مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 25-11-2005, 10:25 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث !!!

1

كانت تجلس في ركن الحجرة مستندة بظهرها إلى الحائط ، مطرقة الرأس ..وحينما تسمع وقع خطاه أو تحس بظله ترفع وجهها الهزيل المعتصر وعينيها الكئيبتين . فيقف عند باب الحجرة مترددا مرتبكا.. فتدعوه بالدخول .. فتارة تدعوه بأبيها ، وتارة تدعوه بخالها ، وتارة تدعوه بعمها ..وهي لا تدري ولا تعي بأنه إبنها الوحيد الذي بقي لها من حطام هذه الدنيا..
ينظر إلي عينيها المتورمتين الحزينتين .. ويقول في نفسه ، ربّي إرحمها كما ربتني صغيرا..
كان يرى في عينيها الكئيبتين في كل مرة نفس الضوء الشاحب الذي يشبه ضوء شمعة يرتعش بحدة... يلتهب على غير توقع لوقت قصير ثم ينطفيء..فجعله نبراسا في حياته معها والتي يسعى لتكريسها في خدمتها في عمرها هذا وأمام ضغوط الحياة التي يعيشها هو وضغوط أشرارها وشريراتها الذين يحاولون زجها بمستشفى المجانين و الضغط عليه لفعل ذلك..
منذ زمن طويل توفي زوجها ، فعاشت معه دون بقية بناتها وإبنها الأصغر الذي كانت تفضل العيش معه نظرا للأسرة الكبيرة التي كان يعولها إبنها الأكبر وغياب إبنها الأصغر عن أسرته لعمله في مكان بعيد عن المدينة التي يسكنها...
كانت حياتها تنقلا بين هذا وذاك حتى وافت المنية إبنها الأصغر الذي رحل فجأة ...
كان رجلا طيبا لم يؤذ ذبابة في أي يوم من الأيام . و بنفس القدر كان عربيدا لم يترك موبقة من موبقات الدنيا يستطيع الوصول إليها إلا وإرتكبها.. رغم الوضوح الذي كان يحيط به...والذي يجعل الناظر إليه يرفع بصره ويطيل النظر في ملامح وجهه فيزداد حيرة ودهشة.
كان زاهدا أو مجنونا، وعلى شيء من الثراء.
كان ما يعرفه عنه الناس ليس قليلا ويسيرا إلى أبعد حد. فهو رجل لا يتواجد في بيته كثيرا لإرتباطه بعمل بعيد جدا عن المدينة التي يسكنها . و إذا ما حضر لبيته كان كثيرا ما يسافر بأسرته خارج البلاد...
لم يكن ثمة ما يميز تلك الأسرة عن بقية الأسر المتوسطة في المجتمع سوى كثرة السفر ، وخاصة في مناسبات الأعياد والعطلات الصيفية، ومرد ذلك أن زوجته كانت من خارج الوطن..
وتمر السنوات بسرعة..وتطير كأوراق أشجار الخريف الذابلة ... ولا ينتبه إلى مرورها أو يشعر بها..يموت بعض الناس.. أقارب ، جيران ، أصدقاء..فتلفضهم الدنيا في صمت.
وتدور الأيام بآخرين في دورة تقليدية ، فيتزوجون وينجبون ..يزداد البعض فقرا ويزداد البعض الآخر غنى..ويزداد البعض حكمة وعلما ويزداد البعض الآخر غفلة و جهلا .. وينتظر البعض الآخر أن تحل بهم رحمة الله..
ويكبر الأطفال ..ويصير الذكور شبابا..وتصير الإناث صبايا وينفخ الزمن في أجسادهن بشدة فيحيلها من أجساد نحيفة ذابلة إلى أجساد مكتنزة وأنوثة جذابة، فيضفي عليها سحرا أنثويا دافئا تهتز له القلوب وتشتعل لها..وتميل لها الرؤوس حيث تميل وتصاب النفوس برعدة كلما مر أحدها في زقاق الحي أو ميادينه...
نكس بعض أفراد الأسرة الكبيرة المتمثلة في أقارب الزوج رؤوسهم أزاء هذه الظاهرة التي أصابت العائلة الكبيرة... في البداية ثار جدل وحمي النقاش ، وسعى كثير من مدعي الوقار وفرسنة التقاليد لدى شقيقه حتى يضع حدا لهذه المهازل وهذا العار.. الأعياد خارج البلاد..وترك شقيقه للبيت في الأعياد والمناسبات الدينية التي عادة ما تجتمع فيها الأسرة وتتشارك في إحيائها مما رأوه خرقا لسنة حميدة يجب التشبث بها وعليه هو بإعتباره الأكبر أن يرد شقيقه عن هذا السلوك....
إشتهر الرجل بأنه مستقيم السيرة ، جاد الملامح إلى حد التجهم ، رغم أن شفتاه لا تفتر عن إبتسامة ... ولا تكاد تزول آثاره من العمل إلى البيت ، ومن البيت إلى العمل .. نمط عيش محدد وصارم.
كان أبا لعدة أطفال ذكورا وإناثا.. كان يحظى بإحترام الجميع . كبارا وصغارا ، نساء ورجالا ، شيبا وشبابا....
تواصل الجدل فترة طويلة في يوم عيد. ذلك العيد الذي صار يطبق على نفسه تحت وطأة الأحداث. يتوسد عذاباته ويغفو...ويحلم فيه ربما بطلّة شقيق آخر لا يموت قبله ويتبدد كالبخار في حركة دائرية مضطربة وقلب ترهقه الهموم... ومخاوف تحاصر كل فرح مهما كان صغيرا أو كبيرا...
لقد مات فجأة فإنقلب كل ما كان يحيط بأسرته من فرح وسعادة رأسا على عقب. ولم يبق لها سوى السراب.. ترملت زوجته وتيتم أطفاله. وكان يتمنى أن يصيروا تحت مظلته فيكون أبا لهم لم ترتبط به أمهم .. لكن العكس هو الذي كان..!
يهز رأسه ويلقي نظرة متفحصة على الوجوه الوديعة والشاحبة الواجمة الكالحة ويتوغل بين نفوس تلك الأجساد المستندة والمتكئة ويدير عيناه الكئيبتين متعجبا ، ويشعل لفافة تبغ فيأخذه الخيال إلى المقبرة التي دفنه فيها والقبور المحيطة .. وتشهد تلك القبور البيضاء أن الدموع إنهمرت من عينيه ما أراد لها أن تنهمر ، وفاض الحزن وضاق الصدر وصعب عليه هول الفاجعة ، فتنفس لوعة ثم سكن وعاد.. مخنوقا كالصقر المطوق أو الشاهين الذي تبرزت عليه حبارة بعد أن ضربها بناظريه...
ويتواصل الجدل دون أن ينبس ببنت شفة.. فما إن يهدأ حتى يهب مرة أخرى كالرياح المحملة بالغبار ، وينقسم الجمع بين مؤيد ومعارض ومستخف و متهكم.. وهو يستمع ..وأخيرا يحسم الموقف ويقول لهم ، عندما يعود إن شاء الله كلموه !!!!!!!!!!!!!!!

2

لا يجروء أحد أن يتحدث معه في حياته..فهي خاصته ومن حقه أن يعيشها كما يشاء... رغم الأعراف والعادات والتقاليد .. فلكل إنسان أسلوبه في الحياة ، ولكل أهدافه كذلك. ورغم ذلك كله تحدث معه ونصحه وأوضح له أن الأطفال يحتاجون لرعاية الأب. فليست الأم كل شيء في الحياة... فالأب كما يقولون هو عمود البيت.. وضرب له مثلا بأحداث قصة سيدنا إبراهيم مع إبنه إسماعيل حينما زاره في مكة...
أخذ من ذلك العبرة وبدأ يسعى حثيثا للإنتقال للعمل في المدينة التي يسكنها.. ولم يطل سعيه.. فبعد ما يربو من عقدين من الغربة والكد والجد عاد إلى مدينته حيث سكنه والبيت الذي كان قليلا ما يأويه.. ليعود إلى ميدان عمله فيغيب عنه وعن تلك الأسرة التي كانت تتولى شئونها إمرأة لا يميزها عن بنات جنسها عدا أنها إمرأة على إستعداد في كل وقت لإقناع الشياطين أنفسهم بصواب أفكارها وحسن تصرفاتها...فقد كانت إمرأة نحيفة غامقة الصفرة ، ذات عينين مدهوشتين وساقين رفيعتين ووجه باهت شاحب مربد، لم يكن أحد يبالي بها ، تتحرك متعجلة مرتبكة.. تتكلم بحدة وسرعة وتحسب نفسها لأمر لا يعلمه إلا الله أنها مركز الكون ، وهي المرأة الوحيدة الحريصة فيه.. وبذلك فهي لا تفتأ تذكر الناس بمناسبة وبدون مناسبة وأنها أطهر من الطهارة وأحرص من الحرص على الشرف والأمانة حتى بدون سبب أو مناسبة لهذه الأحاديث.. ولولاها ما كان من حسن الوضع الإجتماعي .. وهي التي تشرد أخوات أبويها يمنة ويسرة في ديار الغربة.....
كانت سنوات البؤس والعناء قد إمحت من ذاكرتها ، أيام كانت تقيم في غرفة واحدة مع أسرتها التي تعجز في كثير من الأحيان عن دفع إيجارها. إمحت من ذاكرتها وجبات الخبز والماء ، والخبر والزيت في أحسن الظروف، والنوم فيما يشبه الزنزانة صحبة بقية أفراد الأسرة ..في محيط من الطوب أو القصدير، حيث تقبر الآمال والآهات، ويدفن الأحياء والأموات.. ويطول الليل والنهار ويتمططا إلى ما لا نهاية .. محيطات القلق والخوف والصمت.. حيث الحرمان والضيق والإمتهان.. والإنقطاع عن الدرس يوم أن عجزت الأسرة عن توفير الحد الأدنى من الأدوات المدرسية... حيث دفع بها إلى بعض المصانع للعمل كامل اليوم بأجرة زهيدة تعود بعدها إلى البيت متعبة فتجد الأم والأب في إنتظار ما تبقى من الأجرة لينالوا شيئا من الطعام يخفف حدة جوع النهار وكابوس الليل... ففطرت على حب الدنيا ، وكان إختيارها في كل شيء ، الدنيا أولا و أخيرا..
لم تعرف الأسر الوديعة الطيبة الخيرة...
لم تعرف البيوت المزدهرة والحدائق المزهرة...
لم تعرف أحضان الرفاهية والدلال...
بل عرفت الحرمان والضيق وتولدت في نفسها رغبة عارمة في تغيير الحال والإنتقام من أيام التعاسة والعناء .. وترعرعت فيها عبر السنين..
فوراء كل علاقة منفعة. وإن لم تتحصل عليها رأتها وصمة عار في جبينها وجرى في عروقها العذاب مجرى الدم..
فهي تسأل عن كل شيء ، وتريد أن تعرف كل شيء عن كل شيء..وكل التفاصيل ، رغم أن القاعدة الطبيعية لبني البشر أن لكل إنسان مملكة أسرار لا يسمح لأحد أن يقتحمها...
قد تنسى كل شيء .. البؤس والعذاب والحرمان والضيق.. لكن عيناه يوم سقط ميتا فوق سريره لم تنساها يوما ما.. فقد قالت في حديث أنه كان ينظر إليها وهو ميت وكأنه يتهمها . بل قالت إنه قال قبل موته أن تركته كلها لإبنه الوحيد.. وهو لم يدفن بعد ولم يمض على وفاته الساعة الواحدة...
عرفت كيف تجيد التلاعب بالألفاظ وبالأفكار والعقول ومشاعر الآخرين في ذلك الوقت. وعرفت كيف تركب الصور والرقص عليها أيضا.. وكيف تجيد الإستعطاف وإستدرار الهمم. ولما إكتشفت أن اللعبة خطيرة جدا والتمادي في الحديث عن موته قد يجرها إلى مزالق غير محسوبة.. بل إلى التهلكة.. قامت بلعبة قذرة وحولت المحيطين بها إلى دمى خيوطها بين أصابعها كلعبة العرائس...إستدرت عطفهم ونواحهم وإلتصقت بالبعيدين من أهل زوجها والذين كانوا حديثها القذر في حياته وناصبت العداء لأقرب أقاربها و زوجها.
كانت تحدث نفسها والمقربين لها من أمثالها إنهم جبناء ، الفعل ليس من شيمهم ولا من شأنهم.. يتكلمون ولا يفعلون ، أنا التي أفعل ... أنا وحدي التي يمكنها أن تفعل. فهم مجرد دمى تتحرك بمشيئتي ، إنهم جبناء ولو عجنوا في بعضهم لما تشكل منهم رجلا واحدا..

3

عاد ويا ليته ما عاد وإستمرت به الحياة وإمتد به الزمن يطوقه إلى ما لا نهاية وإستمر بهن فاحشا مستديرا. فقد إستيقظ شبه مخدرا.. أو مغميا عليه .. ظل يتهجى محتويات البيت البشرية ومعالمها فلم يدرك شيئا مما يدور حوله ، لكن شعورا كان يقبض على قلبه، فتنبه إلى أن المكان كانت تعمه الفوضى... لكن سرعان ما يعود لحالة التخدير التي كان عليها، ثم يستفيق فتدور في رأسه هواجس كثيرة إحتلت كل تفكيره على نحو سافر وعار....
بدأ أول الهواجس يشاغبه معلنا عن نفسه .. سوء تربية ... عدم أصالة... خيانة .. مكيدة.. دسيسة.. مؤامرة .. ماذا ؟؟ ما هذا ؟؟ فالبيت الذي لم يكن يأويه إلا قليلا كان كأنه فندقا أو محطة عبور لمسافرين من الشرق والغرب .. و أسرته كانت فرجة لكل من هب ودب...
و بدأت المعاناة..
عليك بإعادة النظر في خط حياتك فالمسألة ليست بالحجم الذي تتوقع.. يقولون يا جبل ما يهزك ريح.. وما من شجر إلا وهزها الريح.. فلسفة منطقية .. فالجبل لا يستطيع الريح أن يحركه ، والشجرة يهزها ويسقط أوراقها وثمارها أيضا.. وقد يقتلعها من جذورها ... والفلاح الكيس هو من يعرف كيف يتعامل مع أشجاره وثمارها حتى لا تضرها الرياح ، فهو يعتني بأغصانها فيقوم بقص ما هو مضر وزائد في أوقات معينة حتى لا يحدث ضرر لشجرته ولا يتأثر ثمارها فيأتي ضعيفا أو غير جيد.. ألا تذكر كيف كنت وأنت شاب ؟... هل نسيت نفسك و نسيت ماضيك ؟ .. هون عليك وخذ الأمور بعقل وتؤددة...
من هناك ظل قلبه يتكئ على بقايا أمل وصبر مفتت.. فاللحظات الكسيحة صارت تلتف حول عنقه محاولة كتم أنفاسه وقلبه المنهك من شدة الصدمة...
شعر بالمناكدة والشماتة فيه. بدأ له أن أوصاله المفرقعة ستتفكك كلما نظر لهن.. تآمر ومعاناة لعينة على قلبه الخائر.. تسلل الهم إلى نفسه فإنسكب عليها بحرا وشعر بأنه في ساحة لمؤامرة دنيئة.
أي خبث تخبئه الأيام لهذا القلب الكسير ؟ كتم آهة حرّى أطلت في أعماقه.. تسلل بفكره وهن يستمتعن بتعذيبه.. بقتله ببطء شديد على مرآى من أي قبح لم تستطع الأيام العاهرة دفعه عنه.. إستسلم للعذاب ، للواقع المهين يعبث به كيف يشاء.. ذاب الصبر ... تفتت القلب.. وإنطلق الموت يعدو نحوه بساقين من برق...!!!!!!!!!!
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 25-11-2005, 10:27 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث !!!!!!

4

لم تجد الإستقبالات الحارة ولا التظاهر بالإستقامة ومحاولة إضفاء حرارة عند اللقاء وتقديرا وإحتراما كبيرين.. ومظاهر الضعف والتكسر ومظاهر المعاناة تأثيرا كبيرا عليه..
كان ينظر ويفكر ، يتأمل الأعماق وينظر إلى ما يخفي من أسرار .. وكان لها أدوات طيعة لبلوغ كل المآرب. كان لها عيون ترى بها ما في الصدور ، وآذان تسمع لها ما تبوح به ألسنة الآخرين وما لا تبوح.. كان لها كلاب أوفياء.. وحراس تستخدمهم عند مداهمة الخطر .. من التزييف إلى إختراق البوابات الحدودية بأشكال غير قانونية...
بدأ لها أن البعض صعب المراس.. فكيف الوصول إليهم ؟ ومن أين يجب البدأ ؟..
آه .. لماذا ألقيت بنفسي في هذا الجحيم، ؟ وماذا يريد ؟ .. عرف السر!؟ فك الطلسم !؟.. إنه ليس ضحية مرض.. هناك شيء ما حدث لا يعرفه أحد... وإن عرفه هو فليس له دليل يثبت به... رغم أنه شاعر يحس ويرى ما تراه عيون الآخرين.. ويتألم ، لكن لا يستطيع أن يبرهن على شيء من ذلك .. ولا أن يبحث عنه..فهو حضر بعد موته بساعات في المستشفى الذي نقلته له في أواخر تلك الليلة النكراء ... ولم يعلم بأنه مريض .. سوف يعجز عن إيجاد تفسير لظروف موته رغم يقينه أنه لم يكن موتا طبيعيا .. لم يهن عليه فقدانه بهذه السرعة والغموض.. فما بين تواجده معه وموته أقل من ست ساعات، تركه بعدها في صحة جيدة !!!!!!!! ولا يعاني من أي أعراض مرضية .........
ثم إن إتفاقي .. الصمت المتبادل ، أنا وأسرتي ، لا نرد على أي سؤال مهما تكرر.. تجاهل الآخرين وأسئلتهم هو النجاة.. الصمت هو الإتفاق .. فالصمت هو الخلاص ... والكلام يفجر السر من سطح الذاكرة والزلزال الذي يهز كل كيان..
شيطان رجيم لا إنسان ... لقد فقدت كل إحساس... شيطان أخرس.
يقول التقرير الطبي : ـ
هبوط في ضربات القلب .. سكتة قلبية....see seak report

والأطباء في بحوثهم الطبية يقولون : ـ
في العدد 5664 السنة الثالثة والعشرون الصادر بتاريخ 5/7/1999 وفي الصفحة التاسعة من صحيفة العرب يقول الدكتور ...
لو فكرت بالأمراض لازدحم رأسك بها لأنها كثيرة ومختلفة و متنوعة. لكن العلم بدأ يحسم المعارك معها أولا بأول وهي تتساقط مثل سقوط أوراق الخريف ، غير أن هذا العصر المزدحم بخضم حياة مليئة بالمتاعب ، عصر لا مكان فيه للإنسان الخامل ، فلا بد من السعي حتى نحقق ما نريد، ولهذا لا بد من المحافظة على رصيدك الصحي بجانب رصيدك المالي أيضا..
ومن خلال السنين الماضية دأب علماء الطب على دراسة حالات أمراض القلب ، ما هي أسبابها ، و كيفية الوقاية منها وكيف تعالج؟ و بأي علاج تعالج، و ما هو أحسن علاج لكل حالة من حالات القلب. فوجدوا بعضا منها يعالج جراحيا وبعض منها بعقاقير وبعض منه بحمية غذائية وبعض آخر بالرياضة البدنية والتي دائما هي المقام الأول والأخير . فعندما يتناول مريض القلب العلاج بمنزله الخاص فلا بد من الحيطة ولا بد من إجراءات يجب أن تتخذها كل أسرة إذا وجد بينها فرد مريض بمرض القلب.
كذلك هناك أيضا مسئولية المجتمع أزاء عملية تأهيل المصابين بأمراض القلب فهي مسئولية كبيرة حقا، هذا كما أن البحوث الطبية العالمية أكدت أن ملايين الأشخاص في العالم يصابون بنوبات قلبية كل عام.
إن هذا المرض يصيب أكثر ما يصيب الذكور ، فمن هم في سن الأربعين من العمر أو أكبر من ذلك أي عندما تكون أسرهم ومجتمعاتهم في أمس الحاجة إلى أنتاجهم لأن سن الأربعين هي سن العطاء الفعلي في كل شيء ، كذلك يصاب الأطفال لعدة أسباب ، ولكن قليل ما تصاب المرأة الشبة بنوبة قلبية ، والسبب في ندرة إصابتهن هو الهرمون الأنثوي ، فهو يحميهن من هذا المرض .
وبعد سن اليأس المقررة للمرأة ما بين سن 45 و 55 سنة تأخذ النساء في فقد هذه الميزة تدريجيا وقد خطى الطب خطوات جبارة في طريق معالجة هذا الداء الخطير (( النوبة القلبية )) وخاصة في ميدان البحوث الطبية في أمراض القلب للإقلال من خسائر البشر جراء هذا الداء . كذلك الإقلال من الخسائر الإجتماعية .
ولقد إتضحت الرؤية الطبية بعد العديد من البحوث من أن 90 % من الأشخاص المصابين بنوبات قلبية يستطيعون أن يعودوا إلى أعمالهم السابقة وممارسة حياتهم الطبيعية ، وأن 30 % منهم تبدأ كريقهم إلى الشفاء من المستشفى . فالمصاب بنوبة قلبية يمكث خلال المراحل الأولى من نقله إلى المستشفى في راحة جسدية وعاطفية تامة و يمنع من بذل أي جهد حتى تتماثل عضلة القلب المصابة بالشفاء ويعود المريض إلى عمله بعد أن يأخذ العلاج والراحة والنصائح الصحية. وفي بعض الأحيان يبقى المريض فترة بسيطة تحت العلاج ثم يسمح له بمغادرة المستشفى إلى منزله كي تتم فيه عملية الشفاء. وفترة النقاهة في المنزل عادة حوالي شهرين . وهكذا نستطيع أن ندرك أهمية بيئة الأسرة للمريض بوصفها عامل مؤثر على شفاء المريض . وهنا يضع الطبيب المعالج برنامجا يجب أن يراعيه المريض في المنزل و تراعيه الأسرة أيضا وكذلك يجب الإنتباه وعدم الإفراط في أكل المريض حتى لا تظهر السمنة لأنها عامل مساعد لحدوث النوبة القلبية ، ايضا عدم التدخين قطعيا. كما يجب أن يكون هناك توازن بين راحة المريض ونشاطه ومواجهة الحياة مواجهة هادئة لا إنفعال فيها.
أما أسرة المريض فواجبها المحافظة على جو مرح داخل نطاق أفرادها وذلك من خلال تصرفاتهم و أحاديثهم . فهناك تصرفات مهمة تجاه المريض بالبيت ، كذلك يجب على أسرة المريض بالبيت أن لا تفرض سيطرتها على المريض وتضيق صدره بكثرة التوجيهات . هذا كما أن معظم النوبات القلبية تكون مصحوبة بألم حاد وصدمة وخوف من الموت وشعور بالعجز.
وبهذا نجد أن المريض وحتى بعد شفائه يعاني حالة من الإنقباض والقلق النفسي مدة من الزمن ، وهنا يبرز دور الأسرة وأفرادها في غرس الثقة في نفسه ، ويجب عليهم أن يساعدوه على إستردادها بأي طريقة.....
كما أن قلة التعاون من قبل أفراد الأسرة مع المريض يعرضه لأخطار جمة ......
كانت الصدمة قوية لا يتحملها من فطر على الهدوء والعطف . البركان يغلي بما يمكنه من نار تلتهب في داخله وتتأجج دون أن تصل إلى فوهة البركان . إنها تضج بصوت مكتوم ورعد مكبوت تقصف الجوف ولا تعلو إلى الفضاء. تقطع الأوصال . وحرارة اللهيب تدرك الجو ، لكن لا يرى لها أثر ، ورغم ذلك فإن النار تفور بجوفه وتدور على نفسها في حركة لولبية متكررة تهدد كل حين بالتصاعد والإنفجار، بل من إنفجار البركان إذا إنفتحت فوهته، وإذا نطقت الألسن وزحفت النيران. يومئذ تتحرك معاول الهدم وتأتي على كل شيء. فيعم الهول أجواء المكان والزمان وتنتفي حدود الزمان والمكان. فلا الصور تنجلي ولا الساعات. ويزحف السائل الأحمر على الكائنات وترتفع الأصوات من هول الكارثة فتسقط رؤوس كانت متعالية متجبرة وتسيل دماء كانت في مأمن من كل غائلة و تنقلب أوضاع وتتغير أشياء و أشياء ... وتحل اللوعة مكان الطمأنينة في القلوب الخائنة...
فهل ستبقي في مأمن من ألسنة اللهب حين تحل ...؟ ؟!!

5

ماذا جنيت حتى تصيبني هذه اللعنة ؟ ...
لست ادري كيف دفعت إلى هذا الأمر ؟ ولا كيف فكرت فيه ؟ فلماذا تشاحنت معه وناصرتهن عليه وهو يعاني من المرض وحالته حسب تقارير الأطباء سيئة جدا ، و أنا أعلم جيدا من الطبيب بأن حياته رهينة في بذل جهد أو لحظة إنفعال... شيطان رجيم دخلني وظل يدفعني حتى فعلت ما فعلت.. و إلا كيف يعقل أن أقدم على ذلك وأنا أعرف حق المعرفة أن حياته متوقفة على مخالفته.. فأنا عشيرته منذ ما يزيد عن العقدين وأعرف جيدا نقاط ضعفه ونقاط قوته ، وأعرف أنه صار ينفعل لأبسط وأتفه الأشياء والأسباب من شدة ما يعانيه بعد إستقراره في المدينة وحالة الأسرة التي وجدها فيها ، حيث أضحى لا يعجبه شيئا ...
كنت أوهم نفسي أنها مجرد حالة وفاة طبيعية إثر نوبة قلبية كما ذكر تقرير الطبيب ولم أدرك هول الكارثة لمّا كان صوته يزمجر وهو يؤنب بناته لذهابهن للسهر خارج البيت رغم تنبيهه عليهن بعدم فعل ذلك ، وكنت أدافع عنهن وأعارضه غير داركة مرة أخرى وساعة إذن هول الكارثة من إنفعاله ومن سماع الجيران للمعركة الكلامية و الملاسنة التي حصلت في تلك الساعة المتأخرة من الليل لكل ما حدث من صياح وضرب وبكاء وتهديد ووعيد ومعارضة ودفاع... و لم أكن أدرك أن الليل له آذان كذلك ..
كان قلبه يقطر عتابا ولوما وألما..
أشعر في قرارة نفسي أنني الجاني الحقيقي و أن من دفعني إلى التجني مجرد من كل عاطفة ، حيث صرت قلقة منه بعد إنتقاله للعمل بالمدينة حيث السكن.. كانت تغريني حريتي المطلقة فتعاميت عن كل شيء. حز في نفسي أن تصبح حريتي مقيدة و أن أراه يضرب بناتي ويقيد حريتهن فإستبدت بقلبي عاطفة الأمومة فإخترت ، وبئس ما إخترت . لقد مسك بيد إبنته الكبرى وعينيه تحدقان بها وبي وكأنه يقول فعلتماها يا بنات....
بقيت عينينه تلاحقني في كل ليلة، وتتضخما وتجحظا وتتعددا حتى تصير تحيط بي من كل جانب ، وتتراقص في كل فضاءات البيت وتتوعد وتتسلل إلى جسمي وتمتزج به فأشعر بقشعريرة شديدة وإرتعاش كبير في كل جسمي من أخمص قدمي إلى رأس رأسي... وتنكشف العيون ويتشكل منها جسمه بل تتزايد صور جسده مثل تلك العيون، نعم لحما ودما ، فيزداد إضطرابي وأفقد صوابي..وأصيح في نفسي رفقا بأعصابي يا....



6

ويختفي الجسم ويظهر شقيقه محاطا بالعيون المتراقصة وتشكل حوله هالة من الدوائر الصامتة وتنطلق من عينيه تندس داخل جسدي كالسهام فأفر... لكن أين المفر ؟ إنها تغمرني في كل فضاءات البيت وتسد علي الطريق ....
هذا ما كتب علي .. العيش في لجة من الأجساد والعيون والسهام... إنه يناديني ، يدعوني إليه ، يلومني ، يؤنبني.. لكن دون جدوى.
يوم وفاته كان يوما عصيبا علي.. لقد ثقلت وطأته على نفسي . لم أكن أتوقع أن يموت بهذه السهولة. أحس بالمهانة والإحتقار وإرتكاب الذنب. صار ينبذني ، لا لأنه شك فيّ..ولكن لأنه عرف الحقيقة ، الحقيقة كاملة كما هي ... فصارت صورته تطاردني ليل نهار..إنه يكرهني ، إنه يخطط لتشريدي ، لإغتيالي ، لقتلي ، لقتل بناتي.. لكن ما ذنبي أنا.
أنا لم أقتله ، لقد مات بسبب عصيان بناته له. وبسبب سقوطهن في بحور مختلفة نسين فيها كل شيء. نسين الأبوة والأمومة والبنوة والأسرة والقبيلة ...نسين أنفسهن.. خاصة وأنا ووالدهن كنا حاضرين غائبين. فالأب يعمل خارج المدينة ولا يحضر لها إلا مرة في الشهر لقضاء عطلة لا تتجاوز الأسبوع في كثير من الأحيان. وإذا تجاوزتها كان السفر واللهو..
أنا كنت الحاضرة الغائبة الحقيقية ، يسيطر على تفكيري فكرة واحدة .. الثراء..الثراء.. الثراء..لا يهمني كيف يأتي ولا من أين يأتي.. حتى غرست هذه الفكرة في بناتي الثلاثة..كنا نسمسر في أي شيء حتى الهدية ... ودفعته هو كذلك إليها دفعا حتى دفع الثمن..بل دفعنا الثمن جميعا ففقدناه، وتركنا لأفكارنا وتصرفاتنا الرعناء وصار كل منا يهدد الآخر.. فأنا أهدد بتقييد الحرية من خلال شقيقه وهن يهددن بكشف السر....
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 25-11-2005, 10:28 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث !!!!!!!!!

7

كان ذلك في ليلة صيف مقمرة على شاطيء من شواطيء البحر الأبيض المتوسط...حينما وجدت زائرا يقتحم حياتي بدون إستئذان في الماء الذي كنت أسبح فيه ، في تلك الليلة المقمرة..
إنه قريب لي ، كان يعيش بيني وبين أخواتي كشقيق وحيد. وكانت طلباته كيفما كانت ملبية ومن جميع أفراد الأسرة... في تلك الليلة صار يطاردني بجسمه في مياه البحر ، على سطحه وعمقه.. ولم أستطع المقاومة فإنسكب علي كروال مطر يسيل على جدران بيت من زجاج ، و حينها وصلت إبنتاي ليشهدا ما شهدا.. و يا ليتني غرقت في ذلك الماء ولم أخرج منه حية..
لم أكن في سن النزوات والمخاطرات ، لكني لم أستطع أن أقوم وأفلت من بين ذراعيه..
عدت إلى حيث إقامة الأسرة وبكيت بكاءا مرا في الحمام حيث لا يراني أحدا ، وإعتزمت ألا أعود إلى هذا المكان مرة أخرى ...
لكن بعد أيام قليلة وجدت نفسي في نفس الموقف ودون مقاومة .. وكانت بناتي وراء هذا الحدث و كأنها مؤامرة أحيكت ضدي..
ولم تمر أيام حتى عادت الأسرة إلى البيت ، ولما أتاني ذلك الزائر طردته وإختلقت له مشكلة معه فإختلف وإياه فطرده ونهره وإشتد الخلاف بينهما لدرجة القطيعة....
ومن أجل حرصي على مستقبلي ومستقبل أطفالي صرت ألبي لهن كل شيء..فقد صارت تلك الصور والبحر وأنا وهو والأطفال والقارب المحطم تطاردني أينما حللت .. لم أعد أستطيع أن أرفض أي طلب لهن حتى وإن كان فيه ما يشين في المحيط الذي أعيش بينه. بل كنت أسدي لهن كيف يقنعن الآخرين بأن ذلك تحضرا وتتطورا ونوعا من الثقافة .. حتى لا يقعن مثل ما وقعت فيه رغم أنهن لا يشعرنني بشيء مما رأين إلا بنظرات تشعرني أن وراءها تهديد ووعيد إن لم ألبي الطلب..
صرت أمدهن بنصائح الغش والتمويه وهن اللاتي لم تتجاوز كبراهن الرابعة عشر من عمرها...
لم تمر أسابيعا ثلاثة على وفاته ، وكان البيت الذي أسكنه يعج بالأهل والأقارب والمعارف.. يقدمون العزاء والمواساة والمؤانسة حتى لا نشعر بفراغ فقدانه. بعدها لم يبق سوى أمه. .. أما شقيقه فكان يزورنا كل نهاية أسبوع حيث يتفقد أحوال الأسرة وإحتياجاتها.
رغم كراهيتي الشديدة له ، فهو رجل تقاليد وثقافة رأيتها قديمة لم تعد تتماشى مع العصر عصر الحريات..ولكن لحاجتي له لم أحاول إظهارها رغم إستفزازات بناتي وولدي له كلما يحضر لدينا علنا نبعث فيه شعورا ليوقف زيارته عنا.. فبناتي كن يتغيبن عن الحضور له لما يدخل البيت ولا يراهن ، وإن سأل أخلق له من المبررات والأعذار المقبولة لديه ، كأن أقول له إنهن يراجعن واجباتهن المدرسية أو يرتبن أمور الدور العلوي للبيت حيث لم يسعفنا النهار لزيارة طارئة من أحد الأقارب... فكان يهز رأسه ويرفع جبينه قليلا لينظر في عيني ثم يطأطئ رأسه وندخل في أحاديث أخرى...
لقد بدأت أضيق ذرعا من أمه ومن زياراته. وزاد ذلك من بناتي حيث كانت تلك العجوز تسأل عن كل طارق بنهار أو بليل أو حتى متكلم في الهاتف... فلم أجد حيلة للتخلص منها ... فالبيت بيتها وأنا لا أملك فيه شيئا... لكن كنت أشعر بأنها تقيد حريتنا...
كانت تستيقظ في الصباح الباكر ، وكنت أنا وبناتي لا نستطيع ذلك حيث كما نتسامر بعد أن تنام لساعات متأخرة من الليل نقضيها ما بين برامج التلفزيون والحديث عن شئوننا الخاصة..
وعن المستقبل والثراء والسعادة ...
وجاء اليوم الذي قررت فيه طردها من البيت وكان يوما شتويا عبوسا قمطريرا ، حيث الفصل شتاء والبرد قارس. طلبت مني الإفطار الصباحي فمددت لها عجينا من التمر كنت أحتفظ به في الثلاجة ، وما إن لمسته حتى ردته علي بحجة أنه بارد جدا وهي بحاجة إلى شيء دافيء تدفيء بها جسمها ... وكان ما كان ، حيث قلت لها لديك بناتك وإبنك فليمدوك بذلك...فأنا ليس عندي غير هذا ...
فخرجت ولم تعد منذ ذلك اليوم ولم أر وجهها إلا يوم وفاة إبني بعد عامين من وفاة أبيه وهي لم تعد تعرف أحدا...
لم أعلم أن إبنها الأكبر قد علم بذلك من الذين كنت أعتبرهم صناديق أسراري ومشدي أزري عند الشدائد و ضده..إلا أنه لم يحسسني بشيء من ذلك. فقد كانت زياراته مستمرة و بإنتظام و دقة ، سواء من حيث اليوم أو التوقيت حتى صرت أتوقع زيارته وأضبط عليها ساعتي.. حيث يحظر هو وزوجته فقط ، لأنه قليلا جدا ما يحظر إحدى بناته ، فيقضيا ساعات طويلة يتفقد فيها شئوننا والذي كنت دائما أصده بأنني لست محتاجة لشيء.. كان قلبي يقول إن حاجتي الوحيدة هي أن أفهمك أيها الصخرة الصماء ، أن أعرف نقاط ضعفك لأحولك إلى خاتم بين أصابعي....لكن كنت عاجزة تماما..عن فهمه رغم المواقف الكثيرة التي كنت أحاول حبكها مع بناتي لإستفزازه علني أدخل معه في خلاف وإشكالية تقطع عنا زياراته ، لكن كنت دائما حليفة بالفشل.
حتى في عيد الإضحى لما أخذنا معه لبيته الكبير حاولت إحدى بناتي من خلال شقيقها خلق مشكلة معه إلا أنه كان أكثر ذكاء ودهاءا.. فرغم سب إبني له وضربه وتمزيق ثيابه إلا أنه كان غير منفعل ولا مهتم لذلك... بل كان يعامله بمنتهى الهدوء والرحمة وإبتسامة عريضة كانت ترتسم على شفتيه تذكرني بإبتسامة شقيقه حينما يكون في حالة إنبساط...
وما كان مني إلا أن طلبت منه أن يعيدنا للبيت بحجة أنه عيد وقد يأتي أحد لزيارتنا بهذه المناسبة. ورغم شعوري بعدم الرضاء الذي إرتسم على وجهه إلا أنه إستجاب لي فور الإنتهاء من مراسم الأضحية .. فلم نقض حتى الساعات الثلاثة ببيته.. كل ذلك لأن بناتي وأنا نرغب في حريتنا ولا نرغب في الإستمرار في محيط الأسرة التي نشعر أنها تقيد حريتنا...


8

مرض أملي الوحيد، وقرر الأطباء أنه مرض عضال .. فسافرنا لعلاجه خارج البلاد.. وزادت معاناته وإشتدت أكثر مما كانت عليه. كان دائما يساعده في كل رحلة ويقدم له مظروفا مغلقا به مبلغا من المال أو توصية لأحد أصدقائه إكتشفت بعدها أنها توصيات للمساعدة إذا ما إحتاج لمصاريف تفوق ما عنده من مال ، فالمسألة ليست بسيطة وهذا إبن شقيقه ولا بد أن يقف بجانبه في هذه المحنة.. وهو الذي لا مثيل لشهامته ومروءته ..بعد زمن قال الأطباء إن صحة الطفل صارت جيدة ولن يحتاج إلا للرعاية والمحافظة حيث أن مناعته الطبيعية ضعيفة جدا..وكانت الفرحة ... لكن لم تدم طويلا حيث إنتكس الوليد مرة أخرى بعد أشهر .. فعدنا إلى ما كنا عليه ، كان الوحيد الذي غضب غضبا شديدا وصرح بأننا لا نستحق الأبوة والأمومة.. ولولا أنها قدرة الله... لقلت كلاما قد يخرجني عن الملة... عدنا للمعاناة والعلاج من جديد... ولم يدم العلاج طويلا حتى شفي الطفل ، لكن مات أبوه...
كان الفصل شتاءا والبرد قارسا . وليس لدي سيطرة عليه خاصة بعد غياب أبوه إلى الأبد وغرسي كراهية شديدة في نفسه لعمه، حيث لم يكن له أي تقدير أو إحترام ، بل كان يتعامل معه وكأنه لا يعرفه.. وهذا ما كنت أبثه في نفوس كل أفراد أسرتي...
كان كثيرا ما يخرج للعب مع أقرانه في الشارع ، وكان هو يمتعض عند زيارته لنا في نهاية كل أسبوع لما يجده خارج البيت.. كان يمتعض كثيرا وتبدو على وجهه واضحة علامات الإستياء والإمتعاض. لكنه كان لا يتكلم إلا بنصيحة أو ترشيد ومشاعر يحسها المتلقي جياشة ، لكني لم أكن أثق به..
ليتني لم أخسره. فلقد ناصبته العداء من أول لحظة .. وجاراني رغم ذلك ولم يحاول أن يجعلني ندا له وهو ما قهرني حتى إستبديت به... فقاطعني إلى غير رجعة... لم يدم فرحي كثيرا بحريتي بعد وفاته . فلقد إنتكس ولدي مرة أخرى وما كان منه إلا أن سافر به إلى نفس البلاد ونفس الطبيب حيث أنه أقرب الناس إليه..وإكتشف أن الولد عاد له نفس المرض العضال..فقرر إستمرار علاجه كما لو أن أبوه لم يمت. و كان له ما كان ... وإستخرج لي فتوة للسفر أثناء العدة لأكون بجوار ولدي أثناء علاجه ، لكنه لم يكن وحده بل جعل لنفسه رفيقا من الأسرة بإستمرار وهو صاحب رؤية و مروءة و شدة و بأس....وكأنه جعله ليكون شاهدا علي وعلى عالمي ..
كنت أرغب أن يكون وحده حتى أستطيع أن أقضي معه الوقت الطويل علني أستطيع إكتشاف الغموض الذي يحيط به و أعرف نقاط ضعفه..وهذه الهالة التي يديرها الناس حوله... فرغم السنوات الطويلة التي عشتها داخل الأسرة إلا أنني لم أستطع إكتشافه بالصورة الصحيحة والسليمة.. أفكاره ... إتجاهاته... طريقة تفكيره.. فالهيبة والوقار كانا يرتسمان على وجهه رسما ، رغم السنين وإشتعال وجهه ورأسه شيبا وهو لم يتجاوز العقد الخامس فيزيدان من وقاره وهيبته..
إنه يعتبر لدي الصندوق الذي عجزت عن فتحه وولوجه ، وهو الذي أحسب له ألف حساب وحساب ولم أفلح...
لظرف ما ، ولسبب ما ، لم أدرك كنهه غاب رفيقه أياما حيث عاد إلى أرض الوطن.. وبقي هو وحده .. وكنت أتوقع الكثير . فالشتاء فصل البحث عن الدفء .. لياليه الباردة القارسة تدفع كل شيء للبحث عن الدفء . لكنه كان أبيا ، قاسيا بقسوة ليالي ديسمبر.. صخرة من لحم ودم .....
كان يلتف برداء من الصوف الأسود ويجلس على كرسي في رواق المشفى الذي كنت في أحد طوابقه أنا وولدي ، من المساء إلى الصباح ، ومن الصباح إلى المساء. بين يديه كتاب صغير .. عرفت أنه مصحفا قرآنيا كان يقرؤه بإستمرار .
ما هذا ؟ ما هذا الصخر ؟ ما هذا الحجر ؟ لا يقترب من الغرفة التي أشغلها أنا ومرافقي إلا عند حضور الطبيب أو أحد من أهلي... عشرة أيام بلياليها .. لم أكتشف أنه كان يستكشف السر إلا بعد عام أو يزيد.. حيث كشف السر... وفتح الطلسم... فلم أجد بدا من مناصبته العداء ، فإدعيت أنه يتهمني بالمخدرات ويريد أن يأخذ أموالي وممتلكاتي من زوجي...ويشرد بناتي...

9

كانت تلك هي الرحلة الثالثة والأخيرة التي جمعتني به.. كان يوجه لي إنتقادات عن سلوك بناتي ، لم أعرف جديتها ومصداقيتها إلا بعد فوات الأوان... كان هاجس الخوف منه يدفعني بشدة لقطع الصلة به والبحث عن أي مدخل لخلق موقف ليحتد ويستبد النقاش بيني وبينه.. لكنه كان يجيد اللعب ، وعرف لعبتي وكشف مساربي. كشفني ولم يبق شيء لم يعرفه. عرف خيانتي وغدري ، وعرف أطروحاتي وألاعيبي أنا وبناتي .. عرف أموال أبيه التي دخلت لحسابي الخاص... وعرف حقوق أمه التي هضمتها وطردي لها من بيتها التي بنته بدم عروقها حينما إستفردت بها بعد وفاة إبنها فإستبديت بها وهي في إدبار العمر وفي أمس الحاجة للعناية والرعاية.... حيث تلقفها ولم يمر على موت زوجي الأسابيع الثلاثة ،فإحتضنها كأي إبن بار، وعرف كل ما تم من تزوير في عدة وثائق، من موته حتى موت إبنه وعبور الحدود الدولية به على أنه على قيد الحياة.....
كنت في كل مرة أتوقع أن يتفجر الموقف بيني وبينه.. لكنه أبى و تركني بهدوء مطلق بعد أن تعرت أمامه كل أسراري وتركني وكأنه لم يعرفني قط...
حاولت اللعب بالمحيط الأسري ... حاولت اللعب بأقرب الناس إليه.. حاولت اللعب معه ببناتي اللاتي يعتبر هو الأقرب لهن في هذا الكون... لكنه أبى و إستعصى... وكان شرطه واحدا الحياة ضمن مظلته على نهج الأسرة وإلا فلا... وكان موقفي لا حياة تحت مظلته ولا سير على نهجها..
ودارت الأيام والأسابيع والشهور والسنين... فوجدت نفسي وحيدة ، كليمة ، كالعنزة الجرباء في قطيع .. وحدي ، لا يعيرني أحد أي إعتبارا أو إهتماما... حتى أهلي نكروني فالكل عرف السر... بإستثناء قلة قليلة كانت لها مصالحها الخاصة ونواياها البذيئة التي لم أشعر بها إلا بعد فوات الأوان...
فات الأوان ولم يعد للعودة سبيل ... ضعت ... مثل بناتي ... وفقدت كل شيء حتى الذين كنت أعتبرهم صديقاتي ومشدي أزري ... و إكتشفت أني كنت دمية بينهم وبينهن... فقدت كل شيء... فلا جاه ولا مال ... بدون شرف...لأن الشرف أثمن من كل شيء ..فلا أثمن من الشرف والأمانة.. والشرف فقط . والأمانة فقط. واللذين إستلبا مني إستلابا وبمحض إرادتي .. فسلبتهم بنفسي عن نفسي من أجل لا شيء... غير التوه والضياع الذين لم أشعر بهما في حينهما.....
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م