الأُم 4-
كلما كان يفكر فيها وفي دموعها ووجها الملائكي ذو البياض المائل للحمرة، المحاط بخمار أبيض، كانت الدنيا.. كلها تتبخر خارجة من رأسه، ويبقى الفكر محتلا بصورة أمه فقط.. فلا يزال مشهد الشفتين الحساستين وهما تهبطان من الأعلى لتلامسا خده الطفولي عندما كان صغيرا، تحتل مخيلته.. وكذلك عندما كانتا تصعدان لتلامسا رأسه الرجولي في كبره، وهو يمثل أجمل مشهد في حياته على الإطلاق، أخذه الحنين إليه أخذا قويا لا يتمالك نفسه معه.. والآن يفكر في ذلك المخلوق الرباني، والتي كانت تعمل له دائما دون أن تنتظر مقابل ذلك شيئا، يفكر في أمه ويشعر تجاهها بتقصير عظيم، دون أن يعرف ماذا يقدم لها.. فيتمتم مع نفسه:
( يا أمي إن لم تكوني رحمة من الله فماذا تكونين؟!.. إن لم نجد ذلك الحب العظيم مستقرا بين جنبات قلبك فأين سنجده و في أي سوق سنبتاعه؟!.. إذا لم تكن السماء مصدر حساسيتك المرهفة، فيا ترى من أين جاءت؟!)