مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 08-11-2002, 02:25 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي مقال

السفير
2002/11/07
التغريب والاغتراب في تقرير
<<التنمية الإنسانية العربية>>
جلال أمين

مقدمة:محمد ب

أحببت أن أقدم هذا المقال القيم للأستاذ جلال أمين وهو بمنسبة صدور تقرير "التنمية الإنسانية العربية" الذي أثار ضجة كبرى.
ولكنني نسخته لكم ليس بسبب موضوعه الظاهري الذي قد لا يثير اهتمام القارئ العجول بل بسبب عمق الأطروحات التي يسوقها الأستاذ جلال أمين ويناقش فيها قضايا كبرى من نوع:كيف نقيم التنمية و "التقدم" في مجال معين،وكيف تختلف المعايير بين ثقافة وأخرى بحيث تغبن الثقافة المعنية إذا طبقت عليها مقاييس ثقافة أخرى.
لهذا أنا أدعو بكل إلحاح العدد القليل من المهتمين بالقراءات الجادة المفيدة لقراءة هذا المقال.
وهو يؤكد مرة أخرى ما قلته في كتابات صحفية سابقة كثيرة من أن الأستاذ جلال أمين هو من أبرز منظري التيار التأصيلي العربي المعاصر.


لا بد أن أقر بدهشتي الشديدة من الاستقبال الذي قوبل به <<تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002>> الذي صدر منذ أربعة شهور عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وهو يحمل أيضاً على غلافه اسم <<الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، باعتباره إحدى المؤسستين الممولتين للتقرير، وإن كان من الواضح، أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هو الذي يتحمل أكبر قدر من المسؤولية عنه، إذ يتكرر اسمه وحده بعد ذلك، من صفحة لأخرى، وحقوق الطبع محفوظة له دون غيره. أما كاتبو التقرير فهناك قائمة بأسمائهم وكلها تقريبا أسماء عربية وكثير منها لأشخاص مرموقين يحتلون مكانة ممتازة في ميادين تخصصهم.
ربما كان من المفهوم الاستقبال الذي حظي به التقرير في وسائل الإعلام الغربية، فنحن نعيش في وقت أفضل شيء يمكن أن تقوم به فيه، إذا أردت أن تضمن النجاح والشهرة والتهليل لك في الغرب، هو أن تشتم العرب أو المسلمين. وهذه هي في رأيي الرسالة الأساسية لهذا التقرير.
أما الحماسة التي قوبل بها التقرير في وسائل الإعلام العربية فهي ما يثير أكبر قدر من الدهشة، والأسف أيضاً. وقد فسرته على أي حال بأمرين:
الأول: أن لدينا نحن العرب والمسلمين مدرسة مماثلة لمدرسة تحقير العرب والمسلمين الشائعة منذ فترة في الغرب. وهى مدرسة لا ينبغي التهوين من شأنها من حيث عدد أفرادها أو حجم نشاطها وتأثيرها.
والثاني: أن هناك عدداً أكبر مما نظن من مثقفينا ما زالوا ينخدعون بسهولة بأي شيء فيه شبهة العلم، ويظنون أن أية كتابة تحتوي على أرقام وبعض المصطلحات الصعبة، لا بد أن تكون عملاً علمياً يستحق الإعجاب.
ذلك أني وجدت هذا التقرير، فضلاً عن حرصه الواضح على اقتناص أية فرصة لتوجيه الاتهام إلى العرب والتقليل من شأنهم، يتضمن استخدامات معيبة للأرقام، ويحتوي على الكثير من الكليشيهات الضخمة الفارغة من المضمون (من نوع العبارة الآتية: <<وفي التحليل النهائي، التنمية الإنسانية هي تنمية الناس، ومن أجل الناس، من قبل الناس>> ص14)، وكذلك الكثير من التقارير التي لا تزيد على أن تكون مصادرة على المطلوب أو تحصيل الحاصل (من نوع العبارة الآتية: <<إن التنمية الإنسانية ضرورية لتحقيق كل من النمو الاقتصادي المستدام وتخفيف حدة الفقر>> ص12).
والنسخة العربية من هذا التقرير (التي اعتمد عليها في هذا المقال) مليئة بالجمل والتعبيرات الملتوية التي تجعل من الصعب متابعتها، مما يرجع في رأيي، جزئياً، إلى محاولة متعمدة للإيهام بأن التقرير فيه عمق هو في الحقيقة خال منه، كما يرجع إلى أن النسخة العربية تفوح منها بشدة رائحة الترجمة، بمعنى أن النسخة الإنكليزية لا بد من أن تكون هي التي كتبت أولاً ثم ترجمت إلى العربية وليس العكس، مما جعل كثيراً من العبارات، المفهومة بالإنكليزية عسيرة الفهم بالعربية، إذ يتطلب فهمها تخميناً في البداية لما يمكن أن يكون أصلها الإنكليزي.
بالإضافة إلى هذا كله يكاد التقرير أن يكون خالياً من أية محاولة جدية لتفسير ما حدث، أي تفسير الأداء الاقتصادي والاجتماعي العربي، ففيه من التقريرات والوصف أكثر مما فيه من تحليل أو تفسير. لقد كان المرء يتوقع من تقرير بلغ من طموحه أن يطرح مفهوماً جديداً للتنمية يحل محل المفهوم السائد للتنمية البشرية ويسمى باسم <<التنمية الإنسانية>>، أن يبذل واضعوه بعض الجهد في تحليل المفاهيم المختلفة السائدة، أو التي كانت سائدة، كالتنمية بمعنى مجرد زيادة الدخل، والتنمية بمعنى التنمية البشرية، ومفهوم إشباع الحاجات الأساسية، والمفهوم الذي طرحه منذ سنوات قليلة <<أمارتيا سن>> (Amartya Sen) ويقوم على <<توسيع مجال الاختيار>>، وأن يناقش مختلف صور القهر التي يمكن أن تعطل تحقيق هذا النوع أو ذاك من التنمية الإنسانية. ولكن القارئ لا يجد مناقشة حقيقية لأي شيء من هذا، بل يجد عدداً من الأفكار المتناثرة أُخذت من هنا وهناك، دون تمحيصٍ أو مناقشة، أو يجد رفضاً لما جرى عليه العمل دون تبرير كافٍ أو مقنع لهذا الرفض. ومع هذا يقدم كل هذا للقارئ دون أية محاولة للاعتذار عن قصور الجهد في مواجهة مشكلات فكرية عويصة، وبنبرة خالية من أي إيحاء بالتواضع، وإن كانت لا تخلو من خيلاء ومباهاة لا يجد القارئ لها مبرراً.
فما الذي فعله التقرير بالضبط؟
تناول واضعو التقرير مقياس <<التنمية البشرية>> الذي ابتدعه برنامج الأمم المتحدة منذ 12 عاماً، والذي يقوم على ثلاثة مؤشرات: متوسط الدخل، والعمر المتوقع عند الميلاد، ومستوى التعليم، حيث تعتبر الدولة متقدمة في مضمار التنمية البشرية كلما ارتفع متوسط الدخل فيها، وزاد العمل المتوقع عند الميلاد، وانخفضت نسبة الأمية وزادت نسبة الطلاب المقيدين بالمدارس. تناول واضعو التقرير هذا المقياس وأدخلوا عليه تعديلات جوهرية: فحذفوا مؤشر متوسط الدخل تماماً، واحتفظوا بالمؤشرين الآخرين، ولكنهم أضافوا أيضاً أربعة مؤشرات جديدة:
1 مؤشر الحرية، 2 ومؤشر أسموه <<تمكين النوع>>، ويعكس على حد تعبيرهم <<مدى توصل النساء للقوة في المجتمع>>، 3 ومؤشر الاتصال بشبكة الإنترنت، 4 ومؤشر تلوث البيئة، وسموا المقياس الذي يجمع بين هذه المؤشرات الستة (أو يلخصها) <<التنمية الإنسانية>>، تمييزاً له عن المقياس السابق (وهو مقياس التنمية البشرية)، وقدموا لنا المقياس الجديد على أنه يقيس مدى التقدم في تحقيق آدمية الإنسان أو رفاهية الإنسان أو كلتيهما.
وسوف أترك في هذا المقال مناقشة ما أقدم عليه التقرير من استبعاد مؤشر متوسط الدخل، وهو (أي هذا الاستبعاد) مسلك غريب أثار دهشة الكثيرين من الاقتصاديين العرب. وهو أيضاً مسلك غير مقبول ولا مبرر له، ولكنه يحتاج إلى بحث مستقل لكثرة ما يثيره من قضايا، وسوف أركز في المقال الحالي على بقية المؤشرات التي استبقاها التقرير من المقياس القديم أو أضافها إليه.
من أول ما يثور في ذهن قارئ التقرير: لماذا اختيار هذه المؤشرات الستة بالذات (العمر المتوقع عند الميلاد، التعليم، الحرية، تمكين النوع، الاتصال بشبكة الإنترنت، وحالة البيئة)؟
لماذا اختار التقرير هذه المؤشرات بالذات من بين عشرات العوامل الأخرى التي لا شبهة في تأثيرها في الرفاهية الإنسانية؟ أين معدل البطالة مثلاً، بما يحمله من آثار على الشعور بالكرامة واحترام النفس؟ أين مستوى الاستقرار العائلي وقوة أو ضعف الشعور بالتضامن بين أفراد العائلة الواحدة؟ أين حجم أوقات الفراغ أو معدل التضخم الذي يؤثر في مدى الاطمئنان أو القلق على المستقبل؟ أين درجة الاستقرار الوظيفي وما يحمله أيضاً من معنى الاطمئنان على المستقبل؟ أين درجة انتشار العنف والجريمة؟ أين درجة انتشار التشرد بين الأطفال أو درجة انتشار الدعارة؟ أين حجم المدن أو مدى التعرض لأفلام العنف في التلفزيون أو لحملات الإعلان.. إلخ. لماذا أهملت كل هذه الأمور وغيرها وفُضّل عليها درجة الاتصال بشبكة الإنترنت، وتمكين النوع أو مدى توصل النساء للقوة في المجتمع؟
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 08-11-2002, 02:26 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

إن التبرير الذي يقدمه التقرير لتضمين مؤشر <<تمكين النوع>> هو أنه <<يعكس قصور تمكين المرأة في المنطقة العربية>> (ص18). ففضح التقرير نفسه. إذ هل كل شيء يعكس شيئاً سيئاً في المنطقة العربية يجب تضمينه، بينما يجب استبعاد كل شيء إيجابي لدينا، كقوة الارتباط العائلي مثلاً أو انخفاض درجة انتشار العنف والجريمة؟ أم هناك سبب أهم حتى من هذا، يبرر الاهتمام بمسألة <<تمكين النوع>> وهو ازدياد نفوذ الحركات النسوية في العالم الغربي، وأن أي تضمين لمثل هذا المؤشر في التقرير العربي سوف يضمن رضى المؤسسات الدولية التي سيصدر عنها التقرير؟
أما الاتصال بشبكة الإنترنت، فيبرر التقرير إدخاله في المقياس بأنه <<أحد متطلبات الانتفاع بفرص العولمة في هذا العصر>>. فهل استقر الرأي إذن واتضح الأمر على نحو لا يحتمل الشك على أن أي شيء يؤدي إلى مزيد من العولمة هو أفضل من غيره، حتى من حيث الارتفاع بمستوى آدمية الإنسان؟
ثم فلنتساءل عن فائدة الجمع بين كل هذه الاعتبارات المختلفة في طبيعتها أشد الاختلاف في مقياس واحد. لنفرض أننا بعد عشر سنوات قيل لنا إن مرتبة دولة عربية، كمصر مثلاً، قد تحسنت طبقاً لمقياس التنمية الإنسانية خلال هذه السنوات العشر فأصبح ترتيبها 82 بدلاً من 92 (كما يقول لنا التقرير الآن)، وأن ترتيب دولة كالكويت قد تحسن أيضاً فأصبح 60 بدلاً من 70 (كما هو الآن طبقاً لهذا التقرير). فما المطلوب من المصريين والكويتيين في هذه الحالة؟ هل يتعين على المصريين الابتهاج أم يستحسن الانتظار حتى نعرف مصدر هذا التحسن بالضبط: هل هو زيادة قدرة النساء أم زيادة الاتصال بالإنترنت؟ أو فلنفرض أن هذا التحسن الذي طرأ على ترتيب مصر كان نتيجة زيادة الاتصال بشبكة الإنترنت فقط، ولكنها كانت زيادة كبيرة لدرجة عوضت انخفاضاً شديداً في قدرة النساء وفي حجم الحريات المتاحة. فهل يجب على المصريين الابتهاج رغم ذلك، ما دام الترتيب النهائي الذي وصل إليه تقرير التنمية الإنسانية في هذه الأمور مجتمعة قد تحسن؟
ولنفرض أيضاً أن التحسن في ترتيب الكويت كان ناتجاً عن تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (التي يقيس بها التقرير درجة تلوث البيئة) بينما كان التحسن في ترتيب مصر نتيجة لزيادة قدرة النساء، فأي الشعبين يحق له الابتهاج أكثر؟ لا نعرف بالطبع لأننا لا نعرف أيهما أهم: النساء أم ثاني أكسيد الكربون!
هل كان من الممكن حل هذه المشكلة بإعطاء المؤشرات الستة <<أوزاناً>> تعكس درجة الأهمية النسبية التي نعلقها على كل منها بالمقارنة بالمؤشرات الأخرى؟
لا أعتقد أن هذا الحل مُرْضٍ على الإطلاق، إذ من الذي يستطيع أن يقرر ما إذا كانت الحرية أهم أم المعرفة؟ <<تمكين النساء>> أهم أم نظافة البيئة؟ وحتى إذا كان هذا ممكناً، فمن الذي يستطيع أن يعطي لهذه المقارنة أرقاماً، فيقول مثلاً إن النساء أهم من البيئة ثلاث أو أربع مرات، أو أن زيادة العمر المتوقع عند الميلاد أهم بمقدار الثلث أو الربع من الحرية؟!
ولكن التقرير بدلاً من أن يعترف بهذه الصعوبة، ويتبع المسلك القويم بالتخلي عن هذه العملية العبثية التي تجمع وتطرح ما لا يجوز جمعه وطرحه، قرر من باب تسهيل الأمور دون التخلي عن وجاهة التعبير الرقمي، أن يعتبر كل هذه المؤشرات الستة على القدر نفسه من الأهمية، ومن ثم أن يعطيها أوزاناً متساوية. ودافع عن هذا المسلك بقوله:
<<وكما ينبغي أن يكون معلوماً فإن افتراض تساوي الأوزان يعبر عن الفرض الإحصائي القائل بتساوي الجهل، بمعنى أنه عندما لا يوجد مبرر قوي، بناءً على معلومات، لاختلاف الأوزان، يفترض تساويها>> (ص20).
لم يوضح التقرير بالضبط ما الذي يقصده بالجهل هنا. والأرجح أنه يقصد بالجهل أحد معنيين:
هناك أولاً الجهل الناتج عن مجرد اختلاف الموقف القيمي، الذي يعبّر عنه مثلاً قولي إني لا أستطيع أن أحكم بما إذا كانت زيادة تمكين المرأة أهم أو أقل أهمية من رفع مستوى المعرفة أو زيادة العمر المتوقع عند الميلاد. فأنا قد أعتبر تمكين المرأة أهم ويعتبر غيري أن رفع مستوى المعرفة هو الأهم. وقد يسمى هذا الاختلاف وصعوبة حسمه <<جهلاً>> لا حيلة لنا معه إلا إعطاء المؤشرات كلها الوزن نفسه. ولكن هناك ثانياً الجهل الناتج عن مجرد استحالة التعبير عن أهمية مؤشر بالنسبة لآخر تعبيراً رقمياً. فأنا مثلاً قد أكون واثقاً من أن الحرية أو رفع مستوى العمر المتوقع عند الميلاد أهم من زيادة تمكين المرأة ولكني عاجز عن أن أقول إن هذا أهم من ذاك بمقدار كذا، أو إن هذا أهم من ذاك بمقدار الضعف أو الثلث.. إلخ. قد يسمى هذا أيضاً جهلاً. ولكن هذين النوعين من الجهل لا يبرران أبداً استخدام أوزان متساوية، إذ إن هذا لا بد أن يؤدي إلى نتائج غريبة وغير مقبولة. فمن ناحية، لا يجوز أن يؤدي اختلافنا في تقييم الأشياء إلى القول بمعاملة الأشياء كلها وكأنها متساوية، فهذا المسلك لن يرضي أحداً في الحقيقة، وسيسبب لدى الجميع شعوراً بعدم الارتياح إذ لن يعتبره أحد معبراً عن قناعاته وآرائه. وهذا هو بالضبط ما أدى إليه استخدام أوزان متساوية في استخراج هذا التقرير لمقياس التنمية الإنسانية، إذ لا بد من أن يشعر المرء بالاستغراب عندما يرى ترتيب البلاد العربية طبقاً لهذا المقياس، فيرى الأردن في القمة تليها الكويت والإمارات. . إلخ.
(ينشر بترتيب مع <<كتاب وجهات نظر>>).
غداً: تعدد الثقافات يحول دون اعتماد مقياس واحد في التطبيق
التغريب والاغتراب في تقرير <<التنمية الانسانية العربية>> (2) تعدد الثقافات يحول دون اعتماد مقياس واحد
جلال أمين
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 08-11-2002, 02:28 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

إن العجز عن التعبير بالأرقام عن تفضيل شيء على آخر لا يصلح لتبرير استخدام أوزان متساوية. فأنا مثلاً متأكد من أني أفضل حكم جمال عبد الناصر على حكم أنور السادات ولكني لا أستطيع أن أقول أن الأول يفضل الثاني بكذا درجة، فهل يجوز أن نقول إن هذه الصعوبة تسمح لنا بالقول إنه لا يهم ما إذا كان سيحكمنا هذا الرجل أو ذاك؟ كل هذه النتائج الغريبة نتجت عن جمع وطرح ما لا يجوز جمعه وطرحه، والإصرار على التعبير برقم واحد عن أشياء ذات طبيعة مختلفة أشد الاختلاف. والإحصائي الحصيف هو الذي يعرف متى يجوز أن يمارس مهنته في الجمع والطرح ومتى يجب أن يمتنع عن ذلك. وهذا هو بالضبط ما لم يفعله هذا التقرير.
أما <<الجهل>> الذي يشير إليه التقرير باعتباره يسمح للإحصائي باستخدام أوزان متساوية، فالمقصود به في الحقيقة <<اللامبالاة>>، أي عدم وجود أي سبب لتفضيل شيء على آخر، ولكن هذه <<اللامبالاة>> لا يمكن افتراضها في الموضوع الذي نحن بصدده، لا في كاتب التقرير ولا في قارئه. بعبارة أخرى: لا يمكن أن نفترض أن أحداً منا لا يعلق أهمية أكبر على بعض هذه المؤشرات مما يعلقه على غيرها.
ولكن فلنترك جانباً مسألة الجمع والطرح بين مؤشرات لا تقبل الجمع والطرح، ولنركز على سبب اختيار التقرير لهذه المؤشرات الستة بالذات.
لا شك في أن الذي حدث هو شيء كالتالي: سأل المكلفون بوضع هذا التقرير أنفسهم: ما هى طيبات الحياة؟ فلم تتفتق أذهانهم عن أكثر مما يفعله الناس في الغرب. نظروا إلى الغرب فوجدوا الناس هناك يستهلكون السلع والخدمات بكثرة، ومن أحدث هذه السلع الكمبيوتر، ووجدوهم يذهبون كل بضع سنوات إلى صناديق الانتخاب، ويحاولون بقدر الإمكان على الأقل في العقود الأخيرة ، أن يعاملوا المرأة كما يعاملون الرجل.. إلخ وقاسوا الأداء العربي على ذلك، فوجدوا الأداء العربي بالطبع منخفضاً وهي نتيجة بديهية، تترتب بالضرورة على ما وضعوه ابتداءً من افتراضه. فإذا كان التقدم والتخلف يقاسان بما يفعله الآخرون لا بما نفعله نحن، فلا بد من أن نكون نحن متخلفين بالمقارنة بهؤلاء الآخرين!
المهمة إذن بسيطة جداً: ليس من الصعب على واضعي تقرير التنمية الإنسانية العربية أن يرسموا صورة إذا قيست بمنظور الغرب، تبدو بشعة للغاية، وهذا هو ما صنعوه. فما يقال كل يوم عن هذا وذاك جمع كله في تقرير واحد مدعم بالإحصاءات الملائمة وصيغ في صيغة أدبية إنشائية. وتصادف أن صدر التقرير في وقت لم يكن لدى الغرب فيه همّ إلا إلحاق كل النقائص الممكنة بالعرب والمسلمين فتلقفته وسائل الإعلام الغربية بالتهليل، ولخصته مجلة <<الايكونوميست>> البريطانية تلخيصاً وافياً مع الثناء الشديد عليه، ونشرت ذلك في مقال يحمل عنوان <<كيف يقود المرء نفسه إلى الفشل>> (Self-doomed to failure)، قاصدة بذلك أن العرب متخصصون في الفشل والخيبة، وهم الذين يجلبون لأنفسهم الخراب والبؤس، وليس من مسؤول عما هم فيه إلا هم أنفسهم، وهل هناك دليل أقوى على ذلك من تقرير كتبه كتّاب عرب مئة بالمئة؟ بل وعرب من الخبراء المرموقين؟ هكذا شهد شاهد من أهلها بأنه لا الغرب ولا إسرائيل يمكن أن يعتبر مسؤولاً عما حدث للعرب.
من أجل التدليل على فساد عملية الاختيار التي يقوم بها واضعو هذا التقرير بين مختلف صور <<التنمية الانسانية>>، أو التقدم والتأخر في مضمار الرفاهية الإنسانية، أو الارتقاء أو التدهور في معاملة الإنسان باعتباره إنساناً، سأثير السؤال الآتي:
لنفرض أنه حدث في السنوات العشر المقبلة أن تدهورت حال اللغة العربية بأكثر بكثير مما حدث لها في العشرين أو الثلاثين سنة الأخيرة، بحيث أصبح الأولاد والبنات العرب أقل قدرة على التعبير تعبيراً صحيحاً عن أنفسهم بلغتهم القومية. ألا يجب أن يعتبر هذا تدهوراً وتراجعاً في مضمار <<التنمية الإنسانية>> العربية؟ إذ ألا يعتبر من حقوق الإنسان ومصادر رفاهيته قدرته على التعبير باللغة التي نشأ عليها والتي يتكلمها آباؤه وأجداده؟ بل ألا يقول البعض (بحق في رأيي) أن القدرة على الإبداع مرتبطة ارتباطًا وثيقاً بقدرة المرء على التفكير والتعبير بلغته الأم، لا بأية لغة أخرى؟ إذا كان الأمر كذلك، فأين المؤشر الذي يعكس هذا التدهور أو التقدم من بين المؤشرات المستخدمة في هذا التقرير؟
أو فلنضرب مثالاً آخر أقل تشاؤماً وإن كان مفرطاً في عدم واقعيته. لنفرض أن بعض الدول العربية خلال السنوات العشر القادمة نجحت في تحقيق نوع من الوحدة أو التكامل السياسي والاقتصادي والثقافي بحيث أصبحت أجزاء الأمة العربية أقرب بعضها من بعض، والعلاقات الثقافية بين أبناء جزء من هذه الأمة وجزء آخر أقوى بكثير مما هى الآن، بل إننا نجحنا في توحيد مناهج التعليم وتقليل الفوارق بيننا في التعبير عن نفس الأفكار. ألا يعتبر هذا تقدماً في مضمار التنمية الإنسانية العربية شبيهاً بالتقدم الذي يجلبه ازدهار اللغة العربية وحلولها محل اللغات الأجنبية في حياتنا اليومية؟ فأين يمكن أن يظهر مثل هذا التقدم في مؤشرات <<التنمية الإنسانية>> المستخدمة في هذا التقرير؟
إن مثل هذا يمكن أن يقال عن مجالات أخرى للتقدم والتأخر <<إنسانياً>>، كطبيعة العلاقات العائلية السائدة ومدى تماسك العائلة أو تفككها أو نوع الرعاية التي يحصل عليها المسنون من أهلهم وذويهم، بدلاً من إيداعهم الملاجئ والبيوت المخصصة لكبار السن.. وهكذا، يمكن أن نضرب أمثلة كثيرة من هذا النوع، ولكن تقرير التنمية الإنسانية العربية ليس معنيّاً بمثل هذا التقدم أو التأخر، إذ إن مثل هذه الأمثلة، وإن كانت تتعلق قطعاً بجوانب <<إنسانية>> في التنمية، تتعلق بالتقدم أو التأخر في مجالات <<عربية>> صرف، والتقرير لا يُعنى إلا بما يعتبره الأجانب تقدماً أو تأخراً، بل ما يعتبرونه الآن كذلك، مثل التقدم أو التأخر في <<تمكين المرأة>>، وفي درجة الاتصال بالإنترنت>>. كما أن المؤشرات الأخرى (كالحرية والتحصيل التعليمي وتلوث البيئة) سوف يتبع في تعريفها وقياسها نفس المفاهيم المستخدمة في الغرب دون غيره، مع أن أهدافاً كالحرية أو التحصيل التعليمي أو نظافة البيئة يمكن أن تُفهم عندنا بمعانٍ مختلفة عما تُفهم به عندهم.
خذ مثلاً مؤشر <<الحرية>>. إن التقرير يتعامل مع موضوع الحرية ببساطة غريبة فلا يعترف بأن الحرية شيء متعدد الأبعاد والجوانب ولا يمكن تحويل بعض هذه الأبعاد والجوانب إلى غيرها، ومن ثم يستحيل قياسها. لا عجب إذن أن يستسهل التقرير إصدار الحكم التالي:
<<على مستوى مناطق العالم السبع الوارد في الشكل 2 4، يظهر أن الناس في المنطقة العربية كانوا الأقل استمتاعاً بالحرية، على صعيد العالم، في التسعينيات الأخيرة>>. (ص25).
إن إصدار مثل هذا الحكم القاسي دون أية محاولة لتحليل المفاهيم المختلفة للحرية، والصور المختلفة لفقد الحرية، يحتاج حقاً إلى جرأة فائقة، ذلك أني كنت أظن أن المرء يجب أن يتردد كثيراً قبل أن يقرر ما إذا كان المصري أكثر أو أقل حرية من الكيني أو البرتغالي، أو أن اليمني أكثر أو أقل حرية من الأميركي أو السويدي. من هذا النوع أيضاً من الأحكام المتسرعة ما جاء بالتقرير عن مفهوم <<التمثيل والمساءلة>>، إذ لم يتردد واضعو التقرير طويلاً قبل أن يقرروا أن الأردن أفضل بلد عربي من حيث <<التمثيل والمساءلة>>، ويليه في ذلك الكويت (ص107).
إن من الممكن أن نفهم <<التمثيل والمساءلة>> بمعنى اقتراب المجالس النيابية من التعبير الحقيقي عن رغبات المواطنين ومصالحهم، ومدى قدرتها على محاسبة السلطة التنفيذية على أخطائها. فهل حقاً من السهل على من يراقب الحياة السياسية في البلاد العربية المختلفة أن يقرر دون تردد أن الأردن والكويت هما أفضل الدول العربية في هذا الصدد؟ أم أن الأمر يحتمل بعض التردد والاختلاف والكثير من التحفظات؟
وقل مثل ذلك عن معيار <<فعالية الحكومة>>، الذي يقول التقرير إنه في ما يتعلق به، تأتى دولة عمان في المقدمة وتليها تونس ثم الأردن وقطر، أو عن <<استقلال الإعلام>> (الذي تحتل الأردن بشأنه المركز الأول) وعن الحريات المدنية.. الخ، حيث لا يشرح لنا التقرير كيف جرى قياس هذه الأشياء التى تستعصي حقاً على القياس. كل ما نعرفه هو أنه اعتمد في ترتيب البلاد طبقاً لهذه المعايير على دراستين أميركيتين قامتا بمقارنة بلاد العالم المختلفة وفقاً لما سمى <<بكفاءة الحكم>> Governance، وقام بنشرهما البنك الدولي في سنة 1999. وللقارئ أن يخمِّن ما إذا كان من الممكن أن تعتمد وتقر مؤسسة كالبنك الدولي، أي تحليل لمعايير مثل الحرية أو التمثيل والمساءلة أو فعالية الحكومة أو استقلال الإعلام.. الخ، لا يتفق مع أيديولوجية البنك وما يؤمن به من مبادئ الحرية الاقتصادية وإطلاق الحرية لقوى السوق.
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 08-11-2002, 02:29 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

لا يمكن أن نتوقع طبعاً أن تدخل دراسة يقوم بنشرها البنك الدولي <<درجة التبعية السياسية>> مثلاً، كمؤشر من مؤشرات <<الحرية أو كفاءة الحكم>> أو <<التمثيل والمساءلة>> أو <<استقلال الإعلام>>. وأقصد بالتبعية السياسية مدى تبعية الإرادة السياسية في بلد ما لقوة خارجية، مع أن مثل هذه التبعية السياسية لابد أن تؤثر في كل هذه الأمور جميعاً.. تقلل من قدر <<الحرية>> المتاح، ومن كفاءة الحكم في تحقيق مصالح المواطنين، ولابد من أن تضعف من درجة تمثيل الحكومة لهؤلاء المواطنين، وتجعل هذه الحكومة <<مسؤولة>> أمام جهات خارجية أكثر مما هى مسؤولة أمام مواطنيها، كما أنها لا بد أن تضعف أيضاً من درجة استقلال الإعلام إزاء هذه القوة الخارجية وشركاتها. كذلك، أفلا تؤثر هذه التبعية السياسية، متى وجدت، في درجة حرية المواطن العربي مثلاً في التعبير عن تضامنه مع إخوانه في العراق مثلاً أو مع السودان؟ بل ألا تؤثر حتى على حرية انتقال المواطن العربي بين بلد عربي وآخر؟
لا يمكن أن يكون مثل هذا قد دخل في الحساب أو أُخذ في الاعتبار في إحدى الدراستين (كوفمان وآخرون) اللتين قام بنشرهما البنك الدولي، إذ لا يمكن أن يهتم كوفمان أو البنك الدولي بمثل هذه الأمور التي تهم المنطقة العربية أكثر من غيرها.
مما يثير الشك أيضاً في فهم واضعي التقرير لموضوع الحرية والديمقراطية أن التقرير يساير الموضة الشائعة (ولكن المشكوك جداً في صحتها) في أن هناك موجة من الديمقراطية تكتسح العالم الآن، ولكن لم يلحق بها للأسف العالم العربي. فالتقرير يشكو من أن رياح الديمقراطية التى هبت على <<معظم بلاد أميركا اللاتينية وشرق آسيا في الثمانينيات وأوائل التسعينيات لم تصل إلى البلدان العربية بعد (ص2). فهل أدخل واضعو التقرير في حسابهم يا ترى انتشار الدعارة في أوروبا الشرقية بعد سقوط الشيوعية، وهل اعتبروا ذلك دليلاً على زيادة الحرية أم نقصانها؟ وهل أخذوا في اعتبارهم الموجة المكارثية الأخيرة في أميركا في أعقاب 11 سبتمبر 2001، وهل اعتبروها دليلاً على زيادة الحرية أم نقصانها؟
الحقيقة التى يبدو أنها غابت تماماً عن واضعي التقرير هي أن ما يسمى بالتنمية الإنسانية ليس له مقياس واحد صالح للتطبيق في مختلف الثقافات، بل لا بد من تطبيق مقاييس مختلفة لأن اختلاف القيم يؤدي إلى اختلاف مصادر الرفاهية ومصادر الاعتداء عليها، بل يؤدي إلى اختلاف مصادر الشعور بالكرامة الإنسانية ومصادر إهدارها. إن شيئاً قد يبدو واحداً، وكأن من الممكن الاتفاق عليه، (كزيادة تمكين المرأة أو توسيع قدراتها) له صور عديدة بتعدد الثقافات، كما أن لقهر المرأة والتضييق عليها صوراً عديدة بتعدد الثقافات أيضاً.
المرأة قد تشعر بالقهر لصعوبة حصولها على الطلاق في بعض الثقافات، ولكنها قد تشعر بالقهر في ثقافات أخرى بسبب السهولة التى يجري بها الطلاق وتشتيت جمع الأسرة. المرأة قد تُقهر في بعض الثقافات بسبب إجبارها على ارتداء ملابس لا تريد ارتداءها، لكنها قد تُقهر في ثقافات أخرى لتعريضها لخلع ملابسها بأكثر مما ترغب فيه.
لهذا السبب قال عالم أنثروبولوجي مرة إن التعريف الذي يفضله للتنمية هو <<زيادة قدرة المجتمع على تحقيق القيم التي يؤمن بها هذا المجتمع>>. أما هذا التقرير الذي نحن بصدده الآن، فإنه لا يترك لدى قارئه أي شك في ماهية المعايير التي يستخدمها للتقدم والتأخر الإنساني، وماهية القيم التي يعتبرها دون غيرها جديرة بالتحقق والاحترام. إنها ليست إلا المعايير والقيم التي يرضى عنها برنامج الأمم المتحدة للإنماء.
وهذا هو ما يجعل هذا التقرير مثالاً صارخاً للتغريب والاغتراب معاً، وهو مثال يصيب المرء منا بخيبة أمل مضاعفة لأن الأمر لا يتعلق هنا بمجرد <<نمو اقتصادي>>، أي زيادة حجم السلع والخدمات، بل بشيء أعظم وأهم وهو ما يسمى <<بالتنمية الإنسانية>> الذي يفترض أن يتسع للاهتمام بالقيم والثقافة وآدمية الإنسان.
بقيت ملاحظتان ختاميتان:
الأولى: تتعلق بتفسير صدور التقرير بكل هذه النقائص رغم كثرة الأسماء المرموقة التى وردت في مطلع التقرير باعتبارها أسماء <<المشاركين في إعداد التقرير>>، إما كأعضاء في <<الفريق الاستشاري>> أو <<الفريق الرئيسي>> أو باعتبارهم <<مؤلفين مشاركين>> أي <<معدي الأوراق الخلفية>> أو من <<فريق القراء>> (وهى ترجمة للفظ إنكليزي معناه هنا من يطلب إليه قراءة التقرير بعد الانتهاء من وضعه لإبداء ملاحظات عليه بغرض تقويمه وإصلاح عيوبه).
والتفسير الذي أقدمه لهذا اللغز هو أن المعتاد في كتابة مثل هذه البحوث المعدة بتكليف من هيئة دولية أن تترك درجة عالية من الحرية للمؤلفين الرئيسيين، أو للمؤلف الرئيسي ومعاونيه المباشرين، في الأخذ أو عدم الأخذ بما يجري إبداؤه من ملاحظات، وكذلك في تحديد حجم الإفادة من الأوراق الخلفية. وكثيراً ما يحدث ألا تستخدم هذه الأوراق الخلفية على الإطلاق، فيبقى الموقف الأيديولوجي (والسياسي) في النهاية ليتحدد طبقاً لقرار المؤلف الرئيسي ومعاونيه المباشرين، ناهيك بالطبع عن المسؤولين الكبار الذين قاموا باختيار المؤلف الرئيسي ابتداءً، ولا بد من أن يقروا التقرير ويرضوا عنه في صورته النهائية قبل أن يسمحوا بإصداره. الخلاصة إذن أن من الممكن أن تظهر الصورة النهائية للتقرير في شكل يفاجأ به كثيرون من هؤلاء <<المشاركين>> المرموقين مثلما فوجئنا نحن بالضبط.
والملاحظة الثانية والأهم، هي أن كل ما عبّرت عنه في هذا المقال لا يعني رفض تقديم أي نقد أو اتهام للعرب، أفراداً أو مؤسسات أو حكومات. وإنما العبرة هي بالهدف من النقد والاتهام كما يتبدى من لهجة النقد وطريقة الاتهام، وهل يصب هذا النقد وذلك الاتهام في نفس الوعاء الذي لا يكف المعادون لنهضة العرب والمسلمين عن ملئه. إن عيوبنا كثيرة وأخطاءنا عديدة، وأوجه التقصير من جانبنا لا نهاية لها، وفي كل ميدان من الميادين. ولكن الاعتراف بكل هذا شيء، وترديد الاتهامات بالحق والباطل بهدف الإذلال والإضعاف و<<تمكين>> الأجنبي منا، شيء مختلف تماماً.
نحن نريد بالطبع أن ينهض العرب إنسانيّاً ولكن على أن يكون هذا بطريقتنا وطبقاً لقيمنا الخاصة. نعم نحن نحتاج إلى نشر المعرفة، ولكن معايير التقدم في هذا المجال كثيرة وليس أهمها استخدام الإنترنت والحاسوب.
نعم نحن نحتاج إلى رفع شأن المرأة، ولكن ليس بالضرورة بزيادة عدد أصوات النساء في مجالس نيابية لا تمثل أحداً، لا النساء ولا الرجال ولا حتى الأطفال.
نعم نحن نحتاج إلى الارتفاع بالمستوى التعليمي، ولكن رفع مستوى تعليم اللغة العربية لا يقل أهمية عن رفع مستوى تعليم الإنكليزية أو الفرنسية، وهناك مقاييس لقياس مستوى التعليم والمعرفة أفضل بكثير من ذلك المقياس الذي ذرف واضعو التقرير من أجله الكثير من الدموع، وهو عدد الكتب المترجمة إلى العربية من الإنكليزية والفرنسية.
نعم، نحن نريد حريات أكثر، ولكن ليس بالضرورة حرية الاختيار بين خمسين قناة تلفزيونية تذيع كلها نفس الكلام الفارغ وتقوم كلها بعملية مستمرة من غسيل المخ.
(ينشر بترتيب مع <<الكتب وجهات نظر>>
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م