مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 14-08-2002, 11:25 AM
عبد السلام البراج عبد السلام البراج غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
المشاركات: 115
إفتراضي قصة ليوسف إدريس(الجزء 2)

وفكر أن يذهب ويسرق فاصوليا من المطبخ، ولكنه لم يجد لديه حماساً كافياً لتنفيذ الفكرة.. كان قد بدأ يدرك أنه يضحك على نفسه حين يقسم نفسه قسمين يلعبان مع بعضهما. وبدأ يتبين أنه يلعب وحده فعلاً، وبدأ يرى حينئذ كل شيء ماسخاً وقبيحاً إلى درجة أنه لم يعد يصدق أن ما تحت السرير بيت كما كان منذ دقائق مضت.. كان قد بدأ يرى أن الألواح الخشبية مجرد ألواح، والدواية التي كان ينوي استعمالها كوابور مجرد دواية، وعلبة الورنيش التي كان سيستعملها حلة مجرد علبة ورنيش فارغة لم يعد ما تحت السرير بيتاً، ولا عادت الألواح الخشبية حجرنوم وجلوس وسفرة.
اغتاظ سامح.. فمن دقائق قليلة وحين كانت فاتن تلعب معه كان يعتقد فعلاً أن المطبخ مطبخ، والصالة صالة، وحجرة السفرة حجرة سفرة. لماذا حين ذهبت ةأصبح وحده بدأ يرى كل شيء سخيفاً مختلفاً وكأن لعبة البيت لا تنفع إلا إذا لعبها مع الست فاتن؟
وفي غمرة غيظه غادر ما تحت السرير، بل غادر الحجرة كلها، ومضى يلف في الصالة يبحث لنفسه عن لعبة أخرى يتسلى بها. وفي درج مكتب أبيه الأخير عثر على حنفية قديمة، استغرب كيف كانت موجودة طوال هذه المدة في ذلك المكان ولم يعثر عليها سوى اليوم. أخرج الحنفية ومضى يفتحها ويغلقها وينفخ فيها، وومضت في ذهنه فكرة: لماذا لا يستعملانها هو وفاتن في لعبتهما فيركبها في رجل السرير ويصنع لها حجرة صغيرة وتكون الحمام؟
ألا يصبح البيت حينئذ كالبيوت الحقيقية؟ ولكن.. لا.. إنه لن يلعب أبداً معها، حتى ولو جاءت من تلقاء نفسها وحاولت أن تلعب معه. سوف يقول لها بكل احتقار:
_جايه هنا ليه يا بارده. روحي يالله على بيتكم..
وطبعاً هي لا بد قادمة عما قليل، فهي الأخرى لن تجد أحداً تلعب معه.
وانتظر سامح أن تأتي، ولكنها لم تأتِ، وتذكرحينئذ كيف كانت غلبانة وهي تنحني وترفع داير السرير والسبت معلق في يدها.. كانت غلبانة صحيح. لماذا لا يذهب ويرى لعلها واقفة خارج باب شقتهم تنتظر منه أن يذهب ويصالحها؟ وذهب إلى الباب وفتحه، وتلفت هنا وهناك ولكن الطرقة كانت خالية وليس فيها أحد..
وعاد مغموماً إلى الحجرة الداخلية، ولتجه إلى السرير ونظر من الفرجة الكائنة بين الداير الأبيض والمرتبة.. بدا ما تحت السرير واسعاً جداً وخراباً، والألواح الخشبية ولعبه وأشياؤه البعثرة شكلها كئيب، وليس هناك أبداً أي أثر للعالم الصغير الذي كان أحب إليه من كل عوالم الكبار وسينماته ومباهجه.
وترك الحجرة متضايقاً وظل يدور في الصالة. وفجأة أحس أنه ضاق ببيتهم كله وأنه يريد الخروج منه والذهاب إلى أي مكان. وهكذا وجد نفسه واقفاً في الطرقة خارج باب الشقة وحده، أمه تناديه وهو يكذب ويقول إنه ذاهب ليلعب مع الأولاد في الحارة.
وفي الطرقة بدأ يفكر.. لا بد أن فاتن ذهبت إلى أمها باكية، ةلا بد أن أمها أخذتها وأغلقت عليها الباب ولن تسمح لها أبداً باللعب معه مرة أخرى. إن أخوف ما يخافه لا بد قد حدث. يا له من غبي سخيف! لماذا أغضبها؟ لماذا لم يقل لها: أنا رايح الشغل أهه، وبصل إلى باب الحجرة مثلاً ثم يعود ويقول لها : أنا رجعت م الشغل أهه. لماذا عاندها؟ وماذا يصنع الآن؟
وهبط درجات السلم تائهاً، محتاراً متردداً بين أن يهبط ويحاول أن يجد طفلاً من أولاد الحارةيلعب معه أسخف لعب، فهو لا يريد إلا أن يلعب مع فاتن لعبة البيت بالذات، وفاتن ذهبت إلى أمها ولن تعود أبداً، أو أن يصعد ويدّعي لأمه أنه سخن وميض. وحتى لم يجد في نفسه أية رغبة أو حماس لكي يهبط أو يصعد أو يتحرك من مكانه أو يفعل أي شيء. كل ما أصبح يتمناه من قلبه وهو يهبط درجة ويتوقف درجات أن تزل قدمه رغماً عنه فيسقط ويتدحرج على السلم ويظل رأسه يتخبّط بين الدرجات، وكل خبطة تجرحه وتسيل دماءه.
وحين وصل إلى باب شقة أم فاتن كان الباب مغلقاً ومسدوداً وكأن أصحابه سافروا أو عزّلوا.. ألقى نظرة واحدة على الباب ولكنها جعلته يحس بالغبة في البكاء، ويسرع بالهبوط.
وقبل أن ينتهي السلم عند آخر بسطة، توقّف حزيناً حائراً، وكأن شيئاً ثميناً جداًُ قد ضاع منهن وأخرج رأسه من درابزين السلم وتركه يتدلى في يأس من حديد الدرابزين.. ومضى يجلس على الأرض ويفرد ساقيه بلا أي اهتمام بملابسه أو بما يلحقها، ثم يقف فجأة زقد قرر أن يكمل الهبوط ولكنه يجد نفسه قد عاد للجلوس إدلاء رأسه من حديد الدرابزين. وكلما تذكر أنه لولا عناده لكانت فاتن لا تزال تلعب معهن وكلما تصور أنه قد حرم اللعب معها إلى الأبد، تمنى لو مرض فعلاً أو مات أو أصبح يتيماً من غير أب أو أم.
ولم يصدق عينيه أول الأمر، ولكنه كان حقيقة هناك ـ على آخر درجة في السلم ـ سبت فاتنالصغير نائماص على جنبه والحلة الألمنيوم ساقطة منه. وهبط السلالم الباقية قفزاً، وتدحرج وعاد يقفز، وعلى آخردرجة وجد فاتن هناك.. هي بعينها جالسة ورأسها بين يديها، وكانت تبكي ودموعها تسيل، وسبتها الصغير راقد بجوارها والحلة قد تبعثرت منه.
وأحاطها سامح بذراعيه واحتضنها وراح يطبطب عليها بيديه الصغيرتين، وقبلها في وجهها وشعرها ويقول لها وكأنه يخاطب طفلة أصغرمنه بكثير ويصالحها، وهو فرحان لأنها لم تذهب لأمها ولا اشتكت: معلش معلش معلش..
وجذبها برفق لينهضها، ونهضت معه بغير حماس ودموعها لا تزال تتساقط.. دموع حقيقية. وأعاد الحلة إلى السبت وعلقه في يدها، ومضى يصعد بها السلم وذراعه حولها، وهي مستكينة إليه لا تزال تدمع وجسدها ينتفض، ولكنها لا تقاومه ولا تتوقف عن الصعود.
يوسف إدريس/آخر الدنيا (مجموعة قصص قصيرة)/1983
أرجو أن تكونوا قد تمتعتم (البراج)
__________________
بالدم أوقّع
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 22-08-2002, 01:43 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

لا يوجد جمهور للقصة.
لماذا؟
ربما لا يوجد صبر للقراءة.
تحولنا إلى مخلوقات تستهلك الثقافة السريعة.
وحتى تاريخ تعليقي هذا،وكما نرى في الإحصاء قرأ أربعة قراء هذا الجزء من قصة يوسف إدريس بعد ثمانية أيام من إنزالها أربعة قراء.
وهذا يجعلني أعود إلى النقاش أعلاه عن الشعر والنثر.
مع تحياتي للأستاذ عبد السلام وتقديري لمحاولته الرائدة في لفت الانتباه إلى هذا القصاص المبدع يوسف إدريس (وخصوصاً في قصصه ورواياته الأولى)
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م