مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 11-09-2003, 11:30 PM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
Arrow الشعر في بعده الفكري

وصلتني الرسالة التالية على بريدي و أشكر كثيراً مرسلها وهذا لا يعني اتفاقي تماماً مع كل ما جاء في المقال ..


جبران .. طاغور

الشعر فى بعده الفكري


محسن العوني



"اعصر لنا من مقلتيك الضياء
فإننا مظلمون!
...
وعر هو المرقى إلى الجلجلة (1)
والصخر، يا سيزيف ما أثقله
سيزيف...إن الصخرة الآخرون!"

هذه صرخة أطلقها بدر شاكر السيّاب فى قصيدته "رسالة من قبر"..صرخة لم يخفّ دويّها...بل زاد ولم تبرد حرارتها...بل اشتدّت...هى صرخة تحفر فى وعى كلّ حيّ ينشد كمال وجوده ويصدّع كيانه البون الشاسع بين المنشود والموجود والعالم القائم بين الذّات والموضوع ويتحطّم قلبه وهو يرى آماله تتقلّص ولا تتحقّق.. وقد ورد فى مطلع هذه القصيدة:
"من قاع قبرى أصيح/حتى تئن القبور/من رجع صوتى وهو رمل وريح/من عالم فى حفرتى يستريح/مركومة فى جانبيه القصور/وفيه ما فى سواه/إلا دبيب الحياه/حتى الأغانى فيه حتى الزهور/والشمس، إلا أنها لا تدور/والدود نخار بها فى ضريح/من عالم فى قاع قبرى أصيح/لا تيأسوا من مولد أو نشور".

حينما تناول كولنجوود تطور الفكرة التاريخية فى الفكر الألمانى بادئا بهردر وعمانويل كانط، أفسح لشيلر مكانا بينا تماما كفخته وهيجل "وكان الشاعر شيلر هو الوريث المباشر للفيلسوف كانط فى نظريته فى التاريخ" (2). إن شاعرية شيلر لم تسجنه فى ميدان اللغة والأدب ولكن جعلته شاعرا مفكرا وإذا كانت الفلسفة بتعبير هيجل هى الفكر الذى يفكر، فإن الشعر العظيم هو أيضا ضرب من الفكر الذى يحس. يقول جورج جرداق: الفيلسوف يشاهد ويراقب ويقيس ثم يسجل وأداته فى ذلك العقل وحده، والعقل شيء "من الانسان الحى بل قل هو جانب منه. والأديب يتفاعل مع الكون والحياة تفاعلا مباشرا مستمرا إذ يحس ويستلهم بعقله وشعوره وخياله ومزاجه وذوقه جميعا أى بجملة كيانه" (3).

إن قصيدة الشاعر تيوتس كاروس فى طبيعة الأشياء قد أهلته لأن يدرس كأبيقورى أصيل وكجزء من التراث الفلسفى اليونانى الروماني. والكوميديا الالاهية لدانتى قد رفعته الى مصاف مفكرى عصر النهضة الكبار، أما أبو الطيب المتنبى الذى تخطى بشعره حجاج الجدل الشكلى الذى سقط فيه المتكلمون الى اكتشاف جدل الواقع والوقائع الذى عبر بدقة متناهية عن سمات بداية الخط الهابط فى الحضارة الاسلامية العربية فلا يزال رهين المحبسين (حبس قصور الحس الأدبي، وحبس قصورالحس الحضارى فى دراساتنا الاجتماعية)... فالمتنبى الذى ملأ الدنيا وشغل الناس بالوزن والقافية والحلاوة والطلاوة والرونق وكثرة الماء وحسن الديباجة هو نفس الشاعر الذى اقتدر على تحويل الفكرة الى شعور متدفق وتحويل الشعور مرة أخرى الى فكرة فلسفية متكاملة تتخطى صورية المنطق الشعرى عند الشعراء الآخرين الى جدل يستمد لحمته من تجربته الذاتية وحياة عصره المتقلب المتلون الممزّق(4).

إن الشيء اللافت لنظر الدارس للأدب العربى هو خلوّه من الدراسات التى تنكب على علم الاجتماع الادبى الذى يتناول صلة التعبير الفنى بالشخصية بالبنية الاجتماعية بالمزاج الحضارى السائد سيما فيما يتعلق بالتراث.. إن أزمة مناهج النقد الادبى فى الدراسات العربية ليست إلا الصورة المصغرة للمحنة القاسية التى تعانيها مناهج الدراسات الاجتماعية فى البلاد العربية مما يعنى تغييب عنصر الآخر وعدم الوعى به وعيا حضاريا إيجابيا مما يقود حتما الى تغييب الأنا الذاتية والجماعية وفى هذا يقول المستشرق الفرنسى جاك بيرك Jacque Berque: "لكى تكون أنت، عليك أن تكون الغير".

إن الاحساس الدقيق باتجاهات الزمان عند المفكر أو الفنان هو الذى يكسب الفكر قيمة تاريخية وجمالية على مدى توالى العصور ولعل هذا ما يميز المتنبى عن غيره من الشعراء وبوأه مكانة الشاعر المفكر أو الحكيم كما قيل قديما "الذى أحس بأزمة روح التاريخ فى عصره ونقل هذه الأزمة الى إطار الجمال...إنها عملية جبارة شاهدة على عقل جبار يسبر الأغوار ويجوب الأعالى ويعود من هذه وتلك بقواعد موضوعية فى عمق ذاتيتها إنسانية فى ذاتية موضوعيتها...وكان بوعيه الحاد محبطاً أشد الإحباط عاشق يدرك قبل الوقوع فى العشق أن لا سبيل الى الوصال.
"ومن لم يعشق الدنيا قديما/ولكن لا سبيل الى الوصال/وحيد من الخلان فى كل بلدة/إذا عظم المقصود قل المساعد/أتى الزمان بنوه شبيبة/فسرهم وأتيناه على الهرم".
إن عجز المتنبى الأبدى ليس مرده قصور كامن فى ذات المتنبى ولكن قصور قد خلع عليه من الخارج فكل سعى من قبل الذات يقابله ردع وهدم من قبل الموضوع المتمثل فى الحضارة العربية.
ولهذا خاصم المتنبى عدوه اللدود الذى هو عصره لأنه لم يكن فى مستوى فكره التقدمى الطموح:

"بم التعلّل لا أهل ولا وطن/ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أريد من زمنى ذا أن يبلغني/ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
لا تلق دهرك إلا غير مكترث/ما دام يصحب فيه روحك البدن
فما يديم سرور ما سررت به/ولا يرد عليه الفائت الحزن
مما أضر بأهل العشق أنهم/هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم/فى أثر كل قبيح وجهه حسن
كم قد قتلت وكم قدمتّ عندكم/ثم انتفضت فزال القبر والكفن
قد كان شاهد دفنى قبل قولهم/جماعة ثم ماتوا قبل من دفنوا
ما كل ما يتمنى المرء يدركه/تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن"
يقول د. عبد السلام نور الدين: "إن الداء الذى أصاب المتنبى هو الرؤية بعين التاريخ "إن الرياح تجرى بما لا تشتهى السفن" والسفن هى الحضارة فى لبوسها الذاتى متجسدة فى المتنبي. إن الوعى بعجزه المطلق يجعله يهرب من الأطايب والملذات التى يعلم يقينا أنها الجرعة التى تسبق الموت وهكذا أضحى قدره أن يتمرّغ فى العذاب الميتافيزيقى يجاهد الزمان وهو يعلم أنه المهزوم:
"تركنا لأطراف القنا كل شهوة/فليس لنا إلا بهن لعاب"
الفكر أساس كل فن أصيل وهذه الحقيقة نلمسها واضحة جليّة فى نتاج الشعراء العظام شرقيين أو غربيين قديما أو حديثا كما أن سير عظماء التاريخ الحقيقيين تؤكد أنهم كانوا أدباء موهوبين على تفاوت فى القوة والضعف فهم بين منتج خلاق ومتذوق قريب التذوق من الانتاج والخلق يقول جورج جرداق "هذا نابليون القائد وأفلاطون الفيلسوف وباسكال الرياضى وباستور العالم الطبيعى والخيّام الحسابى ونهرو رجل الدولة وديغول السياسى وابن خلدون المؤرخ، إنهم جميعا أدباء لهم فى الأدب ما يجعلهم فى مصاف ذوى الشأن من أهله فلكل منهم لون من ألوان النشاط الفكرى حدده الطبع والموهبة ثم رعت النزعة الجمالية ما دخل منه فى نطاق التعبير فإذا هو من الأدب الخالص.."(6).
ثمانية مواقف
يمكن تصنيف توجهات الشعراء الفكرية والوجودية فى ثمانية مواقف نقرنها بما يقابلها فى الفكر الفلسفى الاوروبى الحديث وهى على التوالي:
1 - الحتمية Fatalism
القناعة بأن الحياة تجرى بحكم سياق مقرّر مقدّما وبأنّ لكل امرئ قدره فى حياته رضى أم كره.
2- البطولية Heroism
اللجوء الى القوة فى فرض السلطة واعتبار الحق تابعا لإرادة القوة.
3- الإباحية Hedonism
اعتماد الإحساس فى التحقق من ماهية اللذة والألم والإقبال على الاولى والتجافى عن الثانية.
4- الهروبيّة Escapism
القناعة بأن الحياة موطن شقاء وبؤرة فساد والدعوة الى الزهد فيها والصبر على مكارهها.
5- العدميّة Annihilism
اليأس من الحياة والاعتقاد بأن الشر فيها بلغ الى حد تعذر معه إصلاحها والدعوة بالتالى الى استئصالها بالإمساك الطوعى عن التناسل.
6- العقلانية Rationalism
الاحتكام الى العقل فى معرفة كنه الحق والباطل والاعتصام بالأول والتحرر من الثاني.
7- المثالية Idealism
الرجوع إلى الوجدان فى التمييز بين الخير والشر والاهتداء بالأول والإعراض عن الثاني.
8- الشمولية Pantheism
الاعتقاد بوحدة الوجود أى أن الله والطبيعة كلّ واحد هو الحق (7).

ظهرت لدى بعض الشعراء قديما وحديثا الرغبة فى إنجاز قصيدة ملحمية تود لو تحكى قصة التجربة الانسانية كلها فتكون من وجهة الشعر خلاصة الادراك العقلى والاختبار الروحانى وما لا يدرك كله لا يترك جله وكما قال الامام على عليه السلام: "من طلب شيئا ناله أو بعضه". وقد كانت للشاعر ميشال الحايك محاولة من هذا النوع تجلت فى ديوانه "كتاب العبور والمعاد" يقول فى مقدمته: "يبدو لى أن اختبارات الانسان من البدء الى الأبد هى أربعة كهذه الأناشيد الاربعة: أولها خروج من حالة اللاوعى الاوّلى الى مرحلة الادراك الوجدانى وكأنما هو عبور من الفردوس/الأم إلى التطلع صوب الكون وصوب الذات. فتأخذ الإنسان الرغبة ويتيه لا يعرف الأين والحين والمعدودات، فيتمنّى لو يغرق فى الوسن محاولا العودة الى العدم البدئى متواطئا مع الليل رمز السدى نازعا الى البراءة الفطرية التى دنسها نشوء الوجدان وتعاقب التاريخ، ثم فى مرحلة ثانية يحاول إبداع الذات والكون من جديد عن طريق الحب والمعرفة وهما أقوى ما أعطى الانسان من امكانيات تفوق جذوره الاصلية، يباشرهما ليسد متناقضات الذات وخلل العالم يجد فى المرأة عزاء عن توقه اللامتناهى وفى اكتشاف الكون مسرحا وسيعا لمطاليب عقله النهم. فيسعى لتدجين كل شيء لإدراك الحرف الاول وعقاقير الأبجدية الخالقة..
__________________
معين بن محمد
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 11-09-2003, 11:34 PM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
Arrow تتمة الموضوع ..

وإذ تفلس آماله فى الحب والمعرفة فيدهمه القدر وتضربه العناصر فيختبر المأساة والفاجعة لا يثبت له إلا ضجره وتوقه الى نسيان كل شيء بعد الموت. ولكنه يشعر بأنه قد حكم عليه بالاستمرار فى نوع آخر من الوجود فى الغيب فيعتزم قفزة نهائية إذ يتخلى عن حواسه وعقله وعن الاستعانة بالبينات الظواهرية ليلج الغيب عن سبيل الرفض والسلب عبر المعقول والمحسوس، فالغيب - الله - ظلام أبهى من النور، وأخيرا فى رحلة عبر الموت إذ تتعطل الحواس وتنخلع الصور ويدرك الفقر الأقصى لا يبقى من الانسان كله سوى انتظار معلق على موعد مع غريب. يجيء إذاك رسول الغربة فيقوده الى التغرب اللامتناهي. هذا الضيف العتيد الآتى من الغيب الباطنى وراء الظواهر تلك التى كانت تعلنه وتستره بوقت واحد هو غاية كل نشوء وارتقاء وبغية كل عهد قديم وحديث يأتى فى آخر الزمن - كما يأتى كل يوم بصورة مستورة تحت الأعراض القربانية، رمز الأعراض الكونية المدعوة الى التجوهر "فيتعشي" معنا ويخبرنا عن قصتنا التى هى قصته بينما يتجلى رويدا رويدا ويقلب الظواهر على البواطن فإذا هو الكل فى كل شيء".
وقد كتب هذه المقدمة فى إسكالا Escala فى جبال البيرنه يقول فى النشيد الثالث "سفر التخلى والموت".
"أسرى إليك أنا الغريب/وتروح تنبذنى الدروب/ عنها، وتنهرنى السماء/ويسخر الأفق الرهيب/ ومطيتى زمن كسيح/ والمدى سفر رتيب/فتشت عن فردوسى المسلوب/أسأل عنه من حدب/الى صوب/فى الفجر فى العتمات/فى الأمجاد فى الايقان/فى الريب/بين الفصول وفى نهايات الحواس/وجئت أسأل عنه/فى الغيب".
ويقول فى القصيدة التى افتتح بها الديوان:
"زوّرتنى الحياة فمن أفراحها/وجعي، ومن ظلماتها أنواري
ما الذنب ذنبى إن قسمت لريشتي/بث الجراح ورعشة التذكار
طوفت بى المجهول حتى طرحتني/منى إليك فريسة الأسرار
فولجت أخبر ما العذاب على الهوي/فيها وجئت معى عذاب النار
أنى رحلت وجدت وجهك قبلتي/وقوافل العتمات فى آثاري
وإذا نزلت فعند بابك منزلي/أو حرت فى العتمات أنت محاري
هجرتنى وأضفتنى فأعدت لي/وطنى وأهلى فى لقاك وجاري
فخذ البقايا من صباى يردها/ أمسى إليك وذكريات نهارى
لغة معطلة وعهدا موحشا/والحب بينهما غريب الدار".
مركزية الميتافيزيقا
لقد مثل الغيب أو الميتافيزيقا مبحثا مركزيا لدى الشعراء المفكرين أو الشعراء الفلاسفة كالمعرى والمتنبى وأبو تمام وجلال الدين الرومى وشمس الدين التبريزى وفريد الدين العطار وشكسبير وغوته وتينسون وطاغور وجبران والخيام وغيرهم كثير، ذلك أنه سيظل قضية الزمن المطلق ومبحث المباحث يلازم الانسان ملازمة الروح للجسد.
وسوف نعتمد قصيدة أمين الريحانى "الى الله" كمثال للشأن الميتافيزيقى الذى سيطر على الشعراء الفلاسفة ولوّن كل نتاجهم (8)، يقول فيها مخاطبا الذات الكاملة:
"عبثا طلبتك فى أديان الناس
عبثا بحثت عنك فى سرادب عقائد الناس
ولكنى لقيت فى كتب العالم المقدسة
بعض آثار سماوية طامسة
فلقد توضح لى حرف ساكن من اسمك فى "الفيدا"
وحرف فى "الزند آفستا"
وحرف فى الإنجيل
وحرف فى القرآن
أجل - وفى كتاب الجمعية العلمية الملكية
وسجلات جمعية المباحث النفسية
بعض الحركات التى لا يحسن الطفل البشري
أن يحرك بها الأحرف الساكنة من اسمك
وأنّى لأمم الأرض وهى فى طفولة الحياة
أن تحسن النطق به؟
من يهدينا الى تلك الهمزات..
همزات الوصل الإلاهية
التى تجمع بين الكواكب البعيدة المتقابلة
فى أطراف الأفلاك السماوية
فلقد خطت على نقاب السر الأبدي
كلمات، وأمحت ثم خطت وأمحت
كل أمة من أمم الارض أدركت حرفا
من هذا الطلسم العظيم
لكن الحركات وهمزات الوصل لا بد أن يأتى بها
علماء المستقبل لتحيى جمودا
فى أحرف الكتب المقدسة الساكنة
وتبعث فيها سلاسة الماء والهواء
وتزيل اللكنة من لسان
هذا البشرى الطفل ومن قلبه".

يعرف ماتيو أرنولد الشعر فيقول بأنه نقد للحياة ونقد الحياة لا ينطلق من فراغ فهو يستدعى سبراً لأغوار الذات وإدراكا دقيقا لمعنى الحياة وامتلاكا للأدوات وهذا ما جعل عز الدين المدنى يعتبره (الشعر) البعد الرابع للكون.. يقول: "الشعر درع للقيم فهو حر ولا يناضل إلا فى سبيل الحرية بل الشعر هو الحرية - كذلك الشعر عشق، فهو معين متدفق دائم وإحساس فكرى وجدانى إلاهى عارم يجرف معه حتى أملاح الارض ورواسب الدهر - والشعر يقرع أبواب الغيب ويدخله دخولا سردابيا بعيد الغور فإذا هو البعد الرابع للكون وهو يمتشق التوقع والاحتمال والحسبان والإمكان ليبلغ أعلى مراتب التنبؤ فإذا هو كتاب مسطور وقدر محتوم بصير بصره من نور وهاج وهو يحمل على كاهله عبء الغد فى اليوم الحاضر فإذا هو عرش المستقبل ولغة الآتى واللاحق وتاج الشباب الأزلي".

ويبلغ المتنبى قمة الزهو بشعره عندما يعتبر الدهر من منشديه وأن الجميع يستوون فى تذوقه لكأنه حقيقة مطلقة، فالأعمى يراه والأصم يسمعه وهو ما حدا بالمعرى أن يؤلف فيه كتابه "معجز أحمد" والمعروف عنه أنه كان شديد الانبهار به حتى أن بعضهم ذهب الى القول أن المتنبى كان يقصده بقوله "أنا الذى نظر الأعمى الى أدبي" علما بأن المتنبى سابق على المعري...إنها إشراقة شاعر نبى لا متنبئ وليس يرى مجد الحكمة إلا من كان بصر عينيه فى قلبه لا بصر قلبه فى عينيه وقد قال شاعر مضيء البصيرة لديه إحساس حاد باتجاهات الزمان:
"لماذا الذى كان ما زال يأتي
لأن الذى سوف يأتى ذهب
إنه السؤال الماثل والجواب المتوقع المرتقب"

ـــــــــــــــــــــــ
محسن العونى .. كاتب وباحث من تونس

1) الجلجلة: الجبل الذى حمل المسيح صليبه الى قمته.
2) كولنجوود، فكرة التاريخ ص 195 ترجمة محمد خليل بكر، ومحمد عبد الواحد خلاف لجنة التأليف والترجمة والنشر الطبعة الثانية، القاهرة، 1968م.
3) جورج جرداق، روائع نهج البلاغة، ص 15 - 16، دار الشروق د.ت.
4) د. عبد السلام نور الدين، العقل والحضارة، ص 12 - 13، الطبعة الاولي، 1987، دار التنوير بيروت.
5) العقل والحضارة، ص 34.
6) جورج جرداق، روائع نهج البلاغة، ص 7 .
7) د. كمال اليازجي، جذور فلسفية فى الشعر العربى القديم والمولد، ص 5 - 6 دار الجيل، ط1، 1992.
8) ترجم الريحانى هذه القطعة من كتاب خالد سنة 1913، ولقد نقلناها عن مجموعة شعره المنثور "هتاف الأودية" (دار الريحاني، بيروت 1955)، ص 56 - 58.



المصدر: العرب اونلاين

__________________
معين بن محمد
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م