مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #61  
قديم 12-05-2004, 06:33 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث التاسع

ما نهيتكم عنه فاجتنبوه

وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) رواه البخاري ومسلم .

هذا الحديث هو الحديث التاسع من هذه الأربعين النووية، وهو حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ) .
قال -عليه الصلاة والسلام-: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) فما نهى عنه فإنه يُجتَنَب، وهذا عام في كل منهي عنه، والمنهي عنه قسمان: منهي عنه للتحريم، ومنهي عنه للأفضلية، يعني: يكون النهي فيه للكراهة ، وما كان للتحريم يجب فيه الاجتناب، وما كان للكراهية يستحب فيه الاجتناب.
إذن قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) هذا كقول الله -جل وعلا- : مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7} - سورة الحشر
فالذي نهى عنه -عليه الصلاة والسلام- نحن مأمورون بالانتهاء عنه، فإن كان محرما فالأمر بالانتهاء عنه أمر إيجاب، وإن كان مكروها فالأمر بالانتهاء عنه أمر استحباب.
إذا تقرر هذا، فالمنهي عنه خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الشريعة ليس هو النهي، وإنما الأصل فيها الأمر، والمنهيات بالنسبة للأوامر قليلة، وما نُهِيَ عنه لأجل أنه خلاف الأصل لم يجعل الله -جل وعلا- النفوس محتاجة إليه في حياتها؛ بل هي مستغنية عما نُهِيَ عنه.

فإذا نظرت في باب الأطعمة فإن ما أُهِلَّ به لغير الله ليس محتاجا إليه، الميتة ليس محتاجا إليها ، والأشربة المسكرة ليس المرء محتاجا إليها، والألبسة المحرمة ليس المرء محتاجا إليها؛ وإنما في الحلال كثير كثير غُنْيَة عن هذه المحرمات، فتكون هذه المحرمات في كل باب كالاستثناء من ذلك الباب، فالمحرمات من الأشربة استثناء مما أُبِيحَ وهو الكثرة في باب الأشربة، والمحرمات من الأطعمة استثناء مما أُبِيحَ وهو الكثرة في باب الأطعمة .
وهكذا في باب الألبسة، وهكذا في البيوعات والعقود، وأشباه ذلك.
وهذا من لطف الله -جل وعلا- بالعباد؛ فإنه -جل وعلا- ما جعل شيئا منهيًّا عنه فيه إقامة الحياة، بل كل المنهيات عنها إنما ابتلَى الله -جل وعلا- العباد بها.
وما لم يُنْهَ عنه فإنه، أو ما أُمِرَ به فإنه خير، سواء أَفَعَلَه المرء رغبة في الأجر بإخلاص، أو فعله لغير مرضاة الله، هذا التفصيل يذكره العلماء عند قول الله -جل وعلا- في سورة "النساء" : لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {114} سورة النساء.
هذه المأمورات فيها خير، ولو فعلها بغير نية صالحة؛ لأنها متعدية النفع، متعدية الأثر، وإن فعلها بنية صالحة فإنه يؤجر مع بقاء الخير، وإن فعلها بغير نية فإنه لا يؤجر عليها مع بقاء خيرية هذه الأفعال، ولهذا وصفها بالخيرية.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #62  
قديم 12-05-2004, 06:35 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

فمن أمر بصدقة أو معروف، أو إصلاح بين الناس بلا نية، فقد أتى خيرا، ولو كانت نيته غير صالحة؛ لأن هذه الأفعال متعدية، وإذا أتاها بنية صالحة فإنه يؤجر عليها.
بخلاف المحرمات؛ فما حُرِّم ونُهي عنه فإنه يجب اجتنابه، فلا خير فيه ألبتة، يعني من حيث تعدي الخير أو تعدي المصلحة، وقد يكون فيه منفعة دنيوية، لكنها مقابلة بالمضرة، كما قال -جل وعلا- في الخمر والميسر :- يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {219} ‏سورة البقرة .
ففيها نفع باعتبار المُعَيَّن، لكن باعتبار الضرر فيها إثم كبير، وهذا بخلاف الأوامر التي فيها خير.
إذا تقرر هذا فنقول: قوله -عليه الصلاة والسلام-: ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) هذا عامٌّ في كل منهي، وجواب الشرط "فاجتنبوه" .
والمنهي عنه إما أن يكون محرما، وإما أن يكون مكروها كما ذكرت لكم، والأصل في المنهيات -يعني فيما نهى عنه عليه الصلاة والسلام- إذا كان في أمور العبادات أنه للتحريم، وإذا كان في أمور الآداب أنه للكراهية، يعني: إذا جاء النهي في أمر من العبادات فهو للتحريم؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف، وإذا جاء النهي في أدب من الآداب، فالأصل فيه أن يكون للكراهة.
بهذا أجمع العلماء على أن النهي الوارد في بعض الآداب، والأمر الوارد في بعض الآداب، أنه للاستحباب في الأوامر، وللكراهة في النواهي، ومنه أخذ طائفة من أهل العلم أن النهي في الآداب للكراهة -يعني الأصل فيه للكراهة- إلا إذا جاءت قرينة تدل على أن الأصل فيه للتحريم.
مثلا: قال -عليه الصلاة والسلام- ، أو جاء في -مثلا- في الحديث ، الحديث الذي رواه البخاري: ( وألا أكف ثوبا ولا شعرا في الصلاة ) هل هذا متصل في العبادة ؟
يعنى: هو عبادة، أو هو أدب لشرط من شرائط العبادة وهو اللباس؟
هو أدب، ألا يكف ثوبا ، ألا يكف شعرا هذا أدب، ولهذا ذهب عامة أهل العلم -إلا عدد قليل- ذهبوا إلى أن النهي هنا للكراهة، فلو صلَّى وهو كافٌّ ثوبه، أو وهو عاقص شعره، فالصلاة صحيحة، ولا إثم عليه، ولو كان النهي للتحريم لصارت الصلاة فاسدة كنظائرها.
مثل الأوامر: ( سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك ) .
( كل بيمينك ) عامة أهل العلم على أن الأكل باليمين مستحب، والأكل بالشمال مكروه، وهناك من قال بالتحريم، وفي كل المسائل هذه خلاف بتعارض الأصل فيما بين أهل العلم.
لكن الجمهور هنا قالوا: هذا أدب، كل بيمينك، فلما كان أدب صار الأصل فيه أنه للاستحباب، و"كل مما يليك" الأصل فيه أنه للاستحباب.
ولهذا ترى في كثير من كتب أهل العلم يقول: النهي هذا للكراهة؛ لأنه من الآداب، والأمر للاستحباب؛ لأنه من الآداب، فيجعلون من الصوارف كون الشيء من الآداب، وهذا مهم.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #63  
قديم 12-05-2004, 06:36 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال -عليه الصلاة والسلام- هنا : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) ولم يقيد بالاستطاعة، بل أوجب الاجتناب، بل قيد -كما قلنا- لأن الانتهاء من المنهيات ليس فيه تحميل فوق الطاقة؛ بل المنهيات لا حاجة للعبد بها، يعني: لا تقوم حياته بها، بل إذا استغنى عنها تقوم حياته، فليس محتاجا ولا مضطرا إليها، وأما إذا احتاج لبعض المنهيات فهنا الحاجة يكون لها ترخيص بحسبها.
قال: ( وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ) .
ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم؛ لأن الأوامر كثيرة، ليست مثل المنهيات، ومنها ما قد لا يستطيعه العبد، ولهذا جاءت القواعد -بناء على هذا الحديث-: "لا واجب مع العجز".
يعني: أن المرء إذا عجز عن الشيء فلا يجب عليه، كما جاء في حديث عمران: ( صلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب ) .
فهنا يأتي ما استطاع ، وقد قال -جل وعلا- : لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286}‏ سورة البقرة .
وقال -جل وعلا-: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {16}سورة التغابن .
وقال -جل وعلا- : وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {78}‏سورة الحج ، إلى آخر الأدلة على تعليق الوجوب بالقدرة والاستطاعة.
إذن دلنا قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ) أن الأوامر كثيرة ، وأنه لا واجب إلا مع القدرة ، تجب إذا قدرت عليها، وإذا كنت عاجزا وغير مستطيع فلا يجب عليك ذلك بنص النبي عليه الصلاة والسلام .
هنا اختلف العلماء في مسألة يطول الكلام عليها: هل منزلة النهي أعظم، أو منزلة الأمر؟ يعني: هل الانتهاء عن المنهيات أفضل، أم فعل الأوامر والإتيان بها الأفضل؟
تنازع العلماء في هذا على قولين :-
القول الأول : أن الانتهاء عن المنهيات أفضل من فعل الأوامر، واستدلوا عليه بأدلة منها هذا الحديث ، بأنه أمر بالانتهاء مطلقا ، وقالوا: الانتهاء فيه كلفة؛ لأنها أشياء تتعلق بشهوة المرء، و ( حُفَّتْ الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ) فالانتهاء عن المنهيات أفضل .
وقال جماعة: بل الأمر أفضل، يعني: امتثال الأمر أفضل وأعظم منزلة، واستدلوا عليه بأدلة منها : أن آدم -عليه السلام- أُمِرَتْ الملائكة بالسجود له، فلم يسجد إبليس، يعني: لم يمتثل الأمر، فخسر الدنيا والآخرة، فصار ملعونا إلى يوم يبعثون، وثم هو في النار أبد الآبدين، وهذا لعظم الأمر.
قالوا : وآدم أكل من الشجرة التي نهي عنها، فغُفِرَ له بذلك ، فهذا أمر بالأمر فلم يمتثل فخسر، ذاك فعل المنهي عنه ثم أعقبته توبة.
وهذا القول الثاني هو الأرجح والأظهر في أن فعل الأوامر أعظم درجة، وأما المنهيات ارتكابها فإنه على رجاء الغفران ، أما التفريط في الأوامر -يعني الواجبات الشرعية، الفرائض والأركان ونحو ذلك- فهذا أعظم وأعظم مما نهى الله -جل وعلا- عنه ، مع ارتباط عظيم بين هذا وهذا.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #64  
قديم 12-05-2004, 06:38 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وهذا يفيدنا في تعظيم مسألة الأمر، وأن الأمر في تعليق العباد به أعظم من تعليقهم بترك المنهي، خلاف ما عليه كثيرون -مثلا- من الدعاة وغيرهم والوعاظ، في أنهم يعظمون جانب المنهي عنه في النفوس الناس، وينهونهم عنه، ويفصلون في ذلك، ولا يفصلون لهم في المأمورات، ولا يحضونهم عليها ، وهذا ليس بجيد؛ بل أمر الناس بما أمر الله -جل وعلا- به وحضهم على ذلك هذا أولى -يعني أرفع درجة- مع وجوب كلٍّ من الأمرين في البيان على الكفاية.
قال : ( فإنما أهلك مَن قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) .
( أهلك مَن كان قبلكم ) أو الذين من قبلكم ( كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) هذا لأن السؤال عن الأشياء لم تحرم لزيادة معرفةٍ، أو لتنطع، أو ما أشبه ذلك، هذا محرم، فما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم نأتي منه ما استطعنا، وفي وقت التشريع، في وقت نزول الوحي نُهِيَ الصحابة أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن مسائل؛ لأنه ربما حُرِّمَ عليهم بسبب المسألة.
قد جاء في الحديث : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحَدَّ حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها ) .
جاء -أيضا- في صحيح مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- قال : ( إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما رجل سأل عن شيء لم يُحَرَّم فَحُرِّمَ لأجل مسألته ) .
فكثرة المسألة لا تجوز ، قد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يسألون النبي -عليه الصلاة والسلام- ، وكانت مسألتهم قليلة كلها في الفرائض، وكانوا يفرحون بالرجل يأتي من البادية ليسأل وليستفيدوا.
وهذا من الأدب المهم الذي يُلْتَزَم به؛ فإن كثرة المسائل ليست دالة على دِين، ولا على ورع، ولا على طلب علم؛ وإنما ينبغي على طالب الحق، وصاحب الدِّين والخير أن يُقلَّ المسائل ما استطاع، وقد قال -جل وعلا- : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) سورة المائدة الآية 101.
فالسؤال عن أشياء لم يأتِ فيها تنزيل هذا ليس من فعل أهل الاتباع، بل يُسأل عمَّا جاء به التنزيل؛ لأن الله -جل وعلا- في هذه الآية قال: وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {101}سورة المائدة.
فدلَّ على أن السؤال -إذا كان متعلقا بفهم القرآن، ويتبعه فهم السنة- فإن هذا لا بأس به ، أما أن تكثر المسائل في أمور ليس وراءها طائل، فهذا مما ينبغي تركه واجتنابه.
وقد قال هنا -عليه الصلاة والسلام- : ( فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم ) .
وأنت تلحظ هذا، الذين يكثرون السؤال يكثر عندهم الخلاف، ولو أخذوا بما عليه العمل، وما تعلموه وعملوا به ، وازدادوا علما بفقه الكتاب والسنة لحصلوا خيرا عظيما ، أما كثرة الأسئلة تؤدي إلى كثرة الخلاف.
فلهذا ما يُسْكَت عنه ينبغي أن يظل مسكوتا عنه، وألا يُحَرَّك، إلا فيما كان فيه نص، أو تتعلق به مصلحة عظيمة للمسلمين، فيُسْكَت لا يُحَرَّك عن شيء؛ لأنه ربما لو حُرِّكَ بالسؤال لاختلف الناس ووقعت مصيبة الاختلاف والافتراق، وهذا ظاهر لكم في بعض الأحوال والوقائع، في التاريخ القديم والحديث .
نقف عند هذا، وأسأل الله الكريم لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، نعوذ بالله أن نَزِلّ أو نُزَل، أو نضل أو نضل، أو نجهل أو يُجْهل علينا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

إنتهى شرح الحديث التاسع

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #65  
قديم 10-06-2004, 02:53 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث العاشر

إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {51}سورة المؤمنون .
وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {172}سورة البقرة .
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب له ) رواه مسلم .
هذا الحديث -أيضا- من الأحاديث التي قيل فيها: إنها أصل من أصول الدين، يعني: أن كثيرا من الأحكام تدور عليها.
وهذا الحديث فيه الأمر بالأكل من الطيب، وأنه سمة المرسلين، وسمة المؤمنين بالمرسلين، وأثر ذلك الأكل الطيب من الحلال على عبادة المرء، وعلى دعائه، وعلى قبول الله -جل وعلا- لعمله، فقال -رحمه الله تعالى- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) .
وقوله: ( إن الله طيب ) يعني: أنه -جل وعلا- منزَّه عن النقائص والعيوب، وأنه -جل وعلا- له أنواع الكمالات في القول والفعل، فكلامه -جل وعلا- أطيب الكلام، وأفعاله -جل وعلا- كلها أفعال خير وحكمة، والشر ليس إلى الله جل وعلا .
فالله -سبحانه- طيب بما يرجع إلى ذاته، وإلى أسمائه، وإلى صفاته -جل وعلا- ومن أوجه كونه طيبا أنه -جل وعلا- هو المستحق للعبادة وحده دونما سواه، وهو المستحق لأنْ يسلم المرء وجهه وقلبه إليه -سبحانه- دونما سواه.
ولكونه -جل وعلا- طيبا لا يقبل إلا طيب، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) .
ومعنى قوله: ( لا يقبل ) يعني: لا يرضى، ولا يحب إلا الطيب، وأيضا يعني: لا يثيب، ولا يأجر إلا على الطيب؛ فإن كلمة "لا يقبل" هذه -في نظائرها مما جاء في السنة- قد تتوجه إلى إبطال العمل، وقد تتوجه إلى إبطال الثواب، وقد تتوجه إلى إبطال الرضا بالعمل، وهو مستلزِم في الغالب لإبطال الثواب والأجر.
يعني: أن العمل قد يقع مُجْزئًا ولا يكون مقبولا، كما جاء في الحديث: ( لا يقبل الله صلاة عبد إذا أبق حتى يرجع ) .
و ( من أتى كاهنا أو عرافا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) وأشباه ذلك .
فتقرر أن كلمة "لا يقبل" هذه تتجه إلى نفي أصل العمل، يعني: إلى إبطاله ، كما في قوله: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) .
هذه فيه إبطال العمل إلا بهذا الشرط، وقد تتجه إلى إبطال الرضا به، أو الثواب عليه، فهذه ثلاثة أقسام.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #66  
قديم 10-06-2004, 02:54 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

هنا ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) تحتمل بحسب العمل، أن يكون المنفي الإجزاء، أو أن يكون المنفي الأجر والثواب، أو أن يكون المنفي الرضا به والمحبة له، يعني: لهذا العبد حين عمل هذا العمل.
فقال : ( لا يقبل إلا طيبا ) يعني الذي يوصف بأنه مجزئ، وأنه مرضي عنه عند الله -جل وعلا- وأنه يثاب عليه العبد هو الطيب، وأما غير الطيب فليس كذلك، فقد يكون غير مرضي، أو غير مثاب عليه، وقد يكون غير مجزئ أصلا، بحسب تفاصيل ذلك في الفروع الفقهية.
إذا تقرر هذا فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا: ( لا يقبل إلا طيبا ) هذا فيه أن الله -جل وعلا- إنما يقبل الطيب على الحصر.
و"الطيب" جاءت النصوص ببيان أن الطيب يرجع إلى الأقوال، وإلى الأعمال، وإلى الاعتقادات.
فحصل أن الله -جل وعلا- من آثار أنه طيب أنه لا يقبل من الأقوال إلا الطيب، ولا يقبل من الأعمال إلا الطيب، ولا يقبل من الاعتقادات إلا الطيب.
ما هو القول الطيب، والعمل الطيب، والاعتقاد الطيب؟
فسرنا الطيب -أولا- بأنه هو المبرأ من النقائص والعيوب ، وكذلك القول والعمل والاعتقاد هو المبرأ من النقص والعيب، يعني: الذي صار بريئا من خلاف الشريعة.
فالطيب هو الذي وُوفِق فيه الشرع، فالقول والطيب هو الذي كان على منهاج الشريعة، والعمل الطيب هو الذي كان على منهاج المصطفى صلى الله عليه وسلم والاعتقاد الطيب ما كان عليه الدليل من الكتاب ومن السنة.
فهذا هو الطيب من الأقوال والأعمال والاعتقادات.
وإذا صار قول المرء طيبا فإنه لا يكون خبيثا، والخبيث لا يستوي والطيب، كما في آية "المائدة": قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {100}.
وكذلك في الأعمال والاعتقادات، فنتج من ذلك أن العبد -إذا تحقق بالطِيبِ في قوله وعمله واعتقاده- صار طيبا في ذاته، والطيب له دار الطيبين ، كما قال -جل وعلا- : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {32} سورة النحل .
ومن صار عنده خبث في بدنه وروحه، نتيجة لخبث قوله، أو خبث عمله، أو خبث اعتقاد، ولم يغفر الله -جل وعلا- له، فإنه يُطَهَّر بالنار حتى يدخل الجنة طيبا؛ لأن الجنة طيبة لا يصلح لها إلا الطيب.
وهذا -في الحقيقة- فيه تحذير شديد، ووعيد وتخويف من كل قول أو عمل أو اعتقاد خبيث، يعني: لم يكن على وفق الشريعة، فالطيب هو المبرأ من النقص، وأعظم النقص في العمل، أو من أعظم ما ينقص العمل أن يتوجه به إلى غير الله -جل وعلا-، وأن تُقْصَد به الدنيا.
فتَحَصَّل هنا أن قوله : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) يعني: لا يقبل من العمل والقول والاعتقاد إلا ما كان على وفق الشريعة، وأُرِيدَ به وجهه -جل وعلا-، هذا حاصل تعريف الطيب؛ لأن العلماء نظروا في كلمة "طيب" في وصف الله -جل وعلا- وفيما ما يقابلها، وتنوعت أقوالهم، والذي يحقق المقام هو ما ذكرته لك.
قال -عليه الصلاة والسلام-: ( وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ) .
المرسلون أُمِرُوا وأتباع المرسلين -الذين هم المؤمنون- أُمروا -أيضا- بما أُمر به المرسلون، فقال -جل وعلا- في قوله : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {51}في آية "المؤمنون".
وقال -جل وعلا- في وصف المؤمنين، أو في أمره للمؤمنين في آية "البقرة" : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {172}.
فأمر المؤمنين بأن يأكلوا من الطيبات، وأمر المرسلين بأن يأكلوا من الطيبات، وأمر الجميع بأن يعملوا صالحا، وهذا يدل على أثر أكل الطيبات في العمل الصالح؛ لأن الاقتران في قوله : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {51}سورة المؤمنون ، لأن الاقتران يدل على أن بينهما صلة، والصلة ما بين أكل الطيب والعمل الصالح هي تأثير الأكل الطيب في العمل الصالح.
ولهذا قال كثير من أهل العلم : إن العمل لا يكون صالحا حتى يكون من مال طيب. فالصلاة لا تكون صلاة صالحة مقبولة حتى يكون فيها الطيب من الأقوال، ويكون لباس المرء طيبا، ويكون تخلص من الخبيث من النجاسات وغيرها، إلى آخر ذلك .
والزكاة لا تكون مقبولة حتى تكون طيبة، بأن تكون عن نفس طيبة، وألا يراد بها رياء ولا سمعة إلى آخر ذلك.
والحج كذلك؛ فمن حج من مال حرام لم يُقْبَل حجه؛ لأن الله -جل وعلا- لا يقبل إلا الطيب.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #67  
قديم 10-06-2004, 02:55 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

ثم ذكر -عليه الصلاة والسلام- مثالا من أمثلة تأثير الأكل الطيب في بعض الأعمال الصالحة، وأثر أكل الحرام في بعض الأعمال الصالحة، فقال أبو هريرة رضي الله عنه ثم ذكر -يعني النبي عليه الصلاة والسلام- : ( الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربِ يا ربِ، أو يا رب يا رب. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، ومأكله حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك ) .
قال: ( ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء ) .
ذكر هذه الصفات؛ لأن هذه الصفات مظنة الإجابة؛ فالسفر من أسباب إجابة الدعاء .
قد جاء في الحديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث يستجاب لهم ) وذكر منهم المسافر.
فالسفر من أسباب الإجابة، وهذا قد تعرَّض لسبب من أسباب الإجابة وهو السفر.
ووصفه بقوله: ( يطيل السفر ) وإطالة السفر تعطي كثيرا من الاغتراب، وفيه انكسار النفس، وحاجة النفس إلى الله -جل وعلا- إذا كان السفر للحاجة، قد يطيل السفر -يعني من حاجته- يحتاج إلى السفر في معيشته ، يحتاج إلى السفر في أموره، وإلا فإن المرء لا يختار إطالة السفر إلا لحاجة.
قال : ( يطيل السفر أشعث أغبر ) وهاتان الصفتان تدلان على ذلته، وعلى استكانته، وهذه يحبها الله -جل وعلا-، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لبس شيئا خلقا، ولم يتزين، وإنما صار أشعث، ثم توجه في خلوة، ودعا الله -جل وعلا- وقال: إنه أقرب للإجابة؛ لما في هذه الصفة من انتفاء الكبر، وقرب التذلل والاستكانة، وهذه يكون معها الاضطرار والرغب، وعدم الاستغناء .
فذكر -عليه الصلاة والسلام- هذه الصفة، فقال : ( أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء ) وهذه صفة -أيضا- ثالثة، في أنه يمد يديه إلى السماء في رغب أن يكون أتى بما يُجَابُ معه دعاء، ورفع اليدين في الدعاء سنة، كما سيأتي بيان بعض ذلك.
يقول: ( يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب ) وذكره هنا "يا رب" مكررة، ويجوز أن تقول: يا ربِ على حذف الياء، أو يا ربُ على القطع، في تكريرها ذكر لصفة الربوبية، ومعلوم أن إجابة الدعاء من آثار ربوبية الله -جل وعلا- على خلقه.
ولهذا لم تكن إجابة الدعاء للمؤمن دون الكافر ، بل قد يجاب للكافر، ويجاب للمارد ، وقد أجيب لإبليس؛ وذلك لأن إجابة الدعاء من آثار الربوبية، كرزق الله -جل وعلا- لعباده، وكإعطاءه لهم، وكإصحاحه إياهم، وإمدادهم بالمطر، وأشباه ذلك مما قد يحتاجون إليه.
فقد يدعو النصراني ويستجاب له، وقد يدعو المشرك ويستجاب له، إلى آخر ذلك.
وتكون هنا الاستجابة لا لأنه متأهل لها؛ ولكن لأنه قام بقلبه الاضطرار والاحتياج لربه -جل وعلا-، والربوبية عامة للمؤمن وللكافر.
ذكر هنا: "يا رب، يا رب" وهذا من آداب الدعاء العام كما سيأتي، وذكر هذا بلفظ الربوبية -أيضا- من أسباب إجابة الدعاء .
قال في وصف حاله -مع أنه تعرض لهذه الأنواع مما يجاب معه الدعاء- قال في وصف حاله: ( ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي ) -بالتخفيف، فغلط من يقولها بالتشديد غُذِّيَ، لا، هي غُذِيَ من الغذاء، ( غذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ) .
يعني: فبعيد ويتعجب أن يستجاب لذلك وهو على هذه الحال.
فمن كان ذا مطعم حرام، وذا مشرب حرام، وذا ملبس حرام، وغذي بالحرام، فهذه يستبعد أن يستجاب له.
وقد جاء في معجم الطبرانى بإسناد ضعيف: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، ادع الله لى أن أكون مجاب الدعاء. قال: يا سعد، أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة ) .
وهذا في معنى هذا الحديث، فإن إطابة المطعم من أسباب الإجابة ، فهذا تعرض لأنواع كثيرة من أسباب الإجابة، ولكنه لم يأكل طيبا؛ بل أكل حراما، فمُنِعَ الإجابة، واستُغْرِب أن يجاب له.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #68  
قديم 10-06-2004, 02:57 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وقد جاء -أيضا- في بعض الآثار الإلهية أن موسى -عليه السلام- طلب من ربه أن يجيب لقومه دعاءهم، فقال: يا موسى، إنهم يرفعون أيديهم، وقد سفكوا بها الدم الحرام، وأكلوا بها الحرام، واستعملوها في حرام، فكيف يجابون؟
وهذا لا شك أنه مما يخيف المؤمن؛ لأن حاجته للدعاء أعظم حاجة، فدل هذا على أن إطابة المطعم من أعظم أسباب إجابة الدعاء، وأنه إذا تخلف هذا السبب -ولو وُجدت الأسباب الأخر- فإنها لا تجاب الدعوة غالبا لقوله : ( فأنى يستجاب لذلك ) .
هذا الحديث دَلَّنَا في آخره على آداب من آداب الدعاء، فذكر منها السفر -يعني من أسباب إجابة الدعاء- فالسفر يُتَحَرَّى فيه الدعاء، والإتيان للدعاء بتذلل واستكانة في الظاهر والباطن، هذا -أيضا- من أسباب إجابة الدعاء، ورفع اليدين إلى السماء في الدعاء، هذا أيضا من أسباب إجابة الدعاء، ورفع اليدين إلى السماء له ثلاث صفات في ثلاثة أحوال دلت عليها السنة:
أما الأول : فهو بالنسبة للخطيب القائم، فإنه إذا دعا يشير بإصبعه فقط، بإصبعه السبابة، وهذا دليل دعائه وتوحيده، ولا يُشْرع له أن يرفع يديه إذا خطب قائما على المنبر أو على غيره، إلا إذا استسقى، فإنه يرفع يديه، ويرفع الناس معه أيديهم، كما جاء في حديث أنس وغيره في البخاري والنسائى وغيرهما ، هذه الحالة الأولى، رفع اليدين بالاكتفاء برفع الإصبع.
والثانى: أن يرفع يديه إلى السماء رفعا شديدا، بحيث يُرَى بياض الإبطين، يعني شديد جدا هكذا، وهذا إنما يكون في الاستسقاء، وفي الأمر الذي يصيب المرء معه كرب شديد، بما فيه استجارة عظيمة، وكرب شديد، فهذا يرفع يديه إلى السماء بشدة، وهذه لها صفتان: إما أن تكون اليدان بطنهما إلى السماء، وإما أن تكون اليدان ظهرهما إلى السماء، ورد هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وورد هذا ، وتفاصيل هذا -يعني- تحتاج إلى وقت.
الثالث: أن يرفع يديه مبسوطة الكفين إلى الصدر، يعني: إلى موازاة ثديي الرجل والمرء، وهذا هو أغلب دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل كان دعاؤه في عرفه هكذا، يرفع يديه إلى الثديين، ويمدهما كهيئة المستطعم، لا يجعلهما إلى الوجه هكذا، ولا بعيدة عنه بحيث ما تكون إلى الثديين، بل يبسطها كهيئة المستطعم المسكين، يعني: كهيئة المسكين الذي يريد أن يُعْطَى شيئا في يديه .
وقد ثبت بالسنن من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله حَييٌّ كريم، يستحيي من عبده أن يمد إليه يديه، يطلب فيها خيرا، فيردهما صفرا خائبتين ) .
وهذا من أعظم الآداب، فإذن نخلص من ذلك إلى أن آداب الدعاء كثيرة ، وهذا مثل قاله -عليه الصلاة والسلام- يعني مثل أثر الحلال الطيب في العبادة ذكر الدعاء ، كذلك له أثر في الصلاة، ، له أثر في العبادات، في الذكر، إلى آخره.
فالله -جل وعلا- لا يقبل إلا طيبا، فمن أكل حراما فيتحرك بجسده في حرام، فقد تجزئه صلاته، لكن لا يكون بتحركه في بدنه بحرام مرضيا عند الله -جل وعلا-، ولو كانت صلاته خاشعة؛ بل أعظم ما يُبَرّ به البدن أن يكون البدن طيبا بالأكل، فلا يأكل إلا ما يعلم أنه حلال، بما يعلم أنه طيب، فهذا له أثر في رضا الله -جل وعلا- عن العبد، وقبوله لصلاته وصيامه، وقبوله لأعماله كلها.
قوله في آخره : ( فأنى يستجاب لذلك ) "أنى يستجاب لذلك": يعني عجيب وبعيد أن يستجاب له، وقد يستجاب له، قد يستجاب له لعارض آخر، ، صادفه اضطرار، وشدة إلحاح، وحاجة ماسة، فهذه يُعْطَى معها حتى الكافر ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {65} سورة العنكبوت .
فالمشرك قد يستجاب له، وكذلك المؤمن العاصي الذي أكل الحرام قد يستجاب له، لكن في حالات قليلة، وذلك إذا كان معها حالة اضطرار، أو شفع له غيره، وكان مع مُجاب الدعوة فأَمَّنَ عليه، أو ما شابه ذلك من الاستثناءات التي ذكرها أهل العلم .

إنتهى شرح الحديث العاشر

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #69  
قديم 20-06-2004, 02:44 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث الحادي عشر

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك


وعن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح .
هذا الحديث عظيم أيضا، وهو في المعنى قريب من قوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث النعمان بن بشير: ( فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) .
فهذا الحديث قال فيه الحسن رضي الله عنه حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك ) .
وهذا أمر، وقوله : ( يَريبك ) بفتح الياء، ويجوز يُريبك بالضم، لكن الفتح أفصح وأشهر.
( دع ما يريبك ) يعني: ما تشك فيه، ولا تطمئن له، وتخاف منه؛ لأن الرَّيب هو الشك وعدم الطمأنينة، وما يخاف منه من يأتيه فلا يدري هل هو له أم عليه؟.
( دع ما يريبك ) يعني: إذا أتاك أمر فيه عدم طمأنينة لك، أو أنت إذا أقبلت عليه، أو إذا أردت عمله، استربت منه، وصرت في خوف أن يكون حراما، فدعه إلى شيء لا يريبك؛ لأن الاستبراء مأمور به، فترك المشتبهات إلى اليقين هذا أصل عام
وهذا الحديث دل على هذه القاعدة العظيمة: أن المرء يبحث عن اليقين؛ لأن فيه الطمأنينة، وإذا حصل له اليقين سيدع ما شك فيه.
فمثلا: إذا اشتبه عليه في أمر مسألة ما، هل هي حلال أم حرام؟ فإنه يتركها إلى اليقين، وهو أن يستبرئ لدينه، فيترك المسألة، أو إلى ما هو حلال بيقين عنده، أو مال اشتبه عليه، فيدع ما يريبه منه، ويأتي ما لا يريبه .
وكذلك في العبادات، وإذا قلنا: العبادات، فنعني بها الشعائر؛ لأن العلماء إذا قالوا: العبادة -بالإفراد- أرادوا منها ما يدخل في تعريف العبادة: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه .. " إلى آخره.
وإذا قيل: العبادات -بالجمع- فيريدون بها الشعائر: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وأشباه ذلك. ففرق ما بين الإفراد والجمع، كما فرقوا بين السماء والسماوات، ونظائر ذلك.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #70  
قديم 20-06-2004, 02:47 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

في العبادات -أيضا- يأتي اليقين، وإذا طرأ الشك عليه فلا يدع هذا اليقين لشك طرأ؛ لأن اليقين لا يريبه، وما وقع فيه من الشك هذا يريبه، ولا يطمئن إليه.
فإذا اشتبه عليه -مثلا- في الصلاة هل أحدث ، أم لم يحدث ؟ هل خرج من شيء، أم لم يخرج منه شيء ؟ فيبني على الأصل، وهو ما لا يريبه، وهو أنه دخل الصلاة على طهارة، متيقن منها، فيبني على الأصل، ويدع ما طرأ عليه من الشك إلى اليقين، كان متطهرا فشكَّ هل أحدث أم لا؟ يبني على الأصل، ويدع الشك.
وهذا أصل عظيم -كما ذكرنا- هذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة كما مَرَّ معنا في حديث النعمان بن البشير، فيدخل فيه ترك جميع ما يريب المسلم إلى شيء يتيقن من جوازه، وألا يلحقه به، وأنه لا يلحقه به إثم، أو شيء في دينه أو عرضه.
لهذا جاء هذا المعنى في أحاديث كثيرة، وقال ابن مسعود -رحمه الله-: "دَعْ الواحد الذي يريبك -يعني: الشيء الواحد الذي يريبك- إلى أربعة آلاف لا تريبك".
يعني ابن مسعود -رحمه الله- أن الذي يريب قليل، والذي لا يريب المرء -سواء في الأقوال أو في الأعمال أو في الاعتقادات- هذا كثير ولله الحمد، فالذي يريب اتركه، الذي يريبك من العلم، الذي يريبك من القول، الذي يريبك من الأعمال، الذي يريبك من العلاقات، الذي يريبك من الظن.
كل ما يريبك، تخاف منه، ولا تطمئن إليه، فدعه واتركه إلى أمر لا يريبك، وهو كثير ولله الحمد .
فهذا فيه طلب براءة الذمة إلى الأشياء المتيقنة، وإذا تقرر هذا فالحديث له تكملة، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: ( فإن الخير طمأنينة، وإن الكذب ريبة ) .
( فإن الصدق طمأنينة، أو إن الخير طمأنينة، وإن الكذب ريبة ) يعني: في تكملة في بعض الروايات.
وهذا يدل على أن كل ما فيه خير تطمئن له نفس المؤمن، فأنت تأتي إلى ما تتلفظ به من أقوال، فتزنها بهذا الميزان، ما تأتيه من أعمال فتزنها بهذا الميزان، والعجب ممن يتكلم بشيء وهو بداخله غير مرتاح له، ومع ذلك يغشاه، فهذا مخالف لهذا الأمر العظيم.
كذلك أعمال لا يرتاح لها، أو صحبة لا يرتاح لها، ومع ذلك يأتيها وهو غير مطمئن لذلك، وهذا -لا شك- أنه مخالفة لهذه الوصية العظيمة: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) وهذا توجيه نبوي عظيم الفائدة عظيم العائدة ، وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يستعملون هذا.
وهذا الحديث أصلٌ في الورع ، أصلٌ في ترك المشتبهات، أصل في التَخَوُّف من أي نوع من الحرام.
والورع سهل، قد قال بعض السلف -أظنه حسان بن أبي سنان- قال: "إذا أتاني أمر وفيه ريبة تركته، وما أسهلها على النفس".
وهذا -ولا شك- عند نفس المؤمن الذي أخبت لربه، فإنه إذا أتاه ما يريبه يتركه، ويكون في ذلك راحة النفس وطمأنينة القلب، وهذا أمر واضح في الشريعة .

إنتهى شرح الحديث الحادي عشر

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م