مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #21  
قديم 06-07-2005, 09:44 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[فإذا كان هذا بالنسبة لالمانيا وروسيا والعداء لهما أقل من العداء للإسلام والمسلمين لأنه عداء جديد وعداء الإسلام والمسلمين عداء تقليدي قديم يحتل مركز الشعور وموضع التفكير، ومن أجل ذلك قسموا البلاد الإسلامية إلى دول وشعوب، وقسموا الشعب العربي إلى دول ليكون أيضاً شعوباً، وحاربوا الإسلام حرباً فكرية وحرباً سياسية بدأب متواصل وبحقد دفين، كل ذلك حتى لا تعود الدولة الإسلامية إلى الوجود، ولا تعود الأمّة الإسلامية إلى النهوض. هذا ما يجب أن يدركه المسلمون ويتدبروه لأنه هو سبب الانحطاط وفيه خطر الفناء، وهو الذي يَحُول بيننا وبين الحياة كما ينبغي أن تكون الحياة.

إن عدونا هذا حوّل عداوتنا له من كفر وإيمان إلى استعمار ومستعمِرين، من عداوة مسلمين لكفار إلى عداوة مستعمَرين للاستعمار، وحوّل بُغضنا له من بغض مسلمين لكفار إلى بغض وطنيين لأجانب، وبذلك أنسانا مرارة الهزيمة بوصفنا مسلمين، وأزال عنها كونها هزيمة كفر للإسلام، حتى يتحول كفاحنا له من جهاد نطلب فيه الجنة ونبتغي منه رضوان الله إلى كفاح رخيص كالمظاهرات والاحتجاجات للحصول على الاستقلال، أي على الانفصال عن باقي بلاد الإسلام. ولذلك لا بد من إعادة الصراع بيننا وبينه إلى صعيده الأصلي: صراع بين إسلام وكفر بين مسلمين وكفار. فإن موضوع النزاع بيننا وبينه ليس لكونه مستعمِراً فحسب بل لكونه كافراً مستعمِراً، وفي الدرجة الأولى لكونه كافراً، وسبب جهاده إنّما هو الكفر. ولهذا لا بد أن نعرف عدونا من هو وأن نتخذه عدواً. فإننا إذا لم نعرف جهة العداوة بيننا وبينه والسبب الذي يحمل لنا من أجله العداء لا يمكن إنقاذ أنفسنا من براثنه، وبالتالي لا يمكن التغلب عليه. وإذا لم نتخذه عدواً فإننا ولا شك سنجعل أنفسنا تحت سيطرته، وتحت رحمته، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً).

وقد جاء القرآن بكيفية معاملة الكفار بآيات صريحة تقرع الآذان وتوقظ العقول وتهز النفوس وتثير المشاعر، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)، وقال: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)، وقال: (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء)، وقال: (بشّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذي اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قَبلكم والكفار أولياء)، وقال: (إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً)، وقال: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة بالهدى ويريدون أن تَضِلّوا السبيل والله أعلم بأعدائكم).

هذه هي المعاملة العادية للكفار: حمل العداوة لهم وعدم موالاتهم. فإذا حصلت بيننا وبينهم حرب فعلاً كانت معاملتهم حسب أحكام الجهاد. والانجليز والفرنسيون والأمريكيون والروس وغيرهم من الدول الكافرة هم كفار أعداء لنا، إلاّ أن الانجليز والأمريكان والفرنسيين هم الذين يباشِرون محاربة إنهاض المسلمين وعودة دولتهم، فهم الذين يقفون في وجه بث الأفكار الإسلامية في الطريق السياسي لإعادة الثقة بصحتها وصدقها وصلاحيتها، ولذلك كان من المحتم أن لا بد من الكفاح المرير في سبيل بث أفكار الإسلام، وكان الكفاح إنّما يكون لهؤلاء ولعملائهم من الدجالين والمنافقين.

وهنا قد يَرِد سؤال وهو: أن البلاد الإسلامية صحيح أنها مقسمة إلى دول ولكنها متحررة من الاستعمار ومن سلطان الكفار وحكامها مسلمون، وهي إنّما تحكم بنظام كفر. فالكفاح إنّما يكون لنظام الكفر ولا يوجد أي كفاح للكفار.

والجواب على ذلك هو أن الأمّة الإسلامية منكوبة ببلاءين: أحدهما أن حكامها عملاء للكفار المستعمِرين، وثانيها أنها تحكم بغير ما أنزل الله، أي تحكم بنظام كفر، ولذلك كان لزاماً عليها في البلدان التي فيها دول حكامها ليسوا عملاء للكفار مثل تركيا والأفغان أن تكافح نظام الكفر لإزالته وللحكم بما أنزل الله أي لإقامة الخلافة الإسلامية. أمّا في البلدان التي حكامها عملاء كباكستان والعراق والأردن ولبنان والسعودية وإيران والجمهورية العربية واندونيسيا والسودان وغيرها فإنه فرض على الأمّة أن تكافح عمولة العملاء فتكشفهم وتفضح أعمالهم، وأن تكافح كذلك نظام الكفر لإزالته ولإقامة سلطان الإسلام وحكم القرآن. فهؤلاء العملاء يكافحون قطعاً بث أفكار الإسلام في الطريق السياسي ذاتياً من أنفسهم وبتحريض من الدول الكافرة، لأن الحكام في العالم الإسلامي تملكهم ثلاث حالات قد أثرت عليهم حتى أفقدت بعضهم الإيمان بالإسلام كنظام للحكم وكنهج للحياة وبذلك أصبحوا كفاراً ولو صاموا ولو صلّوا، وبَعَثت في البعض الآخر اليأس من صلاح هذه الأمّة ولكنهم ظلوا يؤمنون بالإسلام كنظام للحكم وكنهج للحياة وأوجدت عندهم جميعاً الشعور بالعجز الدائم عن الوقوف في وجه الدول الكبرى الكافرة إلاّ بالاستناد إلى عمولة دولة كبرى كافرة، فأدى ذلك إلى تصورهم الخطر عليهم وعلى البلاد من أي عمل لإعادة الدولة الإسلامية إلى الوجود.

أمّا هذه الحالات الثلاث فهي: عدم الثقة بالإسلام كمبدأ عالمي للحياة والحكم وعلاقات الدول، وعدم الثقة بالأمّة الإسلامية كأمّة قادرة على أن تقتعد مكان الصدارة بين الأمم الكبرى، والثالث هو الرعب الذي قُذف في قلوبهم من الدول الكبرى الكافرة وما لديها من معدات الدمار ومن أساليب المكر والخداع. ومن أجل ذلك نأوا بجانبهم عن الإسلام وجعلوا ركيزة بقائهم في الحكم الاستعانة بالدول الكبرى والاستناد إليها لا الاستعانة بقوة بلادهم والاستناد إلى أمّتهم. واستسلموا للكفار الحربيين. ولذلك فإنهم سيقاومون إعادة الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه، أي سيقاومون بث أفكار الإسلام في الطريق السياسي باعتبارهم أداة في يد الكفار الغربيين. ولهذا فإن المقاوم في الحقيقة هم الكفار الغربيون وليسوا هؤلاء الحكام المسلمين. ومن هنا يجب أن ندرك الصعوبة على هذا الأساس، وأن يُعلم أن هذه هي الصعوبة الأساسية في إنهاض الأمّة وإعادة الدولة، وأن يستعد المسلمون لذلك كل الاستعداد. فإن هذا الكفاح أمر لا بد منه وهو فرض كفرض الجهاد سواء بسواء.

قد يقال إن هناك صعوبة أخرى غير صعوبة الكفاح ألا وهي قدرة الإسلام على مسايرة الزمن، ولا سيما في الأعمال السياسية البحتة. فإن المسألة ليست إقامة دولة فحسب فإن هذه هيّنة، وإنّما المسألة وقوف هذه الدولة في المجال الدولي ومحاولتها أخذ مركز مرموق بين الدول، واستطاعتها التأثير على الموقف الدولي مع ثباتها على أفكار الإسلام، ثم إيجاد علاج للمشاكل التي تقتضيها طبيعة الزمن وتقلباته، فالوقائع تحدث في كل وقت، فلا بد من مسايرة الزمن فيها.

والجواب على ذلك هو أن كلمة مسايرة الزمن كلمة غامضة مبهمة، فإن أرادوا منها أن تُجعل الأحكام متفقة مع ما يسود العصر فهذا لا يجوز، فجعْل الربا حراماً في المجتمع الإسلامي ثم حين يصبح هذا المجتمع تحت حكم نظام رأسمالي ويصير مجتمعاً غير إسلامي ويكون الربا ضرورة اقتصادية لهذا المجتمع حينئذ يُجعل الربا حلالاً في هذا المجتمع. هذا العمر منكَر ولا يجوز أن يكون، بل الربا يظل حراماً إلى قيام الساعة، ولا عبرة بتغير العصر ولا بتغير الظرف ولا بتغير المجتمع، حتى لو أصبح من ضروريات الحياة. فيجب أن يُغيَّر المجتمع لا أن يُغيَّر الحكم الشرعي.

وإن أرادوا من مسايرة الزمن أن توجد حلول للمشاكل التي تَجِدّ مع كل زمن، فهذا أمر لا بد منه. فمثلاً المسلمون كان يستشيرهم الخليفة بدعوة ممثليهم وكان يعرف ممثليهم، فإذا أصبحت استشارة الدولة للناس تقتضي إيجاد مجلس شورى يُنتخب من الناس لأخذ رأيهم فإن هذه الواقعة تُفهم فهماً واقعياً، فيُرى أن مجلساً للشورى ومحاسبة الحكام لا للتشريع ولا لمباشرة الحكم، أمر قد طلبه الشارع، قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم)، وقال عليه السلام: (أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر). وعليه يوجد هذ المجلس ويطبَّق في انتخابه حكم الوكالة، لأن هؤلاء الأعضاء في المجلس هم وكلاء عن الناس في الرأي، والوكالة في الرأي جائزة كالوكالة في الخصومة وفي المال وغير ذلك. وما دامت وكالة في الرأي فإن لكل إنسان أن يوكِل من يشاء في الرأي، رجلاً كان أم امرأة، مسلماً كان أم غير مسلم، وأن يتوكل عمن يشاء، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو غير مسلم. إلاّ أن غير المسلم لا يتوكل في التشريع لأنه أحكام شرعية وهي لا تكون لغير المسلم، ولا في حصر المرشَّحين للخلافة لأنه لا يبايِع الخليفة إلاّ المسلمون. أي لكل إنسان أن يوكل غيره وأن يكون وكيلاً عن غيره في كل ما أعطاه الشرع حق مباشرته بنفسه. فلكل من يحمل تابعية الدولة أن ينتخب من يشاء وأن يُنتخب هو عمن يشاء في مجلس الشورى. فهذا الحكم ليس مسايرة للزمن وإنّما هو اتساع في الشريعة، أي أن الإسلام عالج كل مشكلة تحصل في كل زمن.
  #22  
قديم 06-07-2005, 09:46 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

وإن أرادوا مسايرة الزمن في الأعمال المباحة كأن تحدث مباحات لم تكن فيُختار منها ما يتمشى مع الأذواق السائدة، كأن يلبس قبعة بدل الطربوش لأنه يعيش في أوروبا مثلاً، وكأن يتخذ لنفسه حجّاباً ومواعيد. فإن هذا أيضا وإن ظهر فيه أنه مسايرة للزمن ولكنه قيام بفعل مباح بغض النظر عن الزمن.

وإن أرادوا اختلاف المعاملات في العلاقات الدولية باختلاف الظروف والأحوال، فهذا جائز، ولكن جوازه إنّما يكون بحسب الأحكام الشرعية. فمثلاً تعقد الدولة الإسلامية مع إحدى الدول الكافرة معاهدة حسن جوار وترفض أن تعقدها مع دولة أخرى، فهذا جائز، إذ تسير حسب ما ترى من مصلحة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عقد معاهدات حسن الجوار مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة وهاجم غيرهم من القبائل.

ومثلاً يجوز للدولة الإسلامية أن تمتنع عن فتح بلاد وحكمها بالإسلام مع قدرتها على ذلك لأمر يتعلق بالموقف الدولي أو بالخطط الخاصة بالدولة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عقد معاهدة مع يوحنة بن رؤبة صاحب ايلة على أن يعطي يوحنة الجزية للمسلمين ويؤمِّن الرسول له سفنه وقوافله في البحر والبحر، وأقرّه على أن يبقى حاكماً على قومه على كفرهم، أي أقرّهم على الكفر وعلى حكم الكفر. وكذلك فعل بأهل جرباء وأذرح مع الإقرار على الكفر وعلى حكم الكفر. وهذه القبائل الثلاث كانت إمارات من إمارات بلاد الروم، وكان الرسول قادراً على احتلالهم، فقد كان في تبوك معه ثلاثون ألفاً وقد هرب جيش الروم منه لمجرد سماعه عنه قبل أن يلقاه، فكان قادراً على احتلال هذه الإمارات ولكنه تركها.

ومثلاً الحكم الشرعي أن يدفع الكفار الجزية للدولة الإسلامية ولكن قد تغير الظرف فتقوم الدولة الإسلامية بدفع جزية للدول الكافرة لظرف طرأ عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب رأى أن الكرب اشتد على المسلمين ووصل الحال عند بعضهم إلى حد الشك بنصر الله، وقد وصف الله تلك الحال بقوله: (إذ جاؤوكم مِن فوقكم ومِن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتُلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً)، في هذه الحال قام الرسول صلى الله عليه وسلم بمناورة يُفتّت فيها تكتل الكفار ويجعل بعضهم يرجع عن القتال، فبعث إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المضري –وهما قائدا غطفان- ففاوضهما على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فقَبِلوا ذلك وجرى بينهما صلح حتى كتبوا الكتاب، وقبل أن يوقِّع الكتاب بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك واستشارهما به، فقالا له: يا رسول الله، أمْراً تحبه فتصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنع لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم (أي اشتدوا عليكم) من كل جانب فأردتُ أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، ولا هم يطمعون أن يأكلوا منا مترة إلى قِرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلاّ السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنت وذاك. فتناول سعد الصحيفة فمحى ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا.
  #23  
قديم 06-07-2005, 09:47 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]

فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى أن المسلمين أصبحوا في حالة لا يحتملون معها مواصلة القتال ففاوض الكفار على أن يدفع لهم مالاً وانتهت المفاوضات إلى موافقتهم، ولكنه قبل أن يوقّع كتاب الصلح رأى من استشارة السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة أن المسلمين في طاقتهم أن يحتملوا مواصلة الحرب فعدل وأعاد الرسل وقال لهم: ارجعوا ليس لكم إلاّ السيف. وهذا يعني أنه مع أن الأصل أن الكفار يدفعون الجزية ولكن إذا رأت الدولة أن الظرف يقتضي أن يدفع المسلمون الجزية فإنه يجوز أن يراعوا الظرف ويدفعوا الجزية للدول الكافرة. فهذه كلها وقائع تدل على أن الحكم الذي وُضع لمشكلة وكان صالحاً في وقت قد تُرك وجُعل للمشكلة حكم آخر مكانه لاختلاف الوضع الذي فيه الدولة. فهذا وإن كان يظهر منه أنه مسايرة للزمن ولكنه في الحقيقة سير مع الحكم الشرعي وليس مسايرة للزمن. ولذلك لا يجوز أن يغير الحكم إلاّ إذا كان له دليل شرعي يجيز تغييره ووضع حكم آخر للمشكلة بدله. ولذلك فإن المسلمين في حالة الضعف يجوز أن تدفع الدولة مالاً للدول الكافرة، ولكنه لا يجوز لها أن تجعل للدولة الكافرة قواعد أو مطارات عسكرية في أراضيها لأن هذا يجعل سلطاناً للكفار على جزء من أراضي الدولة وهذا لا يجوز. وكذلك لا يجوز لها أن تعقد معاهدات حدود فتلتزم بأن تكون حدودها موضع كذا لأنه يعني وقف الجهاد، ولكنه يجوز أن تلتزم احترام الجوار مدة معينة لا مطلقاً من غير تحديد مدة. وهكذا فإنه يجوز اختلاف المعاملات في العلاقات الدولية باختلاف الظروف ولكن حسب الحكم الشرعي ولا يحل الخروج عنه مطلقاً.

وإن أرادوا بمسايرة الزمن وضع سياسة تتفق مع متطلبات العصر، فهذا جائز لأنه اختيار لمباح من المباحات، فالسياسة فعالية مؤثرة في الممكنات لتحويلها إلى الوضع الذي نريده نحن ما دام ذلك داخلاً بالممكن أي ليس بالمستحيل، وهو بالطبع يعني المباحات. فقد تختار الدولة سياسة الحرب وقد تختار سياسة الأعمال السياسية. أي قد تضع الدولة مخططات القيام بالحرب فعلاً فتكون في حالة تأهب دائم وتجيب على كل مناورة سياسية بالاستعداد الفعلي لخوض الحرب والدخول في معارك. وقد تضع الدولة مخططات للقيام بأعمال سياسية بإيجاد مشاكل للعدو متصلة الحلقات لا يكاد يخرج من مشكلة إلاّ ويقع في مشكلة أخرى، وتكون مُعِدّة لذلك القوة الهائلة حتى تكون جريئة على خلق المشاكل للعدو ودفعه إليها، حتى إذا بادأها العدو بالحرب أعادت له الضربة ضربتين. فهاتان سياستان مباحتان، فالدولة حين ترى أن الزمن يقتضي إحداهما ولا يقتضي الأخرى تكون ظاهراً قد سايرت الزمن ولكن الحقيقة أنها اختارت الفعل المباح الذي يقتضيه الزمن.

وهكذا فمسألة مسايرة الزمن حين توضح مشاكل الزمن يذهب منها الغموض، وحين يعيّن مدلول كل مشكلة وموقف الحكم الشرعي منها يذهب منها الإبهام. وعلى ذلك فإنه يمكن أن يقال إن الشريعة الإسلامية تساير الزمن إذا قُصد أنها في نصوصها العامة يمكن مواجهة كل مشكلة في أي زمن وإيجاد حل لها فهي تساير الزمن. وإذا قُصد أنها تتسامح بأحكامها مراعاة للزمن فإنها بهذا المعنى لا تساير الزمن.

على أن المسألة في مسايرة الزمن سواء في السياسة أو التشريع إنّما هي فيما يسمى بالواقعية العملية، فالناس الواقعيون العمليون يسايرون الزمن قطعاً حتى ولو كانوا من أشد المحافظين على القديم لأنه قديم، والناس غير الواقعيين وغير العمليين لا يمكن أن يثبتوا في مستوى عال في كل زمن بل يجمدون وتصيبهم الحيرة. ولا يوجد في الدنيا أخطر على التشريع وعلى السياسة من الفروض النظرية والقضايا المنطقية، فإنها تسبب الضرر الفاحش بل تسبب الخطأ والضلال. فإن السياسة والتشريع يعالج كل منهما واقعاً محسوساً وأمراً من أمور العمران. ولكل واقع ظروفه وأحواله فيجب أن يُستبعد تجريده منها استبعاداً تاماً، ويجب مراعاة الظروف الخاصة بالنسبة لكل واقع، وبالنسبة لكل أمر بمفرده، ولذلك يجب استبعاد التعميم والتجريد في السياسة والتشريع، فلا يقاس شيء من أحوال العمران على آخر لمجرد الاشتباه، إذ يجوز أن يحصل الاشتباه في أمر ويكون الاختلاف واقعاً في أمور متعددة.

ومن أخطر الأمور على السياسة والتشريع استعمال القياس الشمولي. أمّا التشريع ولا سيما التشريع الذي جاء به الوحي فهو أحكام لأفعال ولا ينطبق إلاّ على تلك الأفعال، ولذلك لا يقاس عليها لمجرد الشبه بل يعطى الحكم لها إن كانت واحداً من ذلك الجنس أو النوع لا إن كانت تشبهه، وإذا تضمن النص علّة فإنها تطبَّق فقط على جنس ذلك الوصف الذي هو العلّة لا على ما يشبهه. فإذا خرج الوضع عن ذلك فقد خرج عن أن يكون حكماً شرعياً مستنبَطاً من الدليل، لأن الدليل لا يدل عليه هو بل يدل على ما يشبهه، ولأن العلّة لا تدل عليه هو بل تدل على ما يشبهه. ولذلك قال بعض العلماء كالإمام ابن حزم بالأخذ بظواهر النصوص خشية أن يدخل تحت الحكم ما هو من غير جنسه ونوعه لمجرد الشبه أو أن يحمل النص خلاف ما يدل عليه لغة أو شرعاً. ولذلك أيضاً قال بعض العلماء كالإمام جعفر بمنع الأخذ بالقياس، إذ اعتبروا أن النصوص المعلَّلة جاءت علتها علامة عن الحكم، فالله قال هذا حكم كذا وهذه علامة حكم كذا، ولا يوجد في المسألة قياس. كل ذلك لِما للفروض النظرية والقضايا المنطقية من خطر يؤدي إلى الخطأ والضلال من جراء القياس المغلوط لمجرد الشبه.

أمّا السياسة فالأمر فيها أشد لأنها معالَجة أمور فردية قلّما يجتمع أمر مع أمر في كل شيء، ولكنها شديدة التعقيد، دقيقة الإدراك، متداخلة الحوادث، ولذلك إذا لم تُعتبر كل حادثة بمفردها وتعطى حكماً خاصاً بها فإنه لا يمكن أن يوصِل إلى الحقيقة إلاّ إذا كان صدفة، أي رمية من غير رام. وحينئذ يستغلق فهمها وبالتالي يقع الخطأ في العلاج. فلأجل أن يسايِر التشريع وتسايِر السياسة متطلبات كل زمن وحاجاته على أساس ثابت لا تكون فيه قابلية التغيير، لا بد أن تؤخذ الحوادث كلها حسب واقعها الذي هو عليه مئة بالمئة، ولا يقام أي وزن للتشابه بينها، وأن توضع الناحية العملية عند العلاج، أي أن هذا ممكن أو ليس ممكناً أي ليس هو مستحيلاً، فتُبعد الفروض النظرية وتُبعد القضايا المنطقية ويُستبعد التعميم والتجريد، ويُحذر من القياس المغلوط ولا سيما القياس الشمولي، وحينئذ يظل التشريع وتظل السياسة مزدهرتين أيما ازدهار. أو على حد تعبيرهم تظل الأمّة قادرة على مسايرة الزمن فتظل في كل زمن مقتعدة المكان المرموق في الموقف الدولي، بل مقتعدة مركز القيادة للأمم.

وقد يقال إن البلاد الإسلامية المترامية الأطراف وقد قُسمت إلى دول عديدة وقامت فيها دساتير مختلفة وقوانين متنوعة ومضى عليها أكثر من أربعين عاماً وهي تحكم بدساتير تناقض الإسلام وقوانين ليست أحكاماً شرعية بل كلها أنظمة كفر وأحكام كفر، فالصعوبة إن ذُللت بالنسبة لمسايرة الزمن فإنها باقية بالنسبة للدستور والقوانين، فلا بد من إعداد دستور للدولة الإسلامية يكون آخذاً بعين الاعتبار اختلاف الوقائع والأحوال والظروف في مختلف بلاد الإسلام، ولا بد من إعداد قوانين تعالج كل مشاكل العصر الحديث.

والجواب على ذلك هو أن الأساس إيجاد الثقة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها وصلاحيتها قبل أن تُجمع هذه الأحكام دستوراً وقوانيناً. أي أن الأساس انبثاق هذه الأحكام الشرعية عن العقيدة التي يعتقدها المسلمون واعتبارها أنها أحكام جاء بها الوحي من عند الله. فإذا وُجد هذا الأساس فقد سَهُل وضع الدستور والقوانين. أي أنه لا بد من تركيز الأساس الذي تقوم عليه الدولة والجامعة التي تربط الأمّة كأمّة، أي لا بد من أن تُبعث الحياة في العقيدة الإسلامية أولاً باعتبار الأفكار والأحكام التي انبثقت عنها وحياً من الله جاء بها جبريل عليه السلام علاجاً لأفعال العباد لتحقيق السعادة لهم، فإذا وُجد هذا الاعتبار فقد وُجدت الدولة.

صحيح أن العقيدة الإسلامية موجودة عند الأمّة، والأمّة أمّة مسلمة وليست كافرة، ولكن هذه العقيدة فقدت علاقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع، فغاضت منها الحيوية وصارت عقيدة جامدة بل عقيدة ميتة، ولم يعد لدى المسلمين ذلك الحافز الحاد الذي دفعهم لفتح الدنيا وحكم البشر ونشر الهدى وحمل لواء العدل والحق. بل إن هذه العقيدة فقدت النظرة إلى السماء وحصرت نظرتها في الأرض، فَقَدَت ذكر الله والتطلع إليه والاستعانة به، واتجهت نحو النظرة إلى الخلق واستمداد العون من البشر وأخذ القوة من المال، بل إن هذه العقيدة فقدت في نفوس المسلمين تصور يوم القيامة، فقدت الشوق إلى الجنة والحنين إلى نعيم الآخرة، فقدت المثل الأعلى وهو نوال رضوان الله، وحصرت همّها في متاع الدنيا، فصار شوقها إلى منزل ضخم ورياش ناعم ومركب فاره، وصار حنينها إلى متعة زائلة ونعيم بالمال والجاء والسلطان، وصار مثلها الأعلى تحقيق رغباتها المادية وإرضاء من بيدهم تحقيق هذه الرغبات.
  #24  
قديم 06-07-2005, 09:48 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

هذه العقيدة الإسلامية حتى عند القائمين بالليل تهجداً، والصائمين بالنهار تطوعاً، والمتحرجين عن الوقوع في محرّم، لا تعدو هذه العبادات، وتنصرف إلى الدنيا وحدها، ولم يعد التقيد بحكم الله كما جاء من عند الله هو الذي يسيطر عليها، ولم يعد لرفع كلمة الله وجعْلِها هي العليا في أعمالها أي وجود ولا في تفكيرها أي نصيب. فكيف يُطلب لإيجاد الدولة لهذه الأمّة وضع الدستور والقوانين قبل أن توضع الأفكار الأساسية التي ينبثق عنها الدستور والقوانين، والتي تعطي الدستور والقوانين صفة أحكام الشرع أي صفة المعالَجات التي جاء بها الوحي من عند الله؟

إنه لا بد من بعث الحياة في العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين حتى تنطق قلوبهم قبل ألسنتهم أن أفكار الإسلام وأحكامه هي أكبر مبرر لوجودنا، وأن إخلاصنا لها يرتفع على كل إخلاص، وأن ولاءنا لها يرتفع على كل ولاء. فإذا نطقت قلوبهم بهذا ومثله، وصار الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما، فإنه حينئذ تكون الفكرة التي تجمع الأمّة كأمّة وتقوم عليها الدولة وتنبثق عنها القوانين قد أوجدت الحياة في الأمّة، فيسهل حينذاك وضع الدستور والقوانين. فالقضية أولاً وقبل كل شيء وضع البذرة في العقول والنفوس، ففقدانها هو أصل الداء وأساس البلاء، ووضعها هو العلاج والبلسم والترياق. على أن القضية هي إنهاض الأمّة وإقامة الدولة.

وإنهاض الأمّة إنّما يكون بالفكر وليس بالدستور والقوانين، وإقامة الدولة يعني نصب خليفة للمسلمين، ونصب الخليفة إنّما هو إقامة الحكم، والحكم سياسة بمعنى السياسة الرفيع أي فعل عقل وقلب. فالعقيدة العقلية التي تنبثق عنها أفكار الحياة تملأ العقل بالوعي والقلب بالمشاعر المتدفقة، وعنهما معهاً يصدر الفعل. وهذا الفعل هو الحكم، أو هو سياسة البشر. فهو لا يحتاج إلى دستور وقوانين أولاً حتى يكون، وإنّما يحتاج إلى عقل وقلب يُملآن بالفكر المستنير ثم بعد ذلك توجد الحاجة إلى الدساتير وإلى القوانين. فالفكر الذي يعطي وجهة النظر في الحياة أولاً وقبل كل شيء، أي العقيدة العقلية الحية أولاً وقبل كل شيء، فمتى وُجدت وُجد الحكم، ومتى وُجد الحكم وُجدت الدولة، وحينئذ يوجد الدستور وتوجد القوانين.

والقوانين والأحكام إنّما هي معالَجات للمشاكل اليومية التي تحدث مع البشر منبثقة عن وجهة النظر في الحياة، أي عن تلك العقيدة العقلية الحية التي أقامت السلطان وبُني عليها هذا السلطان. فالدستور والقوانين أداة للحكم وليست أساساً له، وهي مقياس للحكم على الأعمال التي يتقيد بها الحكام ويقيدون بها الرعية التي يحكمونها. أمّا الأفكار التي تنبثق عنها هذه القوانين أو الأحكام فهي التي توجِد الحكم وهي التي تدفع الأمّة لإيجاد الحاكم، وهي التي تجعل الحاكم يسوس الأمّة ويرعى شؤونها على وجه معين وبطريقة معينة، سياسة صادرة عن العقل والقلب معاً، ومدرَكة إدراكاً واقعياً، وتنبض بها المشاعر فتَجعل في الحاكم حرارة الحكم، وتَجعل سياسته سياسة حية تنبض بالحياة. فالأصل في إقامة الدولة عن طريق الأمّة ليس الدستور والقوانين وإنّما هو بعث الحياة في العقيدة العقلية التي ينبثق عنها الدستور والقوانين. أي الأصل في إنقاذ الأمّة من الفناء المحقق إنّما هو إنهاضها بأفكار الإسلام وإقامة الخلافة الإسلامية، أي إعادة الثقة بصحة أفكار الإسلام وصدقها وصلاحيتها، أو بعبارة أخرى بعث الحياة في العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين.

أيها المسلمون

إن أمّتنا وُجدت خير أمّة أُخرجت للناس، فحرام أن يلحقها الفناء، وإجرام أن يدركها العفاء. إنها الأمّة التي نشرت الهدى في العالم، وحققت العدل بين البشر، وتحرت الحق في حكم الرعايا، وشملت الناس بالرحمة وأحاطتهم بالرعاية، ونشرت الطمأنينة، وأوجدت الاستقرار، ومتعت كل من استجاب لدعوتها بسعادة الحياة. إنها الأمّة التي عاشت من أجل إنقاذ الناس من الشرك والكفر، واستشهد الملايين منها في سبيل إعلاء كلمة الله، وكان عملها الأصلي في الحياة حمل الدعوة الاسلامية للعالم، ومَثَلها الأعلى نوال رضوان الله.

هذه الأمّة الكريمة الفِعال، العريقة المحتد، التي كانت تحمل همّ الإنسانية كلها لتخرجها من الظلمات إلى النور، والتي لا تزال الإنسانية مفتقرة إليها لتنقذها مرة أخرى من جشع المادة وقلق المادية إلى راحة التقوى وطمأنينة الإيمان. هذه الأمّة هي اليوم مشرفة على خطر الفناء، والكفر كله يحث الخطى للإجهاز عليها الإجهاز الأخير. هذه الأمّة آثار الكفار فيها التشكيك في أفكار دينها وأحكامه في ظرف بزغت فيه شمس صناعات الكفار واختراعاتهم بوهج الرقي الفكري وحرارة التقدم المادي، فأروها أفكار الكفر بعرض الاختراعات، وأحكام الضلال بإظهار الصناعات. فحصلت لها الفتنة ونجح الكفار في تشكيكها بأفكار الإسلام وأحكامه حتى جعلوها على مفترق الطرق. حتى إذا دمروا الدولة الإسلامية، وأزالوا الخلافة الإسلامية من الوجود، ساروا بهذه الأمّة وهي في حالة حيرة وذهول في طريق الفناء حتى لا يبقى لها أثر.

واليوم وبعد أربعين عاماً من السير وصلوا بها نهاية الطريق ووضعوها على حافة الهاوية، فصارت على وشك الفناء. فهل تتركونها تفنى كما فنيت الأمم من قبل، وحينئذ سيبعث الله من يحمل رسالته، ويبلّغ دعوته، ويؤيد دينه، فيستبدل غيركم بكم، قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)، وقال: (إلاّ تنفروا يعذّبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم)، أم تبذلون مُهَجَكم لإنقاذها حتى تستأنف مرة أخرى حمل رسالتها إلى العالم لإنقاذه مما هو فيه من كفر وضلال وفساد وشقاء، وتخرجه من الظلمات إلى النور.

أيها المسلمون

إن إنقاذ أمّتكم لا يتأتى لكم إلاّ إذا رجعتم إلى الله، وقوّيتم صلتكم به، واستمددتم العون منه، وتوكلتم عليه حق توكله، وجعلتم نوال رضوان الله المثل الأعلى في هذه الحياة. فإنّ إنقاذ أمّتكم إنّما هو من أجل نشر دين الله، وإعلاء كلمة الله، وإيصال الرحمة لخلق الله، وجلب السعادة لعباد الله، وهو يعني أن يُشدخ نافوخ الكفر، وأن يُحطم رأس الطاغوت، وأن يُسحق الإلحاد والضلال. وهذا كله لا يتم إلاّ بكفاح مرير بسلاح الفكر المستنير، وبجهاد صادق لإعلاء كلمة الله، وبيع الأنفس والأرواح في سبيل الله. ولذلك لا قوة لكم إلاّ بالله ولا سند لكم إلاّ الله، فالله وحده هو الناصر المعين. وهو نِعم المولى ونِعم النصير.

أيها المسلمون

لقد طال التصاقكم بالأرض فارفعوا أبصاركم إلى السماء، وازداد انهماككم في متاع الدنيا فالتفتوا إلى نعيم الآخرة. لقد آن الأوان لأن يتحرك حنينكم إلى الجنة، ولأن تتنسموا ريحها، وأن تصْبوا إلى نعيمها. فاجعلوا الشوق إليها المركب الذي يحملكم إلى معارك الكفاح وساحات الوغى، وأجيبوا دعوة الله لكم إذ قال: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين)، ولبّوا طلب الرسول إليكم إذ قال: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض).

إن أصحاب بيعة العقبة الثانية قالوا: إنا نأخذ رسول الله على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. وقالوا للنبي عليه السلام: فما لنا يا رسول الله إن نحن وفّينا بذلك؟ فرد عليهم رسول الله مطمئن النفس قائلاً: الجنة. نعم، الجنة أيها المسلمون ثمن بذل النفوس في سبيل الله لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله. قال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتِلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون). نعم، الجنة أيها المسلمون الصفقة التي عقدوها مع الله، يقاتلون في سبيله فيَقتلون ويُقتلون. فهل آن الأوان لأن تشتاقوا لهذه الجنة، ولأن تَعقِدوا مع الله الصفقة التي لن تبور، فتشرون أنفسكم ابتغاء مرضاته، وتستجيبوا له إذا دعاكم لما يحييكم (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يُحييكم).

أيها المسلمون

إن مصيبتكم الفادحة أن العقيدة الإسلامية قد انطفأ نورها في قلوبكم، وذهب أثرها في أعمالكم، وفقدت حرارتها في تصرفاتكم، وصارت ميتة في نفوسكم. فأنيروها بأحكام القرآن وأحيوها بذكر الله، واجعلوها تعيدكم خلقاً آخر كالمسلمين الأولين من الصحابة والتابعين أو تابعي التابعين. أنيروها بالثقة بأفكار الإسلام وأحكامه وبالعمل لإعادة سلطان الإسلام ورفع راية القرآن. أنيروها بحمل الدعوة إلى الناس كافة لتخرجوهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام، ومن جحيم القلق والشقاء إلى نعمة الطمأنينة ونعيم السعادة. وأحيوها بتقوى الله وطاعته، وبالخوف من عذابه والطمع في جنته، وبتقوية الصلة به، وبذكره في كل تصرف، وتذكّره عند كل عمل، وبالتقرب إليه لا بالصلاة والصوم والزكاة والدعاء فحسب، بل بقول الحق أينما كان، وكفاح الباطل أينما وُجد، وجهاد الكفار والمنافقين في كل وقت وفي كل حين.

أيها المسلمون

لقد انكشف لكم داؤكم بأنه زعزعة الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه، ووَضُح لكم دواؤكم بأنه إقامة الخلافة الإسلامية بأفكار الإسلام وأحكامه. فصار نهج العمل واضحاً كالشمس في رابعة النهار، وصارت الغاية محددة تحديداً يلمسه كل إنسان. لذلك فإنا ندعوكم لبعث الحياة في العقيدة الإسلامية في نفوسكم، بدوام الصلة بالله، والدأب على دعوة الله والثقة بشرع الله، وجعل الأخوة الإسلامية وحدها الرابطة التي تربط جميع المسلمين. ونهيب بكم أن تعملوا بدأب متواصل ووعي كامل، وتضحية صادقة، لإعادة الخلافة الإسلامية ببث أفكار الإسلام والكفاح في سبيلها، لترفعوا راية الإسلام فوق جميع الرايات، ولتجعلوا كلمة الله هي العليا، ولتستأنفوا حمل رسالة الإسلام إلى العالم نوراً وهدى ورحمة للعالمين.

15 من جمادى الأولى 1382

13 تشرين الأول 1962
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م