النداء الأخير للأخ موسى بن غسان
بسم الله الذي قوانا بدينه الصحيح دين الاسلام بلسم كل جريح, له الحمد على ما من به من نهج صريح, والصلاة والسلام على دواء من أرهقه التبريح الذي أنكر المنكر بكل تصريح وتلويح وبعد:
الأخ موسى أرجو أن يكون هذا النداء الأخير الذي أوجهه إليك بعدما نظرت في كلامك ووزنته بالميزان الشرعي وأن تكون النصيحة الأخيرة فأقول:
أولا: لا أجد والله لك مخرجا شرعيا من حكمك على حديث رسول الله بالوضع إلا التحكم والخوض في ما لست أهلا له وهذا حرام ممنوع من الكبائر وقد طلبت منك أن تبين مستندك في علم الحديث قبل أن أخوض معك في إسناد الحديث لأنني لن أسمح كمراقب لأي كان أن يخوض في حديث رسول الله بدون علم ولا مستند إنما الحال أنك وجدت رجلا طعن فيه بعض الأئمة فاتخذت هذا وسيلة للحكم على الحديث بالوضع والعياذ بالله وهنا سؤال أرجو أن تجيب عليه:
1- هل علمت أحدا من الحفاظ حكم على الحديث بالوضع بسبب العلة التي أجريتها عليه؟
2- هل غاب عن ذهن هؤلاء الكبار أن من اتخذته وسيلة للطعن بالحديث كما قال عنه الإمام الشافعي؟
3- إن كنت لم تر تحسين الإمام الترمذي له وخاتمة الحفاظ الإمام السيوطي فكيف بربك تجرأت على الحديث؟ وقلتها بكل ثقة: وهنا لا بد من مناقشة الإسناد, وليت شعري من مِن أتباع كلمة لا إله إلا الله نص على اعتبارك في هذا العلم في هذا العصر لتقول على حديث رسول الله ما ليس فيه؟
4- علم الحديث وعلم الجرح والتعديل لا بد لهما من دراسة وممارسة وعلى طالب هذا العلم أن يحفظ عباراتهم واصطلاحاتهم وليس هذا الأمر بالهين بل هو علم عويص لا يعرف دقائقه إلا من فتح الله عليه, وكم من فقيه لا علاقة له بهذا العلم وكم من نحوي متبحر لم يرزقه الله غيضا من فيض هذا العلم, فهذا العلم له أهله ومن يتعد حدوده يخسر وهو عند الله من المعتدين.
5- لقد رأيت بعينك نقلي تحسين الترمذي والسيوطي والمناوي وليتك علمت أحدا من حفاظ الحديث قال بأن هذا الحديث موضوع فنقلته لكنك حكمت على الحديث بمطالعة كتاب ويا حسرة على ما اقترفت في حق حديث رسول الله.
6- جعلك هذا الحديث دليلا من أدلة من قال بوجود بدعة حسنة يشهد لها أصل في الشرع والرد عليه حقا يدل على أنك لا تعمل شيئا سوى النقل من دون تمحيص فإن هذا الحديث نص في السنة التي أميتت (يعني فعلها الرسول ثم تركت) وأين هذا من أصل الموضوع وهو الدليل على وجود بدعة حسنة يشهد لها أصل من أصول الشريعة؟
7- والحديث وإن كان في الأصل ضعيف فإنه بكثرة الشواهد يرتقي إلى درجة الحسن والقبول عند عامة الفقهاء وقد نقلت لك كلام الإمام الخطابي وعمل به العلماء من غير نكير منهم ابن الصلاح الشهرزوري إمام هذا الفن والحافظ العراقي والسيوطي صاحب التدريب وتعريف الإمام الترمذي للحسن مطابق لحد الحسن لغيره وكتبهم طافحة بتقرير حد الحسن لغيره وأنه حجة حجة.
8- لهذا فخلاصة التحقيق في كلامك أنك تجرأت على حديث رسول الله من دون علم وكلامك أوضح دليل وتجرأت فزدت قولك: وتحسين الإمام الترمذي (منقوض) بأقوال أئمة الجرح والتعديل. فاجعل هذه العبارة وصمة لا تفارقك وأذكرك بقول أحد الناس وهو يدعو: اللهم اغفر ولا أظنك تفعل, وجعل يكررها ويكررها فقال له رجل: يا هذا إن قنوطك أكثر من استغفارك ففيم كل هذا؟ فقال: لقد كذبت على رسول الله.
هذا بالنسبة لجرأتك على الحديث وهي وحدها كفيلة بإيقاف اشتراكك.
أما بالنسبة لخوضك مع الخائضين في كلمة (كل) فلقد ناشدتك أن تنظر في كلامهم ولما نظرت في كلامهم أتيت بما هو أكثر عجبا من كلامك الأول وكأنك يا أخ موسى تقول للمشتركين: أنا أريد أن أثبت كلامي ولهذا فإني سأرد كل كلامكم بدليل وغير دليل ولنأت إلى إثبات هذا عنك:
-1- في آخر كلامك قلت عن حديث أصدق كلمة والذي فيه قول لبيد:
ألا كل شىء ما خلا الله باطل.
قلت للأسف: أخي هناك استثناء ما عدا الله.
والجواب: ومن قال لك بأن كل شىء غير الله باطل فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الذي رواه البخاري: والجنة حق والنار حق. وهنا بيت القصيد لأن كل دخلت على نكره ومع هذا فهي ليست للعموم فما لك قلبت الموضوع فورا إلى سؤالك: وأين الدليل في هذا على تخصيص البدعة؟
والجواب: ومن قال لك أن الكلام عن الحديث هو عن البدعة أم نسيت أنك كنت تتكلم عن دخول كل وهي من ألفاظ العموم على النكرة وأنها للاستغراق عندها, فها هي لم تستغرق في الحديث ولا في قوله تعالى: والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.
الله تعالى يقول: (كل واحد) فكل من ألفاظ العموم و واحد نكره ومع هذا فهي ليست عامة في كل جزئياتها لأن المحصن يرجم ولا يجلد, فصدق من قال بأنها لا تدل دائما على العموم بل كما نقل بعضهم عن الإمام الباجي بأن مذهب عامة الفقهاء أنه يبحث أولا عن أدلة التخصيص فإن لم توجد فهي للعموم.
وقول الباجي: وجب حملها على عمومها " إلا ما خصه الدليل " يعني أنه إن وجد دليل للتخصيص فقد سلبت العموم وإلا فلا تخصيص عندها وأوضح دليل على تخصيص الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
فالنبي عليه الصلاة والسلام قيد الرد بأن يكون على غير أمر المسلمين ولهذا كانت المذاهب الأربعة مذاهب الهدى وغيرها من مذاهب الأئمة كالامام سفيان الثوري والليث ابن سعد وأبي ثور وابن المنذر بدعا حسنة لأنها ليست على خلاف ما أمر به الرسول. فلهذا فإن المحدثات إذا كانت على أمر المسلمين بأن توافق أصول الشريعة فهي محدثة هدى حسنة ومن شاء قال بدعة حسنة.
أما عدم اعترافك بالإمام أبي بكر بن فورك شيخ الإمام البيهقي فهذا يضرك ولا يضره فهو من أئمة الهدى وهو أجل من أن يتكلم فيه من يتجرأ على حديث رسول الله بغير علم. وما هي هذه الملاحظات بعدما وصفه الإمام الباجي بالشيخ وكلمة شيخ عندهم ليست كما هي الآن فإن من درس هنا في جامعة من الجامعات يصير شيخا للأسف.
أما الإمام الشافعي فأنا أتوقف عند قولك: فسأكتب ردي لأعادة هيبة هذا الأمام الجليل من وصفكم له بما لا يليق بعد منا قشة إجماع الصحابة.
أرى أنك ادعيت إجماع الصحابة بغير دليل فإن كنت أنت الذي ادعى هذا الاجماع بحجة اطلاعك على بعض الوريقات فهذا قول عظيم وجرأة عظيمة في الدين ثانية فإن الإجماع له رجال جبال غاصوا في مذاهب العلماء من لدن الصحابة إلى زمن استقرار الإجماع في زمن من الأزمنة فهل أنت منهم؟ لا لست منهم وإن كنت نقلت هذا الكلام عن أحد العلماء الذين هم من المراجع عند أهل السنة والجماعة فانقله إن كان ما تقوله صحيحا.
لكنه ليس صحيحا لأني بحثت فعلا عن عبارة الإمام المجتهد السيوطي رضي الله عنه فوجدته يقول في كتاب الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع الآتي: والحوادث تنقسم إلى بدعة مستحسنة وإلى بدعة مستقبحة قال الإمام الشافعي: البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم.
وهذا وحده يكفي لبيان أنك نسبت إلى دين الله ما ليس منه.
ثم قال السيوطي: فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها رجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء ولا يلزم من فعله محظور شرعي. انتهى
فإما أن يكون السيوطي مخطئا في نقله أو أن تكون أنت والمسألة محسومة هنا فإنك ولا شك المخطئ فأين أنت من السيوطي, وإما أن يكون السيوطي كذب وحاشاه فالامر واضح هنا.
فوالله لا أدري بأي وجه تلقى رب العالمين وأنت تقول ما تقوله في هذا الشهر الكريم فادع الله أن يغفر لك وارجع عن إصرارك هذا فإنه في العرف يسمى مكابرة وتحكما.
أما الإمام الشافعي فلا أرى أحدا غيرك انتقصه أما كل المشتركين الذين نقلوا كلامه فإنهم لم يطعنوا فيه بل أنت الذي تستعمل عبارة محسني البدع كوصف لمن تراه مبتدعا فحسبك الله وأرجو أن لا تتهرب من هذه العبارة فهي ثابتة في أصل كلامك.
ونقلك عن ابن حجر والحافظ العيني في العمدة هو عين كلام من قال بوجود البدعة الحسنة أو المحدثة الحسنة فهي معتبرة بأنها حسنة بشرط موافقتها لأصل من أصول الشريعة وأنبهك إلى أن معنى أصل من أصول الشريعة يعني اندراجها تحت أصل عام كقوله تعالى: وافعلوا الخير وقوله عليه الصلاة والسلام: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء. رواه مسلم
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا – ما ليس منه – فهو رد. فالتقييد بأنه ليس من دين الله يعني غير موافق لأصول الشريعة كما قال غير واحد من الحفاظ منهم ابن رجب الحنبلي.
وقبل أن أختم الكلام بهذه النصيحة أصرح لك بتعجبي الشديد بقولك لبعض المشتركين: يا أخي نا قشني في حديث رسول الله أولا ثم نتكلم عن قول فلان وفلان
ولا بفسر من كلامي التهرب ولكن الأقول التي يحتج بها المحسن للعلماء تحتاج وقتا وجهدا بل موضوع خاص
أقول لك: والله هذا عجيب عجيب عجيب عجيب كيف تريد منهم أن يتركوا أقوال العلماء ويناقشوك في الحديث وهل يكون تفسير الحديث إلا بأقوال العلماء الذين هذبوا ورتبوا ونظموا أبواب الشريعة؟
أليس قولك هذا بدعة وبئس البدعة؟ فليتك تنصح نفسك قبل أن تنصح غيرك ووالله لا أدري كيف تريد منهم أن يتركوا أقوال العلماء والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا إنما ورثوا علما فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.
فكيف تريد أن تناقش حديث رسول الله من دون الرجوع إلى أقوال العلماء هذه هي بدعة الضلالة
والأخ ناصح ذكر كلاما والله هو عين التحقيق فلا أدري لم تصر على هذا الإنكار وكذلك كل من الإخوة أشعري والجواهري وطالب لم يخرجوا عن حدود الشريعة فيما ذكروه ولقد راقبت الموضوع من أوله لكني لا يسعني أن أسكت عن الحق لأن الساكت عنه معين على المنكر وهذا ما لا أرجو أن أدخل فيه وأسأل الله لي ولك وللجميع منا هنا السداد والتوفيق لما فيه خير لكن ليس بهذا الحد من التجاوز, والكلام الذي ذكره الأخ ناصح يكفي طالب الحق.
انتهى, فالموضوع محسوم بوجود بدعتين بدعة هدى وبدعة ضلالة كما صح عن الإمام الشافعي وقوله وحده يكفي من غير نكير بين العلماء فكان إجماعا سكوتيا منهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين
|