدّد مذاهبها وقومياتها ولغاتها، من تركيا إلى إيران، ومن الهند إلى أفغانستان، ومن العراق إلى مصر، ووصف في كتابات الباحثين والمؤرخين العرب والمسلمين بموقظ الشرق أو حكيم الشرق، ووصفه مالك بن نبي بضمير العالم الإسلامي.

وفي خطاب الأفغاني، ارتبطت دعوته للوحدة والتقارب بدعوته للنهضة والإصلاح في الأمة، وهكذا كان نهج الشيخ محمد عبده ومدرسته الإصلاحية، وصولاً إلى أواخر النصف الأول من القرن العشرين، مع انطلاقة دار التقريب في القاهرة، التي جددت المدرسة الإصلاحية للأفغاني وعبده، بلقاء الشيخ محمد تقي القمي عالم الدين الشيعيّ القادم من إيران إلى القاهرة لكي يستعيد ويستكمل الدور الذي نهض به الأفغاني، ويلتقي بالقاهرة بعلماء الأزهر الذين ينتمون إلى مدرسة الشيخ محمد عبده الفكرية، كالشيخ مصطفى المراغي والشيح محمود شلتوت وعبد المجيد سليم وغيرهم من العلماء المصلحين. وهكذا هو العهد يتجدد في مختلف المراحل والحقب التاريخية.

المعرفة العلمية بالآخر شرط النجاح

لقد كانت حركة التقريب رسالة العقلاء في الأمة، ودعوة المصلحين فيها، وأملاً لكل العاملين في سبيل التآلف والتضامن، ولا شك أنها القضية التي أولى من يدرسها هم الخبراء، وذلك بالانطلاق من قاعدة أساسية هي من صميم أخلاقيات البحث العلمي في المنظور الإسلامي، وهي قاعدة الانطلاق من العلم أو حاكمية العلم في كل أشكال العلاقات الفكرية بين المذاهب الإسلامية، بمعنى ضرورة تكوين العلم بالمذاهب الإسلامية، فالتقريب لا يتأسس أو يترسخ أو يتماسك إلا على أساس العلم. والمشكلة المعرفية في هذا المجال، أن أصحاب كل مذهب حاولوا تكوين معرفة مستقلة بهم عن المذاهب الإسلامية الأخرى، المعرفة التي لا يقول بها أصحاب المذاهب الأخرى في أحيان كثيرة، فالمفاهيم والاعتقادات والقضايا لا تفهم بحسب المعرفة الموجودة في داخل كل مذهب وكما يقول بها أصحابها، فتصبح القضايا ملتبسة وغامضة ولا تفهم إلا على وجه خاطىء، وذلك نتيجة القطيعة الفكرية بين المذاهب الإسلامية، والنـزاعات الكلامية فيما بينها، ولطبيعة الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها.

فإصلاح العلاقات بين المذاهب الإسلامية لا يتحقق إلا بإصلاح المعرفة بين المذاهب، المعرفة التي لا تعني بالضرورة الاتفاق معها، وإنما الاتفاق والاختلاف الشرط فيهما أن يكون على أساس العلم أولاً، والحق في الاجتهاد ثانياً، وشرعية التعدد والاختلاف ثالثاً.

فالمعرفة العلمية بين المذاهب الإسلامية بإمكانها أن تساهم في التقريب حتى على قاعدة الاختلاف، فالمعيار هو العلم، وهو المعيار الذي يحتكم إليه العقلاء والحكماء والعلماء.

مقترحات أساسية

أما المقترحات المتصلة بهذا المحور فهي:

1- ضرورة التجديد العلمي والفكري لخطاب التقريب بالشكل الذي يستجيب لتطورات العصر ودخول العالم القرن الحادي والعشرين، كما يستجيب للتراكمات المعرفية في هذا المجال، وللتحوّلات المعاصرة والشاملة التي مرت بها الأمة في العقدين الأخيرين بالذات.

2 - تجديد قناعة الأمة بمسألة التقريب وترسيخ هذه القناعة، وتطوير وعي الأمة بهذه المسألة، وجعلها من قضاياها الرئيسية التي تدافع عنها وتمارس عليها رقابتها.

3 - إحياء تراث التقريب في الأمة، وهو من تراث النهضة والإصلاح النابض بالوعي واليقظة والأمل، ومن عطاء العقلاء والمصلحين والخيِّرين في الأمة، وهو التراث المشرق واللامع والملهم الذي هو بحاجة إلى العناية به.

4 - جعل مسألة التقريب من القواعد الفكرية والعلمية والأخلاقية التي يلتزم بها في مجالات الكتابة والتأليف والنشر، وضرورة تعميم هذه المسألة على المؤسسات والجمعيات والنقابات التي تمارس دور الإشراف والرقابة في المجالات المذكورة، كاتحادات الناشرين ونقابات الكتاب وغيرها من المؤسسات المعنية والمتخصصة.

أما المقترحات العملية في هذا المجال:

1 - إصدار موسوعة التقريب بين المذاهب الإسلامية تتضمن الحديث عن الأعلام والمصطلحات والأنشطة والمؤسسات وكل ما له علاقة بهذا الشأن.

2 - إصدار سلسلة التقريب بين المذاهب الإسلامية تضم أبحاثاً ودراسات فكرية وعقائدية وتاريخية، وفي ميادين الفقه وأصول الفقه والحديث والتفسير إلى غير ذلك.

3 - إنشاء موقع على الإنترنت خاص بالتقريب بين المذاهب الإسلامية لتزويد الباحثين والكتّاب بالمعلومات والمصادر والوثائق.


(*) مداخلة مقدّمة لاجتماع الخبراء من أجل مناقشة استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، دعت إليه المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وعُقد في العاصمة الأردنية ما بين 7 _ 8 تشرين الثاني _ نوفمبر 2001 م، وأعادت نشرها مجلة «الكلمة». (**)
زكي الميلاد : كاتب إسلامي سعودي





--------------------------------------------------------------------------------
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان
  #2  
قديم 02-10-2003, 08:35 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

في الأساس، لا يكون الحوار إلا مع الآخر؛ وتحديدًا مع الآخر المختلف. إن هدف الحوار هو شرح وجهة النظر وتبيان المعطيات التي تقوم عليها؛ وفي الوقت نفسه الانفتاح على الآخر لفهم وجهة نظره ثم للتفاهم معه. ذلك بأن التفاهم لا يكون من دون فهم متبادل. والحوار هو الطريق إلى استيعاب المعطيات والوقائع المكوِّنة لمواقف الطرفين المتحاورين، ثم إلى تفاهمها.

في ثقافتنا الإسلامية، كما يقول أبو الوليد الباجي، أن من اجتهد وأصاب الحق فقد أُجِرَ أجرين: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة للحق؛ ومن اجتهد وأخطأ فقد أُجِرَ أجرًا واحدًا لاجتهاده، ولم يُؤثَم على "الخطأ". نفهم من ذلك أن الاجتهاد، كأيِّ عمل فكري إنساني، مفتوح على الخطأ والصواب. فهو ليس مقدَّسًا، ولا مطلقًا، ولا ثابتًا، بل هو إنساني، محدود، ومتغير.

وفي ثقافتنا الإسلامية أيضًا أن "رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". نفهم من ذلك أيضًا أنه ليس لأحد أن يدَّعي الحقيقة المطلقة. وليس له أن يخطِّئ الآخرين لمجرَّد اقتناعهم برأي مخالف. فالحقيقة نسبية؛ والبحث عن الحقيقة، حتى من وجهة نظر الآخر المختلف، طريق مباشر من طرق المعرفة. وهو، في الوقت نفسه، أسمى أنواع الحوار.

وفي ثقافتنا الإسلامية، كذلك، أن الحوار يتطلب، أولاً وقبل كلِّ شيء، الاعتراف بوجود الآخر المختلف، واحترام حقِّه ليس في تبنِّي رأي أو موقف أو اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقِّه في الدفاع عن هذا الرأي أو الموقف أو الاجتهاد، ثم واجبه في تحمل مسؤولية ما هو مقتنع به.

ولأن الحوار يحتِّم وجودَ الآخر فلا بدَّ من تعريف "الآخر". وهو تعريف لا يمكن أن يتم في معزل عن "الأنا". إن فهم الآخر، ثم التفاهم معه، لا يتحقَّقان من دون أن تتسع الأنا له. وبالتالي، كلما سما الإنسان وترفَّع عن أنانيته، أوْجَدَ في ذاته مكانًا أرحب للآخر. إن الحقيقة ليست في الأنا. إنها تتكامل مع الآخر، حتى في نسبيَّتها. وهي لا تكتمل في إطلاقيَّتها إلا بالله. والحوار مع الآخر اكتشاف للأنا وإضاءة ساطعة على الثُّغُر والنواقص التي لا تخلو منها شخصية إنسانية. ولذلك يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "الآخر هو وسيط بيني وبين نفسي، وهو مفتاح لفهم ذاتي والإحساس بوجودي."

الآخر قد يكون فردًا وقد يكون جماعة. وفي الحالين، قد يكون مؤمنًا، وقد يكون كتابيًّا، وقد يكون كافرًا. الآخر المؤمن هو للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا. والآخر الكتابي في المجتمع الإسلامي هو في ذمة المسلم،[1] والرسول يقول: "من آذى ذميًّا فقد آذاني." أما الآخر الكافر فالعلاقة معه مبنيَّة على قاعدة "لكم دينكم ولي ديني". وفي كلِّ الحالات فإن العلاقة بين المسلم والآخر يختصرها الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول محمد: "المسلم من سَلِمَ الناسُ من يده ولسانه."

يقرِّر الإسلامُ الاختلافَ كحقيقة إنسانية طبيعية، ويتعامل معها على هذا الأساس. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" (سورة الحجرات، الآية 13). خلق الله الناس مختلفين، إثنيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا ولغويًّا؛ ولكنهم في الأساس "أمة واحدة"، كما جاء في القرآن الكريم: "وما كان الناس إلا أمةً واحدة فاختلفوا" (سورة يونس، الآية 19)؛ أي أن اختلافاتهم، على تعددها، لا تلغي الوحدة الإنسانية.

تقوم هذه الوحدة على الاختلاف، وليس على التماثل أو التطابق؛ ذلك أن الاختلاف آية من آيات عظمة الله، ومظهر من مظاهر روعة إبداعه في الخلق. يقول القرآن الكريم: "ومن آياته خلقُ السماوات والأرض واختلافُ ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" (سورة الروم، الآية 22). والقاعدة الإسلامية، كما حددها الرسول محمد، هي أن "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"؛ وبالتالي فإن الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونية. فهو اختلاف في إطار الأمة الإنسانية الواحدة، يحتِّم احترام الآخر كما هو على الصورة التي خلقه الله عليها.

إذا كان احترام الآخر كما هو، لونًا ولسانًا (إي إثنيًّا وثقافيًّا)، يشكِّل قاعدة من قواعد السلوك الديني في الإسلام فإن احترامه كما هو، عقيدة وإيمانًا، هو احترام لمبدأ حرية الاختيار والتزام بقاعدة عدم الإكراه في الدين. فالقرآن الكريم يقول: "ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها" (سورة البقرة، الآية 148). وفي إشارة واضحة إلى تعدد التوجُّهات يقول أيضًا: "وما بعضهم بتابع قِبلةَ بعض" (سورة البقرة، الآية 145).

ذلك أنه، مع اختلاف الألسن والألوان، كان من طبيعة رحمة الله اختلاف الشرائع والمناهج؛ وهو ما أكَّده القرآن الكريم بقوله: "لكلٍّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما أتاكم. فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" (سورة المائدة، الآية 48). و"ثم إليَّ مرجعكم فأحكم بينكم [يوم القيامة] فيما كنتم فيه تختلفون" (سورة آل عمران، الآية 55). و"لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" (سورة هود، الآيتان 118-119).

أرسى القرآن الكريم، إذن، قواعد واضحة للاعتراف بالآخر وبوجهة نظره إجلاءً للحقيقة، بما في ذلك – بل في مقدمة ذلك – الحقيقة الإلهية.

حوار الله والشيطان

في حوار الله والشيطان، كما ورد في سورة الأعراف (الآيات من 11 إلى 25)، يقول القرآن الكريم: "ولقد خلقناكم ثم صوَّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس لم يكن من الساجدين. قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك. قال أنا خير منه خلقتَني من نار وخلقتَه من طين. قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبَّر فيها فاخرج إنك من الصاغرين. قال انظرني إلى يوم يُبعثون. قال إنك من المنظرين. قال فبما أغويتَني لأقعدَنَّ لهم صراطك المستقيم. ثم لأتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجدُ أكثرهم شاكرين. قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأنَّ جهنم منكم أجمعين" (11-18). من خلال هذا الحوار الإلهي مع الشيطان، تبرز حقيقة الثواب والعقاب، الخير والشر، الإيمان والكفر. وما كان لصورة هذه الحقيقة أن تكتمل من دون هذا الحوار؛ وما كان لهذا الحوار أن يقوم من دون وجود الآخر.

وفي حوار الله مع الأنبياء، تبرز حقيقة الإعجاز الإلهي: "وإذا قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحيِ الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنَّ إليك ثم اجعل على كلِّ جبل منهن جزءًا ثم ادعهنَّ يأتينك سعيًا واعلم أن الله عزيز حكيم" (سورة البقرة، الآية 260).

وفي حوار الله مع عباده، تبرز حقيقة العدل الإلهي، حيث ورد في الآية الكريمة: "قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيرًا. قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" (سورة طه، الآيتان 125-126).

وفي حوار الأنبياء مع الناس، تبرز حقيقة التربية الإلهية، حيث ورد في الآية الأولى من سورة المجادلة: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير." كما تبرز حقيقة الهداية الإلهية: "ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه إن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت. قال أنا أحيِ وأميت. قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآتِ بها من المغرب. فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" (سورة البقرة، الآية 258).

وفي حوار الناس مع الناس، تبرز حقيقة الجشع الإنساني: "فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفرًا" (سورة الكهف، الآية 34).

تبيِّن الآيات الكريمة السابقة أن الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع وفي الفكر وفي الاجتهاد وفي الرؤى. وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوُّع الذي يُعتبَر، في حدِّ ذاته، آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق ومظهرًا من مظاهر عظمته وتجلِّياته.

إن وحدة الجنس أو اللون أو اللغة ليست ضرورة حتمية لا يتحقق التفاهم من دونها. لذلك لا بدَّ، من أجل إقامة علاقات مبنية على المحبة والاحترام، من الحوار على قاعدة هذه الاختلافات التي خلقها الله، وأرادها أن تكون، والتي يتكشف للعلم أنها موجودة حتى في الجينات الوراثية التي تشكِّل بعناصرها شخصية كلٍّ منا وتمايزاتها.

".
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان
  #3  
قديم 02-10-2003, 08:40 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

إن للحوار قواعده وآدابه؛ ولعل من أبرز هذه القواعد والآداب ما ورد في سورة سبأ. كان الرسول محمد يحاور غير المؤمنين شارحًا ومبيِّنًا ومبلِّغًا. ولكنهم كان يصرُّون على أن الحق إلى جانبهم؛ فحسم الحوار معهم على قاعدة النص: "وإنَّا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" (سورة سبأ، الآية 24). لقد وضع الرسول نفسه في مستوى من يحاور، تاركًا الحكم لله؛ وهو أسمى تعبير عن احترام حرية الآخر في الاختيار، وعن احترام اختياره، حتى ولو كان على خطأ. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال القرآن الكريم في الآية التالية مباشرة: "قُلْ لا تُسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون." فكان من آداب الحوار – بل من المبالغة في هذه الآداب – أن وصف اختياره للحق – وهو على حق – بأنه "إجرام" (في نظرهم)؛ ووصف اختيارهم للباطل – وهم على باطل – بأنه مجرد "عمل". ثم ترك الحكم لله: "قل يجمع بيننا ربنا، ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتَّاح العليم." إن احترام حرية الاختيار هنا ليس احترامًا للخطأ. فتسفيه وجهة نظر الآخر ومحاولة إسقاطها ليسا الهدف الذي لا يكون الحوار مُجدِيًا إلا إذا تحقَّق.

إن من أهداف الحوار تعريف الآخر على وجهة نظر لا يعرفها، ومحاولة إقناعه بالتي هي أحسن بموقف يُنكِرُه أو يتنكَّر له – وهو أمرٌ يشكِّل، في حدِّ ذاته، أحد أهم عناصر الاحتكاك الفكري والتكامل الثقافي والتدافع الحضاري بين الناس. ومن دون ذلك يركد الذهن ويُفقَد التعطشُ إلى المعرفة عودَ الثقاب الذي يلهبه، وتتحولُ مساحاتُ الفكر إلى بحيرات آسنة. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: "ولولا دفعُ الله الناس بعضُهم ببعض لفَسُدَتْ الأرض" (سورة البقرة، الآية 251). إن الاختلاف بين الناس، وما يشكِّل الاختلاف من تَدافُع، يشكِّلان أحد أهم موجبات عدم فساد الأرض.

هناك فوارق كثيرة بين علاقة الإرادة وعلاقة الفرض: العلاقة الأولى هي نتيجة حوار وثمرة تفاهم، وهي، بالتالي، فعل إرادي تحقق المحبة والاحترام والثقة؛ أما العلاقة الثانية فهي حال تنكُّر لحقِّ الآخر وتجاهُل لتمايُزاته ولخصائصه، وتجاوزٍ للحوار كوسيلة لفهمه وللتفاهم معه، وهي، بالتالي، حالٌ مفروضة. وكلُّ ما هو مفروض مرفوض من حيث المبدأ، ومن حيث الأساس؛ ولذلك فإنها لا تحقق سوى البغضاء والكراهية وعدم الثقة.

أرسى مجتمع المدينة المنوَّرة في عهد النبي محمد قاعدة لإقامة نَسَقٍ تعاوني بين فئات الناس، من مؤمنين وأهل كتاب، في أمة واحدة. الوثيقة النبوية أقرَّتْ أصحاب الآراء على آرائهم وتكفَّلتْ بحمايتهم كما هم. قام مجتمع المدينة على قاعدة نشر الدعوة مع احتضان الاختلاف، وليس مع تجاهله ولا مع محاولة إلغائه.

حاور النبي نصارى نجران في بيته في المدينة المنورة وأحْسَنَ وفادتهم. وعندما حان وقت صلاتهم، لم يجد النبي أيَّ غضاضة في دعوتهم، كما تذكر رواياتُ ثقة، إلى أداء صلاتهم. إن العقيدة، في الإسلام، تستقرُّ بالفكر اختيارًا ولا تُلْصَقُ باللسان قهرًا وإجبارًا. والقرآن الكريم يقول "لا إكراه في الدين" (سورة البقرة، الآية 256) – والـ"لا" هنا نافية وليست ناهية؛ أي أنها لا تعني "لا تكرهوا الناس في الدين"، ولكنها تعني أن الدين لا يكتمل، وهو لا يكون أساسًا، بالإكراه.

على قاعدة هذه السابقة النبوية في دولة المدينة الأولى فإن الإسلام لا يضيق بتنوع الانتماء العَقَدي، ولا يؤمن بالنقاء العرقي ("لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلا بالتقوى"). فإذا كان التنوع من طبيعة تكوين المجتمع فإن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدِّي بالاختيار الحرِّ وبالمحبة إلى الوفاق والتفاهم والوحدة. ذلك أن البديل عن الحوار هو القطيعة والانكفاء على الذات وتطوير ثقافة الحذر والشك والعداء للآخر.

إن من مقومات الحضارة العربية–الإسلامية احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه، وليس تجاهله أو إلغاؤه أو تذويبه. ويشهد تعدد الأقليات الدينية والإثنية في العالم الإسلامي، ومحافظة هذه الأقليات على خصائصها العنصرية، وعلى تراثها العَقَدي والديني، وعلى لغاتها وثقافاتها الخاصة، على هذه الحقيقة وأصالتها. إن اعتراف الإسلام بالآخر، ومحاورته بالتي هي أحسن، وقبوله كما هو، لا يعود بالضرورة إلى تسامح المسلمين، بل إلى سماحة الإسلام وإلى جوهر الشريعة الإسلامية.

فالحوار – كالصداقة – لا يولد بالضغط ولا بالترغيب. علينا (كما جاء في وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن الحوار مع الإسلام) "أن نعمل تدريجيًّا على تغيير عقلية وذهنية إخوتنا المسيحيين لأن المهم بالنسبة إلينا، كما هو مهم بالنسبة للآخرين، محاولة اكتشاف الإنسان كما يعيش وكما يأمل أن يكون؛ ولا يهمُّنا الماضي بقدر ما يهمُّنا هذا الإنسان المتَّجه نحو آفاق المستقبل للحصول على عدالة أكثر، وحقيقة أكثر، وحبٍّ أكثر. هذا هو الرجل الذي يجب أن نعرف؛ ومع هذا الرجل فقط يمكن أن نشيد ونبني حوارًا أصيلاً وحقيقيًّا". ويستشهد النص الفاتيكاني بما قاله المستشرق ماسينيون من أنه "لكي نفهم الإنسان الآخر يجب أن لا نستولي عليه وندمجه فينا، بل يجب أن نكون ضيوفه".

إن للحوار أهدافًا مختلفة. فهو إما أن يكون وسيلة لتنفيس أزمة ولمنع انفجارها، وإما أن يكون سعيًا لاستباق وقوع الأزمة ولمنع تكوُّن أسبابها، وإما أن يكون محاولة لحلِّ أزمة قائمة ولاحتواء مضاعفاتها. في هذه الحالات الثلاث تكون مهمة الحوار هي العمل على:

1. إبراز الجوامع المشتركة في العقيدة والأخلاق والثقافة.

2. تعميق المصالح المشتركة في الإنماء والاقتصاد والمصالح.

3. توسيع مجالات التداخل في النشاطات الاجتماعية الأهلية (كالأندية الرياضية والجمعيات الكشفية والمؤسَّسات التعليمية والاستشفائية).

4. التأكيد على صدقية قيم الاعتدال وتوسيع قاعدتها التربوية.

5. إغناء الثقافة الحوارية التي تقوم على عدم رفض الآخر، والانفتاح على وجهة نظره واحترامها، وعدم التمترس وراء اجتهادات فكرية صدئة من خلال التعامل معها – أي مع هذه الاجتهادات – وكأنها مقدَّسات ثابتة غير قابلة لإعادة النظر.

التفاهم

إن أي حوار يستلزم، من حيث المبدأ، تحديدًا مسبقًا لأمرين أساسيين: الأمر الأول هو التفاهم على ماذا نتحاور؛ والأمر الآخر هو التفاهم لماذا نتحاور. أي أنه لا بدَّ من تحديد منطلقات الحوار وقواعده.

ينطلق الحوار من قواعد منطقية وعلمية تعتمد على الحجة والبرهان، ويتوسل الجدال بالتي هي أحسن والموعظة الحسنة. فالله خاطب موسى بقوله: "اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري، اذهبا إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولاً ليِّنًا لعله يتذكر أو يخشى" (سورة طه، الآيات 42-44). ويأمر باتباع الحكمة في الدعوة: "ومن أحسنُ قولاً ممَّن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين. ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالَّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم" (سورة فصلت، الآيتان 33-34).

وتأكيدًا لهذا المنهج ينهى الله المؤمنين عن اتباع أساليب السُّفهاء ومجاراتهم في السبِّ والتسفيه لمعتقدات الآخر: "ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عدوًّا بغير علم" (سورة الأنعام، الآية 108). و"لا بد لكي يبدأ الحوار أن يمتلك أطرافُه حرية الحركة الفكرية التي ترافقها ثقةُ الفرد بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا ينسحق أمام الآخر لما يحس فيه من العظمة والقوة التي يمتلكها الآخر، فتتضاءل إزاء ذلك ثقتُه بنفسه، وبالتالي، بفكره وقابليته لأن يكون طرفًا للحوار، فيتجمد ويتحول إلى صدى للأفكار التي يتلقَّاها من الآخر."[2]

لذلك أمر الله رسوله أن يحقق ذلك ويوفِّره لمحاوريه: "قُلْ إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ" (سورة الكهف، الآية 110)؛ "قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير وما مَسَّني السوء إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" (سورة الأعراف، الآية 188).

فإذا امتلك أطرافُ الحوار الحرية الكاملة فأوَّلُ ما يناقَش فيه هو المنهج الفكري – قبل المناقشة في طبيعة الفكر وتفاصيله – في محاولة لتعريفهم بالحقيقة التي غفلوا عنها، وهي أن القضايا الفكرية لا ترتبط بالقضايا الشخصية. فلكلٍّ مجالُه ولكلٍّ أصولُه التي ينطلق منها ويمتدُّ إليها: "وإذا قيل لهم اتِّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتَّبع ما ألفينا عليه آباءنا أوَلَوْ كان آباؤهم لا يعقِلون شيئًا ولا يهتدون" (سورة البقرة، الآية 170).

كما لا بدَّ، لكي ينجح الحوار، من أن يتمَّ في الأجواء الهادئة ليبتعد التفكير فيها عن الأجواء الانفعالية التي تبتعد بالإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير. فإنه قد يخضع للجوِّ الاجتماعي ويستسلم لاشعوريًا، مما يُفقِدُه استقلالَه الفكري: "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكَّروا ما بصاحبكم من جنة إنْ هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد" (سورة سبأ، الآية 46). فاعتبر القرآن اتهام النبي بالجنون خاضعًا للجوِّ الانفعالي العدائي لخصومه، لذلك دعاهم إلى الانفصال عن هذا الجو والتفكير بانفراد وهدوء.[3]

والمنهج القرآني في الحوار يرشد إلى إنهائه بمهمة وأداء رسالة يبقى أثرها في الضمير، إن لم يظهر أثرُها في الفكر؛ إنه أسلوب لا يسيء إلى الخصم، بل يؤكد حريته واستقلاليته، ويقوده إلى موقع المسؤولية، ليتحرك الجميع في إطارها وينطلقوا منها ومعها في أكثر من مجال".[4]

إن في ثقافة الحوار في الإسلام آدابًا وقيمًا ومنهجًا أخلاقيًّا يحترم الإنسان وحريَّته في الاختيار، كما يحترم حقَّه في الاختلاف وفي المجادلة. وفي النتيجة أن "من اهتدى فلنفسه، ومن ضلَّ فعليها وما ربك بظلام للعبيد
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان
  #4  
قديم 02-10-2003, 08:42 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م