مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 19-12-2000, 03:53 AM
Top_X Top_X غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
المشاركات: 25
Lightbulb الخلافة ج-2

- طلب الخلافة
طلب الخلافة والتنازع عليها جائز لجميع المسلمين وليس هو من المكروهات، ولم يرد أي نص في النهي عن التنازع عليها. وقد ثبت أن المسلمين تنازعوا عليها في سقيفة بني ساعدة والرسول مسجَّى على فراشه لم يدفن بعد، كما ثبت أن أهل الشورى الستة وهم من كبار الصحابة رضوان الله عليهم تنازعوا عليها على مرأى ومسمع من جميع الصحابة فلم ينكروا عليهم، وأقروهم على هذا التنازع، مما يدل على إجماع الصحابة على جواز التنازع على الخلافة، وعلى جواز طلبها والسعي لها ومقارعة الرأي بالرأي والحجة بالحجة في سبيل الوصول إليها. وأما النهي عن طلب الإمارة الوارد في الأحاديث فهو نهي للضعفاء أمثال أبي ذر ممن لا يصلحون لها. أما الذين يصلحون للإمارة فإنه يجوز لهم أن يطلبوها، فقد طلبها عمرو بن العاص وولاّه الرسول. فالأحاديث الواردة مخصوصة بمن ليس أهلاً لها، سواء الإمارة أو الخلافة. أما من كان أهلاً لها فإن الرسول لم ينكر عليه طلبها وقد ولاها لمن طلبها. فلما كان الرسول ولّى الإمارة لمن طلبها ونهى عن طلب الإمارة فإنه يحمل النهي على أنه نهي عن طلب من ليس أهلاً لها، لا النهي مطلقاً.
- وحدة الخلافة
لا يجوز أن يكون في الدنيا إلاّ خليفة واحد، لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله أنه سمع رسول الله r يقول : «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» رواه مسلم ولما روى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله r أنه قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وروى مسلم عن عرفجة قال: سمعت رسول الله r يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» وروى مسلم أيضاً عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r ، قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا قال: فوا، ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» . وإذا عقدت الخلافة لخليفتين في بلدين في وقت واحد لم تنعقد لهما، لأنه لا يجوز أن يكون للمسلمين خليفتان. ولا يقال البيعة لأسبقهما، لأن المسألة إقامة خليفة وليست السبق على الخلافة، ولأنها حق المسلمين جميعاً وليست حقاً للخليفة، فلا بد أن يرجع الأمر للمسلمين مرة ثانية ليقيموا خليفة واحداً إذا أقاموا خليفتين. ولا يقال يقرع بينهما، لأن الخلافة عقد والقرعة لا تدخل في العقود. ولا يقال إن الرسول يقول : «فوا ببيعة الأول فالأول» لأن ذلك إذا بويع لخلفاء مع وجود خليفة فإنه لا تكون البيعة إلاّ للأول الذي انعقدت بيعته، ومن جاء بعده لا تنعقد له بيعة. والكلام هنا إذا عقدت الخلافة لخليفتين بأن بايع أكثر أهل الحل والعقد خليفتين في وقت واحد، وكانت بيعة كل منهما منعقدة شرعاً فإنه يلغى العقدان ولا بد من الرجوع للمسلمين، فإن عقدوا البيعة لأحدهما انعقدت تجديداً له لا تثبيتاً لحاله الأولى، وإن عقدوها لغيرهما انعقدت. فالأمر للمسلمين جميعاً لا لأشخاص يتسابقون عليها. وإذا بويع لخليفتين، فكان أكثر أهل الحل والعقد في شؤون الحكم والخلافة بجانب واحد، وهم الذين بايعوه، وكانت الأقلية مع الآخر كانت البيعة لمن بايعه أكثر أهل الحل والعقد في شؤون الحكم، سواء كان الأول بيعةً، أو الثاني، أو الثالث، لأنه هو المعتبر خليفة شرعاً ببيعة أكثرية أهل الحل والعقد له، ومن عداه يجب أن يبايعه من أجل وحدة الخلافة وإلا قاتله المسلمون، لأن الخلافة تنعقد ببيعة أكثر المسلمين. فإذا انعقدت لرجل من المسلمين صار خليفة وحرمت بيعة غيره ووجبت طاعته على الجميع.
- على أن واقع الحكم أن أكثر أهل الحل والعقد ممن بيدهم شؤون الحكم موجودون في العاصمة عادة، لأن هناك يجري تصريف شؤون الحكم العليا. فإذا بايع أهل العاصمة أي أهل الحل والعقد هناك خليفة، وبايع أهل إقليم أو أقاليم خليفة آخر، فإذا سبقت بيعة الذي في العاصمة كانت الخلافة له، لأن بيعة من في العاصمة قرينة دالة على أن أكثرية أهل الحل والعقد بجانبه، والبيعة في هذه الحال للأول. أما إذا بويع من في الأقاليم قبله فيجري حينئذ ترجيح من يكون بجانبه أهل الحل والعقد أكثر، لأن سبق أولئك في البيعة يضعف كون العاصمة قرينة على أن الأكثرية فيها. وعلى أي حال لا يجوز أن يبقى إلاّ خليفة واحد ولو أدى ذلك إلى محاربة من لم تنعقد له الخلافة.
- الاستخلاف أو العهد
لا تنعقد الخلافة بالاستخلاف، أي بالعهد، لأنه عقد بين المسلمين والخليفة. فيشترط في انعقادها بيعة من المسلمين وقبول من الشخص الذي بايعوه. والاستخلاف أو العهد لا يتأتى أن يحصل فيه ذلك، فلا تنعقد به خلافة. وعلى ذلك فاستخلاف خليفة لخليفة آخر يأتي بعده لا يحصل فيه عقد الخلافة لأنه لا يملك حق عقدها. ولأن الخلافة حق للمسلمين لا للخليفة، فالمسلمون يعقدونها لمن يشاءون. فاستخلاف الخليفة غيره أي عهده بالخلافة لغيره لا يصح، لأنه إعطاء لما لا يملك، وإعطاء ما لا يملك لا يجوز شرعاً. فإذا استخلف الخليفة خليفة آخر سواء أكان ابنه أو قريبه أو بعيداً عنه لا يجوز، ولا تنعقد الخلافة له مطلقاً لأنه لم يجر عقدها ممن يملك هذا العقد، فهي عقد فضولي لا يصح.
- وأما ما روي أن أبا بكر استخلف عمر، وأن عمر استخلف الستة، وأن الصحابة سكتوا ولم ينكروا ذلك فكان سكوتهم إجماعاً، فإن ذلك لا يدل على جواز الاستخلاف أي العهد. وذلك لأن أبا بكر لم يستخلف خليفة وإنما استشار المسلمين فيمن يكون خليفة لهم فرشح علياً وعمر. ثم إن المسلمين خلال ثلاثة أشهر في حياة أبي بكر اختاروا عمر بأكثريتهم، ثم بعد وفاة أبي بكر جاء الناس وبايعوا عمر، وحينئذ انعقدت الخلافة لعمر. أما قبل البيعة فلم يكن خليفة، ولم تنعقد الخلافة له لا بترشيح أبي بكر ولا باختيار المسلمين له، وإنما انعقدت حين بايعوه وقبل الخلافة. وأما عهد عمر للستة فهو ترشيح لهم من قبله بناء على طلب المسلمين، ثم حصل من عبد الرحمن بن عوف أن استشار المسلمين فيمن يكون منهم فاختار أكثرهم علياً إذا تقيد بما كان عليه أبو بكر وعمر، وإلا فعثمان. فلما رفض علي التقيد بما سار عليه أبو بكر وعمر بايع عبد الرحمن عثمان وبايعه الناس. فالخلافة انعقدت لعثمان ببيعة الناس له لا بترشيح عمر ولا باختيار الناس، ولو لم يبايعه الناس ويقبل هو لم تنعقد الخلافة. وعلى ذلك لا بد من بيعة المسلمين للخليفة، ولا يجوز أن تكون بالعهد أو الاستخلاف لأنها عقد ولاية وينطبق عليها ما ينطبق على العقود.
- طريقة نصب الخليفة
حين أوجب الشرع على الأمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة. فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على كتاب الله وسنة رسوله. أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول، ومن أمر الرسول لنا ببيعة الإمام. أما بيعة المسلمين للرسول فإنها ليست بيعة على النبوة وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل وليست بيعة على التصديق. فبويع r على اعتباره حاكماً لا على اعتباره نبياً ورسولاً. لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلاّ أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة. وقد وردت البيعة في القرآن والحديث قال تعالى :]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيَهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فيِ مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ[ وقال تعالى :]إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[. وروى البخاري قال: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد أخبرني أبي عن عبادة بن الصامت قال : «بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم» وروى البخاري قال: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب قال حدثني أبو عَقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبيr وذهبت به أمه زينب ابنة حُميد إلى رسول الله r فقالت يا رسول الله بايعه فقال النبي r : «هو صغير. فمسح رأسه ودعا له» وروى البخاري قال: حدثنا عبدانُ عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يُعط بها» . فهذه الأحاديث الثلاثة صريحة في أن البيعة طريقة نصب الخليفة. فحديث عبادة قد بايع الرسول على السمع والطاعة وهذا للحاكم، وحديث عبد الله بن هشام رفض بيعته لأنه غير بالغ مما يدل على أنها بيعة حكم، وحديث أبي هريرة صريح ببيعة الإمام، وجاءت كلمة إمام نكرة أي أيّ إمام. وهناك أحاديث أخرى تنص على بيعة الإمام. ففي مسلم من طريق عبد الله بن عمرو أن النبي r قال : «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» وفي مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله r: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r قال : «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول» . فالنصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقة نصب الخليفة هي البيعة. وقد فهم ذلك جميع الصحابة وساروا عليه. فأبو بكر بويع بيعة خاصة في السقيفة وبيعة عامة في المسجد ثم بايعه من لم يبايع في المسجد ممن يعتد ببيعته كعلي بن أبي طالب y ، وعمر بويع بيعة من المسلمين، وعثمان بويع بيعة من المسلمين، وعلي بويع بيعة من المسلمين. فالبيعة هي الطريقة الوحيدة لنصب خليفة للمسلمين.
- أما التفصيلات العملية لإجراء هذه البيعة، فإنها ظاهرة في نصب الخلفاء الأربعة الذين جاءوا عقب وفاة الرسول r مباشرة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وقد سكت عنها جميع الصحابة وأقروها مع أنها مما ينكر لو كانت مخالفة للشرع، لأنها تتعلق بأهم شيء يتوقف عليه كيان المسلمين، وبقاء الحكم بالإسلام. ومن تتبع ما يحصل في نصب هؤلاء الخلفاء نجد أن بعض المسلمين قد تناقشوا في سقيفة بني ساعدة وكان المرشحون سعداً وأبا عبيدة وعمر وأبا بكر ليس غير، وبنتيجة المناقشة بويع أبو بكر. ثم في اليوم الثاني دعي المسلمون إلى المسجد فبايعوه، وبهذه البيعة الأخيرة صار خليفة للمسلمين. وحين أحس أبو بكر بأن مرضه مرض موت دعا المسلمين يستشيرهم فيمن يكون خليفة للمسلمين. وكان الرأي في هذه الاستشارات يدور حول علي وعمر ليس غير، ومكث مدة ثلاثة أشهر في هذه الاستشارات. ولما أتمها وعرف أكثر رأي المسلمين أعلن لهم أن عمر هو الخليفة بعده، وعقب وفاته مباشرة حضر المسلمون إلى المسجد وبايعوا عمر بالخلافة، فصار بهذه البيعة خليفة للمسلمين وليس بالاستشارات ولا بإعلان أبي بكر. وحين طُعن عمر طلب منه المسلمون أن يستخلف فأبى، فألحوا عليه فجعلها في ستة، ثم بعد وفاته أناب المرشحون أحدهم وهو عبد الرحمن بن عوف فرجع لرأي المسلمين واستشارهم، ثم أعلن بيعة عثمان، فقام المسلمون فبايعوا عثمان فصار خليفة ببيعة المسلمين لا باستخلاف عمر ولا بإعلان عبد الرحمن ثم قتل عثمان، فبايع جمهرة المسلمين في المدينة والكوفة علي بن أبي طالب فصار خليفة ببيعة المسلمين.
- ومن ذلك يتبين أن التفصيلات العملية لإجراء البيعة للخلافة هي أن يتناقش المسلمون فيمن يصلح للخلافة، حتى إذا استقر الرأي على أشخاص، عُرضوا على المسلمين، فمن اختاروه منهم طلب منهم أن يبايعوه كما طلب من باقي المرشحين أن يبايعوه. ففي سقيفة بني ساعدة صار النقاش في سعد وأبي عبيدة وعمر وأبي بكر ثم بويع أبو بكر، فكانت بيعته بمثابة اختيار، ولكنها لم تلزم المسلمين، ثم جرت بيعته من عامة المسلمين.
- وأبو بكر تذاكر مع المسلمين في علي ثم أعلن اسم عمر ثم بويع، وعمر جعلها في ستة، وبعد الرجوع إلى المسلمين أعلن عبد الرحمن اسم عثمان، ثم بويع. وعلي بويع مباشرة فقد كان الوضع وضع فتنة، وكان معروفاً أنه لا يدانيه في الترشيح للخلافة عند المسلمين أحد حين قتل عثمان. وبذلك يكون أمر البيعة جارياً على أن يحصر المرشحون للخلافة بعد المناقشة فيمن يصلح لها، ثم يجري انتخاب خليفة منهم، ثم تؤخذ له البيعة على الناس. ولئن كان هذا واضحاً في استشارات أبي يكر فإنه يظهر أوضح في بيعة عثمان. روى البخاري عن الزهري أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن المِسْوَر بن مَخْرمَة أخبره أن الرهط الذين ولاّهم عمر اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن: " لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولّوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه. ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان. قال المسور: "طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائماً، فوا لله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له فشاروهما ثم دعاني فقال: ادع لي عليّاً فدعوته فناجاه حتى إبهارَّ الليَّل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئاً، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح. فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان فقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون ".
- فالمرشحون للخلافة حُصروا في الرهط الذين سماهم عمر بعد أن طلب إليه المسلمون ذلك، وعبد الرحمن بن عوف بعد أن أخرج نفسه من الترشيح للخلافة أخذ رأي المسلمين فيمن يكون خليفة، ثم أعلن اسم الذي يريده المسلمون بعد أن شاور الناس. وبعد إعلان اسم من يريده الناس كانت البيعة له، فصار خليفة بهذه البيعة. وعلى ذلك فالحكم الشرعي في نصب الخليفة هو أن يحصر المرشحون للخلافة من قبل من يمثلون رأي جمهرة المسلمين، ثم تعرض أسماؤهم على المسلمين ويطلب منهم أن يختاروا واحداً من هؤلاء المرشحين ليكون خليفة لهم، ثم ينظر من تكون جمهرة المسلمين أي أكثريتهم بجانبه، فتؤخذ له البيعة على المسلمين جميعاً، سواء من اختاره أو من لم يختره، لأن إجماع المسلمين إجماعاً سكوتياً على حصر عمر للمرشحين للخلافة في ستة أشخاص معينين، وإجماع المسلمين أيضاً على أخذ عبد الرحمن لرأي المسلمين جميعاً فيمن يكون خليفة عليهم، ثم إجماعهم على إجراء البيعة لمن أعلن عبد الرحمن اسمه بأنه هو الذي اختاره المسلمون خليفة لهم حين قال " إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان " كل ذلك صريح في الحكم الشرعي في نصب الخليفة.
- بقيت مسألتان، إحداهما من هم المسلمون الذين ينصبون الخليفة ؟ هل هم أهل الحل والعقد أم هم عدد معين من المسلمين ؟ أم هم جميع المسلمين ؟ والمسألة الثانية هي: هل الأعمال التي تجري في هذا العصر في الانتخابات كالاقتراع السري وصناديق الاقتراع وفرز الأصوات، هي ما يأمر به الإسلام أم لا ؟
- أما المسألة الأولى: فإن الشارع قد جعل السلطان للأمة وجعل نصب الخليفة للمسلمين عامة، ولم يجعله لفئة دون فئة، ولا لجماعة دون جماعة، فالبيعة فرض على المسلمين عامة «من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية» وهذا عام لكل مسلم. ولذلك ليس أهل الحل والعقد هم أصحاب الحق في نصب الخليفة دون باقي المسلمين. وكذلك ليس أصحاب الحق أشخاصاً معينين، وإنما هذا الحق لجميع المسلمين دون استثناء أحد، حتى الفجار والمنافقين ما داموا مسلمين بالغين، لأن النصوص جاءت عامة ولم يرد ما يخصصها سوى رفض بيعة الصغير الذي لم يبلغ، فتبقى عامة.
- إلا أنه ليس شرطاً أن يباشر جميع المسلمين هذا الحق، لأنه حق لهم، وهو وإن كان فرضاً عليهم، لأن البيعة فرض، ولكنه فرض على الكفاية وليس فرض عين، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين. إلا أنه يجب أن يمكّن جميع المسلمين من مباشرة حقهم في نصب الخليفة، بغض النظر عما إذا استعملوا هذا الحق أم لم يستعملوه، أي يجب أن يكون في قدرة كل مسلم التمكن من القيام بنصب الخليفة بتمكينه من ذلك تمكيناً تاماً. فالقضية هي تمكين المسلمين من القيام بما فرضه الله عليهم من نصب الخليفة قياماً يسقط عنهم هذا الفرض، وليست المسألة قيام جميع المسلمين بهذا الفرض بالفعل. لأن الفرض الذي فرضه الله هو أن يجري نصب الخليفة من المسلمين برضاهم، لا أن يجريه جميع المسلمين. ويتفرع على هذا أمران: أحدهما أن يتحقق رضا جميع المسلمين بنصبه، والثاني أن لا يتحقق رضا جميع المسلمين بهذا النصب مع تحقق التمكين لهم في كلا الأمرين.
- أما بالنسبة للأمر الأول فلا يشترط عدد معين فيمن يقومون بنصب الخليفة، بل أي عدد بايع الخليفة وتحقق في هذه البيعة رضا المسلمين بسكوتهم، أو بإقبالهم على طاعته بناء على بيعته، أو بأي شيء يدل على رضاهم، يكون الخليفة المنصوب خليفة للمسلمين جميعاً، ويكون هو الخليفة شرعاً ولو قام بنصبه خمسة أشخاص إذ يتحقق فيهم الجمع في إجراء نصب الخليفة، ويتحقق الرضا بالسكوت والمبادرة للطاعة، أو ما شاكل ذلك، على شرط أن يتم هذا بمنتهى الاختيار والتمكين من إبداء الرأي تمكيناً تاماً. أما إذا لم يتحقق رضا جميع المسلمين، فإنه لا يتم نصب الخليفة إلاّ إذا قام بنصبه جماعة يتحقق في نصبهم له رضا جمهرة المسلمين، أي أكثريتهم، مهما كان عدد هذه الجماعة. ومن هنا جاء قول بعض الفقهاء: يجري نصب الخليفة ببيعة أهل الحل والعقد له - إذ يعتبرون أهل الحل والعقد الجماعة التي يتحقق رضا المسلمين بما تقوم به من بيعة أي رجل حائز على شروط انعقاد الخلافة - وعلى ذلك فليس بيعة أهل الحل والعقد هي التي يجري فيها نصب الخليفة، وليس وجود بيعتهم شرطاً لجعل نصب الخليفة نصباً شرعياً، بل بيعة أهل الحل والعقد أمارة من الأمارات الدالة على تحقق رضا المسلمين بهذه البيعة، لأن أهل الحل والعقد كانوا يعتبرون الممثلين للمسلمين. وكل أمارة تدل على تحقق رضا المسلمين ببيعة خليفة يتم بها نصب الخليفة، ويكون نصبه بها نصباً شرعياً.
- وعلى ذلك فالحكم الشرعي هو أن يقوم بنصب الخليفة جمع يتحقق في نصبهم له رضا المسلمين بأي أمارة من أمارات التحقق، سواء أكان ذلك بكون المبايعين أكثر أهل الحل والعقد، أو بكونهم أكثر الممثلين للمسلمين، أو كان بسكوت المسلمين عن بيعتهم له، أو مسارعتهم بالطاعة بناء على هذه البيعة، أو بأي وسيلة من الوسائل، ما دام متوفراً لهم التمكين التام من إبداء رأيهم. وليس من الحكم الشرعي كونهم أهل الحل والعقد ولا كونهم أربعة أو أربعمائة أو أكثر أو أقل، أو كونهم أهل العاصمة أو أهل الأقاليم. بل الحكم الشرعي كون بيعتهم يتحقق فيها الرضا من قبل جمهرة المسلمين بأية أمارة من الأمارات، مع تمكينهم من إبداء رأيهم تمكيناً تاماً.
- والمراد بجميع المسلمين، المسلمون الذين يعيشون في البلاد الخاضعة للدولة الإسلامية، أي الذين كانوا رعايا للخليفة السابق إن كانت الخلافة قائمة، أو الذين يتم بهم قيام الدولة الإسلامية وتنعقد الخلافة بهم إن كانت الدولة الإسلامية غير قائمة من قبلهم، وقاموا هم بإيجادها واستئناف الحياة الإسلامية بواسطتها. أما غيرهم من المسلمين فلا تشترط بيعتهم ولا يشترط رضاهم. لأنهم إما أن يكونوا خارجين على سلطان الإسلام، أو يكونوا يعيشون في دار كفر ولا يتمكنون من الانضمام إلى دار الإسلام. وكلاهما لا حق له في بيعة الانعقاد، وإنما عليه بيعة الطاعة، لأن الخارجين على سلطان الإسلام حكمهم حكم البغاة. والذين في دار الكفر لا يتحقق بهم قيام سلطان الإسلام حتى يقيموه بالفعل، أو يدخلوا فيه. وعلى ذلك فالمسلمون الذين لهم حق بيعة الانعقاد، ويشترط تحقق رضاهم حتى يكون نصب الخليفة نصباً شرعياً، هم الذين يقوم بهم سلطان الإسلام بالفعل. ولا يقال هذا الكلام بحث عقلي، وليس هنالك دليل شرعي عليه. لا يقال ذلك لأنه بحث في مناط الحكم وليس في نفس الحكم، ولهذا لا يؤتى له بدليل شرعي وإنما هو ببيان حقيقته. فأكل الميتة حرام، هو الحكم الشرعي. وتحقيق ما هي الميتة هو مناط الحكم، أي الموضوع الذي يتعلق به الحكم. فقيام المسلمين بنصب الخليفة هو الحكم الشرعي، وأن يكون هذا النصب بالرضا والاختيار هو الحكم الشرعي أيضاً، وهذا هو الذي يؤتى له بالدليل. أما من هم المسلمون الذين يتم بهم النصب، وما هو الأمر الذي يتحقق فيه الرضا والاختيار، فذلك مناط الحكم أي الموضوع الذي جاء الحكم لمعالجته، وانطباق الحكم الشرعي عليه هو الذي يجعل الحكم الشرعي فيه متحققاً. وعليه يبحث هذا الشيء الذي جاء الحكم الشرعي له ببيان حقيقته.
- ولا يقال إن مناط الحكم هو علة الحكم فلا بد له من دليل شرعي، لا يقال ذلك لأن مناط الحكم غير علة الحكم، وهنالك فرق كبير بين العلة والمناط. فالعلة هي الباعث على الحكم أي هي الشيء الدال على مقصود الشارع من الحكم، وهذه لا بد لها من دليل شرعي عليها حتى يفهم أنها هي مقصود الشارع من الحكم، أما مناط الحكم فهو الموضوع الذي جاء به الحكم أي هو المسألة التي ينطبق عليها الحكم وليس دليله ولا علته. ومعنى كونه الشيء الذي نيط به الحكم هو أنه الشيء الذي عُلّق به الحكم أي أنه قد جيء بالحكم له أي لمعالجته لا أنه جيء بالحكم لأجله حتى يقال إنه علة الحكم. فمناط الحكم هو الناحية غير النقلية في الحكم الشرعي. وتحقيقه غير تحقيق العلة فإن تحقيق العلة يرجع إلى فهم النص الذي جاء معللاً وهذا فهم للنقليات وليس هو المناط، بل المناط هو ما سوى النقليات والمراد به الواقع الذي يطبق عليه الحكم الشرعي. فإذا قلت الخمر حرام فإن الحكم الشرعي هو حرمة الخمر. فتحقيق كون الشراب المعين خمراً أو ليس بخمر ليتأتى الحكم عليه بأنه حرام أو ليس بحرام هو تحقيق المناط، فلا بد من النظر في كون الشراب خمراً أو غير خمر حتى يقال عنه إنه حرام، وهذا النظر في حقيقة الخمر هو تحقيق المناط. وإذا قلت الماء الذي يجوز الوضوء منه هو الماء المطلق، فإن الحكم الشرعي هو كون الماء المطلق هو الذي يجوز منه الوضوء. فتحقيق كون الماء مطلقاً أو غير مطلق ليتأتى الحكم عليه بأنه يجوز الوضوء منه هو تحقيق المناط، فلا بد من النظر في كون الماء مطلقاً أو غير مطلق حتى يقال أنه يجوز الوضوء منه، وهذا النظر في حقيقة الماء هو تحقيق المناط. وإذا قلت إنّ المحدث يجب عليه الوضوء للصلاة، فتحقيق كون الشخص محدثاً أو ليس بمحدث هو تحقيق المناط وهكذا. وقد قال الشاطبي في الموافقات " فهذه المواضع وأشباهها مما يقتضي تعيين المناط لا بد فيها من أخذ الدليل على وفق الواقع بالنسبة إلى كل نازلة " وقال " قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع كما أنه لا يفتقر إلى معرفة علم العربية لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه وإنما يفتقر فيه إلى العلم بما لا يعرف ذلك الموضوع إلاّ به من حيث قصدت المعرفة به فلا بد أن يكون المجتهد عارفاً ومجتهداً من تلك الجهة التي ينظر فيها ليتنزل الحكم الشرعي على وفق ذلك المقتضى".
- فإن تحقيق العلة يرجع إلى فهم النص الذي جاء معللاً وهذا فهم النقليات وليس هو المناط بل المناط هو ما سوى النقليات والمراد به الواقع الذي يطبق عليه الحكم الشرعي، فإذا قلت الخمر حرام فتحقيق كون الشيء خمراً أو ليس بخمر هو تحقيق المناط. وإذا قلت الماء المطلق هو الذي يتوضأ منه كان تحقيق كون الماء مطلقاً أو غير مطلق هو تحقيق المناط، وإذا قيل إنّ المحدث يجب عليه الوضوء كان تحقيق كون الشخص محدثاً أو ليس بمحدث هو تحقيق المناط. فتحقيق المناط هو تحقيق الشيء الذي هو موضوع الحكم، ولذلك لا يشترط فيمن يحقق المناط أن يكون مجتهداً أو مسلماً بل يكفي أن يكون عالماً بالشيء. ومن هنا كان البحث فيمن هم المسلمون الذين تكون بيعتهم دالة على الرضا هو بحث في تحقيق المناط.
- هذا من ناحية المسألة الأولى. أما المسألة الثانية وهي ما يحصل في هذه الأيام من إجراء الانتخابات بالاقتراع السري، واتخاذ صناديق اقتراع، وفرز الأصوات وما شاكل ذلك، فإن هذا كله أساليب لأداء الاختيار بالرضى. ولذلك لا تدخل تحت الحكم الشرعي، ولا في مناط الحكم الشرعي الذي هو الموضوع الذي جاء الحكم لمعالجته لأنها ليست من أفعال العباد، ولا هي محل انطباق الحكم الشرعي عليها، وإنما هي وسائل لفعل العبد الذي جاء الحكم الشرعي له، أي الذي جاء خطاب الشارع متعلقاً به، ألا وهو نصب الخليفة بالرضا في حالة من التمكين التام من إبداء الرأي. وعليه ليست هذه الأساليب والوسائل مما يبحث فيه عن الأحكام الشرعية، وهي تدخل في الأشياء التي جاء النص عاماً بإباحتها، ولم يرد دليل خاص بحرمتها، فتبقى مباحة. فللمسلمين أن يختاروا هذه الأساليب، ولهم أن يختاروا غيرها. فأي أسلوب يؤدي إلى تمكين المسلمين من القيام بفرض نصب الخليفة بالرضا والاختيار، يجوز للمسلمين أن يستعملوه ما لم يرد دليل شرعي على تحريمه. ولا يقال إن هذا الأسلوب فعل العبد فلا يجري إلا وفق حكم شرعي فلا بد من دليل يدل على حكمه، لا يقال ذلك لأن فعل العبد الذي يجب أن يجري وفق الحكم الشرعي ولا بد من دليل يدل على حكمه إنما هو الفعل الذي يعتبر أصلاً أو يعتبر فرعاً لفعل لم يأت دليل عام لأصله وإنما جاء دليل أصله خاصاً. وذلك مثل الصلاة فإن دليلها خاص بالقيام بها ولا يشمل كل فعل من أفعالها. أما الفعل الذي هو فرع لفعل ورد دليل عام لأصله فإنه ينجر الدليل العام على جميع فروعه، ويحتاج تحريم الفعل الذي هو فرع إلى دليل يحرمه حتى يخرج عن حكم أصله ويأخذ حكماً جديداً، وهكذا جميع الأساليب.
- وفي مسألة الانتخابات هذه، الفعل الأصل هو نصب الخليفة بالرضا والاختيار. أما الأفعال التي تتفرع عن ذلك من مثل الاقتراع واتخاذ صناديق الاقتراع وفرز الأصوات وما شاكل ذلك فإنها تدخل تحت حكم الأصل ولا تحتاج إلى دليل آخر، وإخراجها عن حكم الأصل أي تحريمها هو الذي يحتاج إلى دليل. وهكذا جميع الأساليب التي هي أفعال العباد. أما الوسائل وهي الأدوات مثل الصندوق الذي توضع فيه الأوراق فإنها تأخذ الحكم الذي أخذته الأشياء لا الأفعال وتنطبق عليها قاعدة " الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم ". والفرق بين الطريقة والأسلوب هو أن الطريقة هي الفعل الذي يعتبر أصلاً من حيث هو، أو فرعاً لأصل لم يأت دليل عام لأصله بل كان دليله خاصاً به. أما الأسلوب فهو الفعل الذي يكون فرعاً لفعل قد جاء له ـ أي للأصل ـ دليل عام. ومن هنا كان لا بد أن تكون الطريقة مستندة إلى دليل شرعي لأنها حكم شرعي، ولذلك يجب أن تلتزم ولا يخير فيها المسلم ما لم يكن حكمها الإباحة، بخلاف الأسلوب فإنه لا يستند إلى دليل شرعي بل يجري عليه حكم أصله. ولذلك لا يجب التزام أسلوب معين ولو فعله الرسول r ، بل كل أسلوب للمسلم أن يفعله ما دام يؤدي إلى القيام بالعمل، فيصبح فرعاً له. ولذلك قيل إن الأسلوب يعينه نوع العمل.
- عزل الخليفة
ينعزل الخليفة إذا تغير حاله تغيراً يخرجه عن الخلافة. ويصبح الخليفة واجب العزل إذا تغيرت حالة تغيراً لا يخرجه عن الخلافة ولكن لا يجوز له شرعاً الاستمرار فيها. والفرق بين الحال التي تخرج الخليفة عن الخلافة، والحال التي يصبح فيها واجب العزل، هو أن الحالة الأولى وهي التي تخرجه عن الخلافة لا تجب فيها طاعته بمجرد حصول الحالة له، وأما الحالة الثانية وهي التي يصبح فيها واجب العزل فإن طاعته تظل واجبة حتى يتم عزله بالفعل. والذي يتغير به حاله فيخرجه عن الخلافة ثلاثة أمور هي:
- أحدها - إذا ارتد عن الإسلام وأصر على الارتداد.
- ثانيها - إذا جن جنوناً مطبقاً لا يصحو منه.
- ثالثها - أن يصير مأسوراً في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه وكان غير مأمول الفكاك من الأسر.
- ففي هذه الأحوال الثلاثة يخرج عن الخلافة وينعزل في الحال ولو لم يحكم بعزله، فلا تجب طاعته ولا تنفذ أوامره من قبل كل من ثبت لديه وجود واحد من هذه الصفات الثلاث في الخليفة. إلا أنه يجب إثبات أنه حصلت له هذه الأحوال، وأن يكون إثبات ذلك أمام محكمة المظالم فتحكم بأنه خرج عن الخلافة وتحكم بعزله حتى يعقد المسلمون الخلافة لغيره. أما الذي يتغير به حالة تغيراً لا يخرجه عن الخلافة، ولكنه لا يجوز له فيها الاستمرار في الخلافة فخمسة أمور هي :
- أحدها - أن تجرح عدالته بأن يصبح ظاهر الفسق.
- ثانيها - أن يتحول إلى أنثى أو خنثى مشكل.
- ثالثها - أن يجن جنوناً غير مطبق بأن يصحو أحياناً ويجن أحياناً. وفي هذه الحال لا يجوز أن يقام عليه وصي أو يوجد له وكيل لأن عقد الخلافة وقع على شخصه فلا يصح أن يقوم غيره مقامه.
- رابعها - العجز عن القيام بأعباء الخلافة لأي سبب من الأسباب، سواء أكان عن نقص أعضاء جسمه أم كان عن مرض عضال يمنعه عن القيام بالعمل ولا يرجى برؤه منه. فالعبرة بعجزه عن القيام بالعمل، وذلك أنه بعجزه عن القيام بالعمل الذي نصب له خليفة تعطلت أمور الدين ومصالح المسلمين. وهذا منكر تجب إزالته ولا يزول إلا بعزله حتى يتأتى إقامة خليفة غيره، فصار عزله في هذه الحال واجباً.
- خامسها - القهر الذي يجعله عاجزاً عن التصرف بمصالح المسلمين برأيه وفق الشرع. فإذا قهره قاهر إلى حد أصبح فيه عاجزاً عن رعاية مصالح المسلمين برأيه وحده حسب أحكام الشرع فإنه يعتبر عاجزاً حكماً عن القيام بأعباء الخلافة فيجب عزله. وهذا يتصور واقعه في حالتين :
- الحالة الأولى: أن يتسلط عليه فرد أو أفراد من حاشيته فيستبدون بتنفيذ الأمور ويقهرونه ويسيرون برأيهم بحيث يصبح عاجزاً عن مخالفتهم مجبوراً على السير برأيهم. ففي هذه الحال ينظر، فإن كان مأمول الخلاص من تسلطهم خلال مدة قصيرة يمهل هذه المدة القصيرة لإبعادهم والتخلص منهم، فإن فعل زال المانع وذهب العجز وإلا فقد وجب عزله.
- الحالة الثانية: أن يصير في حال يشبه فيها المأسور وذلك بوقوعه تحت تسلط عدو، وتحت نفوذه، يسيره كما يشاء ويفقده إرادته في تسيير مصالح المسلمين. ففي هذه الحال ينظر، فإن كان مأمول الفكاك من الوقوع تحت التسلط خلال مدة قصيرة يمهل هذه المدة القصيرة، فإن أمكن فكاكه وتمكن من الخلاص من تسلط العدو، زال المانع وذهب العجز، وإلا فقد وجب عزله.
- ففي هذه الأحوال الخمسة يجب عزل الخليفة عند حصول أية حالة منها. إلا أن حصولها يحتاج إلى إثبات أنها حصلت، وإثباته يكون أمام محكمة المظالم فتحكم بفسخ عقد الخلافة وعزل الخليفة، فيعزل ويعقد المسلمون الخلافة لغيره خلال ثلاثة أيام.
- نظام الخلافة نظام متميز
هذا البحث ـ بحث الخلافة ـ بحث سياسي، فهو بحث في أعلى منصب من مناصب الحكم، وبالطبع هو بحث في أفكار الحكم. ومن الخطأ الفاحش أن يجعل القارئ غير صدق هذه الأفكار ومطابقتها للواقع مقياساً له لقياس صحتها إن كان قارئها غير مسلم، وغير كتاب الله وسنة رسوله إن كان قارئها مسلماً. وذلك لأن الفكر لا يتخذ لمقياس صحته فكر آخر، إلا إذا كان فرعاً. وإنما يتخذ مقياسه مطابقته للواقع، أو مطابقته لأصله الذي ثبت لديه مطابقته للواقع. ولذلك فإننا ننذر القارئ بضرورة قراءة هذه الأفكار بدقة ووعي على الواقع الذي تعبر عنه، فإنه وهو يلمس أزمة الحكم في العالم الإسلامي [ الشرقيين الأدنى والأوسط وبعض أجزاء الشرق الأقصى ] ويلمس أزمة الحكم في كثير من أجزاء العالم، حريّ به أن يتعرف أفكار الحكم هذه، ليدرك إدراك تدبر أنه وقع على علاج أزمات الحكم في العالم، وعلى العلاج الصحيح الذي لا علاج سواه لحكم البشر ورعاية شؤونهم. لا شك أنه ـ أي القارئ ـ إذا تدبر هذه الأفكار، حاصراً مقياسه في موضوع انطباقها على الواقع، أو انطباق الدليل الشرعي عليها، فإنه سيوقن أنه وقع على العلاج الصادق لحكم الناس.
- والذي يخشى منه جعل الديمقراطية مقياساً لصحة هذه الأفكار، أو التأثر بمفاهيمها أثناء القراءة. لأن الديمقراطية شاعت في العالم حتى عم اسمها كمثل أعلى عند جميع الدول والشعوب والأمم، وتبنتها الدول الشرقية بعد تبني جميع الدول الغربية لها مع الاختلاف في مدلولها عندهم. وتأثر بها المسلمون في جملتهم، لا فرق بين من يعتقد أن الخلافة يقيمها المسلمون، ومن يعتقد أن الخليفة قد عينه الله ورسوله، فإنهم جميعاً يقربون آراءهم للناس باسم الديمقراطية، أو ببعض أفكارها. ومن أجل ذلك نكرر إنذار القارئ بأن لا يتخذ في قراءته لهذه الأفكار، أي أفكار غيرها مقياساً، ولا سيما اسم الديمقراطية أو أفكارها. فمثلاً سبق لبعض من بحثوا في الحكم أن شاهدوا أشكالاً من الحكم في البلاد التي يعرفونها، وقرأوا تاريخياً عن أشكال من الحكم. وبالفروض المنطقية كتبوا عن أشكال الحكم، فقالوا: أن الحكم إذا فوض إلى جميع الشعب أو إلى أكبر قسم منه فإنه يطلق على شكل هذا الحكم اسم (الديمقراطية) . وإذا حصر الحكم في يد عدد قليل فإنه يطلق على هذا الشكل من الحكم اسم (الاريستوقراطية) . أما إذا فوض الحكم إلى يد حاكم منفرد يستمد الآخرون كلهم سلطانهم منه فإنه يطلق على هذا الشكل من الحكم اسم (الملكية) . وهم يريدون بالحكم السلطان والتشريع. وعلى هذا الأساس بني تفرع جميع أشكال الحكم. وتفرع عن ذلك أنواع الدول وأنواع الاتحادات بين الدول كما تفرع عنه أنواع الحكومات والانتخابات وحق التصويت، إلى غير ذلك.
- فهذه الأفكار هي غير أفكار الحكم بالإسلام كلياً وجزئياً. والمغايرة بينهما كبيرة جداً، لأن نظام الحكم في الإسلام هو نظام خلافة، وهو طراز متميز كل التميز عن أي طراز حكم. فالشريعة التي تطبق في إيجاد الحكم، وفي رعاية شؤون الرعية، وفي العلاقات الخارجية، هي من عند الله تعالى. فليست هي من الشعب، ولا من عدد قليل منه، أو من أي فرد. ولكل فرد ممن يعتنقون الإسلام الحق في فهم هذه الشريعة الفهم الذي يصل إليه من معرفته اللغة العربية والنصوص الشرعية، وله مطلق الحق في حدود اللغة العربية والنصوص الشرعية أن يفهم ما يوصله إليه عقله، ويكون رأيه شريعة في حقه وحق كل من يقبل فهمه ويأخذه، وله أن يحكم به الناس إذا كان حاكماً أو قاضياً. إلا أنه إذا تبنى الخليفة ـ أي رئيس الدولة الإسلامية ـ أي رأي، كان الرأي الذي تبناه الخليفة هو وحده القانون، ووجب على جميع الرعية حينئذ ترك العمل بآرائهم لا ترك آرائهم. فيجب عليهم شرعاً أن يعملوا بالقانون أي بالرأي الذي تبناه الخليفة، وأن يخضعوا له وحده، ولكنهم لا يمنعون من تعليم آرائهم والدعوة إلى الإسلام بها. ويطلق للناس التفكير في الإسلام على الأساس الذي قام عليه وهو العقيدة الإسلامية، فلهم أن يفكروا في التشريع وغيره كما يشاءون، كما لهم أن يفكروا في غير ذلك، على أن يكون ذلك كله منبثقاً عن العقيدة من حيث التشريع، ومبنياً على العقيدة من حيث غير التشريع.
- هذا من الناحية التشريعية والفكرية. أما ناحية الحكم فهي غير التشريع، إذ أنها تعني السلطان لا نظام الحكم، لأن نظام الحكم من التشريع، فهو أحكام شرعية. والسلطان قد جعله الشرع للمسلمين جميعاً، أي للأمة، لكل فرد من أفراد الأمة، ذكراً كان أو أنثى. فكل مسلم يملك حق السلطان، ويملك مباشرة هذا الحق كلما اقتضت مباشرته. وبهذا السلطان الذي تملكه الأمة تقيم عليها رجلاً واحداً لينفذ شرع الله، فتبايعه على الكتاب والسنة بيعة رضا واختيار منه ومنها. ويكون من ذلك بينه وبين الأمة عقد خلافة لا عقد إجارة. لأنه عقد لتنفيذ الشرع، لا عقد لخدمتها ولمنفعتها، وإن كان تنفيذ الشرع هو لخدمتها ولمصلحتها لأنه رحمة لها وللعالمين. إلا أن الذي يجب أن يلاحظ في العمل، والذي يجري عليه عقد الخلافة هو تنفيذ الشرع لا منفعة الأمة، فإذا تعارضت منفعتها العاجلة مع الشرع كان الشرع وحده الواجب التنفيذ، ولذلك إذا طلبت ترك حكم شرعي أجبرها الخليفة عليه، وإذا تركت الشرع وجب عليه قتالها حتى ترجع، فهو قد نصب لتنفيذ الشرع ليس غير. وأيضاً فإنه لا حق للأمة بعزل الخليفة كما تشاء، وإنما لها حق عزله في حالات معينة، وينعزل من نفسه ويخرج عن الخلافة في حالات معينة، ويجب قتاله في حالة واحدة هي إذا طبق غير الإسلام. فأمره ليس بيد الأمة وإن كانت هي التي نصبته، وإنما أمره بيد الشرع.
- إلا أن السلطان الذي هو حق الأمة لا ينتهي بنصب الخليفة، بل يبقى السلطان لها دائماً، ويكون مظهره في حال وجود الخليفة بمحاسبته على أعماله في تطبيق الشرع، وفي رعاية شؤونها، بالأسلوب الذي تراه، في حدود أحكام الشرع. ويجب عليه أن يخضع لمحاسبتها، وأن يبين لها الحال التي تشكو منها وتحاسبه عليها. حتى لو شهرت السلاح عليه لا يحل له أن يقاتلها حتى يبين لها الشبة التي لديها، ووجه الحق الذي يراه.
- هذا هو الحكم في الإسلام، وعلى هذا الأساس يقوم نظام الحكم. وهو لا يتفرع عنه أنواع للدول، بل هو نفسه شكل واحد. فهو نظام وحدة، لا نظام اتحاد. ويوجب إعلان القتال فوراً لحفظ نظام الوحدة، والقضاء على نظام الاتحاد. ولا توجد فيه أنواع للحكومات، بل لا توجد فيه حكومات. فالدولة والحكومة فيه شيء واحد، هو الخليفة والمعاونون. أما ما يتفرع عن ذلك من طريقة نصب الخليفة، ومن ضرورة ضمان الرضا والاختيار لكل مسلم في انتخاب الخليفة وبيعته، والتمكين للأمة فرداً فرداً من هذا الرضا والاختيار، فذلك قد جاءت به أحكام شرعية خاصة فيه، وعامة في كل عقد من العقود، ومنها عقد الخلافة. وهو وإن تشابه مع النظام الديمقراطي من حيث حرية الانتخابات، وحرية التصويت، وحرية القول، ولكنه لا يصح أن يلاحظ هذا الشبه، لأن ذلك في النظام الديمقراطي ناتج عن الحريات، وهنا ناتج عن شروط عقد الخلافة، وشروط كل عقد من العقود. وهو ـ أي الرضا والاختيار ـ إذا لم يتحقق في عقد الخلافة بطل العقد، ولا يكون الخليفة حينئذ خليفة شرعاً.
- والفرق بين ضمان الحرية في الانتخابات وبين ضمان تحقق الرضا والاختيار في العقد هو أن الحرية حكم للناس، فإذا لم تتحقق لا تؤثر في صحة العقد، ولكن ضمان الرضا والاختيار هو حكم العقد، وليس حكم الناس. فإذا لم يتحقق فإن العقد يكون باطلاً ولا ينعقد. وهكذا جميع أفكار الإسلام هي مغايرة لأفكار الديمقراطية، وهي في نفس الوقت مغايرة للأرستقراطية والملكية، وبديهياً هي مغايرة للإمبراطورية. فإذا بحثت فيجب أن تبحث باعتبارها نظام حكم متميز عن أي نظام، وباعتبار انطباقها على واقع الحكم، ولكن لا أي حكم، بل على واقع حكم معين هو الحكم الذي يحكم به الإنسان حكماً واقعياً للبشر، على أعظم مستوى من القيم الرفيعة. أو باعتبار الأدلة الشرعية التي استنبطت منها هذه الأفكار في الحكم.
- على هذا الأساس نطلب إلى القارئ أن يقرأ هذا البحث السياسي باعتباره بحثاً في نظام حكم متميز عن غيره كل التميز، غير متخذ أي مقياس لصحة أفكاره سوى انطباقها على واقع أسمى نظام من أنظمة الحكم التي يحكم بها البشر، أو انطباقها على الأساس الذي انبثقت عنه وهو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

من منشورات حزب التحرير http://www.hizb-ut-tahrir.org/arabic...s/alkhlafh.pdf
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م