مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #31  
قديم 10-05-2001, 04:31 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

وأتابع مع الأخ الفاضل الإجابة على أسئلته:


2= تسأل عن عبارة: (لقد كانت الهجرة في بعدها الأول تحقيقاً ميدانياً وممارسةً واقعيةً للحرية، حرية العقيدة وحرية الاختيار).

وقد أوضحت ذلك في المقال نفسه، وأعني به أن الهجرة، ودولة الهجرة، أعطت الحرية لكل فرد من أهل المدينة المنورة، ولمن اختار الإقامة فيها من المهاجرين، وأهل القرى، من العرب وغيرهم، والمسلمين وغيرهم، في أن يختار العقيدة والدين الذي يشاء، ضمن عقد اجتماعي نظمته (صحيفة المدينة) وحددت فيه ما يصح وما لا يصح في علاقة المجموعات البشرية المختلفة المقيمة في المدينة.

فلو أسلم فرد من أسرة، ما كان لأبناء أسرته أو عشيرته أن يمنعوه أو يحاربوه بالمقاطعة ولا غيرها، كما يفعل الناس في المناطق الأخرى كمكة المكرمة أو الطائف، ولو بقي فرد من أفراد أسرة أو عشيرة على ما كان عليه آباؤه وأجداده؛ ما كان لهم أن يحملوه بالإكراه على إعلان دخوله في الإسلام.

لقد تركت دولة الهجرة للناس أن يختاروا بملء إرادتهم الإسلامَ أو غيره، ولم نقرأ أو نسمع قط أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) امتحن أحداً – حتى المنافقين – ليرى مدى إسلامهم أو التزامهم، وإنما ترك للممارسة العملية لقيم الإسلام، وللنموذج العملي التطبيقي للمجتمع وللدولة المسلمة، وللاحتكاك اليومي بين المسلمين وغيرهم، أن يفعل فعله في نفوس الآخرين الذين لم يعلنوا إسلامهم بعد.

وهذا الذي فعله كذلك مع أهل مكة المكرمة بعد تحريرها (يوم الفتح) حيث قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وتركهم للزمن، يروا بأم العين، ويلمسوا لمس اليد، عدالة الإسلام، فأقبلوا عليه باختيارهم.

ومن قال أن (مسلمة الفتح) أسلموا خوفاً من سيف، أو رهبة من سلطة الدولة المسلمة، افترى كذباً، لأن الإسلام نفسه لا يؤمن بالإكراه، ولا يؤمن بصحة إسلام من لم يسلم طواعية واقتناعاً. وعبادة المكره، ونكاحه، وطلاقه، وعقوده، كلها باطلة لانعدام الاختيار الذي هو شرط في قبول الإيمان والعبادة والعمل.

لقد ترك الإسلام للممارسة العملية الواعية أن تعمق الإسلام في نفوس أتباعه، وأن تبين لغيرهم الخيرَ الذي يحققه لهم الإسلام، اعتنقوه أم لم يعتنقوه. وتدرج في ذلك، واستمع إلى حديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها):

عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ؛ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (رَضِي اللَّه عَنْهَا) إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ؛ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ؛ وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ. قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ! إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ؛ نَزَلَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ (لا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ) لَقَالُوا: لا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: (لا تَزْنُوا)، لَقَالُوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا. لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ (الْبَقَرَةِ) و(النِّسَاءِ) إِلا وَأَنَا عِنْدَهُ. قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ( ).

والمقصود بالتأليف كتابته مرتباً في مصحف، كما هو المطبوع اليوم، لا على حسب النزول وإنما على حسب ما أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) الناس بعد كل عرضة له مع جبريل (عليه السلام)، وكان البعض ما زال يقرأه منجماً لعدم توفر الطباعة والورق، ولقلة الكتابة الفنية كما هو الشائع اليوم.

__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]
  #32  
قديم 11-05-2001, 04:32 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

ومع أسئلة الأخ الفاضل:


3= وتسأل عن عبارة: (التفكير الفردي، أو قل تحمل الفرد لمسئولية التفكير والاختيار الحر هو مفتاح الاجتهاد في الفقه) هل الاجتهاد الفقهي يندرج تحت حرية الفكر
  #33  
قديم 11-05-2001, 04:36 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

ونتابع مع أسئلة الأخ الفاضل:


3= وتسأل عن عبارة: (التفكير الفردي، أو قل تحمل الفرد لمسئولية التفكير والاختيار الحر هو مفتاح الاجتهاد في الفقه) هل الاجتهاد الفقهي يندرج تحت حرية الفكر؟ ثم أليس الاجتهاد الفقهي مقنن بضوابط وقواعد معينة تقنن ذلك التفكير؟

أقول: نعم؛ صدقتَ – أخي - في الإشارة إلى أن (الاجتهاد) محكوم بقواعد وضوابط بينها أهل الاختصاص – قديماً وحديثاً – ولكنني أتكلم عن مفتاح ذلك كله، وجُماعه، فالتبعية لا تؤدي إلى الاجتهاد، قط، وإنما تحصر الفرد والجماعة والأمة في مربع (التقليد).

وذلك لا يكون في العلوم الدينية وحدها، وإنما في الحياة كلها.

ألا تلاحظ أننا عندما كان بيننا مجتهدون في الشريعة كنا مبدعين في كل ميدان من ميادين الحياة، في الإدارة والسياسة والتجارة والصناعة والزراعة والإعلام، وكانت الدنيا تقصد حواضرنا الكبرى كدمشق وبغداد ومراغة وقرطبة، وسواها، لتنهل من علوم المسلمين! فلما انكفأنا وساد (التقليد) بيننا، أصبحنا نقصد الغير – أفراداً وجماعات - لنأخذ منهم ما طوروه من علومنا وفنونا ومهاراتنا في الفكر والدنيا. وصار أساتذة الأمس طلاب اليوم، وطلاب الأمس أساتذة اليوم؟

  #34  
قديم 12-05-2001, 09:17 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

ومع السؤال الرابع من أسئلة الأخ الكريم:

4= وتسأل: في الدين الإسلامي؛ إلى أي حد تصل حرية التفكير؟

وهذا من أصعب الأسئلة، قديماً وحديثاً، لأن الخوض في هذا يحتاج – بالإضافة إلى الضوابط والأدلة الشرعية – إلى أذن واعية، وقلب حي، لا يكتفي السامع بالتقاط طرف الخيط ثم يحيك به ما يشاء، ويقول ما يفهمه أو يتصوره من موضوع التفكير وحدوده.

وكم من عالم اتهم في دينه والتزامه بسبب سوء فهم العامة له، وأقربهم إلينا زمناً، عالم الشام، الشيخ محمد جمال الدين القاسمي (المتوفى 1332هـ/ 1914م)، وكل جريمته أنه دعا إلى العودة إلى الينابيع الأولى للإسلام، ونبذ التقليد الأعمى الذي جعلنا محصورين في دائرة الحواشي، وحجب عنا المتون، وفي أقوال طلبة العلم (من جمع الحواشي، ما حوى شي، ومن حاز المتون؛ جمع الفنون).

والتقليد – كما هو الواضح والملموس – استنساخ، لا أقول للجسد وإنما للفكر، بحيث يحرص المبتلى به أن يكون صورة طبق الأصل عمن يتلقى عليه، وهي صورة لا روح فيها لأن صاحبها بالأصل ألغى نفسه من أجل أن يستمر (شيخه أو معلمه أو زعيمه) فيه.
ولقد وقعت على عددٍ وافٍ من النصوص التي توضح بدون أي مواربة أن التفكير نفسه غير محجور عليه في الإسلام، ولا حرج على المسلم أن يبحث عن حقيقة ما تحدثه به نفسه، وألا يتحرج من السؤال مهما بدا له الأمر مهولاً أو جرئياً.

وقد بوّب الإمام مسلم (رحمه الله) في صحيحه للوسوسة، وهي حديثُ الشيطان، وقد تكون حديثَ النفس، فقال:

(باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: ثم جاء ناس من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال (صلى الله عليه وسلم): (وقد وجدتموه)؟ قالوا: نعم. قال (صلى الله عليه وسلم): (ذاك صريح الإيمان)( ).

وعن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: ثم سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الوسوسة! قال (صلى الله عليه وسلم): (تلك محض الإيمان)( ).

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ثم لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا؛ خَلَقَ اللهُ الخَلْق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنتُ بالله)( ).

وعن هشام بن عروة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (ثم يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: اللهُ). ثم ذكر بمثله وزاد: (ورسله)( ).

وعن عروة بن الزبير (رضي الله عنه) أن أبا هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ثم يأتي الشيطانُ أحدَكم، فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقولَ له: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته)( ).

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (ثم لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله)؟ قال: وهو آخذ بيد رجل، فقال: صدق الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) قد سألني اثنان، وهذا الثالث. أو قال: سألني واحد، وهذا الثاني( ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ، حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ). وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ - بِهَذَا الْإِسْنَادِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ وَزَادَ: وَرُسُلِهِ( ).

وفي البخاري (رحمه الله) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ (رضي الله عنه) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ، حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ)؟( )

وبين ابن حجر في كتابه العظيم (فتح الباري) الفرق بين صدّ شيطان الجن عن الوسوسة، وصدّ شياطين الإنس عنها، قال في شرح حديث البخاري السابق:

(قوله: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته. أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها. قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع. قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك، فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان. قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب، والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة، وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها، إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة. نعوذ بالله من ذلك( ).

فشيطان الجن مقدور على صده بالاستعاذة والتلاوة، ولكن الثاني (شيطان الإنس) لا تصده إلا الحجة والبرهان. وهذا يعني – باختصار - أن يكون المسلم متمكناً، عارفاً بالشبهات وردها، ولا يكون هذا إلا بالعلم الواعي، ولا يكون إلا بجرأة وتفكير حرّ يأخذ بيده إلى أقصى ما يمكن مما يخطر للبشر. والله تعالى أعلم.

ويقول ابن كثير (رحمه الله) في تفسيره المشهور:
(عن أُبيّ بن كعب (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله: {وأن إلى ربك المنتهى}، قال: (لا فكرة في الرب). قال البغوي (رحمه الله): وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) مرفوعاً: (تفكّروا في الخلق، ولا تفكّروا في الخالق، فإنه لا تحيط به الفكرة). وكذا أورده وليس بمحفوظ بهذا اللفظ، وإنما الذي في الصحيح: (يأتي الشيطان أحدَكم؛ فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقولَ: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغ أحدُكم ذلك فليستعذ بالله، ولينته). وفي الحديث الآخر الذي في السنن: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذات الله)( ).
ففيما نقل ابن كثير إرشاد للناس كيف ينظمون تفكيرهم وإلى أي جهة يوجهونه، لا أن يتم الكبت الفكري، أو التجاهل، أو الصد، دون توجيه وتسديد صحيحين.

وينبغي علينا السعي المستمر نحو تنمية التفكير الصحيح لدى الفرد المسلم ليتمكن من فهم ما يدور حوله، والانصياع للشريعة على بصيرة ووعي، ولا يتم ذلك من خلال إهمال القدرات والقابليات العقلية والتفكيرية، وإنما يحتاج إلى مثابرة على تدريب مهارات التفكير، والإبداعي منه على وجه التخصيص.

وقد تجلت عظمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) – فيما تجلت - في تنمية قدرات أصحابه (رضي الله عنهم) وهو يأخذ بأيديهم من الجاهلية إلى الإسلام، ومن التبعية إلى القيادة، مراعياً استعداداتهم الفطرية، وقابلياتهم العقلية، وتيسير سبل الفهم لهم، ومخاطبتهم بما يناسب طاقاتهم وعقولهم وأفهامهم.

وفي المأثور عن الإمام عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه، ورضي الله عنه): (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)( ).

وعن ابن عباس (رضي الله عنهما): (إِنَّ لِلْقُلُوبِ نَشَاطًا وَإِقْبَالاً، وَإِنَّ لَهَا تَوْلِيَةً وَإِدْبَارًا، فَحَدِّثُوا النَّاسَ مَا أَقْبَلُوا عَلَيْكُمْ)( ).

وما تقدم من حديث الإمامين الجليلين علي بن أبي طالب وعبد الله بن العباس (رضي الله عنهما) صريح بأن الحكمة مطلوبة في بيان الحق للناس، وهذا لا يكون إلا بحرية تصونها الضوابط والقواعد الشرعية، التي تحتاج هي نفسها إلى أهلية لا تتوفر بدون طلب العلم والتفكر في سنن الخلْق.

والله تعالى أعلم وأحكم.

__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]
  #35  
قديم 13-05-2001, 06:34 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

لقد ارتبط الفكر الجاهلي بالملموس، والتصق الجاهليون – حتى العلية والقادة منهم - بالأمور التي تقع تحت قدرات الحواس المعتادة، كالنظر واللمس والسمع، وقد أراد الله تعالى لهم أن يرتفعوا عن هذا المستوى في فهم الأشياء، أراد لهم أن يرتقوا من مستوى العجماوات في فهمها وتعاملها مع ما يعاين وما يلمس وما يقع تحت قدراتها المحدودة إلى ما هو أعلى من ذلك، إلى المستوى الذي يفوق فيه آدم الملائكة في معرفته الأسماء.

ولو كان الحيوان كالإنسان لرأيناه يرتقي في مدارج الحضارة، ولرأيناه يطور وسائله لتتوافق مع احتياجاته، وهو أمر لم يقع خلال آلاف السنوات. فما زالت الطيور تعمل أعشاشها بنفس الطريقة، وما زالت الأبقار ترعى وتتوالد بنفس الأسلوب، ما زال ما كتب عن وصف حياة الحيوان الأعجم وسبل تصرفه منذ مئات السنين يصلح لوصف حيوان اليوم.

ولكن أمر الإنسان أمر آخر، فهو قادر على التطور، وقادر على افهم والتحليل المنطقي، وقادر على تغيير أنماط حياته، وتلبية احتياجاته الفطرية، وتكييف المكان ليوائم احتياجاته.

والإنسان فوق هذا كله قادر على استخدام تراكم المعلومات والتجارب، من مرحلة المشافهة وحتى مرحلة التوثيق والكتابة، وهانحن نقرأ ما كتبه الأقدمون، ونحفظ ما سطروه من الحكمة، وما زلنا نستفيد مما وصلوا إليه ونزيد عليه ما وصلنا إليه، والذين سيأتون من بعدنا سيستفيدون مما تركنا ويزيدون عليه.

ولعل مراقبٍ مهتمٍ بمسيرة الحضارة الإنسانية يلاحظ التسارع الذي عرفناه في القرن الأخير من مكتشفات علمية، وتطوير سبل الإدارة والسياسة، مما لا يقارن بما عرفه الآباء والأجداد، وكل ذلك ثمرة من ثمرات (التفكر) و(التدبر) القائم على (العلم) و(الفهم) و(التجربة).

ولقد بين الكتاب الكريم الفرق الواسع بين مستوى هموم وفكر كفار قريش، وبين المستوى الذي يريده لهم ذو العزة والجلال، وهو يدعوهم – سبحانه – إلى أن يرفعوا هاماتهم ليروا ما لا يراه من يبقى مكباً على وجهه.

  #36  
قديم 16-05-2001, 11:33 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

فالقرآن الكريم، وهو كلمة الله ووحيه إلى عباده وخلْقه، يلامس الفطرة، ويخاطب العقول، ويفتحها على أفق من الرقي ترى فيه بعين البصيرة ما لا تراه بعين البصر. ولقد يسّر الله لهم هذا الذِّكر الحكيم ليأخذ بأيديهم في دروب الهداية وسبل الفهم، يقول عز وجل:

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا(89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا(93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا(94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا(95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا(97)} [الإسراء]

وقوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍِ} أي بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم الحق، وشرحناه، وبسّطناه ومع هذا {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} أي جحوداً للحق، ورداً للصواب.

روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن عِلية القوم من قريش اجتمعوا، أو من اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض:

ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سريعاً وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء، وكان عليهم حريصاً، يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم، فقالوا:

يا محمد؛ إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رِئْيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي ـ فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلّغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم)، أو كما قال (صلى الله عليه وسلم).

فقالوا: يا محمد؛ فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلاداً، ولا أقل مالاً، ولا أشد عيشاً منا. فاسأل لنا ربَّك الذي بعثك بما بعثك به، فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيّقت علينا، وليبسطْ لنا بلادنا، وليفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قُصيّ بن كلاب فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول، فقال حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم).

قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله، فيجعل لك جناتٍ وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة، ويغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك، إن كنت رسولاً كما تزعم.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم).

قالوا: فأَسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل.

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ذلك إلى الله، إن شاء فعل بكم ذلك).

فقالوا: يا محمد؛ أما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله؛ لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد؛ أما والله لانتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا.

وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهي بنات الله.

وقال قائلهم: {لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً}.

فلما قالوا ذلك، قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم، وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبد المطلب، فقال: يا محمد؛ عرض عليك قومك ما عرضوا، فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله لا أومن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً، ثم ترقى وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي معك بصحيفة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله؛ لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك.

ثم انصرف عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وانصرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أهله حزينا أسفاً لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه. [انتهت رواية الطبري]

فمن الواضح تباين مستويي التفكير بين كفار قريش الذين لم يلتفتوا إلى عمق الدعوة المحمدية، وبقوا ملتصقين بما اعتادوا عليه من ملامسة المعجزة، فطالبوا بأمور تخالف ناموس الكون وسنن الله تعالى فيه، ولم يطرحوها حباً في الإيمان، وانقياداً له، وإنما طرحوها من باب المشاكسة والتعجيز، بظنهم. حتى قال قائله: (وأيم الله؛ لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك)!

وانظر إلى حلم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وحرصه على هدايتهم، ومدى تأثره لإعراضهم وتضييعهم لفرصة الحوار فيما لا طائل من ورائه، لأنه آنيٌّ والقرآن إلى يوم الدين، ولأن أثر ما طلبوا كان سيقتصر على أمور محددة لا تفيد – إن فادت أو أثّرت – إلا فيمن شاهدها، بينما ما يدعوهم إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) أبعد أثراً، وأعمق معنى مما التصقوا به من مطالب الدنيا. فالدعوة الإسلامية تخاطب الإنسان المكلّف الواعي ذي اللب والحجى، القادر على التدبر والتفكر في آيات الله، التي تنقضي الدنيا ولا تنقضي عجائبها. والله تعالى أعلم.

  #37  
قديم 17-05-2001, 05:48 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

ونضيف إلى ما تقدم من عناد مشركي قريش وارتباطهم – ككل المعاندين – بالمحسوس من الأشياء وملموسها، أنهم يعطلون تفكيرهم في آيات الله، فإن أعملوا فكرهم اتجهوا الوجهة الخطأ التي لا تؤدي بهم إلى أية نتيجة صحيحة، مما يجعل مطالبهم تعجيزاً وتحدياً في غير موضعه، ولله أن يختبر عبده وليس للعبد أن يختبر ربَّه، فمما يروى أن ‏ إبليس (لعنه الله) حين ظهر لعيسى ابن مريم (عليهما السلام)‏؛ قال:‏ ألست ‏تقول أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك؟‏ ‏قال:‏ (نعم)‏.‏ ‏‏قال:‏ فارم نفسك من ذروة هذا الجبل، فإنه إن يقدر ‏لك‏ السلامة تسلم. ‏فقال له:‏ (يا ملعونُ؛ إن للهِ أن يختبر عبادَه وليس للعبد أن يختبرَ ربَّه)( ).‏

وهذا المجلس – المذكور آنفاً - الذي جمع هؤلاء المكابرين لم يكن مجلس تفاوض ولا استرشاد، ولكنهم طلبوا ذلك كفراً وعناداً، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، وَنُؤْمِنُ بِكَ. قَالَ: (وَتَفْعَلُونَ)! قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ (عليه السلام) فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ؛ وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ! قَالَ: (بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ)( ).

وفي هذا ومثله من عناد المستكبرين، نزل قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، فَظَلَمُوا بِهَا، وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء/59]

فهؤلاء لا يستخدمون ما وهبهم الله تعالى ليفكروا بشكل صحيح، وليصلوا – ثَمّ - إلى نتائج صحيحة، وإنما يتخذون منهجاً أبعد ما يكون عن الصحة يدفع بهم نحو الهلاك وأوله انحراف التكفير بعيداً عن الموضوعية، فليس من العجب في شيء أن يغطوا بصائرهم ويحبوها عن رؤية ما يراه المؤمنون وما يراه أولوا النهى من الناس:

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ! لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا(7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا. وَقَالَ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا(8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا(9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا(10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ، وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا(11)} [الفرقان/7-11].

والأصل أن تكون بشرية النبي (صلى الله عليه وسلم) دليلاً على صدق دعواه، ولكن تفكير هؤلاء الملأ المادي واقتصارهم على الماديات جعلهم يعيّرونه (صلى الله عليه وسلم) بكونه بشراً يمارس ما يمارسه البشر، ويعتاش كما يعتاشون، ويأكلون ويشرب مما يأكلون منه ويشربون، وهو ليس بأغناهم ولا أيسرهم مالاً وأثاثاً.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى، وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا، مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام/111].

وانظر إليهم في مطالبهم التي يحسبوها تعجيزية: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} [الإسراء/90-91]

وهي مطالب تندرج تحت الحوار العبثي الذي استدعى عِلية قريش ورجالاتها رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) إليه، ولم تكن مطالب جادة، ولم يكن لها علاقة بالمستوى الفكري والعقلي والتدبّري الذي دعاهم إليه رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا نزلت به آيات الذكر الحكيم.

  #38  
قديم 19-05-2001, 03:18 PM
Leena2000 Leena2000 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 20
Post

السلام عليكم ..

بعد طول انتظار .. وبالرغم من تعرضه لهجوم الحقودين .. بسبب تميزه باعضاء متميزين امثالكم .. عاد منتدى الهدف من جديد .. وبقوة .. للتسجيل الآن .. اضغط على هذا الرابط .. جزاكم الله خير ..
http://www.alhadaf.f2s.com/vb
  #39  
قديم 19-05-2001, 03:20 PM
Leena2000 Leena2000 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 20
Post

السلام عليكم ..

بعد طول انتظار .. وبالرغم من تعرضه لهجوم الحقودين .. بسبب تميزه باعضاء متميزين امثالكم .. عاد منتدى الهدف من جديد .. وبقوة .. للتسجيل الآن .. اضغط على هذا الرابط .. جزاكم الله خير ..
http://www.alhadaf.f2s.com/vb
  #40  
قديم 19-05-2001, 03:39 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Lightbulb

يا أختاه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكر الله لك حسن الظن.
__________________
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك/22]
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م