مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 04-04-2000, 10:12 PM
المتنبي المتنبي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2000
المشاركات: 1
Post دراسات في حياة المتنبي

السلام عليكم
انا ضيف جديد هنا وارجوا ان تقبلوني برحابة صدر


· هو أبو الطيب أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي، وكان أبوه سقاء بالكوفة.
· ولد المتنبي عام 303هـ / 915م بالكوفة، وكان بها 46 ألف دار في عام 314هـ / 925م
· قرأ على أكابر العلماء: الزجاج وأبي إسحق والسراج وأبي بكر ونفطويه وابن رستويه ولزم أبا بكر محمد بن دريد، ولزم الوراقين، واهتم بأبي تمام والبحتري وبشار وأبي نواس، وقرأ الفلسفة والمنطق على أبي الفضل الكرخي والتصوف على الأوراجي، وأشهر تلاميذه وشراح شعره ابن جني.
تواريخ حياته:
· 412 / 924م نهب القرامطة فانتقل به أبوه إلى بلدة السماوة بين العراق وتدمر وظل بها عامين.
· 415هـ / 927م رجع إلى الكوفة.
· 316هـ / 928م توجه إلى بغداد.
· 321هـ / 933م انتقل إلى اللاذقية وتنقل في بلاد الشام ما بين منبج وبعلبك وطرابلس ودمشق وطبرية ثم عاد إلى اللاذقية.
· 322هـ / 934م اعتقل وأودع أحد سجون حمص بتهمة ادعاء النبوة على ما قيل ثم أطلق سراحه.
· 923هـ / 940م تزوج في هذه السنة على الأرجح من شامية أنجب منها ولده الوحيد محسد الذي قتل معه.
· 335هـ / 946م انتقل إلى الرملة ثم إلى دمشق وصعد بعد ذلك في الديار المصرية.
· 336هـ / 947م انتقل إلى إنطاكية ثم خرج منها إلى بعلبك.
· 327هـ / 948م انتقل إلى حلب وأقطعه أميرها سيف الدولة الحمداني ضيعة تعرف بيصف من ضياع معرة النعمان القبلية.
· 346هـ / 957م سافر إلى دمشق وتوجه بعد هذا إلى مصر واتصل بكافور الإخشيدي حاكمها.
· 350هـ / 961م رحل من مصر إلى نجد.
· 351هـ / 962م بلغ الكوفة ثم بغداد.
· 352هـ / 963م خرج من بغداد إلى بلاد فارس.
· 354هـ / 963م وصل أرجان بشيراز ثم خرج منها متوجها إلى بغداد والكوفة وقتل في الطريق عند دير العاقول على يد أحد اللصوص في رواية وعلى يد فاتك بن فراس بن بداد قريب ضبة الذي هجاه المتنبي في رواية أخرى. وقتل معه ابنه وكل من كان معه، وتناثرت كتبه وأوراقه ومنها ديوان أبي تمام وكان معه ساعة مقتله 70 ألف دينار.
· حظى ديوانه بعدة شروح لم يحظ بها شاعر لا في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في أي عصر آخر. ويقول الشيخ يوسف البديعي في كتابه (الصبح المنبي عن حيثية المتنبي): "وقد انتدب العلماء لديوانه وشرحوه شروحا كثيرة: فمنهم من تكلم عن ديوانه أجمع، ومنهم من تكلم على بعضه، فمن شروحه كتاب ابن جني وهو أول من شرحه، وكتاب اللامع العزيزي بأبي العلاء المعري وكتاب معجز أحمد لأبي العلاء أيضا، وكتاب أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي، وكتاب الموضح بأبي زكريا التبريزي، وكتاب عبد القاهر الجرجاني، وكتاب الموضح أبي منصور محمد بن عبد الجبار السمعاني وكتاب أبي القاسم إبراهيم بن محمد الإفليلي وكتاب أبي الحجاج يوسف بن سليمان الأعلم وكتاب عبد الرحمن بن محمد الإنباري، وكتاب في سرقات المتنبي للحسن بن محمد بن وكيع وسماه المنصف، وكتاب أبي البقاء عبد الله العكبري، وكتاب أبي اليمن يزيد بن الحسين الكندي وكتاب عبد الواحد بن محمد بن علي بن زكريا، وكتاب محمد بن علي بن إبراهيم الهرسي الكوفي، وكتاب أبي الحسن محمد بن عبد الله الدلقي عشر مجلدات، وكتاب كمال الدين بن القاسم الواسطي، وكتاب الوساطة للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني، وكتاب أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي، وكتاب عبد الرحمن بن دوست النيسابوري، وكتاب أبي الفضل أحمد بن محمد العروضي، وكتاب التجني على ابن جني لابن فورجة، وكتاب الفتح على أبي الفتح لابن فورجة أيضا، وكتاب معاني أبياته لابن جني، وكتاب التنبيه لأبي الحسن علي بن عيسى الريعي، وقد رد فيه على ابن جني أيضا، وكتاب أبي القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني، وكتاب الحسين بن محمد بن طاهر الشاعر، وكتاب أبي عبد الله محمد بن جعفر القزاز القيرواني، وكتاب علي بن جعفر بن القطاع، وكتابالصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد، وكتاب أبي الحسن عبد الرحمن الصقلي، وكتاب قصائد الصبا للأعلم، وكتاب نزهة أديب في سرقات المتنبي من حبيب لابن حسنون المصري، وكتاب الانتصار لأبي الحسن أحمد بن أحمد المغربي، وكتاب التنبيه عن رذائل المتنبي لأحمد المغربي أيضا، وكتاب بقية الانتصار المكثر من الاختصار لأحمد المغربي أيضا، وكتاب الرسالة الحاتمية لأبي الحسن محمد بن المظفر الحاتمي، وكتاب جبهة الأدب للحاتمي أيضا، وكتاب المآخذ الكندية من المعاني الطائية وكتاب الاستدراك على ابن الدهمان للوزير ضياء الدين بن الأثير الجزري وكتاب الإبانة للصاحب العميدي. سوى الشروح التي لم نسمع بذكرها.
ولم يسمع بديوان شعر في الجاهلية ولا في الإسلام شرح هكذا مثل هذه الشروح الكثيرة سوى هذا الديوان ولا تداول على ألسنة الأدباء في نظم ونثر أكثر من شعر المتنبي
ومن المعاصرين نجد شرح ناصيف اليازجي ومحمد عاطف البرقوقي

اعتذارات
اعتذر إلى المتنبي أحر اعتذار.. ذلك أنني لن أتناول فيه الإنسان، فأنا معني بالشاعر المتنبي لا بالمتنبي الإنسان...
وأعتذر إليه أنني لن أعيش عصره ولن أرتد إلى ماضيه في حد ذاتهما، بل سآخذه وآخذ عصره إلى عصرنا ومستقبلنا ذلك أننا كما يقول الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر يجب أن يحملنا التراث لا أن نحمل التراث ويكون بهذا علامة وإشارة إلى المستقبل.
وأعتذر إليه أنني لن أقرأ ديوان قراءة مجردة تنحصر في إطار لغوي أو تاريخي، بل سأقرأه قراءة هيدجرية هيجيلة من حيث أن الشعر تعبير عن اغتراب الإنسان وقهر له في الوقت نفسه وأنه أيديولوجيا عن الإنسان في مطلقه لا أيديولوجيا بعينها وأنه فكر وفن معا حيث يمتزج العقل والإحساس وأن الشعر سكن للإنسان وتحرير له وإضاءة للدروب وتأسيس ما هو شاعري على الأرض.
وأعتذر إليه أن هذه الدراسة لا تستهدف تقييمه ولا تستهدف إبرازه في ضوء جديد، فليست القضية التي تطرح هنا قضية وجودية محدودة وموقفا فكريا محدودا، بل هي قضية في منهج التناول على أساس أن الشعر هو سكن للإنسان وإذا حقق الشاعر هذا تكاملت رؤيته وفنه... وإذا كنت سأبرز الشاعر المتنبي مغتربا ومتحدثا عن التشيؤ وقاهرا للاغتراب والتشيؤ معا فليس هذا إضفاء لرؤية معاصرة على تراث قديم بقدر ما هو طرح لمعنى الشعر لكل العصور وأن الاغتراب وقهره هما الموضوع الوحيد للشعر في كل الأزمان.. فقد آن لنا أن نخرج من نقدنا الاجتماعي والسياسي والنفسي لكي نقترب من النقد الجمالي وساعتها سوف نقترب أكثر من فهم الإنسان.
وأعتذر إليه عما فعل به النقاد على مدى التاريخ فقد مزقوه بالصورة التي رسموها له متكالبا على جمع المال آملا في تولي عرش خالطين بين الإنسان والشاعر والشاعر والإنسان مما نفرنا منه ونحن في مطلع الصبا الثقافي، لأنه إذا صحت قضيتهم لسقط عنه كونه شاعرا، فلا يوجد شاعر حقيقي يجعل هذا رسالته وهدفا له، بل الهدف الأول والأخير عنده هو إسقاط رق الأشياء وتحقيق الشاعرية حتى تكون سكنى الإنسان سكنى شاعرية وهذا ما أدركه المتنبي نفسه فقد نفى المال. أليس هو القائل:
مخافة فقر فالذي فعل الفقر ومن ينفق الساعات في جمع ماله
وأليس هو القائل أيضا:
ولكنها في مفخر أستجده وما رغبتي في عسجد أستفيده
ولقد نفى السلطان لأن هذا لا يتمشى مع الشاعر ومع رسالته
أليس هو القائل:
وما يقتضيني من جماجمها النسر وجنبني قرب السلاطين مقتها
وأعتذر إليه عن عدم إعجابي الشديد به في مطلع حياتي ولم أتبين إلا مع اتساع التحصيل الجمالي ونزع حجاب النقاد البرانيين أن العيب كان في هؤلاء النقاد برؤاهم الخارجية وربطهم ربطا آليا بين حياة الشاعر وشعره وأخذ نقط ضعف حياتية لتفسير الشعر . .
وأعتذر إليه أنني لن أعود إلى كل أشعاره مستشهدا بل سأعود إلى ما استخلصته من ديوانه طرحا لقضايا الاغتراب والتشيؤ باعتبارها جوهر المتنبي والتي تشكل المنحنى الشخصي له . . ومن هنا فقد استخلصت حوالي 900 بيت صنفتها في آخر الدراسة في ثمانية محاور رئيسية :
المتنبي يتحدث عن المتنبي. في الاغتراب. في التشيؤ. في قهر الاغتراب. في الحرب والموت. في الشعر. في التجربة الشعرية. في الصورة الشعرية.. وكان الطرح الأساسي أن أرقب قصائد كل قسم حسب ترتيب أحرف القافية . . ولكن بعد حصولي على طبعة الهند من ديوان المتنبي رتبت المختارات في كل قسم ترتيبا في أربعة محاور تاريخية رئيسية في حياة المتنبي: مرحلة الصبا التي تمتد حتى تجواله في مدن الشام. ومرحلة حلب واتصاله بأميرها سيف الدولة. ومرحلة مصر واتصاله بكافور الإخشيدي. ومرحلة العراق وفارس قبل مقتله . . وأعتذر أنني برغم الترتيب التاريخي للمختارات لن ألجأ إلى تناول تاريخي لتطور المتنبي ذلك أنني مهتم بثوابت المتنبي أكثر من اهتمامي بمتغيراته خصوصا وأنه يعي رسالته الشعرية منذ بدايات حياته. . وقد تم رصد هذا المنحنى التاريخي في المختارات لكي يتبين القارئ أن هذه الثوابت كانت قائمة عنده منذ مطلع صياغاته الشعرية حتى مماته . . وأن الاغتراب والتشيؤ لم يكونا شيئا طارئا يأتي ويروح. بل شكلا اللحن الأساسي لحياته. . وأعتذر أنني معني بالشعر من خلال المتنبي أكثر مما أنا معني بالخصائص النوعية لشعر المتنبي فقد أردت من خلال أشعاره طرح درايته ووعيه بفن الشعر على الأصالة. مع إدراكي التام بتفوقه على رفاقه بالمعنى الذي قاله هو نفسه :
يا كافور الإخشيدي حاكمها فإن تفق الأنام وأنت منهم
فإن المسك بعض دم الغزال وليسمح لي المتنبي أنني جعلت من أشعاره هو تكئة وتعلة لطرح
معنى الشعر وجوهره وليعذرني أنني أعامله بالمعنى الذي هو نفسه قد أورده:
تصيده الضرغام فيمن تصيدا ومن يجعل الضرغام بازا لصيده
ولا أملك في نهاية كل هذه الاعتذارات سوى أن أردد ما سبق له هو أن ردده من اعتذارات:
أراد اعتذاري اعتذارا وأعلم أني إذا ما اعتذرت إليك


المتنبي يمتطي صهوة الأشياء
منذ مطلع شبابه والمتنبي يدرك أن قضيته هي اغتراب الإنسان وانفصاله وفقدانه لذاته ومحاولة الإنسان الأصيل أن يخرج من رق الأشياء ومن هنا جاء اغترابه :
ولا قابلا إلا لخالقه حكما تغرب لا مستعظما غير نفسه
وقبل مقتله في آخر قصائده على الأرجح يدرك أن حياته كلها كانت حياة اغتراب مصورا هذا على نحو شاعري :
يعود ولم يجد فيه امتساكا وما أنا غير سهم في هواء
إن طرق المتنبي محاصرة بالتشيؤ , محاصرة بعبدة الأصنام والملذات والإسراف والسفه والجبن والتصنع . . محاصرة بهذا الحشد من الناس الذين فقدوا إنسانيتهم وآدميتهم وتحولوا إلى حيوانات :
وأوهن رجلي ثقل الحديـــد دعوتك لما براني البــلاء
فقد صار مشيهما في القيود وقد كان مشيهما في النعال
فها أنا في محفل من قـرود وكنت من الناس في محفـــل
إن طرق المتنبي مسدودة بجثث البشر الأحياء الأموات وهو مضطر أن يعيش بينهم . . إنهم ملقون هناك وهو ضائع وسط هذا الحشد الذي يسلبه ذاته وبدون رغبته هو موجود بين تشيئهم وفقدانهم لذواتهم :
وإن كانت لهم جثث ضخام ودهر ناسه ناس صغــــــار
ولكن معدن الذهب الرغام وما أنا منهم بالعيش فيهم
مفتحة عيونهم نيـــــام أرانب غير أنهم ملـــــوك
وما أقرانها إلا الطعام بأجسام يحر القتل فيهـــا
ولقد تشابهت الطرق وتشابه الناس في مرحلة صباه وفي مرحلة سيف الدولة وفي مرحلة كافور وفي المرحلة الأخيرة قبل مصرعه . . ومن هنا جاء ترحله الدائم بحثا عن أرض جديدة . . ووطن جديد . . وحياه جديدة . . وبشر جدد . . ولكن عبثا !
لقد أهل المتنبي مع مطلع القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي وعاش نصفه الأول . . ولقد عرف هذا القرن بأنه عصر النهضة العربي . . فإذا كان هذا هكذا فهلا يمكن أن يظهر فيه شاعر , وشاعر عظيم كالمتنبي ؟ ألم يقل الفيلسوف الألماني فريديريك هيجل أن الفن والفكر لا يظهران إلا في وقت انهيار الحضارة ؟ ولا يزدهران إلا والروح في حالة أفول ؟ لقد كان ذلك القرن عظيما من حيث الثقافة ولكن الحضارة كانت منهارة وكان هذا مبررا لظهور الفكر والفن لينتشلا الحضارة من انهيارها ورفعها إلى روعة الثقافة . . وهذا ما حاول المتنبي أن يفعله : إنقاذ روح الإنسان . . وهذا هو السبب في عظمة شعره . . يقول ابن الأثير في ( الكامل في التاريخ ) :‏"وكنت سافرت إلى مصر عام 596هـ /1199م ورأيت الناس مكبين على شعر أبي الطيب المتنبي دون غيره فسألت جماعة من أدبائها عن سبب ذلك وقلت إن كان لأن أبا الطيب دخل مصر فقد دخلها مثله من هو مقدم عليه وهو أبو النواس الحسن بن هانئ فلم يذكروا لي في هذا شيئا ثم فاوضت عبد الرحيم بن علي البيساني ( القاضي الفاضل ) رحمه الله في هذا فقال :‏( إن أبا الطيب يتكلم عن خواطر الناس ) ولقد صدق فيما قال " أنه أذن لا يتحدث عن نفسه . بل عن خواطر الناس وآمالهم وسط طوفان المتشيئين .
لقد كان صوت الحضارة المنهارة سواء في موطنه الأصلي العراق أو في ترحله في بلاد الشام أو في قدومه إلى مصر أو في عودته إلى العراق ثم فارس . . ولم يكن صوتا تسجيليا بل كان صوتا نبوئيا كأي شاعر عظيم . . كان نذيرا وبشيرا . . نذيرا بانهيار الحضارة القائمة وبشيرا بحضارة جديدة يرى فيها الإنسان نفسه إنسانا . .
يقول اليعقوبي عن البصرة قرينة موطنه الكوفة :‏" أما البصرة فكان فيها في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي سبعة آلاف مسجد وكان بها في القرن الرابع ثلاثة مساجد " . . وهنا جاءت فجيعة المتنبي المتحلي بالدين لتخلي المسلمين هكذا عن دينهم . . وعبر المقدسي في كتابه ( البدء والتاريخ ) عن هذا فقال :‏" ضعف أمر الخلافة فاختلت وخف أهلها فأما المدينة فخراب والجامع فيها يعمر في الجمع ثم يتخللها بعد ذلك الخراب , وهي في كل يوم إلى ورا "‏. . وهذا الوضع روع المتنبي وصدمه أن ينهار الوازع الديني وتحول الناس إلى نفايات لا تستحق أن توصف بالعقل بل يمكن تصنيفها ضمن الأشياء . . حولي بكل مكان منهم خلق تخطى إذا جئت في استفهامها بمن وفي كتاب ( مروج الذهب ) يشكو المسعودي من " ضعف الإسلام في هذا الوقت وذهابه وظهور الروم على المسلمين وفساد الحج وعدم الجهاد وانقطاع السبيل وفساد الطريق وانفراد كل رئيس وتغلبه على الصقع الذي هو فيه , ولم يزل الإسلام مستظهرا إلى هذا الوقت فتداعت دعائمه ووهى أسه وهي سنة 332هـ /943م " . . بل لقد بلغ تحلل بعض الخلفاء من الدين أن الخليفة المتوكل في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي . على نحو ما يذكر المقدسي . . " بنى بمدينة سامرا كعبة وجعل هناك طوافا واتخذ منى وعرفات ليغر بذلك أمراء كانوا معه لما طلبوا الحج خشية أن يفارقوه " وفي أمور الدين تشتت الناس فرقا ومذاهب ولم يعنوا الحوار حكما بينهم , بل كفر بعضهم بعضا . . يقول الجهشياري في ( كتاب الوزراء والكتاب ) على نحو ما أورد آدم متز : " أما في بغداد نفسها فقد كان الحنابلة دون سائر أهل السنة أكبر من أقلق بال الحكومة , ثم إنهم اشتدوا في محاربة الشيعة ببغداد وقد بنوا مسجدا وجعلوه طريقا إلى المشاغبة والفتنة " وإلى هذا يضيف ابن الأثير أنه " عظم أمرهم حتى أرهجوا بغداد واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأون إلى المساجد وكانوا مثلا في عام 323هـ /934م إذ مر بهم شافعي المذهب أغروا به العميان فيضربونه بعصيهم حتى يكاد يموت " ويضيف ابن الأثير أنه " لم يكن هذا الاختلاف قائما بين السنيين وحدهم , بل تعداه إلى بعض السنيين وبعض , فقد رأينا أن الحنابلة أصبحوا قوة يخشى بأسهم حتى أنهم حالوا دون دفن محمد بن جرير الطبري سنة 310هـ / 921م لأنه جمع كتابا في اختلاف الفقهاء لم يذكر فيه أحمد بن حنبل من بين هؤلاء الفقهاء . . وهكذا فقد الناس إنسانيتهم واستغل أفاضل الناس
يخلو من الهم أخلالهم من الفطن أفاضل الناس أغراض لذا الزمن
والحج الذي هو ذروة من ذرى شعائر الإسلام دخله الحشد وحولوه عن هدفه وأصبح تجارة . . فالحج عن طريق بديل أجازه الله في حالة المرض . . وقد انحرف به الحشد عن هدفه الأصلي : فقد كان هناك قوم يأخذون أجرا نظير قيامهم بالحج بدل من يؤجرهم على ذلك وفي هذا يقول المقدسي "‏ورأيت من حج بأجرة انتكس قلبه , فإن عاذ ازداد نكوسا وقل ورعه , حتى ربما أخذ الحجتين والثلاث ولم أر لهم بركة ولا جمعوا منه مالا قط " . وانتشر في هذا العصر السلب والنهب وقد أرهج العيارون بغداد منذ عام 315هـ /927م وكانت أسوأ أيامها ما بين 329هـ / 940م , 334هـ / 945م والفساد أصبح ظاهرة اجتماعية لا فردية . . ويذكر آدم متز نقلا عن كتاب ( غريب ) ليحيى بن سعيد " ويعجب المؤرخون حين يجدون أحد كبار العمال من أهل الأمانة , ومما يحكى أنه توفي عام 314هـ / 926م صاحب بيت مال العامة فأراد الوزير أن يقبض أمواله واشتد في المطالبة ولكنه لم يجد شيئا لأن ذلك الرجل كان ( صحيح الأمانة ) " والمادة أصبحت هي القيمة الأولى ولم تكن ثمة قيمة حقيقية إلا للألقاب التي يمنحها الخليفة وكان يدفع له من أجلها الشيء الكثير . . كما انتشر التزوير حتى مس الأمور الدينية . . ويصور الجهشياري هذا بقوله :‏" وفي ذلك العصر تفاقم خطب التزوير , ففي أوائل القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي رفع إلى أبي الحسن الفرات أن رجلا من اليهود ادعى أن معه كتابا من رسول الله بإسقاط الجزية عن أهل خيبر فأمر بإخراج الكتاب فلما قرأه قال : هذا مزور لأن خيبرا فتحت بعد تاريخ كتابك بسبعة وستين يوما ولكنا نحتمل جزيتك إعظاما لحق من لجأت إلى الاعتصام به " . . ومن ثم لم يملك المغترب سوى أن يصرخ
فأعلمهم فدح وأحزمهم وغد أذم إلى هذ الزمان أهيله
وأسهدهم فهد وأشجعهم قرد وأكرمهم كلب وأبصرهم عــم
عدوا ماله من صداقته بـد ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
وتساوق مع هذا الانهيار أن أصبح الجبن سيد الأخلاق . . والفأر الذي هو أجبن المخلوقات كان أناس هذا العصر يواجهونه من خلف لا من أمام لأنهم أشد جبنا من الفأر الجبان :
أسير المنايا صريع العطب لقد أصبح الجرذ المستجير
وتلاه للوجه فعل العــرب رماه الكناني والعامــري
فأيكما غل حر السلـــــب كلا الرجلين أتلى قتلــه
فإن به عضة في الذنــــب وأيكما كان من خلفـــــه
ومع التدهور الديني والخلقي والاجتماعي كان السرف والسفه و " كانت نفقات دار الخلافة عظيمة جدا فكانت نفقات المطابخ والمخابز عشرة آلاف دينار في الشهر وكان يطلق في كل شهر في جملة نفقات المطبخ لثمن المسك وحده 300 دينار " . ولن نفهم هذا السرف إلا أمام خلفية عن مستوى المعيشة كما صورها السراج القاري في كتابه ( مصارع العشاق ) فقد قال " كان يكفي الرجل من عامة الناس هو وزوجته في عصر الرشيد 300 درهم في السنة وكانت الثروة التي تبلغ 700 دينار تعتبر ثروة غير قليلة " علما بأن الدينار في ذلك الوقت كان يساوي حوالي 14 درهما وكان السرف فيما لا يجدي وعلى المظاهر . . جاء في كتاب آدم متز نقلا عن الخطيب البغدادي في كتابه ( تاريخ بغداد ) :‏" وكان في دار المقتدر حوالي عام 300هـ / 912م أحد عشر ألفا من الخدم والخصيان وفي رواية أخرى أنه كان بها سبعة آلاف خادم وسبعمائة حاجب " . . ويصور يحيى بن سعيد في كتابه ( غريب ) المسألة على النحو التالي : " وكان الماء المثلج أكبر لذة للناس في فصل الصيف , ويحكى أنه لما ولي ابن الفرات الوزارة وكان اليوم الذي خلع له فيه شديد الحر سقى في داره أربعون ألف رطل من الثلج في يوم وليلة " ومظاهر السرف عديدة . . يقول ابن الجوزي في ( المنتظم ) :‏" يحكى عن الخليفة المقتدر أنه في سنة 332هـ / 943م ختن خمسة من أولاده وختن قبل ذلك جماعة من الأيتام ونثر في هذا الختان خمسة آلاف دينار عينا ومائة ألف درهم ورقا وفرقت فيه دراهم وكسوة ويقال أنه بلغت النفقة فيه 600 ألف دينار " ويحكى الصولي في كتابه ( الأوراق ) أن ابن رائق أمير العراق اشترى جارية بأربعة آلاف دينار فاستعظم الناس ذلك . . ومقابل هذا حدثت المجاعات . يقول ابن الجوزي في ( المنتظم ) :‏" ففي عام 334هـ / 945م وقع غلاء ومجاعة فقتل كثير من النساء الهاشميات لأنهن كن يقتلن الأطفال ويأكلن لحمهم " . . فهل المغترب يستطيع أن يعايش مثل هذا المناخ :
أرى لهم معي فيها نصيبا وما موت بأبغض من حياة
لقد ارتفعت في هذا العصر أعلام القسوة والتعذيب وخاصة من الحكام الذين ليسوا من أصل عربي مثل القائد الديلمي مرداويج . . وكان التعذيب فوق كل تصور . . جاء في ( تاريخ الرسل والملوك ) للطبري وصف لنهاية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي قبل مولد المتنبي بقليل أنه " قبض على ابن أبي الفوارس القرمطي فقلعت أضراسه أولا ثم خلع بمد إحدى يديه ببكرة وتعليق صخرة في الأخرى وترك على هذه الحالة من نصف النهار إلى المغرب ثم قطعت يداه ورجلاه من غد ذلك اليوم وضربت عنقه وصلب " . . ويبلغ التعذيب منتهاه بصلب الحلاج الصوفي الشهير بعد مولد المتنبي بست سنوات . . واحتجاجا على الملوك غير العرب هتف المتنبي :
تفلح عرب ملوكها عجـم وإنما الناس بالملوك وما
ولا عهود لهم ولا ذمم لاأدب عندهم ولا حســــب
وفي هذا المناخ زادت الضرائب وانتشرت الروح التجارية وارتفعت الأسعار حتى كثرت كبسات اللصوص واشتغل الساسة بالتجارة ففسدتا . . ويصور الجهشياري هذا بقوله :‏" فلما جاء القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي أصبح التاجر الغني هو ممثل الحضارة الإسلامية التي صارت من الناحية المادية كثيرة المطالب باعثة على الاستطالة في ذلك , ففي أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي لم يترفع بدر بن حسنويه - وكان في منصب من المناصب الجليلة في الدولة - أن يبتاع خانا بمدينة همدان ويفرده باسمه ويقيم فيه من يبيع ما يرد من الأمتعة المختارة في أعمال وقدر أن ينال من وراء ذلك نحوا من ألف ألف ومائتي ألف درهم " . . ولم يملك المتنبي إلا أن يقارن بينه وبين مثل هؤلاء من البشر :
برقة الحال واعذرني ولا تلم لم الليالي التي أخذت على جدتي
لقد تفكك القرن كله سياسيا وأمنيا وفي عام 317هـ / 929م بلغ الحجاج مكة من غير أن يصيبهم أذى ولكن وافاهم بعد ذلك في مكة يوم التروية أبو طاهر القرمطي في عدد قليل - إذ كان معه ستمائة فارس وتسعمائة راجل - فاقتحم مكة ونهب هو وأصحابه أموال الحجاج وقتلوهم في المسجد الحرام وفي البيت نفسه وقلع باب البيت وقلع الحجر الأسود وأخذ كسوة البيت ففرقها بين أصحابه . . ولقد امتنع على الناس النوم خوفا من كبسات اللصوص . . كما أن الناس تعرضوا لحركة مراقبة شديدة . . يقول ابن الجوزي في ( المنتظم ) أن عضد الدولة " أحكم الجاسوسية وكان يبحث عن أشراف الملوك وينقب سرائرهم وكانت أخبار الدنيا عنده حتى لو تكلم إنسان بمصر رقي إليه ذلك " ومن هنا صرخ المتنبي وهو يخاطب أسدا لقيه في الوادي :
أحاذر من لص ومنك ومنهم ورائي وقدامي عداة كثيرة
والمسأة الكبرى عنده أن الجميع تشيؤا واستسلموا وأصبحوا منقادين حتى للنمل أدنى الحشرات :
وجركم من خفة بكم النمــــل أماتكم من قبل موتكم الجهل
قوي لهدتكم فكيف ولا أصـــل ولو ضربتكم منجنيقي وأصلكم
لما صرتم نسل الذي ماله نسل ولو كنتم ممن يدير أمـــره
واستحال إنسان العصر - عصر المتنبي - إلى حيوان مملوء خوفا :
صفرا من البأس مملوءا من النـزق ما زلت أعرفه قردا بلا ذنـب
لا تستقر على حال من القلـــــق كريشة بمهب الريح ساقطــــة
موتا من الضرب أو موتا من الفرق فسائلوا قاتلي كيف مات لهم
بغير رأس ولا جسم ولا عنــــــق وأين موقع حد السيف من شبـح
فماذا يفعل المغترب الذي استشعر تشيؤ العالم في العراق ؟ إنه ظن أن في الرحيل منجاة له ولم يكن يدرك أن المغترب الحقيقي هو الذي يغير من موقف الحشد لا التخلص من الحشد . لم يكن يدرك ما قاله هيدجر : " إن الوجود الأصيل لذات الإنسان لا يقوم على ظرف استثنائي للذات كحالة مفصولة عن الحشد , إنه بالأحرى تعديل وجودي للحشد " . . لكن المغترب ظن أنه برحيله إلى مدن الشام وحلب سوف يتخلص من حشد العراق بقيمه المنهارة وأن هذا الأمر لن يجعله يفكر أثناء ترحله في العودة ليظل المغترب دون أرض :
ولا قابلا إلا لخالقه حكمـــــا تغرب لا مستعظما غير نفســـــه
ولا واجدا إلا لمكرمة طعمــــــا ولا سالكا إلا فؤاد عجاجــــــة
وما تبتغي , ما أبتغي جل أن يسمى يقولون لي ما أنت في كل بلـــدة
بها أنف أن تسكن اللحم والعظمــا وإني لمن قوم كأن نفوسهـــــــم
ويا نفس زيدي في كرائهها قدمـــا كذا أنا يا دنيا إذا شئت فاذهبي
ولا صحبتني مهجة تقبل الظلمــــا فلا عبرت بي ساعة لا تعزنـــــي
فهل وجد المتنبي في أرض حلب وفي علاقته بسيف الدولة مجالا لعزة نفسه وألا يصاحب مهجة لا تقبل الظلما ؟ في حلب وجد المتنبي مناخا جديدا : حاكما عربيا لا تركيا , حاكما مدافعا عن مجد العروبة والإسلام دافعا لغارات الروم . . وفي البداية ظن هنا أنه واجد سبيل خروجه من حالة اغترابه . . يقول المغترب عن سيف الدولة :
وغيرك صارما ثلم الضراب بغيرك راعيا عبث الذئاب
لقد وجد المغترب في حروب سيف الدولة متنفسا يخرجه من اغترابه . . لكنه في مجتمع حلب وجد الحشد نفسه الذي هرب منه إن لم يكن بنفس درجة السوء إلا أنه على درجة من السوء أيضا . . فالحمدانيون اشتهروا بسوء سيرتهم في الحكم ونهبهم أموال الرعية وجورهم على الزراع وعداوتهم للعمارة وللأشجار ونقضهم للعهود . . بل إن سيف الدولة رسم لنا أبو الفدا في تاريخه صورة غير التي نعرفها . . " كان سيف الدولة معجبا بنفسه يحب أن يستبد ولا يشاور أحدا لئلا يقال إنه أصاب برأي غيره " بل إن سيف الدولة المعروف بشجاعته والمشهور بشعرائه وسوء حكمه كان يأخذ المواريث أخذا رسميا , وأسلم أمر ماله إلى قاضيه أبي الحصين الرقي فكان يصادر بعض التركات ويدخل بيت المال وهو يقول كلمته المشهورة :‏" كل من هلك , فلسيف الدولة ما ترك " ( عن كتاب : آدم متز ) . حقيقة وجد المتنبي أمنه الشخصي : فقد أقطعه سيف الدولة ضيعة في معرة النعمان القبلية وأجرى عليه كل عام ثلاثة آلاف دينار .. لكنه وجد القصر حافلا بالطامعين والمسرفين والمنافقين ففقد أمنه الظاهري فلا علاقات محبة ودودة ولهذا هتف :
فإني قد أكلتهم وذاقــا إذا ما الناس جر بهم لبيب
ولم أر دينهم إلا نفاقا فلم أر ودهم إلا خداعـــا
واكتشف المتنبي أن وراء التقدم الثقافي والعلمي والفلسفي في مجتمع حلب تفككا حضاريا . .
إن قاتلوا جبنوا أو حدثوا شجعوا غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
لم تكن قضية الشاعر المتنبي أن يكتسي ويستمتع بكسائه :
تخرقت والملبوس لم يتخرق إذا ما لبست الدهر مستمتعا به
بل قضيته أنه يرفض المتشيئين المتظاهري بغير بواطنهم :
ليس التكحل في العينين كالكحل لأن حلمك حلم لا تكلفه
إن هؤلاء المتشيئين لا يحسنون فهما ولا بصرا :
أن تحسب الشحم فيمن شحمــه ورم أعيذها نظرات منك صادقــــــة
إذا استوت عنده الأنوار والظلم وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
كان مجتمع حلب يندفع نحو السرف . . وتبدى هذا في وفاة سيف الدولة الذي مات بعد المتنبي بعامين . . يصور آدم متز نقلا عن كتب الأقدمين قائلا :‏" يحكى أنه لما مات الأمير سيف الدولة بن حمدان عام 356هـ /966م غسل تسع مرات أولاهما بالماء ثم بزيت النيلوفر ثم بالصندل وبعد ذلك بالضريرة ثم بالعنبر ثم بالكافور ثم بماء الورد وغسل بعد ذلك ثلاث مرات بالماء المقطر ونشف بعد غسله بدبيقي ثمنه خمسون دينارا أخذه الغاسل وهو قاضي الكوفة إلى جانب أجته ثم دهن بالزعفران والكافور ووضع على خديه ورقبته مائة ثقال من الغالية وفي عينيه وأذنيه ثلاثون مثقالا من الكافور وبل ثمن كفنه ألف دينار ثم وضع في تابوته ورش عليه الكافور " ولهذا هتف المتنبي محتجا على مجتمع السرف . لقد اكتشف في بلاط سيف الدولة الخداع والنفاق ولهذا لم يعد يطيق المقام بين اللئام . . وانتابته حالة يائسة وهو المغترب الذي جاء حلب يداوي اغترابه من مجتمع العراق :
تيقنت‎أن الموت ضرب من القتـل إذا تأملت الزمان وصرفــــــه
ولا تحسن الأيام تكتب ما أملي وما تسع الأزمان علمي بأمرها
حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل وما الدهر أهل أن تؤمل عنده
لقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت ذلك أنه :
بذل الذي يختارها ويضام وشر الحمامين الزؤامين عيشة
فلا مفر من الرحيل إذن :
أن لا تفارقهم فالراحلون هم إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا
وشر ما يكسب الإنسان ما يصم شر البلاد مكان لا صديق به
إلى أين ؟ ليست له سوى محطة حضارية باقية لعل وعســـــى ينجو من الحشد والتشيؤ . .
لقد آن أن يرحل إلى مصر ولكم عبثا فلم تكن مصر مصر بل كانت مصر كافور الإخشيدي . أول ما اصطدم به المتنبي التظاهر والنفاق . . فإذا كان قد اكتشف في حلب الفرق بين الكحل والتكحل فقد اكتشف في مصر الفرق بين الكرم وادعاء الكرم :
أكان سخاء ما أتى أم تساخيا وللنفس أخلاق تدل على الفتى
وصدمته الحضارة غير الصحراوية وصدمه التبرج :
وفي البداوة حسن غير مجلــوب حسن الحضارة مجلوب بتطريــة
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب أقدى ظباء فلاة ما عرفن بها
أوراكهن صقيلات العراقيــــب ولا برزن من الحمام ماثلــة
تركت لون مشيبي غير مخضـــوب ومن هدى كل من ليست مموهــة
ولقد روعته أكثر البغايا . . يقول المقريزي في ( الخطط والآثار ) :‏
" وكانت العادة أن يضاء سوق الشماعين بإضاءة كبيرة وكانت حوانيته لا تزال مفتحة إلى نصف الليل يقصده كثير من الناس وكان يجلس فيه في الليل بغايا لهن زعيرات الشماعين لهن سيما يعرفن بها وهي لبس الملاءات الطرح وفي أرجلن سراويل من أديم أحمر وكن يعانين الدعارة "
فصرح المغترب :
ولا يدر على مرعاكم اللبن رأيتكم لا يصون العرض جاركم
وهالت المغترب وروعته دور القمار . . وقد كان بمصر شيوخ يسمون المطمعين لهم جراية من دور القمار ليجلبوا الناس إليها وكانوا يطمعونهم في اللعب . ومن بذخ وإسراف في بغداد إلى بذخ وإسراف في حلب إلى بذخ وإسراف في مصر . . جاء في كتاب ( مطالع الأنوار ) : " وكان الثلج يحمل من الشام إلى قصر كافور الإخشيدي بمصر ليستعمل في تبريد المشروبات " ويصور أبو بكر بن عبد الله بن أيبك في كتابه ( كنز الدرر وجامع الغرر ) سرف كافور بقوله : " بلغ ما كان يعمل في مطبخ كافور - لما قوي سلطانه وكثرت أمواله - في كل يوم من اللحم ألفان و700 رطل وخمسمائة طائر دجاج وخمسمائة طائر حمام ومائة طائر أوز وخمسون خروفا رميسا ومائة جدي سمين وعشرون فرخا سمكان وخمسمائة صحن حلوى في كل صحن عشرون رطلا ومائتان وخمسمون طبقا فاكهة وعشرة أفراد نقل وخمسمائة كوز قناع كبير ومائة قرابة سكر وليمون " وهنا يجسد المغترب حقيقة مصر كافور الإخشيدي :
ولا مثل ذا المخصى أعجوبة بكــر ومصر لعمري أهل كل عجيبـــة
كما يبتدي في العد بالإصبع الصغرى يعد إذا عد العجائب أولـــا
هذه هي الحياة التي لقيها المغترب المترحل في مصر كافور فكيف يمكن أن يعيش فيها الممزق الذي جاء يبحث عن توحيد أجزائه إلا إذا تصنع الجهل والغفلة :
عما مضى فيها وما يتوقع تصفو الحياة لجاهل أو غافل
وجه له من كل قبح برقـع قبحا لوجهك يا زمان فإنــه
لقد وجد في عصر كافور عصر التغرب والانفصال والانقسام والتشتت وفقدان الذات :
في كل يوم ترى من صرفه بدعا هو الزمان مشت بالذي جمعــــا
قد حل ما كنت تخشاه وقد وقعا إن شئت مت أسفا أو فابق مضطربا
أجل لقد وقع ما كان يخشاه وكيف يرجى خيرا من عبد مريد النخاس برأسه فتشيأ :
مرت يد الخناس في رأسه فلا ترج الخير عند امرئ
لقد ساء الدهر وجود كافور في حد ذاته :
أيحسبي ذا الدهر أحسبه دهـــرا لعمرك ما دهر به أنت طيــب
ولو علموا قد كان يهجى بما يطر وقد أرى الخنزير أني مدحته
لكن أكبر ما فجع المتنبي في مصر كافور تبلد أهلها . . فهو عندما تناول وفاة أحد قوادها وهو أبو شجاع فاتك قارنه المتنبي بكافور فقال :
ويعيش حاسد الخصى الأولـع أيموت مثل أبي شجاع فاتك
وقفا يصيح بها ألا من يصفع أيد مقطعة حوالي رأســـه
لقد بلغ التبلد أقصاه وفقد الناس شجاعتهم فبرغم أن كافور يتيح لهم أن يصفعوه إلا أنهم تبلدوا وظلت أيديهم مقطوعة عن الصفع . . ومن هنا جاء تساؤله عن كرام الناس وعن مكان لا تشيؤ فيه وبحث عن أرض لا يتساوى فيها العبيد والأحرار .
تزول به عن القلب الهموم أما في هذه الدنيا كريم
يسر بأهله الجار المقيم أما في هذه الدنيا مكان
علينا والموالي والصميم تشابهت البهائم والعبدى
أصاب الناس أم داء قديم وما أدري إذا داء حديث
لقد وجد في كافور وبطانته كذابين لا يمكن للمغترب أن يقبلهم :
عن القرى وعن الترحال محدود إني نزلت بكذابين ضيفهــــم
فقد بثمن وما تفنى العناقيد نامت نواطير مصر عن ثعالبها
إذن فليكن هرب المغترب من الكذابين المفسدين . . فأين يتوجه المغترب بعد أن فقد حواضر العصر الثلاث ؟ ليس أمامه سوى العودة إلى مسقط رأسه إلى العراق بعد أن مرت أكثر من ثلاثين سنة ثم إلى فارس . . لكن الثلاثين عاما لم تغير شيئا . . يقول ابن تغري بردي في ( النجوم الزاهرة ) :‏" وفي سنة 349هـ / 960م قامت بين العامة ببغداد فتنة وتعطلت صلاة الجمعة في مساجد السنين على حين أقيمت في مسجد برثا الشيعي " . . بل لقد تبلد الحس والشعور وفقد الكرامة . . يقول ابن مسكويه :‏"‏ويحكى عن الأمير عز الدولة أنه في سنة 341هـ /952م ضرب وزيره أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة راوح بينها بأن يرفع عنه الضرب حتى يوبخه ويبكيه ثم يعيد عليه الضرب , ولكن هذا الوزير قبل بعد أن استقل من الضرب أن يرجع إلى الوزارة " .
وما زال السرف والترف كما تركهما المتنبي منذ ثلاثين عاما . . يقول السبكي :‏" وكان دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السجزي ( المتوفى عام 351هـ / 962م ) شيخ أهل الحديث , وكان فقيها ويقال إنه لم يكن في الدنيا من التجار أيسر منه وقد خلف 300 ألف دينار , ويحكى أنه بعث بكتاب المسند إلى رجل لينظر فيه وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين دينارا " .
والخروج على القيم الدينية الذي استاء منه المتنبي في مطلع حياته ما زال هو هو بعد ثلاثين عاما . . " ففي عام 351هـ / 962م كتب معز الدولة على المساجد لعن الصحابة فمحاه الناس أثناء الليل " وفي فارس بلغ الفساد أقصاه وهال المغترب في بلد الإسلام - على نحو ما روى المقدسي - " أنه في مدينة السوس قصبة خوزستان ترى دور الزنا عند أبواب الجامع ظاهرة " . لقد آب المغترب منهزما وهو يرتحل عن مصر ولم يكن يمر بأناس وبشر بل يمر بأغنام وأصنام يقول عن إبله :
ولا أشاهد فيها عفة الصنــــم أسيرها بين أصنام أشاهدها
شكوى الجريح إلى الغربان والرخم ولا تشك إلى خلق فتشمتــه
ولا يغرنك منهم ثغر مبتســــــم وكن على حذر للناس تستـره
وأعوز الصدق في الأخبار والقس غاض الوفاء فما تلقاه من عدة
لقد وصل إلى رحلته الأخيرة ليتبين التكاذب . . ما زال يرى أن هناك فرقا بين الكحل والتكاحل :
تبين من بكى ممن تباكــى إذا اشتبهت دموع في خـــدود
وما زال الناس نوعين : نوعا كريما ولكنه قلة ونوع خسي يتكاثر ويكون حشدا خانقا :
وفعال من تلد الأعاجم أعجم أفعال من تلد الكرام كريمة
وإذا كان العجم قد أعطوه مالا فهو زائل أما هو فقد ملكه بشعره شيئا لا يفنى . . " إن أبا الطيب المتنبي لما ودع أبا الفضل ابن العميد ورد كتاب عضد الدولة يستدعيه , فعرفه ابن العميد فقال المتنبي : ما لي وللديلم ؟ فقال أبو الفضل : عضد الدولة أفضل مني ويصلك بأضعاف ما وصلتك به فأجاب بأنه ملقى من هؤلاء الملوك : أقصد الواحد بعد الواحد وأملكهم شيئا يبقى بقاء النيرين ويعطونني عرضا فانيا ولي ضجرات واختيارات فيعوقونني " إن ضجراته هي ضجرات المغترب . . لقد جاء في عصر لخص طبيعته محمود محمد شاكر قائلا :‏" إن العصر الذي كان أبو الطيب أحد رجاله كان من بين العصر العربية عصرا خبيث النفس فاسد الطوية قد طغت فيه الدسائس ولعبت به الأهواء واستحرت الأحقاد بين الرجل وأخيه والوالد وبنيه والوحيد وعشيرته التي تؤيه " . . وهذا هو الكابوس الذي لخصه المغترب في قوله :
لكنت أظنني مني خيالا ولولا أنني في غير نوم
لقد جاء في عصر انحطاط وكانت كل جدارة العصر الوحيدة أنه وجه الدعوة لظهور الشاعر وتجلي الشعر فأعطانا المتنبي الذي كما وصفه تلميذه وصديقه وشارح أشعاره ابن جني : " جاء في زمان يعقم الخواطر , ويصدئ الأذهان فلم يزل فيه وحده بلا مضاه يساميه . ولا نظير يعاليه فكان كالقارح الجواد يتمطر في المهامه الشداد ولا يواضح إلا نفسه ولا يتوجس فيها إلا جرسه " وهو من أجل هذا الجرس جاب الآفاق مترحلا , وآن لنا أن نترحل داخل هذا الترحال .
ولنا بقية ان شاء الله


الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 06-04-2000, 08:23 AM
عبيدالله بن عبدالله عبيدالله بن عبدالله غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2000
المشاركات: 45
Post

احسنت يا صديقي فكلنا من عشاق البلاغة، واود ان تجمل السرد لحياته ببعض الأبيات الشعريه ان امكن مع جزيل الشكر
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م