في ليلةٍ بدت الحياةُ لديّ أشبه بـالطلولْ
ووجدتني للعمقِ من ذاتي يحرّكني الفضولْ
هل هذه ذاتي؟ أرى عجباً، وصرتُ إلى ذهولْ
في القلبِ كم من زهرةٍ عبقت وأدركها الذّبولْ
في الأفقِ كم من نجمةٍ بزغت وعاجلها الأُفولْ
في الجوّ كم من غيمةٍ لاحت ولكن لا هُطولْ
ماذا أقولْ؟
***
ونظرتُ حولي الأفْقُ رحْبٌ، إنما في النفس ضيقْ
والناسُ حولي يسرحون وليس لي فيهم صديقْ
قد كان لي يوماً حبيبٌ ثمّ ضلّ به الطريقْ
ولقد بلوت الخلْقَ ما آنست لي فيهم وُثوقْ
ما إنْ أراهم يعبدون سوى الرنين أو البريقْ
ويحي، أأبقى هكذا في بحر حرماني غريقْ؟
ماذا أقولْ؟
***
ومشيت في دربي وصحبي فيه همّي والشجونْ
ثم انتبهتُ على بُغامٍ خلته وحيَ الظنونْ
أدميتني قالت، ألا استعملت للنظر العيونْ
فنظرتُ هل ثَمِلٌ أنا؟ أم انّه مسُّ الجنونْ
ربّاهُ، خلت القلبَ يقفز نحوَها طرِبا حنونْ
فكسا الخدودَ الورْدُ أحمرُهُ مشوباً بعْضَ جُونْ
ماذا أقولْ؟
***
كم مرّةٍ يـمّمتُ ذاك الدربَ والآمالُ ثرّهْ
هي ذي أتتْ، فاحرصْ (فليست كلَّ مرّهْ) ..(1)
وقصدتُها فرنت إليّ وخلتُها أومت بنظرَهْ
حيّيْتُها حيّتْ، فحيّاني الشّذا من ألفِ زهرهْ
ومعاً مشينا خطوتينِ فخلت نفسي في المجرّهْ
ما ذا أقولْ؟
***
يا حُسْنَ منطقها وقد قالت بربّكْ
ألقيتني عرضاً هنا أم كنت ترصدني بدربكْ ؟
كم قد رسمتُكَ في الخيالِ وكم وهمتُ بِأُنْسِ قُرْبِكْ
فيهِ تمازجنا إلى أن صار نبضي بعضَ نبضِكْ
كم في القريضِ عروض بيتي صاغَهُ إيقاعُ ضربِكْ
قلبي فدا منْ كلِّ همٍّ يا حبيبي بعضَ قلْبِكْ
أتُحبُّني قُلها رجوتكَ كم أهيمُ بلفظ (حبِّكْ)
ماذا أقولْ؟
-------------
(1) تسلم الجرّة - مثل
كأني بها بعد قراءتي الأولى لها قصيدة غزل، ولكن بعد أن قرأتها للمرة الثانية استوقفتني (ووجدتني للعمقِ من ذاتي يحرّكني الفضولْ
هل هذه ذاتي؟)، أولا تقول (للعمق) وليس (في العمق) فكأن بغيتك التي تبحث عنها (الذات) لا المحبوبة، ثم تتبعها بأبيات (كم من زهرة ..، كم من نجمة...، كم من غيمة) نستدل بها أن ذاتك بلغت أوجها ثم تغيبت، وأنك تستحثها للرجوع، أو تبكي عليها.
هذا الاستنتاج لم يكن له من العمر إلا لحظات، حيث أن مزاعمي تداعت عندما قرأت -وللمرة الثانية- قولك: "أتُحبُّني قُلها رجوتكَ كم أهيمُ بلفظ (حبِّكْ)"، فلا أعهدك ممن يحبون أنفسهم، أليس كذلك؟ أو أنه حب التقدير لا الكبر.
جميلة ونفَسك فيها هادئ يا سلاف
ما أراه يبحث إلا عن نفسه وسظن أنه يجدها في محبوبته .. أو لعله يريد أن يؤثر عليها بموضوع الذات الضائعة حتى تقرأ القصيدة فتحن إليه ..