بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وعد الله - تبارك وتعالى - عباده بأن مَن عمل منهم صالحاً وأحسن في هذه الدار الدنيا - دار الابتلاء والامتحان - فسوف يزوجه في دار كرامته ببنات ( حوريات ) في الغاية ومنتهى الكمال في الحسن والجمال والدلال ، مطهرات ، مصونات ، طائعات مطيعات ، قاصرات الطرف عِين ، فقال سبحانه وبحمده مبشراً عباده المؤمنين الصالحين بما ينتظرهم بعد الموت من النعيم المقيم :
قال افمام ابن القيم - رحمه الله - في [ حادي الأرواح ص 207 ] : ( فتأمل جلالة المبشر ، ومنـزلته ، وصدقه ، وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة ، وقدر ما بشرك به ، وضمَّنه لك على أسهل شيء عليك وأيسره ، وجَمَع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات وما فيها من الأنهار والثمار ، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة ، ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه
أما هذه الأزواج المطهرة فقد أخبر الله تعالى بأنه سماهن بـ ( الحور العين ) حيث يقول سبحانه وبحمده :
ومما جاء في الأحاديث الصحيحة من ذكر حسناوات الجنان والثناء عليهن وتسميتهن بـ ( الحور العين ) قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا تباغض بينهم ولا تحاسد ، لكل امرئ منهم زوجتان من
الحور العين ، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم ) رواه البخاري ( 3254 ) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة - الألنجوج ، عود الطيب - وأزواجهم
الحور العين ، على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء ) رواه البخاري ( 3327 ) ومسلم ( 2834 ) .
والآيات القرآنية الكريمة التي ورد فيها ذكر ( الحور العين ) وأوصافهن وشدة جمالهن وحسنهن وما أعطاهن الله من أوصاف الكاملة في الدلال والطاعة لأزواجهن ، والتشويق إليهن كثيرة جداً ، وكذلك ما جاء في الأحاديث والآثار في ذكرهن ووصفهن والتشويق إليهن أكثر من أن يحصر ، إلا أن شرذمة من الزنادقة والرعاع والفاشلين قد أبوا إلا أن يسيئوا لأنفسهم العفنة ويشهدوا عليها بالكفر المبين بوضعهم مسلسلاً كفرياً إلحادياً يهدف إلى تشويه الإسلام وقد أسموه باسم هذه الأزواج المطهرات العظيمات ( الحور العين ) ، ويكفي من عظمتهن أن الله تعالى - خالق الكون العظيم - قد أطال في الثناء عليهن أجل الثناء في أشرف كتبه وأعظمها ( القرآن الكريم ) .
ابن القيم يسطر بقلمه السيال قصيدة عصماء في مدح ( الحور العين )
وقد كتب الإمام المحقق ابن القيم الجوزية في نظم ما جاء في القرآن والسنة والآثار من عظمتهن وكمال ما أعطاهن الله من الحسن والجمال والطاعة قصيدة شهيرة وطويلة ومبكية ومؤثرة جداً ، ومن ذلك قوله - رحمه الله - :
فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اخـ***ـتر لنفسك يا أخا العرفان
حور حسان قد كملن خلائقا*** ومحاسنا من أجمل النسوان
حتى يحار الطرف في الحسن الذي*** قد ألبست فالطرف كالحيران
ويقول لما أن يشاهد حسنها*** سبحان معطي الحسن والاحسان
والطرف يشري من كؤوس جمالها*** فتراه مثل الشارب النشوان
كملت خلائقها وأكمل حسنها*** كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها** والليل تحت ذوائب الأغصان
فتراه يعجب وهو موضع ذاك من*** ليل وشمس كيف يجتمعان
فيقول سبحان الذي ذا صنعه***سبحان متقن صنعة الانسان
لا اليل يدرك شمسها فتغيب عنـ***ـد مجيئه حتى الصباح الثاني
والشمس لا تأتي بطرد الليل بل*** يتصاحبان كلاهما اخوان
وكلاهما مرآة صاحبه اذا*** ما شاء يبصر وجهه يريان
فيرى محاسن وجهه في وجها*** وترى محاسنها به بعيان
حمر الخدود ثغورهن لآلئ*** سود العيون فواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها*** فيضيء سقف القفصر بالجدران
ولقد روينا أن برقا ساطعا*** يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر صاحبك*** في الجنة العليا كما تريان
لله لاثم ذلك الثغر الذي*** في لثمه إدراك كل أمان
ريانة الأعطاف من ماء الشبا***ب فغصنها بالماء ذو جريان
لما جرى ماء النعيم بغصنها*** حمل الثمار كثيرة الألوان
فالورد والتفاح والرمان في*** غصن تعالى غارس البستان
والقد منها كالقضيب اللدن في*** حسن القوام كأوسط القضبان
في مغرس كالعاج تحسب أنه*** عالي النقا أو واحد الكثبان
لا الظهر يلحقها وليس ثديها*** بلواحق للبطن أو بدوان
لكنهن كواعب ونواهد*** فثديهن كألطف الرمان
والجيد ذو طول وحسن في بيا***ض واعتدال ليس ذا نكران
يشكو الحليّ بعاده فله مدى الـ***أيام وسواس من الهجران
والمعصمان فان تشأ شبههما*** بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد لينا في نعومة ملمس*** أصداف در دورت بوزان
والصدر متسع على بطن لها*** حفت به خصران ذا أثمان
وعليه أحسن سرة هي مجمع الـ***ـخصرين قد غارت من الأعكان
حق من العاج استدار وحوله*** حبات مسك جل ذو الاتقان
وإذا انحدرت رأيت أمرا هائلا*** ما للصفات عليه من سلطان
لا الحيض يغشاه ولا بول ولا*** شيء من الآفات في النسوان
فخذان قد جفا به حرسا له*** فجنابه في عزة وصيان
قاما بخدمته هو السلطان بيـ***ـنهما وحق طاعة السلطان
وهو المطاع أميره لا ينثني*** عنه ولا هو عنده بجبان
وجماعها فهو الشفا لصبها*** فالصبّ منه ليس بالضجران