مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 16-03-2001, 11:07 PM
سلاف سلاف غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 2,181
Post زكريا تامر

زكريا تامر : ســــاحر دمشــقي وجعبة كلمات
سلمان حرفوش

وانظر مثلاً في قصة "آخر الرايات" من مجموعة "الرعد" الصادرة عن اتحاد الكتاب في سوريا عام 1970:‏
"... فطلب مني المحققون أن أسكت ثم أمروا بإحضار حلاق. وبعد قليل دلف إلى الغرفة رجل يرتدي ثياباً بيضاء، ويحمل حقيبة سوداء.‏
لم يتفوه بكلمة إنما وضع الحقيبة على سطح الطاولة ثم فتحها وأخرج منها منشفة بيضاء وربطها حول عنقي ثم أخرج من الحقيبة موس وشحذها على قطعة من الجلد مدهونة بالزيت ثم دنا مني وطلب إلي عدم التحرك أو التنفس، فامتثلت لرغبته، فذبحني بحركة خاطفة وسقط رأسي على الأرض، فتألمت‏
ونهضت واقفاً، فقال لي الحلاق: "نعيماً".‏
فلم أستطع الرد، وهرولت خارجاً من مخفر الشرطة، واندفعت أركض في الشوارع قاصداً البيت.‏
وعندما بلغت البيت، صاحت أمي: "أين رأسك؟"‏
فلم أجب لأني كنت بلا لسان، فأضافت قائلة: "إذن لن تستطيع الذهاب إلى طبيب الأسنان؟"‏
فاكتأبت للغاية لأني لن أتمكن اليوم من الذهاب إلى طبيب الأسنان لمعالجة سني المنخورة غير أني بعد قليل ابتهجت إذ أدركت أني لم أعد بحاجة للذهاب إلى دكان الحلاق".‏
تلك هي السطور الأخيرة من قصة "آخر الرايات"، وماهي غير مثال من آلاف الأمثلة التامرية على العبث الإيحائي اللاذع بالكلمات. ولو أردنا "الفهم المنطقي" كما هو متعارف عليه اجتماعياً، قسراً وتلقيناً، لما تعذر علينا الوصول إليه. فنحن في مخفر القمع، والمتداول شعبياً أن القمع "حلاقة"، فمن حلقوا له تيسّر و"انقلع"، مثلما أن المتعارف عليه، بشكل راق هذه المرة، أن ذلك المخفر مكان غسيل الأدمغة، ومن غسلت له رأسه صار بلا رأس!! لكن لننظر إلى ماهو أبعد، إلى الصياغة الأدبية. فالوقوف خطأ وظنّياً بعد سلسلة من المواقف اللامعقولة متهم بمحاولة قتل أحد الأغنياء الذي رفض تزويجه ابنته بسبب فقره وتشرده. وهاهو الموقوف يصرخ مندداً بالأغنياء، مؤكداً "قدرته" على الزواج.. حتى دون مال.. فيطلب المحققون منه السكوت، وطبعاً فلن يرضخ بعد أن أخذه الهياج.. إذن، لابد له من "حلاقة" مناسبة على السريع. وهاهو تامر بكلماته الدقيقة المتأنية يرسم لوحة واقعية لحلاق يرتدي الثوب الأبيض ويحمل الحقيبة السوداء. ثم تصور الكلمات على التوالي همّة هذا الحلاق وانضباطه:‏
-الحقيبة السوداء على الطاولة‏
-فتح الحقيبة‏
-إخراج منشفة بيضاء‏
-ربط المنشفة حول عنق المحلوق له‏
-إخراج الموس‏
-شحذ الموس حسب الأصول على قطعة من الجلد الخاص بالشحذ، وهي القطعة التي يعرفها حلاّقو أيام زمان‏
-ولا تنسى كلمات تامر حتى الزيت على قطعة الجلد تلك،‏
-من بعد ذلك لابد للمحلوق له أن يهدأ تماماً.‏
هنا، تنقطع التفاصيل الواقعية انقطاعاً سريالياً مباغتاً: "فذبحني بحركة خاطفة". لكن هذا الظهور السريالي مندمج واقعياً بما سبق من خلال المعنى العميق للذبح في هذا المجال باعتباره اجتثاث رأس المشاغب المقموع، ذلك الرأس الذي هو آفة الآفات باعتباره يضم العين التي توجه نظرة الاتهام والحقد، واللسان الذي يعترض ويحرض، والفم الذي يطالب بأن يأكل.. والأدهى من كل ذلك. ففيه الدماغ الذي يدعي أنه يفكر! هذا، كما يعود الذبح ويندمج في السياق الواقعي من خلال التعاقب المنطقي الدقيق على التوالي:‏
-سقوط الرأس على الأرض‏
-التألم الذي لامهرب منه‏
-النهوض من ثمّ، بعد نهاية العملية الناجحة. وتكون القفلة مقنعة وفق تسلسل التفاصيل، فلابد للمحلوق له من "المباركة" بعد انتهاء الحلاقة، وهاهو الحلاق بكل تهذيب ومراعاة للأصول يقول: "نعيماً!".‏
وتمضي القصة مسرعة نحو خاتمتها وفق الهيكلية نفسها، هيكلية الترابط بـ... "التجاور والتعاقب" وفق تسلسل منطقه داخلي هذه المرة، قائم على تشابك الكلمات فيما بينها، لا بالرجوع إلى نموذج ذهني اصطلاحي أو بدهي، وإنما على تماسك التفاصيل والكلمات المعبرة عنها أولاً بأوّل. فعندما يبارك الحلاق قائلاً: "نعيماً"، من المنطقي انسجاماً مع قطع الرأس وسقوطه على الأرض أن تكون التتمة: "فلم أستطع الرد". وما دامت "الحلاقة" المباركة قد انتهت فما الداعي إلى البقاء في المخفر!؟ إذن: "وهرولت خارجاً من مخفر الشرطة، واندفعت أركض في الشوارع قاصداً البيت". وطبعاً، فهذا المشاغب المقطوع الرأس ضائع أبداً ومحاصر دائماً بين فكي الكماشة: المخفر من جهة، والبيت من جهة أخرى، وليس في البيت من ملجأ سوى الأم، ويالها من أم متواطئة جهدها الأقصى أن تصرخ بتعجب: "أين رأسك". ثم تشعر بالأسف والاضطراب لأن قطع رأس ابنها سوف يعطل عليه معالجة سنّه المنخورة-!!- ترى، فهل كان الأب محقق المخفر أم حلاّقه، أو هو المحقق والحلاق في الوقت نفسه؟ كلّ الاحتمالات واردة، ولكن المهم أن هذا المشاغب قد استقرت أحواله ويمكنه أن ينعم أخيراً بطمأنينة البال، إذ لم يعد هناك أي داع لزيارة الحلاق... لقد حلقوا له، وكان رأسه "آخر الرايات" التي تمّ تمريغها أرضاً!!‏
نضيف هاهنا على الفور إلى ثوابت زكريا تامر في نموذجه الإبداعي النكهة الشعبية ذات النكتة الحلوة.. رغم مرارتها. وهي نكهة تدعم وتقوي النكهة "الجحاوية" التي سبق عرضها.. وهل إلا عامة الناس من المغلوبين على أمرهم، والمضطرين مع ذلك إلى المضي مع لعبة الوجود والعدم إلى مداها الأخير، من يمكنه ابتكار تلك الدعامة الساخرة، دعابة الحلاقة و"التنعيم" في المخفر؟؟ وما أكثر ماتفيض تلك الروح الشعبية في قصص تامر، طيبة ورقة وحنيناً حيناً، وسخرية لاذعة أو مرحاً حلواً أحياناً أخرى، فالكاتب قادم من الحارات الشعبية، من بيوت الطين، وهناك مستودع القهر و.. التحمّل والنكتة الحلوة -المرّة عبر القرون!‏
وننتقل، بعد هذه الإضافة، إلى سمات ومزايا ذلك البيان التامري الساحر:‏
1-فأولها الاختزال والتكثيف إلى أقصى حدود الممكن. فما أقصر جمله، وما أسرع انقضاضها على ماتريد التعبير عنه! وانظر مثلاً: "وبعد قليل دلف إلى الغرفة رجل يرتدي ثياباً بيضاء، ويحمل حقيبة سوداء" إنه الحلاق، بثيابه البيضاء وحقيبته المميزة، وسوى ذلك.. لا يهمّ: طويل أم قصير، سمين أم نحيل، سيّان! ولا يهم سوى أنه سوف "يحلق" للموقوف، إذن "لم يتفوه بكلمة" وهاهي حركاته تتلاحق كرجل آلي مبرمج، والجمل القصيرة المختزلة في هرولة منتظمة دون أي تشتت أو شروح زائدة: إنها سهم موجه بدقة وسرعة خاطفة إلى لبّ الحدث المروي، وهيهات أن يمكن لأحد التلاعب في نظام البناء اللغوي التامري!!‏
2ً- ومن سمات تامر اللغوية، تحقيقاً لسرعة وفعالية الأداء المكثف، الاستغناء في أغلب الحالات عن‏
السرد التمهيدي أو الانتقالي أو الختامي. إنها بين يديه، أوقل طوع قلمه، كلمات تقتحم الفعل على أرض الواقع أو الشعور داخل النفس -على السطح أو في الغور العميق- دون أي تلكؤ ودون فذلكات. وإذا كانت: "افتح ياسمسم" تشق بطن المغارة وتضع الكنوز في متناول علي بابا، فإن كلمة تامر تستحضر أمام القارئ الحركات والعواطف بكل غناها: غموضاً ووضوحاً، ترابطاً وتنافراً، بأسرع مما تفعله "افتح ياسمسم" السحرية... وانظر: فذبحني بحركةٍ خاطفة، وسقط رأسي على الأرض، فتألمت، ونهضت واقفاً..." أربعة أفعال لتصوير متلاحق، ثلاثة منها للواقعة المتدرجة (ذبحني، سقط رأسي، نهضت) وواحد لعرض الإحساس (فتألمت)، وهانحن وقد انتهت الحلاقة، والحلاق يقول: "نعيماً"!‏
________________________________

مجلة الموقف الأدبي - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 352 http://www.awu-dam.com/mokifadaby/352/mokf003.htm


الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م