مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 10-01-2006, 01:18 PM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي الليل والمصباح1

الليل والمصباح

لقد بعد ضوء الكوكب قليلا حتى انقطع ولم يبلغنى منه شيئا وعاد الليل الى ظلمته وسكونه الهادئ الثقيل ، واطمأن من حولى كل شئ ، فما أسمع الا دقات منتظمة تصدر عن الساعة الحائطية أو أزيز بعض الطائرات ... ودقات مضطربة تصدر عن قلبى الحزين ... وأنا آخذ نفسي بهدوء لألائم بينها وبين ما حولها فلا أوفق لبعض ذلك الا فى عناء شديد ومشقة مرة وأنظر الى هذه الاشياء حولى فى الغرفة فأرى يسرا وثراء وبعضا من الترف والكلفة بالجمال والفن. وأمد عينى إلى مرآة امامى واثبتهما فى صفائها حينا فتعود الي بصورة ان لم تكن رائعة بارعة فإنها نضرة حسنة التنسبق .
ثم انهض من مجلسي ، وأمشى فى غرفتى لحظة غير قصيرة ، اذهب فيها وأجئ .......
وأقف عند ما يملأ هذه الغرفة من أدوات الترف والنعمة فأطيل النظر اليه....لا معجبا به ولا متكبرا له .... وانما أسأل نفسي....
أأنا صاحب هذا كلــــــــه .....؟
أأنا حقــــا المالك لهذا كله.....؟
أأنا صاحب هذا القصر .... وهذه الاشياء؟
أأنا صاحب هذه الصورة التى تردها المرآة ؟
وأفكرقليلا فاذا أنا أستطيع ... وقد تقدم الليل حتى كاد يبلغ ثلثيه، أن أمد يدي الى جهاز .... فلا أكاد انتهى من ادارة ازراره حتى يرد علىّ أحد الأصدقاء أو الزملاء ....أتجاذب معه الحديث قليلا فى ذلك الوقت المتأخر من الليل.
ثم امضى الى النافذة فلا أكاد أفتحها حتى تمتلىء نفسي روعة لهذه الأشجار النائمة ،وهذه الورود المتأرجحة وهذه الثمرات التى تحلم فى ثنايا الغصون وتحت الاوراق. وكل هذا ملك خالص لى ، لايشاركنى فيه بشر أويزاحمنى عليــــــــــــــــــــــه مخلوق ...
أستطيع أن أعبث به إن شئت ومتى شئت وكيفما شئت .... لايسألنى ولا يسائلنى أحد .
فاذا اجتمعت فى نفسي صور هذا النعيم كله أحسست راحة وأمنّا ، وثقة ، ثم لا ألبث ان أحس شيئا من الكبرياء الغريبة لانى لا ألبث ان أرى صورتى منذ سنوات بعيــــــــدة جدا حينما كنت بائس ، يائس قد تشوه شكلى ملقيا على وجهى غشاء كئيبا من القبح والدمامة .... فأجد هذا الحزن اللاذع العميق حين اذكر هذه المأساة التى كنت اتحدث بها منذ قليل الى ذلك الكوكب العزيز ، والتى كان يتحدث بها لي منذ حين هذا الكوكب الساطع .
ان احداث الحياة وخطوبها لعظات وعبر .. لمن يتعظ ولمن يعتبر. انى لأتحدث الان الى نفسي حديثا ما كان يمكن ولاينتظر ان يتحدث به الى نفسه ذلك الشاب الذى كانوا يسمونه الناس "محمد "والذى يسمى الان "سامي "لانه اسم جميل يلائم المألوف من حسن الاختيار والتظرف فى الاسماء ..
لقد كان محمد ذلك الفتى البدوى قد انحدرت به وبأخته امراة من اهل البادية .. لانه منبت من اطراف الارض الخصبة مما يلي تلك الهضاب التى يسميها أهل تونس بالوطن القبلي . والساحل ..
كانت فاطمة أم محمد وأخته زينة ، امرأة بدوية ريفية تقيم فى أحدى قرى هذا الريف المزروعة بهذه الهضاب التى لايستقر أهلها فيها الا ريثما يزيلهم عنها فوج من أفواج الاعراب الذين يقبلون من الجنوب والوسط ليتعلموا الاستقرار فى الارض والحياة فى أطراف الريف ، ثم يدفعهم فوج اخر فاذا هم يمضون أمامهم مضياً بطيئا يتنقلون فى بطء ومهل من مكان الى مكان ، وهم يتقدمون نحو الريف المبتدي ، واذا هم على شاطيء مجردة ، فاذا أتيح لهم ان يعبروا النهر فالقليل منهم فقط يحتفظ ببداوته ..... وماأكثر الذين يفنوا فى طبقات الفلاحين ويضيعون فى عذارهم ..... وعذار غيرهم...
كانت فاطمة أم هاذين الاخوين تعيش مع زوجها الاعرابى وأبنيها فى قرية من هذه القرى ، وقد اتخذت أسمها أكبر الظن من بطن من بطون الاعراب او قبيلة من قبائلهم ، كانت تسمى قصر هلال .
كانت فاطمة تعيش مع زوجها وابنها وإبنتها عيشة متواضعة هادئة ، فيها رخاء معتدل ، وفيها عزة بهذه الاسرة الضخمة ذات العدد الكثير التى كانت الأم تنتسب اليها .ولكن الاب لم يكن صاحب حشمة ووقار وسيرة حسنة انما كان زير نساء ، حشاش دعابة ومجون، لايتحرج مما يتحرج منه الرجل ، وكانت له خطوب فى القرية والقرى المجاورة تخيف منه وتخيف عليه..
كانت الام أشقى الناس بهذه الخطوب ، تتأذى بها فى ذات نفسها ، فكم تحرقها الغيرة حينما يغيب عنها زوجها اليوم كله أو الليلة جلها ، وتشفق منها على هذا الماضي. فقد كانت تحبه على مجونه وفجوره وتعلم أنه يهىء لنفسه عداوات خطرة فى كل مكان باكثاره فى المجون والفجور، وتخاف منها على حياة فلذتي كبدها ومستقبلهما وامالهما فى العيش والهناء.
وذات ليلة وهي فيما هي فيه من غيرة واشفاق وفزع ، جاءها النبأ بأن زوجها قد صرع ... ويظهر الامر قليلا فاذا الرجل قد ذهب ضحية لشهوة من شهواته الاثمة . وهو الذي ليس له ثأر يطالب به، وليس هناك من سبيل الى الشكوى للسلطات على قاتليه. انما هو
العار كل العار قد الم بهذه المرأة البائسة وفلذتى كبدها التعيسين ، واذا الاسرة الكبيرة كلها تضيق بهؤلاء المساكين ، تكره مكانهم منها ، وتنفيهم من الارض التى عاشوا فيها وتزودهم بقليل من المال والرحمة وتكرههم على السعي فى الارض التماسا للحياة فيها يائسين اشقياء . ليس لهم سند يعتمدون عليه ولاركن يأوون اليه ، وهي امرأة وحيدة لها حظ من الجمال يطمع الناس فيها ويغرى اصحاب المجون لها . وصبي وصبية بائسان لايكادان يحسنان شيئا .
وتنتقل الخطوب بهذه الاسرة من قرية الى أخرى ومن ضيعة الى ضيعة ، يلا قون بعض اللين فى مكان وبعض الشدة فى مكان أخر.لا تستقر بهم الارض فى أى حال ، حتى ينتهون الى هذه المدينة المترامية الاطراف ، الواسعة البعيدة ذات السكان الكثيرين ، والتى تشقها طرقا حديدية ويمضي فيها ذلك الشئ المروع الغريب الذى يبعث فى الجو شررا ونارا وصوتا ضخما وصفيرا عاليا ، والذى يسمونه القطار ..
وهناك ...فى طرف من أطراف هذه المدينة أستقرت هذه المرأة مع الصبى والصبية . لجأت الى شيخ أحد الاحياء فآواها يوما وبعض يوم ، ثم أبتغى لها وللفلذتين حجرة ضيقة حقيرة قذرة ، قد أقيمت من الطين ، فسكنوا فيها على ان تدفع أجرها كل شهر ، ثم نصحها بأن تلتمس لها عملا تعيش به وفلذتى كبدها فىبيت من بيوت هؤلاء المترفين الذين لايعملون فى الفلاحة .... أوالزراعة ، بل يعملون فى خدمة الحكومة ....منهم من يعمل فى الشرطة ومنهم من يعمل فى المحكمة.... منهم التجار الذين لايتاجرون فيما تخرج الارض من الحب وإنما يتاجرون فى الأمتعة والعروض التى تأتى من الخارج ومن مدن أخرى أكثر تحضرا حيث الناس لا يتكلمون كما يتكلمون ...بل يتكلمون لهجة كلها دلال وغنج .... ولايعيشون كما نعيش .... بل يعيشون عيشة كلها بذخ واسراف....
عند هؤلاء الذين يربحون الاموال الضخمة ويعيشون فىقصور عيشة السادة والامراء .... لا يأكلون على الارض ، إنما يأكلون على موائد ويجلسون على كراسي .... ويأكلون بأشياء حديدية أو فضية أو ذهبية ... وأطباق من الخزف ، ولايسمحون لنسائهم ان يخرجن متبذلات ، وإنما يخرجن ملففات فى ثياب حريرية ، وعلى وجوههم قطعة قماش أسود .... تخفى تحتها وجها عليه براقن صفيقة وأذنين بهما الذهب الخالصة أوالفضة المذهبة.
فعند هؤلاء وأولائك الموظفين تشتد الحاجة الى الخدم. والحياة فى بيوتهم لينة ناعمة فالتمسي أيتها المرأة البائسة ولابنك وأبنتك بعض العمل فى بعض البيوت ،ثم سمى لها أشخاصا ووصف لها بيوتا ووعدها بأن يعينها قدر المستطاع .
بعد أيام قليلة ثقيلة كانت الأم خلالها تدور فيها وابنيها على البيوت تعرض نفسها وفلذتى كبدها للخدمة كما تعرض
الاماء على السادة . ولم تتصل هذه الأيام حتى أستقر كل واحد فى بيت يعمل فيه بالنهار وينام فيه الليل . وفى اخر الاسبوع تلتقى الام بأبنيها فى تلك الحجرة الحـــــــقيرة القذرة فتقضى ليلة سعيدة راضية وقد حمل كل واحد ما أتيح له حمله من الطعام فيتجمعون اليه ويتحدثون عن الأهل والقرية ....والسادة والسيدات حتى اذا تقدم الليل يغرقون فى نوم لذيذ هادئ فاذا كان الصباح تفرقوا الى حيث يعملون فى بيوت التجار والموظفين ......
كنت أحسن الثلاث حظا فقد قدر لي أن أخدم فى بيت رئيس الشرطة ، وكانت خدمتى أول الامر غريبة ثقيلة على نفسي، ولكنىمالبثت أن أحببتها ووجدت فيها لذة ومتعة , فلقد كلفت بقضاء وشراء حاجيات سيدتا البيت وسيده . فلقد كان صاحب البيت أب لابنة وحيدة إسمها ((حياة)) ...وكانت الفاطقة الناطقة فى البيت...
كانت حياة تقاربنى فى السن أو أكبر منى قليلا... وكنت أرافقها أحيانا فى اللعب أو حينما يأتى المعلم ليلقي عليها الدروس الاضافية فى البيت قبل الغروب .
كانت حياة حلوة النفس ، مرضية الخلق ، مشرقة الوجه، وديعة الروح ... ولم يطل ماكان بيني وبينها من البعد حتى أشركتني فى العديد من حاجياتها ولم تبخل حتى ببعض من الحلوى التى كانت أمها تمنحها اياها ....
وماهى الا فترة حتى زال ماكان بيننا من الكلفة ،وأصبحنا رفيقين صديقين .... وكانت ربة البيت تنكر ذلك ...الا أنها سرعان ما أذعنت له ....فأصبحتُ أتلقى مع الصبية الدرس فى الكُتًاب وفى البيت عند العصر ... واذا بثياب جديدة أنيقة تخلع عليً فيُقرَب مابين أبناء كبار العائلات وبيني من أختلاف وعندما أنظر الى المرآة لا أكاد أحس بين أبناء كبار العائلات وبيني فرقا ولا أختلافا.....
عشت مع حياة سنوات لم ألق فيها بأسا ، ولم أشكُ فيها أى عناء ... وانما عرفت الترف والنعيم ... وجنة الله على الارض ...وتعلمت خلالها شيء قليل مما لايعرفه الا الاغنياء ..
وبعدت في هذه السنين الامد بيني وبين أمي وأختي ...أمي تلك المراة التى كانت تعمل فى بيت شيخ المسجد ....رجل معتدل الحال متوسط العيش ...لكنه أميل الى حياة البدو وأحرص على تقاليدها ...وأختى التى كانت تعمل فى بيت موظف فى الحكومة ...شاب رشيق ،أنيق ذو وجه وسيم جميل ، كان يعيش وحيدا فى دار واسعة كبيرة تحيط بها حدائق غناء جميلة نضرة.. ولايعيش معه سوى خادم ريفى يحرس البيت ويعتنى بالحديقة.... وأختى التى تقوم بالتنظيف وتعتنى بمتاع الشاب .
كنت الاحظ أختى تشب مسرعة ، ويستدير جسمها استدارة حسنة ، وتظهر عليها أثار النعمة وأيات من الجمال ، ولكنها ظلت كما أقبلت من الريف ... بدوية ِأمية ، لا تقرأ ولا
تكتب كما أقرأ وأكتب أنا... ولاتحس من أمور الأغنياء شيئا كما أحس أنا منها أشياء وأشياء...ومرت الايام و الشهور والسنوات....وذات مناسبة التقينا اخر النهار فى حجرتنا تلك الحقيرة القذرة .... والتى أخذت أكرهها وأضيق بها وأود لو أعفى من هذا اللقاء... ولو أستطعت أن ألقى أمى وأختى حيث كانتا تعملان ...لكان أحسن ... ولكن أمي كانت صارمة حازمة ملحة فى الصرامة والحزم ... فلما كان ذلك اليوم والتقينا مع الغروب لم أر بشراً ولا أبتساما ولابهجة ، ولاغبطة ، ولكن أحسست صمتا عميقا مخيفا ... ورأيت وجهين كئيبن مظلمين ، وخيل لى أنى أرى دموعا تضطرب فى عينى أمي ...وهممت أن
أسال عما أرى فرفضت أختى رفضا وأشارت على أمى بعدم السؤال!!؟
وقضينا معا وقتا طويلا ملئه الملل واليأس ، ثقيلا ، فيه هم ممض لم أكن أفهمه ولاأعرف مصدره .
وفى لحظة من اللحظات أنقطع هذا الصمت بجملة واحدة لم أسمع بعدها شيئا ولم أفعل شيئا حتى الصباح ...صدرت الجملة عن أمنا فوقعت فى قلبي موقع الصاعقة ، ولاقتها أختى بوجوم غريب ، فرفعت عينيها الى السماء ثم مضت فى صمتها وحزنها واعراضها ... قالت أمنا بصوت حزين بعيد محطم ، اذا كان الغد ،فسنرحل عن هذه المدينة ((المشئومة )) لم يستطع بعدها احدا منا ان يقول ولا أن يظهر شيئا الا الطاعة والاذعان
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 10-01-2006, 01:22 PM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي الليل و المصباح 2

الليل و المصباح 2

سبحت أنا فى الخيال وذلك الكوكب الضاوئ...وتذكرت ما ألم بها من البؤس طول حياتها مع ذلك الزوج الماجن ، وماحرق فؤادها من الغيرة ، وما آذى نفسها وقلبها من الذل والخوف واليأس .وذلك الخطب الذى ألم بها فهدها هدًَا حينما جاء نبأ صرع زوجها ، وبأنه صرع فيما لايشرف به صريع ، وتلك الالام التى لا حد لها والتى غمرتها كما يغمر الماء الغريق حين أنكرتها الأسرة كلها وحين أخرجتها من القرية ونفتها مع فلذتي كبدها من الارض.
لم أستطيع أن أنكر ولا أن أجادل ،ولم أزد عن اظهار الطاعة شيئا .ويعلم الله كيف مرت تلك الليلة النكراء فى نفسي . قضيتها ساهراً حائراً ثائراً لا أطمئن الى شيء حتى اذا مضى من الليل جله نهضت أمَنا فأمرت أن نستعد للرحيل ، فقلت الا نستأذن من سادتنا بهذا الرحيل !؟ فردت أمى فى صوت هادئ حزين ؟ إن كان يؤذيك فراقهم فأقم أنت ، فسنرحل نحــــــــــــــــــــــــــن.
وماهى الا ساعات حتى كنا قد تجاوزنا المدينة وانتقلنا من قرية الى قرية نحو الجنوب الشرقى... حتى اذا بلغ منا الاعياء مبلغه ، فكنا نستريح وننتظر الفجر .
وينير لى ضوئك أيها الكوكب الغريب وأنا سابح فى حلم أرى صورا قريبة مألوفة . تمثل لى
أهل البيت التى كنت أخدمه . وسيدة البيت وهى تأمر وتنهى ، تصعد وتنزل وتقوم بتدبير شئون بيتها . وتمثل لى تلك الصورة رئيس مركز الشرطة وهو يقبل عند الظهر فيضطرب لمقدمه البيت كله ،ثم يعود الهدوء الذى يوشك أن يكون سكونا ، ويتفرغ أهل البيت كلهم لهذا الرجل الصخرة ، ويقومون بخدمته كأنهم لم يخلقوا الاّله.... وتمثل تلك الصور أمورا أخرى كثيرة مما كنت أراه فى ذلك العهد القريب السعيد ....لكن ضوئك أيها الكوكب يبهرنى فيخرجنى من تلك الاحلام الحلوة الى يقظة مؤلمة لا أكاد أشعر بها حتى أحس خشونةالفراش وعدم الراحة عليه ...وأين يقع هذا الوطأ اليابس من ذلك الفراش الوثير الهزاز. الموطأ الذى كان موضوع لى فى تلك الغرفة الجميلة المترفة من سراي رئيس مركز الشرطـــــــــــــــــــــــــة.
لم أكد أشعر بخشونة المرقد هذا حتى ذكرت أننا عند مضيفنا شيخ أحدى القرى ... فى مكان لايسترنا فيه سقف ، تكاد ظلمة الليل ان تغمرنا فيه لولا شعاع رقيق كان يترقرق من ضوء القمر وقد تقدم به الشهر.
وتذكرت كيف وصلنا الى هذه القرية منهوكين أخر النهار ... نجلس بين الحين والحين الاخر الى ظل شجرة زيتون ... لانكاد نحادث بعضنا بشيء .... حتى اذا طال الصمت ... قالت أمنا تأمرنا بالرحيل وبأن لانستطيع أن نقضى الليل فى هذا الشجر، وعلينا أن نجد من يؤوينا أو يضيفنا فى هذه القرية التى لانعرف من أهلها احدا ..... ولايعرفنا من أهلها احدا الا الشيخ ...خاصةوأنه يجب أن يكون بيته مفتوحا لكل طارق بليل أونهار ...ومضينا متباطئين حتى وصلنا الى دار الشيخ وهناك رأينا جماعة من الناس قد جلسوا أمام الدار وتوسطهم رجل من لاتكاد العين تقع عليه حتى تثق به ....و لما بلغنا المجلس وألحظتنا الأبصار حتى تقدمت أمنا الى الشيخ الوقور وقالت فى صوت هادىء... غرباء وقد طرقنا القرية في هذه الساعة ..... فآونا ياسيدي حتى يسفر الصباح ....قال الرجل ...على الرحب والسعه ...وأمر غلاما ليأخذنا الى دار الضيافة.
وماهى الاساعات حتى اتصلنا بمن فى الدار من ضيوف وخدم ،مختلطين ببعضهم بعضا ،فكأنهم جميعا أصحاب البيت ، وأمسينا وكأننا منهم ....
كان العشاء غليظا ، والسمر المضطرب المختلط ثم التفرق الى المضاجع ...منا من اثر الهواء الطلق فأتخذ مضجعه فى فناء البيت أوسطحها ، ومنا من أشفق من ذلك فأوى الى تلك الغرف و الحجرات الصغيرة الرطبة ... وقد رغبت شقيقتى زينة فى السطح وشاركتها أنا في هذه الرغبة ومضينا ننتظر النوم ...وأنا أحدث نفسي بأن هذه الخلوة الى شقيقتي قد تكشف لى من بعض ما يخفى على من أمور ..
لم أكد أجلس اليها أحاول وصل الحديث بيننا حتى لقيتني بإعراض مثلوج مثل الذى لقيتني
به من قبل ثم أشاحت بوجهها ومضت فى صمتها وأقمت أنا الى جانبها حائر ذاهل لاأدرى ما أقــــــــــــــــــــــــــــــــــــول...
أستلقيت مرسلا نفسي فى الفضاء العريض لالتمس لها مايلهيها عن هذه الهموم الغامضة المستغلقة التي لم أكن أعرف منها الاثقلها . ولم تكد نفسي تمضي فى ظلمة الليل حتى أدركها موج من هذا النوم القليل فسبحت فيه ولبثت كذلك حتى اخرجها نور ذلك الكوكب العزيز.. ذكرت هذا حين أستيقطت ومرت بي خواطره مسرعة فى حين كنت _أحاول أن أتبين أين أنا وكيف أنتهيت الى حيث أنا وفى حين كنت أفتح عينى وأديرهما من حولي كأنما أريد أن أستكمل شخصى حين أتبين حقيقة المكان الذى أنا فيه .. ثم أستكمل شعورى وأجد نفسى كما كنت قبل أن يغمرنى النوم وأحس كأن شخصا قائما غير بعيد منى فأنتبه فأذا هى أختى جامدة لاتكاد تأتى حركة ولا تحس شيئا وكأنها لاتفكر فى شىء ..
وأنت أيها الكوكب الجميل تلقى فى هذا الليل العريض المظلم نورك البعيد المشع فيصل الى نفسي فيجيبها ويوقظ فيها الذكرى ويبعث فيها الامل والنشاط وأختى ماثلة ذاهلة كأن نورك لايبلغها ولاينتهى لعينيها . ومع ذلك فما عهدتها عمياء ولاعهدتها تحس الحزن او تجيد الاكتئاب ،أنما أعرفها فرحة مرحة تحب الضحك ولا تحتاج الى ان تدفع اليه وانما تحتاج الى ان تدفع عنه . أين هي ؟ مابالها جامدة هامدة لاترى ولاتحس !؟ لعلها قد ارسلت نفسها كما ارسلت نفسي تسبح في هذا الليل العريض فأيقنتها فى المسعى وتركتها جسما ماثلا بلا روح.
نهضت من مكانى فى هدوء وسعيت اليها حتى اذا بلغتها مسست كتفها مسا رقيقا فاذا رعشة عنيفة تجرى مسرعة فى جسمها كأنها رعشة كهربائية ، واذا هى تجفل خائفة ثم تأمن وتسكن حين تسمع صوتى وانا اقول لها : لاتراعي فانا اخوك محمد ماوقوفك ... وماقوفك فى هذه الساعة من الليل على هذا النحو من ذهاب النفس وكأنك التمثال ؟ ماذا تنتظرين من هذا الليل ... والسماء ؟ فردت وهى تهوى الى الارض كأنها البناء المتهدم ، وصوتها يمزق قلبى كلما ذكرته لا أنتظر شيئا ... لا أنتظر شيئا وأنهمرت دموعها وهي ترتعش ، فيهتز جسمها هزا وينهمر دمعها انهمارا ثم يحتبس صوتها وتضطرب اضطرابا عنيفا وترسل أنفاسا متقطعة ، فأجثوا إلى جانبها وأضمها الي أقبلها بين عينيها وأحاول ان أرد اليها الهدوء والأمن وسكون النفس ماوسعني ذلك حتى اذا مضى وقت غير طويل سكن جسمها بعد اضطراب وانطلقت انفاسها بعد احتباس أوت الى ذراعى كأنها الطفل يستسلم الى أم رؤوم ، فاطمأن رأسها الى كتفى وبقيت كذلك لحظة لن أنس عذوبتها ولاأرى الاأنها أحست بهذه العذوبة ..
رجع لها رشدها وثبتت اليها نفسها ، ولبثت على هذه الحال من السكينة والرشد وقتا غير قصير كأنما أعجبها المكان ومكانها منى ، وكأنما وجدت شيئا طالما كانت تتوق اليه فلا تجده ثم تحركت شفتيها وقالت بصوت خافت بعيد : لقد كنت أحس ان اكون بهذا المكان من أمي لامنك أنت أيها الشقيق الصغير ... وتقطع حديتها صورة أمى التى طهرت علينا فى هذا الليل العريض وهى تقول موجهة كلامها لي فى لهجة الامر والنهى والصرامة ..محمد... أتركها إنك لم تخلق لتدليل أختك وتمنحها مثل هذا العطف..
كل شيء هادئ ، مطمئن من حولنا .حتى أنفاس أختى التى كانت ثائرة منذ لحظات ..فقد أطمأنت وسكنت ، وأنتهت الى حال تشبه النوم ..وأنى لاخد نفسي بالهدوء مكرها اياها على الاطمئنان ، ملزم جسمى السكون فى هذا الوضع الذى هو عليه ،ليبقى ذلك الرأس البائس المحزون مستريحا الى هذه الكتف الصغيرة الحنون..وترفع أختى رأسها وتستوى فى جلستها وتطوق بيديها عنقى ثم تضمني اليها وتقبلني...ثم تقول ..اياك ..اياك أن تفعل ....اياك أن تفعل أو تخدع كما خدعت اوتدفعني الى مثل مادفعت اليه.... أنك أن تفعل سترى نفسك فى مثل ماترانى فيه الان من الجزع والهلع واليأس ،حتى من رحمة الله ومن القنوط حتى من روح الله الذى لايقنط منه الا الكافرون.
قلت : وماذا فعلت أذن ؟؟......وماهذا الشر الذى دُفعت اليه ؟ وماهذا اليأس الذى تغرقين فيه ؟ وماهذا الغم والهم الثقيلين الذين صُبا علينا صباّ ولم نكن ننتظرهما ولانتوقع لهما مقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـدما؟
قالت وهي تقبلنى : لست أدرى أ أحدثك بذلك أم أكتمك أيّاه ؟ إنى لأعتدى على سنك ان تحدثت اليك واني لأعرضك لمثل ماأنا فيه من الغم والهم واليأس أن كتمتك الحديث..
قلت أن صمتك لن يغنى الان شيئا فقد عرفت أن هما ثقيلا ألم بنا وأن حزنا شديدا يمزق قلبك وقلب أمّنا ، وأن يأسا مهلكا قد استأثر بنفسك استئثارا وماأنا بمقلع عن السؤال والبحث والتفكير حتى أعلم علم هذا كله . وانى لأحمق إن قبلت أن أنزع من ذلك العيش الناعم السعيد الذى كنت أستمتع به دون أن أعلم لما أنُزعُ منه نزعا ،فحدثينى اختاه حديثك فمن يدرى لعل فيه عظة لى وعزاء لك..
فى الصباح لم أجد أمى ولاأختى ... بحثت فى كل مكان قريب فلم أجد أحداً ... وماكان علي الاالعودة الى بيت رئيس الشرطة ... وقد كان ذلك علي يسيرا أما أمى وأختى فلم أجد لهما طريقا .... ولم ألتق بهما حتى هذه اللحظة ....منذ ذلك اليوم..
فيا أيها الليل ..يالك من ليل طويل مظلم عريض تضطرب فيه هذه الاضواء الضئيلة البعيدة التى تفنى ، ويبسط عليه هذا السكون المخيف ظلالا لاحّد لها ،ثم يندفع فيه من حين الى حين ضوئك أيها الكوكب العزيز وهو يخترق السحب المتناثرة فى الفضاء الشاسع كأنه سهم
مضىء ينطلق فى بحر من الظلمات .... وكأنني بقول شاعر النيل ((حافظ أبراهيم))
أهرمتنى ياليل فى شرخ الصبا كم فيك ساعات تشيبُ وتَهرم
لاأنت تقصر لي ولاأنا مقصـــــرُُ أتعبتني وتعبت هل من يحكــم
لله موقفنا وقد ناجيتنـــــــــــــي بعظيم مايخفى الفؤادُ ويكتـــم
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م