مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 24-02-2006, 02:42 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة

[ يزة


يــــــــــــــزة

زمن صناديق تزمجر فيها محركات فـتسير إلى الوراء وتندفع إلى الأمام تريد المدن والأرياف وتنظر إلى الريف يقترب منها ويتشكل الجبل شامخا بلون السواد ، فلون الإخضرار ، يعلوه النخيل والأشجار متجمعة متقاربة تنتظر وصول الصناديق الهادرة لتقف بسفحه تبرد محركاتها وتحطّ رحالها ساعة من الزمن ليس لها منها بد. فتختزن نشيد النسمة التي تحاور برودتها أحشاء تلك الصناديق مثلما تراقص أغصان الأشجار وأوراقها وجريد النخيل . ولكن من ذا الذي يدرك حوار النسمة والمحركات وأغصان الشجر وهو الذي لا يسمع لــه صوت كأصواتنا ولا يؤثر فيه لفظ كألفاظنا فالحوار قائم حي يديره الشوق ويرعاه الجمال ، ويذكيه الفراق والعود ، الهجر والوصل ورحلة الاغتراب وود أليف يود و لا يزول .
زمن الصناديق تنهب الأرض نهبا فى صخب بعد سكوت أزيز الطائرات و زمجرة المدافع ، ووضع الحرب العالمية الثانية لأوزارها... تتقدم تلك الصناديق مشدودة ليس بها أو لها طمأنينة فى الوصول الى المحطة التالية رغم النسيم العليل وسكون الليل وهدوئه ،واشراق البدر وقد نشر على الأرض ضوءا غمر الكون وأغرقه فى لجج الأنوار حتى طغى على مصابيح ذلك الصندوق السيار

لست أظن أن الشوفير) السائق( قد فقد الاحساس بهذا السحر وهذه الفتنة رغم ما يظهر على وجهه من قسوة وتعب شديدين . يقيني أنهما تولدتا فى نفسه بمعاشرة هذه الزمجرة وهذا الصوت الذى يخرج من هذا الصندوق .
انتصب السائق فى ركن الصندوق يقوده وبجواره برغوث مساعده وورائه رجال يتحادثون بصوت عال بين زمجرة المحرك وأصوات العجــــــــلات وقد وضعوا أمتعتهم على ظهر هذا الصندوق هنا وهناك .انهم رجال تعودوا الترحال بين الريف والمدينة للمتاجرة فى كــــل ما يحتاجه الريف. وأنا امرأة شحنت أمتعتى مواجد وذكريات ، واتخذت رفيقا يؤنس وحدتى ووحشتى ويبدد همومـى . كيسا أسندت ظهرى عليه ،لاتسمع له قرقعة فى هذا الصخب من أصوات الرفاق وضجيج محرك هذا الصندوق .

كان الصندوق انطلق من محطة المدينة كعادته غير مبال بالوقت ، يرحب بكل مسافر ويدعوه الى رحلة الشوق والحنين . لم يصله جميع الركاب فـــــــــى وقت واحد ، بل كانوا يتوافدون الواحد بعد الآخر ويلقون أمتعتهم ويجلسون قرب ذلك الصندوق . ولما وصلت اندهش الـرجال ، وظنونى أنافسهم فى تجارتهم . الا أنهم ساعدونى فى آخر الأمرعلى الركوب فليس من السهل على امرأة مثلى أن تتسلق هذا الصندوق للركوب به ، كما أنه ليس من السهل على رجل أن يأخد امرأة لا يعرفها بين يديه ليركبها به . أو يدفعها من تحتها وهى تتسلق أحد جوانبه . كما وأنه ليس سهلا أن تركب بين رجلين فى غرفة القيادة .
لكن بعد جهد وعناء أحظر برغوث سلما بعد أن أمره قريرة بذلك وركبـت الصندوق وجلست بين أكياس وصناديق تعبق مزيجا من البقول والجلد والمستلزمات المختلفة . احتياجات قوم ليس لهم سوى ما يخرجونه من الأرض بعد عناء شديد.
لم يكن الصندوق يتسع الا لنفر قليل . يظهر أنهم تعارفوا منذ أمد بعيد ، وكنت بينهم غريبة لا يعرفنى سوى سائق الصندوق .
لم يسألونى عن غايتى من هذه الرحلة الا بنظراتهم المستغربة . ولو فعلوا ما كانوا يحصلون على جواب . فمقصدى سر لا أبوح به . اذ لا أحد يمكنه أن يفهم ما تفعله الصبابة فى النفوس . الكون وحده هو الذى يدرك سر القلوب الخافقة . والبدر الزاهى وحده هو الذى يبارك خفقان الأفئدة الكليمة . فلن أبوح لغيرهما بهذا السر .فكونا رفيقى رحلتى الى جنان الكروم واللوز والزيتون . فليس لي من أنيس غيركما وغير هذا الكيس . أنتما ملاذى ومسارى . أبثكما أشجانى فتفهموها . أنتما فقط تعرفان معنى الانسان والامتلاء واتساع الصدر تضم ضلوعه العالم و ما فيه ويختزن المواجد النابعة من الأعماق . وامتلاء النفس بحضور المحبوب فيها وان غاب الدهر كله عن العيون . فلا تفيض بما فيها مهما كان الامتلاء .
رفاق رحلة هذا الصندوق يبدون أناسا طيبين . فطروا على الشهامة والمروءة ، لكن لا يدركون ما أنا فيه من حال ولا يسمعون خفقان القلب الشجي ، اذ تعودوا سكون الصدور الخلية . هم لا يعرفون محتوى كيسي الذى أتوسده فى جوف هذا الصندوق . ولوعرفوا فلن يفهموا كيف تتحمل امرأة مثلي مشاق السفر من القرية الى المدينة ومن المدينة الى القرية و فى هذا الزمن صحبة كيس لا يحتوى على ما تعودوه من متاع.
لو عرفوا ما فيه لرمونى حتما بالجنون . ولكنهم لا يعلمون أن ما يعتبرونه مشاق السفر عندى ، هو متعة تغذى الروح وتملأ الفؤاد.
القمر عندهم كوكب ينير الطريق . وهو عندى رفيق وأنيس أبثه أشجانى ولواعج نفسي . والكون فى نظرهم فضاء مجهول يجود عليهم بالخير ... وهو عندي فضاء تسبح فيه النفس بعيدا.. بعيدا.
الصندوق يسير في تؤدة يعانق الطريق ويحيي أشجار السرول . ولم تسأم عجلاته من الدوران لكنها حنت الى راحة قليلة تبرد فيها أطرافها من شدة الحرارة . وما حنينها الا كحنين من غاب ليعود الى أهله محملا بالشوق والذكريات.
الكون شاسع رحب والقمر يضيئه. والسماء صافية تنتشر النجوم على صفحتها وتتلألأ وتشكل فيما بينها مجموعات يشقها من حين الى آخر شهاب أو وميض لا يعرف مأتاه ويقدر مداه ، فيخيل الى الناظر لها وكأنها تقطع الليل بالسمر وأن حديثها لا يختلف عن حديث الساهرين أينما كانوا . فكلام النجوم مثل كلام البشر شوق وحنين ، وهى تبوح بمكنون الأفئدة وتنفض ما علق بالذاكرة من صور الماضي وحياة اليوم . تستعيد الذكريات من الماضي وأفق الآتي . والنجوم عيون ترى من عليائها ما يجرى على هذه البسيطة من حكايات الصبابة وتستأنس بمناجاة الوالهين .
ناجيت الليل من على ظهر هذا الصندوق المتراقص وأسررت اليه بفحوى هذا الكيس الذى أتوسده ، وما فاز بالسر حتى أخذت نجومه تتوارى الواحدة تلو الأخرى و تغوص فى كبد السماء ، وكأنها تعود الى مآويها . وقد تغيب مجموعة كاملة دفعة واحدة تاركة مكانها فراغ داكن ، و ما هى الا ساعة حتى طلع الفجر وأطلت من بعيد الآفاق. غمرة من الضوء صفراء شاحبة سرعان ما تحولت الى بياض بانت من خلاله الأرض وما يغطيها من أعشاب ، و التى لعلها هى التى كانت سوداء منتشرة عليها قبل بزوغ هذا الضوء . ثم أطل ذلك الأحمر من وراء هضبة ، ذلك القرص الكبير الذى أخذ يتصاعد ببطء شديد ويتضخم الى أن اكتملت دائرته الحمراء فأنارت من حولها الأرض فبدت شاسعة ليس لمداها انتهاء . وأخذ القرص كلما ازداد صعودا يصغر حجمه ويزاد نوره فيرسل على ذلك الصندوق أشعــــــــــــــــــــة دافئة أيقظت من فيه ، فتململوا فى أماكنهم وحيا بعضهم بعضا بتحية الصباح..
و ما توقف الصندوق حتى نهض الركاب من أماكنهم وأخذوا فى حركة نشطة يستعدون للنزول ...ثم هجموا على الأكياس والبضائع يرفعونها ثم يناولونها لمن سبقهم فوق الأرض فى غير انتظام أو ترتيب حتى أفرغوا الصندوق من كامل حمولته . فتجمعت أكياس وصناديق وأوعية متشابهة وغير متشابهة فى انتظار نزول باقى الركاب لتمييز أمتعتهم وكنت آخر من نزل من ذلك الصندوق وريثما جهز السائق برميلا وصندوقا أنزل عليهما من هذا العلو . ولما نزلت أخذت أبحث عن كيسي فلم أجده . ولا أدرى كيف قبلت تسليمه لمن جاء يعرض عليّ المساعدة على انزاله فوق الأرض. وقد غاب عنى وجهه فلم أتمكن من التعرف عليه بين جمع الركاب والبشر الذين كانوا ينتظرون فى المحطة .فصرت أنتقل من شخص الى آخر كالمجنونة أسأل عن الكيس لعل أحدهم يسعفنى بالجواب دون جدوى ،وكأنهم تآمروا جميعا علي ليزيدوا فى تعذيبى ..
سيماهم تدل على الطيبة التى تحيط قلوبهم فما فائدتهم من أخذ الكيس ؟ لا أظن أن أحدا منهم سرقه ظنا منه أنه يحتوي على أشياء ثمينه .كل ما فى الأمر أن الأكياس اختلطت وتشابهت فاندس كيسى فى أمتعة أحدهم فأخذه معه بدون قصد .
و علم قريرة بالأمر و كذلك برغوث ، فصارا يبحثان معى فى كل مكان دون جدوى حتى أنقضى النهار ، فسار كل الى بيته ولم يبق فى السوق غيرى . أنظر الى الصندوق بعد أن خلا من كل شيء وغادر صاحبه هذا المكان لملاقاة أهله وأحبته..
سأبقى هنا الى أن يظهر الكيس من جديد. ولن أغادر هذا المكان قبل أن يعيده من حمله معه على وجه الخطأ. إنى واثقة من ذلك . وما ذهابى الى بيتى فى هذا الريف و قد خلا من أهله منذ زمن .
الوحدة قاتلة . وكنت أريد التوحد بالكيس فهو أنيسي ، لكنه الآن اختفى ، فبقيت فى رفقة نسمة الأصيل ورائحة الكروم وخشخشة أوراقها وأغصانها في هذا المساء الخريفي الرطب . وما أشـــــــــــــكّ أن ألحــــانها التى تتردد عبر هذا الهدوء على نسق واحد ستحملني بعد التعب و الأرق الذى أصابانى الليلة الماضية الى دنيا الراحة والنعاس والأحلام لكن هل يمكن أن يجد النوم طريقه الى جفونى فى خضم هذه الحيرة والاضطراب ؟.
الشمس تميل للمغيب وتتهيأ للعودة الى منبعها فى الخط الفاصل بين الأرض والسماء. والشمس قرص كبير أحمر والجبل شامخ في ضبابية المساء . والليل يتمطى الكون ويرخى سدوله وسكونه وهدوئه الا من خشخشة أغصان الأشجار وورقها أو حفيف نسماته المعبقة برائحة التين أو الاكليل او الزعتر .
اطمأن من حولي كل شيء الا من تلك الأصوات التى تأتي بين حين وآخر لكلاب تنبح عن بعد أو نهيق حمير، أو هذه الدقات المضطربة تصدر عن هذا القلب الحزين ، وأنا أضم رجلي الى جسدى بهدوء لألائم بينها وبين ما حولها من تحسسي لأشياء حولي فى هذا الفضاء ، فلا أسمع الا ما سمعت من أصوات كلاب أو حمير تأتى بين الفينة والأخرى وأنا أمد سمعى فى اتجاهها وأغالب النوم وهو يهاجم عيني ويثقلهما .... فجلست متكأة على عجلة ذلك الصندوق وأرسلت نفسى فى فضاء هذا الليل العريض ألتمس ما يبعث فيها الطمأنينة ويلهيها عن هذه الهموم التى لم أعرف منها الا ثقلها ، ولكن هذه النفس لم تكد تمضى فى ظلمة الليل حتى أدركها النوم فسبحت فيه ولبثت هكذا حتى سمعت صوت زرزور يزقزق، فأسـتيقظـت فاتحة عيني مد يرتهما من حولى كأنما أريد أن أستكمل نومى حين أتبين حقيقة مكانى الذى أنا فيه ، فمدددت ذارعى عن يمين وشمال ، ومددت ساقي كأنى أريد أن أستمد لجسمي ما أفقده هذا النور اليسير من راحة ، وكأنما كنت أمحو عنه ما تركت فيه هذه الأرض الغليظة وعجلة ذلك الصندوق من ألم . استكملت شعوري فوجدت نفسي فى المكان الذى كنت فيه قبل أن يغمرنى النوم . ولكن كيف تملكنى النعاس وقد كنت عازمة على أن لا أنام ؟ وكيف بقيت هنا وفى هذا المكان ؟ وماهذا الكيس الملقى الى جانبي ؟!.
انه كيسي الذى بحثت عنه طويلا دون جدوى و لكن من جاء به الى هنا ؟!. من كان يصدق أن مسعود يتحول الى هذه العظام !؟.

*******
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 24-02-2006, 02:47 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة2

يزة 2
مسعود ذلك الوجه المشرق كوجه نبي ساعة الوحى . لابل كنت أعتقد أنه فعلا نبي يتلقى فى مجلسه ذاك صورا من الوحي لا تنتهى ، تستهويني وتسحرنى . فهو نبي أو ساحر ،

من أولائك الأنبياء القدامى الذين يكون السحر احدى معجزاتهم ، والذيــــــــــن لا يبعثون الى الانسانية قاطبة ، بل الى مجموعة معينة من الناس . ومسعود بعث الى وحدي نبيا وساحرا عجيبا ، يأتى من الغرائب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
دلتني صديقتي كلوديا على دكانه بعد أن بالغت فى اطراء تمائمه التى يكتبها لاستمالة القلوب . وكنت وقتها فى أمس الحاجة الى استمالة قلب (( دجاكمو)) لأنى كنت أرى فيه أجمل مخلوق على الأرض .... دجاكمو ابن عمى هذا الذى لايعيرنى أى اهتمام ، حتى الالتفاتة البسيطة لايعيرنيها . جئته ألتمس العون على الصبابة التى ملكت فؤادى ، وقيدتنى بسلاسل من حرير الى ابن عمى ((دجاكمو)) . وما ابن عمى يهتم بي وبصبيه مثلى ليس لها سوى ضفائر كستنائيه وعينين حالمتين زرقاوين بلون مياه المتوسط ، وجسد لا امتلاء فيه ولا بضاضة ولا رواء ، وثوب مدرسي فى لون زرقة السماء يغطى ركبتيها....
وقفت أمام الدكان مترددة ، خائفة ، تدفعني الرغبة وتشدني الرهبة ، أخطو خطوة أريد بها تجاوز العتبة، وأتاخر خطوتين أريد بهما الهروب من ذلك الجو السحرى . كان مسعود يناديني بصمت وابتسامة لطيفة فيها غموض شديد تعلو محياه وما كنت أعلم أنى وقعت فى دائرة ذلك السحر منذ وصلت الدكان ووقفت أمامه شاردة البال كيمامه أمام صقر مكابر، لم يعد بامكانها الخلاص من عينيه مهما اشتد منها العزم على الهروب . لقد فعلت الطلاسم مفعولها من عتبة وواجهة الدكان وجدرانه وكل ما يحيط به من روائح وعطور ... كانت الطلاسم أيضا فى كل مكان من جسده . فى كحل عينيه . بياض أسنانه. عطور جسده . رائحة شعـــــــــــــره وطول شاربيه الكثيفين، طوله الفاره و ذراعيه العاريتين اللذين يغطيهما شعر كثيف أسود على جلده الأبيض بلون الشعير وقت الحصاد. أنامله الدقيقه الطويلة. حتى قميصه الأبيض الطويل وغطاء رأسه ....
كانت الطلاسم أيضا فى كل القوارير الصغيرة والكبيرة الموضوعة على الرفوف فى تناسق جميل وفى تلك الكتب الصفراء المهترئة المكدسة في ترتيب ملفت للنظـــــــــــــــــر على مائدة أمامه ... وفى تلك الدواة وقطعة القصب المصنوعة على شكل قلم وفى تلك الأوراق المكتوبة بحبر أصفر .. وأحمر .. وأسود ..... عالم عجيب لم أر مثله طيلة حياتى .
أدرك مسعود انبهارى فأكتفى بادامة النظر الي ولم ينطق بكلمة واحدة . أو لعله كان هو أيضا منبهرا بضفائري وزرقة عينى وثوبى المدرسي فلم يدعني للدخول . ومع ذلك دخلت دون ارادتي تدفعني الدهشة والرغبة والفضول والشوق والخوف والرهبة.....
وقفت أمامه وقفة تلميذة مخطئة أمام مدرسها. منكسة الرأس طارقة النظر الى الأرض مخافة أن تلتقى عيناى بعينيه فيحمر وجهى فأفقد قدرتي على الكلام . ولقد زاد اضطرابي استرسال صمته ونظراته وابتسامته. ثم حاولت الخروج من هذا الموقف المحرج فنطقت بهذه الكلمات : بونجورنو شيك مسود. فرد علي، بونجورنو ليزا ، ها ، جئت تبحثين عن تميمه تستميلين بها قلب ابن عمك ( دجاكمو) أليس كذلك ؟.
وهنا كاد أن يغمى على من شدة الدهشة كيف عرف ذلك ؟ وأنا أتيته فور مغادرة صديقتى كلوديا بعد حديثى معها ؟ انه والله لساحر عظيم . انه لم يسألنى حتى عن حاجتي .. لم ينظر فى كفي ..مارانى قط قبل الان ...يا الاهي ..كيف نفذ الى داخل نفس وأدرك سري؟!
أحببت أن أسأله عن هذا لكن لسانى تعطل ولم يسعفنى بالكلام . فنويت الهروب وحاولت أن أتأخر خطوة أو خطوتين فى اتجاه باب الدكان ، لكن لم أفلح . التصقت قد ماى بالأرض ولم يقدرا على الحركة . وفهم الرجل الخبير بمثل هذه الحالات شدة اضطرابي فأوجس أن يخرجني من المأزق فقال : ــ
اجلسي يا صغيرتى .. اجلسي وهدئى من روعك فانى هنا لمساعدتك ..حدثيني عن مرادك ، علّي اهتدي الى حل تكون فيه سعادتك . وما ان انتهى من كلماته التى طمأنت نفسى حتى حلت عقدة لسانى ، فأجبته على الفور لقد جئتك ياسي ((مسود)) لتساعدنى علي بن عمى ((دجاكمو )) انى متعلقة به تعلقا شديدا لكنه لايعبأ بي ولا يهتم بكلامى ، بل يحتقرنى لصغر سنى ونحول جسمى ويقول لي(( أنت لازلت صغيرة وعليك الاهتمام بدراستك )) وأنا أقترب من سن العشرين ولست صغيرة ، ولكنه لايريد أن يقبل مرافقتي للحفلات الا نادرا أو يصطحبنى معه الى السينما . بل يفضل أن يصطحب بنات الجيران ويسخر منى و من عواطفى ولا يكترث بما أعانى من أجله . ويقول لى ان بنات الجيران اللاتى يصطحبهن أكثر مني نضجا رغم أنهن أصغر مني سنا وأنا أجمل منهن. وقد علمت أنك تكتب أحجبه تنشيء المحبة في القلوب اللامبالية والقاسية ، فجئتك .فقال مسعود سأكتب لك ما تشائين مادمت مقتنعة بجدوى أوراقى وأحجبتى .. لكن أهل ملتك عادة لا يقتنعون بالتمائم والأحجبة . خاصة اذا جاءت من أناس ليسوا على دينهم . فأرد، أنا لايهمنى اختلاف الأديان ، ان الذى يهمنى هو حل مشكلتى فقط. عاد الرجل الى صمته ونظراته الطويلة العميقة وابتسامته الغامضة ثم قال فى صوت رقيق . هل انت متأكدة انك تحبينه ؟
اضطربت من جديد فقد فاجأني السؤال وعادت العقدة الي لسانى ، لكننى تمكنت هذه المرة من مغادرة الدكان فرار من نظراته تلك وابتسامته الساحرة .
لقد حيرنى سؤاله كثيرا. هل أنا فعلا متأكدة ؟! سؤال لم أطرحه على نفسي أبدا ، ولو فعلت لعرفت الحقيقة .
خرجت من الدكان مسرعة وشرعت أقطع الشوارع والزقاق الضيقة أتعجل الوصول الى بيتنا حتى أختلى بنفسى فى غرفتى .. وأفكر فى علاقتى بابن عمي .
دجاكمو لطيف وجميل جدا ووسيم . لكنه قاسى ومستهتر ولا مبالي. وزاده ميل بنات الجيران اليه صلفا فصار لايبالى بكل من لا تروقه ، وأنا احداهن . لكم عانيت من هذه اللامبالاة ما لم تعانيه أي واحدة منهن . حتى يصل بي الاحساس أحيانا أنى لا أكن له غير الحقد والكراهية، نعم الحقد والكراهية ، لذلك أحببت أن أنتقم منه أعذبه كما عذبني .
لكن كيف يمكن أن أكرهه وأنا أحبه ، لماذا دفعتنى يابن عمى الى هذا الجحيم وأرغمتنى على اضمار الشر لك بعد أن كنت أرى فيك صنما جديرا بالعبادة والتقديس ؟ ماذا جنيت حتى تكون أولى تجاربي فى الحياة فى مثل هذا البؤس وهذه الحيرة؟
وجدتنى على صغر سنى أحمل هما ثقيلآ ، كم كنت فى غنى عنه . لا . لن أقبل أبدا حياة متعثرة الخطى فى ظلام الشك والحقد . له شأنه ولي شأني .فليمرح كما يشاء فى دنيا الورود ، فأنا لم أخلق له وهو لم يخلق لي . أنا لا طاقة لي بهذا العذاب لأني أحب الحياة الخالصة من الشوائب المحيرة. وهو رجل لا يبالي شيئا. كل همه متعة عاجلة ونزوة زائـــــــــلة لا يوطن نفسه على العشق الصحيح ولا يشده وفاء لحبيبة . كأنه فراشة تتحول من زهرة الى أخرى ، فلا تطيل المقام بأرض مهما طاب لها المقام.
فليطر حيث شاء فأنى باقـية هنا لا يروق لي رحيل الا فى دنيا الأحلام وعجيب الصور وقد وجدت فى ذلك الدكان ما يبشر بكل هذا وان كانت نظرات صاحبه وابتسامته الغامضة تحمل علامات غرابة مفرطة قد تحملنى الى أبعد مما كنت أتوق اليه.
انه حقا لساحر عظيم ، فسؤال واحد منه كان كافيا لتبصيرى بحقيقتي وحقيقة أمرى ..
هـــــل أنت متأكدة أنك تحبيه ؟!
نعم أنا الآن متأكدة أننى لا أحبه ، وأننى لم أعد أرغب حتى فى رؤيته ، لكننى لا أريد الشر . فهو ليس أهلا بكل هذا الاهتمام .لقد صار فى نظرى شابا تافها . رصيده فى هذه الدنيا جمال أخاذ ووسامة مصرعة وقدرة فائقة على الاغراء ..
لكن لن يغريني جمال ليس وراءه شىء يذكر . لأنى أريد أن أحلم ولا أحد يمكنه أن يمنعنى الحلم . زوجة أبي بسيطة ما تنفك تدفعني الى أحضان ( دجاكمو) لأنها ترى فيه نعم الرفيق ، لكنها لا تعرف عنه الا القليل ، وما تعرفه عني أقل . لقد غاب عنها مابى من تطلع الى المجهول وحلم بالآتي من عجائب الصور التى خلفـتها قصص جدها ورواياته فما فـتـئت تحذرني من الناس لأنهم جميعا فى نظرها وحوش ضاربة ضارية ، متهيئة باستمرار للانقضاص على أول فريسة . وكنت فى نظرها فريسة سائغة ، قريبة جدا من مخالب الجوارح والكواسر ، وما علمت أنى فتاة متعلمة فى امكانها أن تحمى نفسها من كل من تسول له نفسه بالنيل منها ، وأن ما كان لها من ماض ، لن يكون لي في مستقبلي.
وها قد جاءت ساعة الحلم الكبير.
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 24-02-2006, 02:55 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة 3

يزة 3


كانت حائرة حزينة لا تدري ماذا تفعل بنفسها .. هل تترك هذا البيت الفسيح الجميل الذي قضت فيه أجمل سنوات العمر..حيث توحي كل زاوية من زواياه وكل بقعة من بقاعه بذكرى جميلة ..جدرانه توحي لها بصرختها الأولى ..أعشاب الحديقة توحي لها بخطواتها الأولى ...أشجارها تذكرها بأبيها وأخيها وزوجها الأول وأفراد الأسرة كلها وجلسة الصباح والمساء... كل شيء في هذا البيت القابع فوق هذه التلة يذكرها بالأيام الحلوة التي مازالت تعيش في رأسها وولت ولن تعود.
ومدت بصرها تتأمل أشجار الحقل ، زيتونه وكرومه ولوزه وعنبه وخوخه...كان الحقل كله أخضرا . فأي جنان هذا الحقل ...وأي جريمة ترتكبها لتتركه يتحول الى حطب يابس ...وماذا صنع ليلقى هذا المصير..
انتهى العام الأول ..وتلاه العام الثاني والثالث..... وتوالت حياتها هكذا بعد الطوفان الذي جرف أمامه كل شيء في ذلك البيت ..حيث توفي زوجها وذهب أبناؤه الى جدهم، عمها.....يا له من عالم مجنون ...يحصد أسرة كبيرة بكاملها في زمن وجيز...يفرق شملا ويضم آخر...ويستحدث روابط أخرى لم تخطر على بال بشر...
استسلمت لآلامها في ذلك البيت الفسيح وذلك الحقل الجميل ، ولكنها ما لبثت أن نهضت من مكانها فجأة وهي تصيح ، لا ، لا ، لا ، لن أستطيع الاستمرار في هذه الحياة والوحدة والألم ...غدا أذهب الى حيث يعيش أبنائي ...أريد أن أكون معهم وقريبة منهم...تغلب الحنين على الأحزان ...وطغت عاطفة الأمومة على المادة ...والرفاهية...وهناك على بعد مئات من الكيلومترات حيث يعيش العم، جد الأطفال في تلك المدينة الأخرى ، وتلك القرية الأخرى التي اختارها الجد ملجأ لأحفاده بعد أن مات أخوه ولحقه ولده الوحيد وخلف ورائه ثلاثة أطفال وأمهم ابنة عمه اليتيمة ، اتجهت الأم بعدما صدها واقع الحياة...
وذهبت وكابدت عناء السفر حتى وصلت القرية حيث يوجد العم ، وما ان وصلت البيت وفتحت لها الباب تلك المرأة العجوز ، زوجة عمها الثانية ، وعلى بعد خطوات قصيرة رأتهم...أطفالها الثلاثة الذين افتقدتهم سنين عديدة...فانتصر حنينها اليهم على الأحزان والطمع الذين كادا أن يعصفا بها...
كان الأطفال يلتفون حول جدهم وقد تعلقت عيونهم به حتى أنهم لم يحسوا بقدومها ...فقد كان يروي لهم في تلك اللحظة قصة من قصصه الكثيرة عن صراعاته مع الطبيعة في خضم الحياة التي تعودوا أن ينصتوا اليها كل يوم ..نادتهم فأقبلوا عليها يمطرونها قبلا ودموعا. فاختلطت القبلات بالدموع والفرح بالحزن..
أحس الرجل بالضيف الجديد الذي حل بالبيت ، ولم يكن في حاجة لأن يسأل عن شخصه ، فقد سمع صوت ابنة أخيه ، زوجة ابنه وأم أحفاده.

واتجهت الأم الى حيث كان يجلس عمها الذي تجاوز الثمانين من العمر كالجبل الأشم ...حيث تركت السنوات آثارها بوضوح على وجهه الذي امتلأ بالتجاعيد ، واقتربت منه ومد اليها يده مصافحا فأمسكت بها ، وراح يهزها في قوة وحرارة ، ثم راحت تقبله على رأسه ويده...ثم دعاها للجلوس بقربه...وأردف قائلا ...كنت أتوقع مجيئك قبل هذا بكثير ...لقد افتقدك أطفالك يا لويزا ...قالها وقد ارتسمت على وجهه المعبر ابتسامة رقيقة تنم عن ما كان يعتمل في صدره من فرحة بعودة الأم الى أطفالها ، وعودة ابنة أخيه اليه ، بعد الفجوة التي سببها الشامتون اثر وفاة ابنه زوجها ، والذي سبقه وفاة أبيها وأمها ولحقت به وفاة أختيها. ثم نادى أصغرهم واحتضنه بشدة وهو يقول هذه أمك ...هذه هي أمك..
ثم ساد صمت عميق أرجاء الغرفة...وسالت دمعة من عيني الأم لم تستطع أن تحبس صوتها... فلقد كانت تتوقع أن ترى أي شيء غير هذا في عمها البصير الكسيح...شخص يصاب بالعمى ، ويفقد القدرة على الحركة ، ومع هذا ينفذ من خلال هذه الغمامة السوداء ليرى الدنيا بعيون الأطفال الصغار الذين أحبهم وأحب الحياة معهم ، ومن أجلهم تزوج مرة أخرى في هذه السن المتأخرة حتى يحيطهم بحنان الأم ...بحنان الأنثى الطبيعية...ويبعث في نفسه الروح والأمان...
وفي وسط هذا السكون قطع صوته الجهوري الصمت ليسأل زوجة ابنه ، عن حياتها وماذا صنعت بها الأيام خلال محنتها.
لم تكن تتوقع من رجل يعيش الألم والشقاء هذا التساؤل ...لكنها جلست بين يديه وصارت تحكي له عن كل التفاصيل...وكيف اختارت لنفسها تلك الحياة الماضية وسط جدران ذلك البيت الصماء ، ذلك لأنها لم تحتمل الافتراق عنه بسبب أنه صار جزءا منها...حتى صحت في ذلك اليوم من غفوتها التي أخذتها سنينا طويلة لتسأل نفسها...
هل يمكن للانسان أن يعيش مع الماضي الى الأبد ؟!
وعندما جاءها الجواب حملت نفسها وجاءت تبحث عن المستقبل عند أطفالها وفلذات كبدها الذين افتقدتهم.

كان العم الجد العجوز ينصت اليها باهتمام وابتسامة رقيقة تعلو محياه ولا تفارق شفتيه لحظة واحدة ، حتى اذا ما انتهت من حكايتها، قال : ــ
أنا كما ترين يا ابنة أخي ، رجل حطمته الحياة بكل قسوة ، فبعد فقدان شقيقي والدك فقدت ابني الوحيد زوجك ثم تلته والدته...وقبله أمك ، ومع هذا فما زلت أحب الحياة، لأنني ما زلت آمل في غد أفضل أتمنى أن يمتد بي العمر كي أراه. قد تندهشين اذا قلت لك أنني لم أشعر باليأس يتطرق الى قلبي لحظة واحدة رغم الأحداث التي عشتها وهي تتوالى علي الواحدة تلو الأخرى وفي زمن قصير جدا..حتى عندما حملوني الى المستشفى ، وكنت أعلم أنني سأصبح انسانا معاقا لن يقوى على الوقوف ولا على البصر... وكنت أعرف أن الحياة بالنسبة لي ستكون ظلاما مستمرا وأحسست بأنه لم يعد لي شيء أعيش من أجله بعد تلك الأحداث كلها ....لكنني لم أيأس من رحمة الله. وانني ما زلت أتعلق بهذا الخيط الرفيع من الأمل في مستقبل أفضل من أجل هؤلاء الصغار، فوجدت هذه المرأة الفاضلة فتزوجتها بعد أن تعرفت بها في المستشفى ، فكانت تشرف على الأطفال في البيت وعلي في المستشفى وكان ابنها فراري رغم ظروفه نعم الابن لي ونعم الأب لهؤلاء الأطفال رغم ما يعانيه من شقيقه جوردانــــــــــــــــي.
وسكت الجد ، لكن الأم استحثته على اكمال حديثه راجية اياه أن يستمر لأنه لا بد أن عنده أشياء أخرى يريد أن يقولها . فقد شعرت بأن كل شيء حولها يبعث دفئا لم تألفه...وأن هذا الدفء لم يكن مصدره المدفأة الموقدة في الحجرة ولكنه كان في كل شيء من حولها وفي كل كلمة كانت تخرج من شفتي هذا الرجل الذي كان يمتليء بالحياة ، وهو الكسيح الضرير ...المعاق الذي يعيش مع أحزانه..ومن تلك النظرة الطيبة البريئة من أبنائها والوجه الوديع لزوجة جدهم...
يا ابنة أخي انه فعلا عندما نشارك الآخرين حياتهم ونهتم بهم ونساهم معهم...وعندما نعيش آمالهم وأحاسيسهم وآلامهم نحس بمعنى الحياة...فالحياة حب وود وصفاء ومشاركة وأحاسيس، والمودة فيها لا بد وأن تجد لها منفذا ، لأنها لا يمكن أن تبقى حبيسة.. لأنه هنا فقط نحس بقسوة الحياة وشدتها وقوتها...تلك المشاعر التي تحول الأحاسيس الى عاطفة جياشة ومودة صافية وتعاون مستمر لا مثيل له ، تلك القوة التي تدفع فينا الأمل لغد مشرق وضاء.

عند هذا كان الاعياء قد أحاط بالجد المعاق ، فطلب المساعدة للا نتقال الى فراشه ليستريح ، ومدت الأم يدها تساعده مع فراري ابن زوجته ، ذلك الرجل الشهم الوسيم الذي مضى على وفاة زوجته أكثر من عامين لم يفكر خلالهما في الزواج. ثم انحنت تلثم بشفتيها يده ثم رأسه الذي حول خريف حياتها الى ربيع امتلأ بالزهور والأمل والحياة حين قام بتزويجها الى فراري فحول حياتها الى ربيع وعمرها الى شباب دائم حينما وجدت من يشاركها حياتــــــــــها.

كنت تسللت الى المقبرة بعد العصر حتى لا أكون محل شك حارس المقبرة لأن زيارة القبور فى النهار ليست محل شك وكنت قد أخفيت فأسا فى ملابسي البدوية ، و دخلت المقبرة وبحثت عن القبر، حتى وجدته فجلست بقربه ، أنتظر انتشار الظلام .
طال انتظاري بين القبور . قبور بيضاء أوشبه رمادية واللحود المنغرسة فى جوف البعض منها ... لكنها جميعا لا تهمنى كما يبدو أنها لم تهم احدا منذ توقف الدفن فيها وربما قبل ذلك .فلقد انقطعت الصلة بين ساكنيها وذويهم وزالت صلات المحبة والقربى بزوال شعلة الحياة ، فكل مشغول بأموره الحياتيه . أما من وورى القبر فقد انتهى أمره و امحى ذكره ولم يعد منه نفعا أو ضررا . الا واحدا... يدعى مسود(مسعود) وكنت أناديه هكذا و لا أزال وذلك راجع لعدم استطاعتى نطق حرف العين . فكيف يمكن لايطالية مثلى أن تنطق هذا الحرف الذى لايوجد فيما تعودته من كلام . لكن اليوم أستطيع أن أنطق العين والغين والخاء وحتى الضاد . لقد علمني مسعود النطق الصحيح رغم أنه لم يكن يعترض البته على نطقي بل كان يستطرفه ويستلطــــــــــــــه ..
هو نفسه استبدل اسمى من ليزا الى يزة . وكم كان سرورى عظيما يوم نطق باسمى الجديد لأول مرة . فقد نظر لى يومها نظرة طويلة، فبدت عيناه شديدتي الحمرة والسواد من شدة الكحل الذى كان يحب أن يكتحل به ثم نطق بالاسم ((يزة))
كنت أظنه يتحدث عن امرأة أخرى مما دعاني الى السؤال عن صاحبة الاسم ، فاجابني مبتسما ، أنت يزة.. ألا تقبلينه ؟ فرددت عليه بكل سرور ، بلى أقبله وأريده . فاقترن بتلك النظرة الطويلة وذلك الكحل وتلك الابتسامة الجميلة . فتبرق بارقة ويصدر صوت رفيق ينادينى بأسمى ويدعونى الى الابحار فى دنيا السحر والأسرار. يزة .ثم يسكت مسعود ويـــديم النظر . فيتراءى لي حور عينيه ويبرز لى طول شاربه ويطفو على عينيه وأسارير وجهه مايكنه في نفسه من أحاسيس ، فتنتقل اليّ فأشعر بقشعريرة فأضطرب ولا أستطيع الكلام فما جدوى الكلام وقد قلنا كل شيء بالنظر..غابت الشمس وبدأ الظلام ينشر سدوله على الكون وآن الأوان لاخراج الفأس من الكيس والشروع في نبش قبر مسعود ، فيقينى أن المقبرة خالية الا مني والأموات . ان العمل شاق جدا لاخراج عظام من قبر خاصة بالنسبة لى كأمراة وحيدة ، لكنى بعثت في نفسي قدرة للتحمل حتى أفوز بعظام مسعود وأنقلها فى المكان الذى أريد حتى تكون دائما بقربي أناجيها متى شئت وتؤنس وحدتى ، فلم يبق لي فى هذه الدنيا حبيبا أو أنـــــــــــــا .
تسلل ضوء القمر الى قاع القبر بعد أن سقط أحد اللحود فى جوفه فظهر الهيكل العظمى . ولم يبق لى الا اخراجه ووضعه فى الكيس . تلمست باحدى يدى الهيكل العظمى هذه ســـــــــــاق.. وهذهساق أخرى..... لكن لم أستطع مسكهما بصورة تمكن من أخراج الهيكل من القبر فرأيت أنه من الأفضل أن أنبش فى الجانب المقابل حيثالرأس يمكن من جذب الهيكل بشكل أسهل وأسرع .... وفعلا أعدت النبش من الجانب الآخر فظهرتالجمجمة وجذبت الهيكل فخرج معى بكل يسر وكأنى به فى أحد أيام الصيف ونحن نخرج من بيتنا الى الجبل القريب فقد كان مسعود يحب الجبل كأكثر ما يحب من الطبيعة .
أمتلأ الكيس وحملته على ظهرى .... المكان خال والصمت رهيب وخارج المقبرة الناس نيام والمسالك خالية الا مني أنا والكيس الذى أحمله على ظهرى ....... وهو يثقل كاهلي وأنا أسارع الخطوات حتى أصل الى المحطة قبل دبيب حركة البشر . البشر الذين لم أعد أتحمل عشرتهم بعد رحيل مسعود . فلقد كرهتهم ولم أعد أطمئن اليهم رغم أن مسعود كان حلقة بيني وبينهم وعمل على تخفيف تشاؤمى من سلوكهم وكشف أركانهم النيرة واقناعي بطيبة قلوبهم . لكني كلما اقتربت من أحدهم بعد عنّى ..الا أن مسعود كان دائما يجد لي دوما مبررات لمثل ذلك السلوك ويراه طبيعا جدا ويدفعنى لقبوله دفعا . لكن اليوم من كان يربطنى بهم هاهو يمتطى ظهرى الآن مطمئنا مثلما كان يمتطيه أيام كانت تسرى منه الحياة ويناجيني بعباراته الحلوة الجميلة.. ويدغدغ أضلعى بحرارتها .
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 24-02-2006, 03:00 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة 4

يزة 4
اني أريده لي وحدي لا أريد غيره شريكا لما تبقى من أيام عمرى ... سأناجيه فى كل وقت فيسمع مناجاتي ويرد بمثلها.
أعرف أن لا أحد من الناس يصدق ذلك . لكن ماشأني بتصديقهم وتكذيبهم ؟! فهم لايؤمنون الا بما يرونه بأعينهم ويسمعون بآذانهم . أما أنا فلي حواس أخرى لايعرفونها أرى بها وأسمع ما لا يرونه ويسمعونه.
نال التعب مني وأصبحت أتعثر فى خطاي . ففرضت الاستراحة نفسها . العرق يتصبب من كل جسمي ويبلل ملابسي . جدران المنازل أخالها تسمع قرقعة عظام الهيكل وحتى الأصوات الخافتة . لكن لا ينبغي عليّ أن أطيل مدى راحتي حتى أصل المحطة قبل خروج الناس الى أعمالهم فالفجر قريب ورغم أني لا أخاف هؤلاء الناس الا أنني أضع لهم ألف حساب لعجزهم عن فهمي . فهم لم يتعودوا رؤية امراة تنبش قبرا وتخرج منه هيكلآ عظميا وهي بهذا الجمال والعمر . فمعرفتهم في هكذا شئون هي أن العجائز الساحرات فقط هن اللاتي يفعلن هذا . ومهما فسرت لهم فلن يفهموني اذ لا أحد على الاطلاق عانى ماعانيت أو عاش كما عشت قصة حب فريدة وبعيدة عما تعوده العشاق من ضنى الحرمان ولذة الوصال وعذاب الظنون وأرق الليل وارهاق النهار . فكل هذا مبتذل ولاتكون قصة حب قصة، الا به.. لكن قصتى بديعة وعجيبة وتخرج عن المألوف . عشتها فى ريعان الشباب ولا أزال أعيشها وأتابعها نبضة نبضة .. وأواصل زمنها لحظة لحظة .. تخفى من التقلب حمله ومن الترقب مداه .. مع رجل مكتمـــــــــل تجاوز الأربعين .
كان مسعود يقول لي بلغة ايطالية جميلة ....
فكرى جيدا ياليزا . أنت مقدمة على أمر صعب أنا لا أريد أن تبتعدي عني ولكن اذا ساورك شك فى قدرتك على تحمل أطواري فتوقفي وابتعدي عني قبل فوات الأوان فأجيبه بلهجة أكثر بلاغة وجمالا ..
اني لهذا جئتك يامسود( مسعود) أردتك رفيقا وصديقا . ولو كنت مثل سائر الرجال الذين أراهم ، تأكل وتمشي في الأسواق لما همت بك . انك تكشف لي عوالم عجيبة وتنقلنى الى أجواء أسطورية بعيدة لم أعرفها حتى في أساطير أجدادي الروم فكيف أرحل عنك وأ نت مطلبي ومرادي .
فيجيبني بنفس الرقي اللغوي وهو العربي الذى ليس بالايطالي الذى يتقن فنون تركيب الكلمات والجمل بشكل أرقى وأرقى : ــ
ليزا .. اني لم أفتح لك صدري وأكشف لك أمري لو لم أجد فيك ما في نفسي من توق الى المجهول وسعي الى المحبوب ونضج فى النفس والمشاعر والعقل . انك اليوم أقرب مني الي .. وألصق بضلوعي من فؤادي . وان هذا والله لأرقى درجات الحب وأرفع مراتب العشـــــــــــــــق .
فأوشوش فى أذنه وأنا أحتضنه بحرارة ، مسود .. انك والله لساكن في أعماق أعماقي ومتمكن فى صميم قلبي . تشكلت فى مخيلتي حلما جميلآ قبل أن أبوح لك بحبي .. وصوّرتك في أحلامي على أجمل صورة ، فوجدتك فى يقظتي أبدع من الصورة وأروع منها فلم أعد أستطيع أن أنفصل عنك وقد أصبحت مني . فهل تنفصل النفس عن نفسها ..

أنت ياليزا قد رفعتيني من مثواى وعبرت بي الشوارع والزقاق والفيافي الى هذا الجبل الأشم ، فما أسعدني بالخروج من تلك الظلمة القاتمة ، وما أكبر فرحتى بلقائك من جديد بعد كل هذه السنوات من الفراق، ألا تصدقين أنني كنت أسمع مناجاتك كلما زرتيني فى العيد ؟. وأنا لا أستطيع أن أجيبك بسبب انطفاء شعلة الحياة في كياني . واليوم فقد أوقدت تلك الشعلة بقوة عزيمتك وصدق حبك وولهك . فمن قال اني سأعود يوما الى هذه الديار وتضميني بين ذراعيك بمنتهى الرقة والحنان . أقتربي مني يا يزة . اقتربي مني فأنا أيضا نفذ صبري وما عدت أتحمل البعد والظلام . أرهقني الصمت فلا يؤنسني غير صوتك ، ولا تريحني غير ذراعيك ولا أجد السكينة الا على كتفيك فنعم المأوى أنت . أقتربي ياليزا وحدثيني كيف صرت بعدي وقد تركتك دون عائل أو ولد مقطوعة عن أهلك وذويك بعد أن قطعوا ذلك البحر الشاسع العميق . وحيدة بين الناس . لايطيب لك مقام الا في هذه الغرفة بمفردك في هذا البيت الشاسع بعد أن خلى من أهله وفاءا لمن شيده وبناه بعد أن طرده أهله وحط به المقام فى هذا الجبل عله ينجوبك وبنفسه فى وسط لايعرف من ماضيه شيء ، سواء شهامة أهله .
لاتتساءلي كيف علمت كل هذا وأنا مدفون منذ سنين تحت اللحود . فكل ما أعلمه عن حياتك وحياة أهل هذه القرية فى هذه الأحراش أخذته عنك .. وعلمته منك .. فقـــــد كنت دوما تميلين الى النجوى وبصوت مسموع فألتقط كل كلامك وأختزنه .. واليوم بعد أن فككت قيودى فأنى قادر على اخراجه .. فقد كانت كلماتك تتساقط على الواحدة تلو الأخرى وتتجمع في ذلك الفضاء الضيق المظلم وتتسلق الى جانبي وتتراكـم عند رأس أكداسا صغيرة تتضخم شيئا فشيئا . لم أتوقع أنك ستتمكنين من القراءة والكتابة وتشتد رغبتك لقراءة كتبي وتعلمها وفهمها مثلما فهمت عن ديني الذي دخلت فيه وحفظت كتابه وأتقنت فروضه وواجباته.... لكن هل لا تزالين مغرمة بكل ذلك ؟.
لا يا مسعود .. لم يكن ذلك في حياتي الا جزءا يسيرا . فأنت وحدك الذي كنت ومازلت كل شيء فيهــــــــــا. ليس للكتاب معنى ولا للدين معنى ان لم يقرّباني منك . لقد كنت أبحث فيهما عنك وخاصة تلك الكراسات التي كانت في تلك الصناديق ، والتي كنت أقرؤها و أعيد قراءتها مرات ومرات فأكتشف فيك كل يوم شأنا جديدا. فقد كنت أنت كتابي الأكبر والأهم. كنت الكنز الذي يزخر بالمعاني التي أحتاج لفهمها . كنز من الكنوز التي لاتفني وذخيرة من الذخائر التي لاتتناقص مع مرور الأيام ..
لقد كنت أقرأ فى وجهك آيات الذكاء والحكمة ، فتنعكس على صفحته ما يعج به داخلك من مواجد وأحلام . انك دعوة الى الرحيل فى لهيب الجسد ، تعبره جسرا الى الآفاق فأكتشف حجبا كانت مغلقة . وانك والله لخير عابر ومعبر الى النور، وأفضل جسر الى الجمال والجلال به . أدركت انسانيتي وحققت شوقي فنعم المعبر أنت ونعم الجسر . فقد كان جسدك دوما يفيض بالحياة وتختلج فيه نعم الدنيا . وكان جسدي لديك قطوفا دانيه تغريك بالعصف والغصف فلا تتوانى و لا تتردد، بل تقبل عليه اقبال الظمآن الى أعذب المياه، تكرع منه مالذ وطاب وتسقينى منهلا عذبا وجنة سلسبيلا تثير مكنون الشهوة وتهيج النيران الخامدة فنحترق معا فى لهيب اللذة والمتعة .
لقد علمتني متع الحس وبكر السبيل وكنت من قبل أجهلها بسبب ماتراكم في ذهني من وصايا التحريم والممنوع ، رغم أني الايطالية التي ينظر لها أنها لاتهتم بهذه الشئون ، ففجرت ماكان مكنونا وأطلقت ماكان حبيسا . فعرفت أن لجسدي علي حقآ وأن المشاعر والأحاسيس مهما تمر عبر اختلاجاته فلا تخطئ المرام ولا تضل السبيل . وكانت سبيلي اليك شهوة عارمة وسبيلك الي متعة ساحرة نلتحم فيها التحاما ونذوب في نارهـــــــــــــــا ذوبانا .


انتظرت يا مسعود بطول ضفائرى الكستنائية وتهىء جسمى للعطاء . وها قد عدت الي اليوم كأجمل ماتكون وأعظم ، وكأن الموت لم يكن يوما مفرقنا .فهذه يدى تبحث فى لهفة عن يدك لتتشابك أصابعنا ثم تطوي وتفتح وتسحب ثم تعود مسرعة تبحث عن بعضها فتتلامس فى لطف ورقة تبغي التواصل والبقاء . ولايفصل بينها فاصل ولا ترغم على فك مابينها من ترابط حميم.
يزة..! ان سواك باطل لاخير فيه ... أحييتينى بعد موت وقطعت بى القفار وجئت بى الى هذه الغرفة المزدانه بالذكريات فلن أبتعد عنك بعد اليوم . ولا أظنك قادرة على تركى أفلت منك ثانية . فكفانا ماعانيناه من ألم الفراق ، ولنبق معا هنا بعيدين عن عيون الناس وأقاويلهم فنحن لا نحتاج اليهم فى شئ . فضمينى الى صدرك فان شوقا كبيرا بي الى حنانه . ضميني يايزة فأني لا أريد أن أعود الى الظلمة ولا الى تلك المدينة التى شاهدت العدوان . سنبقى فى غرفـتنا هذه السعيــــــــدة البهيجة.

*******
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 24-02-2006, 03:03 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي يزة 5

يزة 5
مسعود ان الناس لايصدقون عودتك الى .. لأنه لايمكن فى شرعهم أن يعود الميت حيا.. . وعندما يسمعون مناجاتى يظنون بي الظنون ، والوقت ليل والصوت يسمع صداه . فكيف يمكنهم تصديق مالاطاقة لهم على رؤيته ؟!.
هاهم قد جاؤا فى جمع من الفلاحين والعمال لا نتزاعك منى . هاهم يتجمعون أمام باب بيتنا يصيحون . وأنى لا أتبين ما يقولون لأنهم فى غليان لم أر له مثيلا ، وهم يتكلمون فى وقت واحد . انهم يهددون ويتوعدون ويريدون كسر الباب واقتحام البيت .
اني أزداد اقترابا منك ويشتد ضمى لــــك كلما تعالت صيحات هؤلاء الفلاحين والعمال ، وكلما ازداد طرقهم على الباب.
عادت الأصوات مهددة متوعدة وعاد الطرق على الباب أشد قوة حتى كاد أن ينشق له الخشب. عند ذلك وسدت يزة رأس مسعود بالأرض ونهضت وأخذت زجاجة وقود وعلبة كبريت وفتحت الباب بشدة ووقفت على عتبته ساكتة .
فوجئ القوم واندهشوا وخيم الصمت عليهم وتأخر الرجل المتوعد فنقلت يزة بصرها من واحد الى آخرعلى ضوء نيران تلك العصي التي بأيدي بعض منهم ، فلم تر الا وجوها تملكها الغيظ والحيرة وسادها التوتر والحقد ، فقالت...


ها قد فتحت لكم الباب . فماذا تريدون منى فى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
تقدم صاحب الصوت وصاح فى وجهها نريد الكيس ... ومايحتوى..
قالت : ولماذا ؟ ... فقال : لأنها عظام انسان ميت ولابد أن تدفن فى المقبرة.
فقالت يزة بصوت عال : ما أدراكم أنه ميت .انه زوجى ولن أفرط فيه الى أحد فضج الحاضرون ونظروا لبعضهم بعضا وتبادلوا عبارات الحيرة والتعجب ثم نطــــق أحدهم ، ســــــــــــــــــــــــننتزعه منك عنوة .وقال آخر : مصابها فى زوجها أذهب عقلها . وكثر اللغط والهرج والمرج .. حتى أيقظ من كان نائما.. فالتحقت نسوة وعجائز بالجمع .
ثم قال آخر : أنا لها . سأنتزع منها الكيس فصاح أحدهم :لا، لا ،لا تفعل ان بيدها زجاجة وقود سكبتها على جسدها منذ لحظة . ستشعل النار اذا تقدمت خطوة.
وجاء صوت لاهث من خلف الفلاحين ..لا تفعلوا ابتعدوا عنها..
انه صوت قريرة سائق السيارة التى جاءت فيها من المدينة الى القرية . اخترق صوته الجمع واخترق بجسمه الفاره وهو يفسح لنفسه الطريق بقوة للوصول اليّ .. واقترب منى فسكت القوم فى انتظار ما سيفعله قريرة . هذا السائق الفريد فى الشهامة ، العميق فى الصمت والوفاء والاخلاص ،العريض المنكبين والطويل الشاربين وكأنه حاكم من حكام الأتراك.
توقف قريرة برهة استرد فيها أنفاسه وقال فىصوت حاول أن يجعله رقيقا..
يزة .. اهدئى .. لن يصيبك أحد بسوء مادمت حيا . أنا هنا لأحميك .هؤلاء جميعا لا يفهموك . يحسبونك مجنونة ، وأنت لست كذلك ، هم لايعرفون مدى تعلقك بمسعود . أنا أعلم ما بينكما من محبة . احتفظى بهيكله فى غرفته وهات علبة الكبريت ، أشارت يزة برأسها رافضة .
يزة لا تسيئي الظن بي . أنا فى صفك وضد هؤلاء جميعا وسأصرفهم فى الحال . وفعلآ التفت اليهم وطلب منهم فى لهجة ناهرة العودة لبيوتهم وتركي وشأني . فصاح أحدهم نريد الهيكل . ويجب أن يدفن فى المقبرة ..
فصاح قريرة ...الرجل حى .. فاذهبوا الى شأن حالكم . فقال آخر بلهجة ساخرة نريد أن نراه .. فارتعش قريرة ورفع يده ولطمه لطمة أسقطته أرضا ..واختطف عصاة كانت بيد أحدهم ووقف فى مواجهتهم وهم فى موقف بين أخذ الرجل الذى سقط أرضـــــــــــــا وبين مصارعة قريرة .. فصاح قريرة..كفاكم لجاجا كفاكم لجاجا .. عودوا الى بيوتكم قبل أن يسيل الدم بيني وبينكم .لا دخل لكم فى حياتها الخاصة .. لستم أوصياء عليها ..أو على مسعود ..مسعود ..مسعودها ، وهى تتصرف فيه كما تشاء.
ابتعدوا عن البيت. عودوا الى بيوتكم. فوقف بعض الرجال بين قريرة وباقى الناس وصاروا يدفعونهم بعيدا عن البيت.. وماهى الا برهة حتى خلت المنطقة من الرجال والنساء ولم يبق غير قريرة .. وقد تمزقت ثيابه وسال الدم من خلف كفه نتيجة اللطمة التى لطم بها ذلك الرجل ، وهمّ قريرة بمغادرة المكان فاستوقفته لأشكره ..فالتفت الى قائلا..
يزة .... لقد عرضت نفسي لغضب الناس من أجلك ..ومن أجل مسعود فقد كان صديقا حميما ، وعزّ عليّ أن يهان بهذه الصورة بعد موته . قال ذلك وتركنى واقفة على عتبة باب البيت ... وهو يقول وداعا ..يايزة.. أعانك الله على هؤلاء القوم.
ولم أفهم ماتمتم به بعد ذلك من كلام ..ولم أشعر الا وأنا بجوار هيكل مسعود والنار تشتعل فى كل مكان من البيت ..أنا .. وهيكل مسعود ...البيت ....والفناء .... كل شيء تحول الى ألسنة من لهب. فوسدت رأس مسعود ركبتي وانحنيت عليـــــــــــــــــــــــــــه.

انتهت
الرد مع إقتباس
  #6  
قديم 25-02-2006, 12:53 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

الأخ عبد الحميد المبروك..
أهلاً بعودتك بهذه القصّة الرائعة..
و ننتظر منك المزيد..


أخوك
محمد
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م