مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 26-08-2001, 07:54 AM
sakher sakher غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 142
Post أحكام الإقامة في بلاد الكفار ... المناقشة والترجيح

أحكام الإقامة في بلاد الكفار ... المناقشة والترجيح

بعد استعراض أقوال أئمة الأمصار في هذه المسألة ، والتوسع في ذكر الأدلة التي احتج بها المؤيدون والمعارضون ، لا يسعنا إلا مناقشة هذه الأدلة والتوفيق بينها حتى لا يخطر ببال أحد أن أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- تتعارض فيما بينها .
والراجح عندي في هذه المسألة،أن الإقامة في بلاد الكفر جائزة لمن أمن الفتنة على نفسه، وعلى من هم تحت رعايته، وهذا هو الذي ذهب إليه جمهور العلماء -كما بينا-، وقد بينا أدلتهم في سياق أقوالهم، وفيما أفردنا بعد ذلك من أدلة الإباحة .
وأما الأدلة التي استدل بها المانعون، فنأتي عليها بشيء من البيان والتفصيل -بإذن الله- :
فالآية القرآنية الواردة في سورة النساء، وهي قوله -تعالى- : " إن الذين توفاهم الملائكة ... " الآية . إنما وردت في أقوام كانوا يفتنون عن دينهم في بلاد الشرك مع قدرتهم على الهجرة إلى دار المهاجرين ، وهذا بين في سبب النزول ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : إن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله ،أو يضرب فيقتل ، فأنزل الله " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " الآية . (1) وقال ابن كثير : أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال :" كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم ، قال المسلمون : كان أصحابنا مسلمين، وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " الآية (2).
وبهذا لا يبقى في الآية دلالة على ما ذهب إليه المانعون ؛ لأن محل بحثنا هو الإقامة في دار الشرك عند أمن الفتنة ، أما من خاف الفتنة فالهجرة عليه واجبة باتفاق العلماء .
وأما الآية الثانية : وهي قوله -تعالى- : " والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " الآية ، فهي لا تدل على تحريم الإقامة ؛ لأن قطع الموالاة يراد به قطع نصيبهم من الفيء والغنيمة، كما ورد في حديث بريدة -رضي الله عنه-(3)، أو قطع الميراث، كما ذكر بعض المفسرين (4)،وهذا لا يعني أبداً تأثيمهم أو اعتبارهم عصاة ، بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي بتخييرهم بين الهجرة والجهاد معه، وما يترتب على ذلك من حصولهم على الفيء والغنيمة ، وبين البقاء في وطنهم محرومين من الفيء والغنيمة في الدنيا، ومن أجر الهجرة والجهاد في الآخرة ، وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم .
ولكن هذه الآية تدل -بلا شك- على استحباب الهجرة، وتفضيلها على البقاء في الوطن، وهذا لا ينازع فيه أحد ، وليس هو محل الخلاف .
وأما الجواب عن الأحاديث التي احتجوا بها : فلا بد قبل تفصيل القول فيها ، من التعريج على مسألة في غاية الأهمية ألا وهي : إن الحكم في مسألة معينة، لا يصح فيه أن نقتطع حديثاً واحداً من المسألة، ثم نبني الحكم عليه ، بل لا بد من جمع الأحاديث الواردة في هذه المسألة ، ثم النظر في درجتها من الصحة ، لنقدم القوي ونؤخر الضعيف ، فإن بقي بعد ذلك تعارض في الأحاديث القوية نظرنا في أوجه دلالاتها، وملابسات ورودها، وتقدير الفترة الزمنية التي وردت فيها ، حتى يعيننا ذلك على التوفيق بينها ، فإن تعذر ذلك كله أعملنا الترجيح بينها بالمرجحات المعروفة عند أهل الأصول . وإذا طبقنا هذه القاعدة على مسألتنا هذه ، وجدنا أن الأحاديث التي تدل على التحريم -بعد التسليم بصحتها- وردت في العهد المدني قطعاً ولم ترد في العهد المكي ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مكة هو وأصحابه يساكنون المشركين، ويصبرون على أذاهم، ويدعونهم إلى الله -سبحانه وتعالى- ، ثم أذن -صلى الله عليه وسلم- للمستضعفين من أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة، وهي بلاد المشركين، حتى ينجو من ظلم أهل مكة .
وفي أثناء هذه الفترة نعلم أنه لم يأت حديث يدل على تحريم المقام بين أظهر المشركين ،كيف ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقيم بين أظهرهم هو وأصحابه ، فلما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وكثر فيها المسلمون، وصارت ملاذاً آمناً للمضطهدين من المسلمين ، حينها أمرر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة .
وكانت دواعي الهجرة متعددة : فمنها: أن يأوي المسلم إلى بلد يعبد الله فيه، مفارقاً لوطنه الذي يفتن فيه عن دينه ، ومنها: نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والشد من أزره في جهاده لأعداء الدين الذين يصدون الناس عن سبيل الله .
ومنها : ملازمة النبي -صلى الله عــليه وسلم- للتلقي عنه، والتفقه به، حتى يتم تبليغ الدين للناس ،ففي هذه الفترة من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- حرم على المسلمين الإقامة في دار الشرك، إما خشية أن يفتنوهم عن دينهم ، أو رغبة في تكثير سواد المسلمين ، في وقت تشيّد فيه أركان الدولة، وتعلو رايتها ، ويكيد لها عدوها ، فكان الاستنصار بالمسلمين واستدعاؤهم من شتى أنحاء الجزيرة ؛ ليتقوى بهم إخوانهم القليلون في المدينة، وليتمكنوا جميعاً من جهاد أعداء الدين - أمراً مطلوباً ، وفي هذه المرحلة الزمنية وردت -والله أعلم- الأحاديث المحرمة للإقامة بين أظهر المشركين .
حين قويت شوكة المسلمين وعقدوا مع قريش صلح الحديبية ، وصارت قريش لا تمنع قبائل العرب من الدخول في الإسلام ، بدأ المد الإسلامي يتغلغل إلى كل القبائل العربية، وصار من أسلم منهم لا يؤذى من قومه، ولا يفتن عن دينه، لسطوة المسلمين وعز جَنَابهم .
ولم تعد هناك حاجة إلى تكثير سواد المسلمين؛ إذ خبت شوكة أعداء الدين، ودانت قريش بجبروتها إلى مهادنة المسلمين ومصالحتهم، ففي هذه الفترة لم تعد الهجرة إلى المدينة متأكدة كتأكدها في أول الأمر ، فصار النبي -صلى الله عليه وسلم- يخير الأعراب بين الهجرة والبقاء في أوطانهم .
إلا أن الهجرة وقتها بقيت مستحبة؛ لتلقي الدين والأحكام عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم نشره بين الناس. ولما في تكثير سواد المسلمين من تخويف قريش التي لا يؤمن مكرها، إلى جانب تسريع عجلة الفتح الإسلامي في الجزيرة . وبقيت الهجرة كذلك إلى أن فتح الله -سبحانه وتعالى- مكة على المسلمين ، ودانت قريش بالإسلام ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فحينها رفع الأمر بالهجرة ،وقال -صلى الله عليه وسلم-: " لا هجرة بعد الفتح " إذ إن دواعي الهجرة لم تعد قائمة ،فالمسلم حيث كان في أنحاء الجزيرة عزيز جَنَابه؛ يعبد الله دون خوف أو اضطهاد .
وكان المهاجرون والأنصار قد تلقوا أحكام الدين عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان في عددهم غُنْيةٌ وكفاية لتبليغ ما تلقوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحكام ،ولم يعد المسلم مستضعفاً في الجزيرة ، بل أذل الله المشركين ، حتى أمر -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك بإجلاء المشركين عن كل الجزيرة .
قالت عائشة -رضي الله عنها- حين سئلت عن الهجرة : " لا هجرة اليوم ، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله -تعالى- وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- مخافة أن يفتن عليه ، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام ، واليوم يعبد ربه حيث شاء ، ولكن جهاد ونية " .
وحديث لا هجرة بعد الفتح : لا يفيد انقطاع الهجرة أبداً ؛ لأن الهجرة إلى المدينة كانت لدواع متعددة كما بينا ، منها: القصد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنصرته وتلقي الدين عنه ، ومنها: الخوف من الفتنة في البلد المهاجر منه ، فالذي انقطع بقوله -صلى الله عليه وسلم-: " لا هجرة بعد الفتح " هو المعنى الأول وهو القصد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأما الهجرة من بلاد يفتن بها المسلم عن دينه ، فهذه لا تنقطع إلى قيام الساعة . وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن السعدي رجل من بني مالك بن حنبل " أنه قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ناس من أصحابه، فقالوا له : احفظ رحالنا، ثم تدخل -وكان أصغر القوم- ، فقضى لهم حاجتهم، ثم قالوا له : ادخل ، فدخل ، فقال: ما حاجتك ؟ قال : حاجتي تحدثني أنقضت الهجرة ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" حاجتك خير من حوائجهم ، لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو " (5) .
وأخرج أيضاً عن جنادة بن أبي أمية أن رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : قال بعضهم : إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك ، قال : فانطلقت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقلت: يا رسول الله إن أُناساً يقولون: إن الهجرة قد انقطعت ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد" . (6)
قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح في محاولته التوفيق بين هذه الأحاديث وحديث " لا هجرة بعد الفتح " : وقد أفصح ابن عمر بالمراد ، فيما أخرجه الإسماعيلي ، بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " .
قال الحافظ :" أي ما دام في الدنيا دار كفر ، فالهجرة واجبة منها على من أسلم، وخشي أن يفتن عن دينه" . انتهى (7).
لهذا كله، لا بد قبل الاستدلال بالأحاديث من فهم الملابسات التي أحاطت بها ، وإدراك مواقع ورودها، وتنزيلها في منازلها الصحيحة .
وأما من حمل أحاديث التحريم على عموم الأزمان والأحوال ، فقد وقع في معارضة أحاديث أخرى ، وضرب النصوص بعضها ببعض ، ثم لا بد قبل الحكم في المسألة من النظر إلى الواقع الذي نعيش فيه، ثم إلحاقه بما يشبهه من المراحل المختلفة التي مرت بها الدعوة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فالواقع الذي يعيشه المسلمون في هذه الأيام أشبه بالعهد المكي، منه بالعهد المدني بالنسبة لمراحل الدعوة .
إذ ليس للمسلمين خلافة ينعمون في ظلها ، أو ديار تطبق فيها أحكام الشريعة كاملة ، أو خليفة يقوم بجهاد أعداء الدين والذود عن حياض المسلمين ، بل تفرق المسلمون إلى دول، تحكم بقوانين وضعية ، وتسيّر من قبل دول غربية كانت السبب في إسقاط الخلافة وإزالة دولة المسلمين ، وقد يضطهد المسلم في بعض الدول الإسلامية ويفتن عن دينه ، ويتعرض فيها للأذى ما لا يتعرض له في بلاد الكفار .
فمن شبه واقعنا اليوم بواقع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في المدينة ، وحرّم بالتالي الإقامة في بلاد الكفر مطلقاً، فقد جانبه الصواب ، وإذا اعتمدنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرم الإقامة في دار الشرك في العهد المدني ؛ إذ لا يمكن أن يكون التحريم قد وقع في مكة والنبي –صلى الله عليه وسلم- مقيم فيها بين أظهر المشركين ، علينا أن نحقق مناط التحريم حتى نتمكن من استنباط الحكم الصحيح في هذه المسألة -بإذن الله تعالى- . فإن كان مناط التحريم هو مجرد الإقامة في بلاد الشرك ، فهذا يرده إقامة بعض الصحابة في الحبشة، وهي دار شرك ، ولم ينكر عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- . ويرده تخيير النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أسلم بين الهجرة، والبقاء في وطنه، وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم .
وإن كان مناط التحريم هو عدم الخضوع لأحكام المشركين ، فهذا أيضاً يرده مقام الصحابة في الحبشة ، إذ كانت تطبق فيها أحكام الشرك ،وهذا لا ينطبق على واقعنا أيضاً ؛ إذ إن بلاد الكفر وبلاد الإسلام استوت في خضوعها لأحكام الشرك ، وإن وجد تفاوت في قدر الخضوع .
وإن كان مناط التحريم، هو خوف الفتنة على الدين ، فهذا ما يقوله جمهور العلماء ، ويقيدون الأحاديث المحرمة به .
وبهذا المناط نستطيع التوفيق بين الأحاديث، فنحمل الأحاديث القاضية بتحريم الإقامة في ديار الشرك على حال عدم الأمن من الفتنة ، والأحاديث المبيحة على حال الأمن من الفتنة . فحيث اضطهد المسلم في بلد ما وخاف فيه على دينه ، عليه أن يهاجر منه إلى بلد يأمن فيه على دينه ، سواء كان البلد المهاجر إليه من بلاد الإسلام، أم من بلاد الشرك ، وكونه من بلاد الإسلام أولى، ولكن إن لم يتيسر إلا في بلاد الشرك فعليه الهجرة هروباً بدينه من الفتن .
وهذا ما جرى للصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة، إذ تركوا دار الشرك إلى دار شرك، ولكن تركوا الخوف إلى الأمن ، والاضطهاد والاستضعاف إلى العدل والإنصاف .
وحيث كان المسلم في بلد يأمن فيه على دينه فله الإقامة فيه ، سواءٌ كانَ دار إسلام أم دار شرك، ولكنْ بقاؤه في دار الإسلام أفضل لتكثير سواد المسلمين، والأمن من غدر الكافرين ، إلا إذا حصل بإقامته في دار الشرك خير كثير؛ بدعوة المسلمين المقيمين فيها إلى التمسك بدينهم، ودعوة غيرهم إلى الإيمان -بالله سبحانه- .
وعلى هذا الحال ينزل ما ورد من إقامة بعض الصحابة بالحبشة، وهي دار شرك مع وجود دار الإسلام والهجرة . وعلى هذا الحال -أيضاً- تحمل الأحاديث المبيحة للإقامة في بلاد الشرك .
وقد ذهب إلى الجمع بين الأحاديث بهذه الطريقة عِدة من العلماء .
قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح (8):" وكانت الحكمة أيضاً في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار؛ فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه ، وفيهم نزلت " إن الذين توفاهم الملائكة .." الآية .
وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر، وقدر على الخروج منها .
وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعاً " لا يقبل الله من مشرك عملاً بعد ما أسلم أو يفارق المشركين " ،ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعاً : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " (9) وهذا محمول على من لا يأمن على دينه ، وقال -رحمه الله- في موضع آخر (10): فلا تجب الهجرة من بلد قد فتحه المسلمون ، أما قبل الفتح فمن به من المسلمين أحد ثلاثة :
الأول : قادر على الهجرة منها لا يمكن إظهار دينه ولا أداء واجباته، فالهجرة منه واجبة .
الثاني : قادر لكن يمكنه إظهار دينه، وأداء واجباته فمستحبة؛ لتكثير المسلمين بها ومعونتهم ، وجهاد الكفار، والأمن من غدرهم , والراحة من رؤية المنكر بينهم .
الثالث :عاجز بعذر من أسر، أو مرض، أو غيره، فتجوز له الإقامة ، فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج منها أجر .أ. هـ
وقال الشافعي -رحمه الله- (11):"ودلت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن فرض الهجرة على من أطاقها ، إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها ؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم، العباس بن عبد المطلب (12)وغيره ، إن لم يخافوا الفتنة ،وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم: " إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين ، وإن أقمتم فأنتم كأعراب ..." وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم . ا.هـ
وبوب الإمام البيهقي -رحمه الله- في سننه باباً بعنوان " الرخصة في الإقامة بدار الشرك لمن لا يخاف الفتنة " ، وجمع تحته جملة صالحة من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- (13).
وبالرغم من ذلك كله، فإن الجمهور يستحبون للمسلم أن يهجر دار الكفر ، وإن استطاع إظهار دينه؛ حتى لا يكثر سوادهم ، ويميل إليهم في الرسوم والخُلُق ، والعادة ، والهيئة؛ لتأثير الجوار والصحبة ، وليتخلص من الضعف، والاستكانة التي لا تليق بالعزة الإيمانية ، وحتى يتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعونتهم ، ويتخلص من مخالطتهم ورؤية المنكر بينهم .(14)
صحيح أن الزمان قد فسد، وأن البلاد كلها يجاهر فيها بالمعاصي ، ولكن ينبغي على المسلم في مثل هذه الحالة أن يختار أقل البلاد إثماً إن استطاع .
قال البغوي : " يجب على كل من كان ببلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك الهجرةُ إلى حيث تهيأ له العبادة . فإن استوت جميع البلاد في عدم إظهار ذلك - كما في زماننا- فلا وجوب بلا خلاف" .
فإن سقط الوجوب فيبقى الاستحباب قائماً، وكما يقول " الونشريسي " : فإذا لم يوجد بلد إلا كذلك فيختار المرء أقلها إثماً - إن ملك حرية الاختيار - فإن الإقامة تحت السلطة الكفرية ، والمساكنة الشركية ، والرضا بدفع الضريبة لهم، فيها نبذ للعزة الإسلامية ، وإذلال للمسلم بفواحش عظيمة مهلكة .
فإن من شأن المسلم بين الكفار العجزَ ، والضعفَ ، والاستكانةَ؛ فتكون كلمته خامدة ، وكلمتهم هي العليا . فمهما كان مستوى الحريات الممنوحة فإن المسلم هو المستهدف بالطمس ، وتمييع الشخصية ، وتقييد حريته الدينية ، والإساءة إليه وإلى دينه ، والقضاء على قِيمَه وقناعاته ، وإيجاد المنظمات الإرهابية لقمعه ، وهدم أو حرق أماكن عبادته .(15)
يقول ابن تيمية : " أحوال البلاد كأحوال العباد . فيكون الرجل تارة مسلماً ، وتارة كافراً ، وتارة مؤمناً ، وتارة منافقاً ، وتارة براً تقياً ، وتارة فاجراً شقياً . وهكذا المساكن بحسب سكانها ، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته ، وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة . وهذا أمر باق إلى يوم القيامة " (16)
وما يتعرض له المسلمون اليوم في بلدان العالم غير الإسلامية، من عدم احترام مشاعرهم الدينية إلى محاولات الدمج في المجتمعات التي يقيمون فيها، سواء من قبل سلطات البلاد ، أم رغبة من أبناء المسلمين في عملية الاندماج ،والتي يترتب عليها رفض للمبادئ التربوية، والعادات الإسلامية. وقطعٌ للصلة بينهم، وبين عقيدتهم ، وتراثهم الديني . وفَرْنَجة فكرِهم وسلوكهم ، والتخلق بأخلاق القوم هناك (17). إلى التأثر بمناهج تلك البلاد التربوية، والتعليمية في التكوين الفكري والنفسي والاجتماعي والتي تناقض أخلاقياتنا ، وتعاليم ديننا ، وحقائقه ، بالإضافة إلى البيئة ، وعلاقة أبناء المسلمين بغيرهم، وأثرها عليهم في تكوين شخصياتهم ، واتخاذ القرارات ، وطريقة تفكيرهم مع فقدان جهاز الرقابة في الأسرة ، وضعف المؤسسات التعليمية المسلمة في تقديم الخدمات الاجتماعية ،وعدم وجودها بالقدر الكافي ، وبالفعالية المطلوبة في مقابل ما تقدمه النوادي ، ووسائل الإعلام من سيول من الشرور ، والفساد ، والرذيلة (18) ، ما يكفي لهدم ما لدى المسلم من قيم إسلامية ومثل عليا ، وكذلك المدارس والمؤسسات الكنسية النشطة وغيرها، والتي تعمل ليلَ نهارَ لإخراج الناشئة المسلمة من الإسلام إلى النصرانية وغيرها من الأديان ، أو الاكتفاء بدمجه وتذويبه في المجتمعات هناك .
كل ذلك يفرض علينا أن نقول : " إن من لم يستطع مقاومة تلك المحاولات والمؤثرات ، ومجانبتها وطأطأ لها رأسه – من أبناء المسلمين – وعاشها بما فيها ، فإن قول من قال بحرمة الإقامة في تلك البلاد – والحال هكذا – صائب ، وإن توفرت له الحرية الدينية ، والتي تسمح بإظهار شعائر دينية إن أراد ، فإن ما كان ذريعة وسبباً إلى إسقاط عبادة الله بمفهومها الرحب، وإلى موالاة المشركين فهو حرام – " وما أدى إلى الحرام فهو حرام " .
يقول ابن القيم : الهجرة الثانية : الهجرة إلى الله ورسوله؛ فهذه هي الهجرة الحقيقية وهي هجرة تتضمن من وإلى ، فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته ، ومن عبودية غيره إلى عبوديته ، ومن الخضوع والذل لغيره إلى الخضوع والذل له . وهذا بعينه قوله –تعالى- : " ففروا إلى الله " [الذاريات آية:50].
والهجرة إلى الله تتضمن : هجران ما يكرهه ، وإتيان ما يحبه ويرضاه ،إلا إن كان في إقامته مصلحة معتبرة للمسلمين " وذلك لأن ما يترتب على بقائه من الخير سيتضاعف على ما يمكن أن يجعل له من الشر ، والضرر؛ على أن يكون قادراً على إظهار دعوته ،وشعائره الدينية ،وهكذا الحكم في إقامته من أجل مصلحة تهم المسلمين ، كتعلم نوع من العلوم ، أو صنعة من الصنائع ، أو نحوهما مما تحتاجه الأمة الإسلامية، ولا يوجد في ديارهم ؛ أو ليكون سفيراً لدولة الإسلام عندهم . (19)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م