يموتون جوعا في افريقيا
إليكم هذا الموضوع المؤثر جدا و الذي يدل على حجم الكوارث الإنسانية التي نتعايش مع أخبارها و نتناساها و يتناساها الإعلام، اخترت عمدا نشرها في المنتدى السياسي لأن الموضوع حسب رأيي سياسي بالدرجة الاولى، و حل مشكل الجوع في العالم هو بيد السياسيين.
سكينة اصنيب من نواكشوط: مازال الناس في القرن الواحد والعشرين يموتون جوعا رغم التقدم العلمي والاقتصادي والثورة الهائلة التي عرفتها مختلف مناحي الحياة، ويبدو أن افريقيا ستظل معزولة عن العالم مستثناة من كل ما تنعم به الشعوب من رفاهية وأمان كما ستظل صورة هذه القارة الفقيرة المريضة المنهكة بالحروب الأهلية تتكرر منتقلة من قالب الى آخر، تعكس واقع قاس حيث يموت معدمون في نصف العالم من الجوع بينما يموت "محظوظون" في نصفه الآخر من التخمة.
وكانت النيجر آخر دولة افريقية تعيش أزمة نقص الغذاء، وكان عليها أن تنتظر نقل عدسات التلفزيون لصور اطفالها وهم يتضورون جوعا كي تحظى باهتمام المجتمع الدولي الذي تخلف عن مساعدتها بنحو ستة شهور فسبق الموت وصول المساعدات القليلة. وحين تفاقمت كارثة المجاعة في النيجر ثاني أفقر دولة في العالم وبدأت المنظمات الدولية تحذر من تأثير الجفاف وغزو الجراد بخل العالم الغني بأمواله، حتى تلك الأموال القليلة لم تصل بكاملها للمحتاجين حيث وجه الرئيس النيجري ممادو تانجا انتقادًا لاذعًا للمؤسسات الغربية واتهمها بالمتاجرة بدماء الشعب النيجري، وقال أن "حجم ما ينفق في الواقع لا يوازي ما يعلن عنه في الإعلام".
يأكلون النمل وأوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة
ما يدعو للأسف هو أن الكارثة التي عاشها النيجر كان من الممكن تفاديها لو قدمت المساعدات في وقتها لكنها تأخرت فحصد الجوع أرواح أطفال وشيوخ وحوامل، وظل ثلاثة ملايين نيجري يسدون رمقهم بحفنة من اوراق شجر "ألاسكيا" المُر، ففي اقليم "زار ماغاندا" اضطرت النساء والأطفال لأكل النمل الأبيض والحشائش فيما شكل أوراق الأشجار والنباتات البرية %50 من الغذاء المستهلك في اقليم "كويورفيي" شمال العاصمة مما جعل أجساد النيجيريين الجوعى فريسة سهلة للامراض.
وخلال زيارته للنيجر كتب الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان مقال حول "المجاعة في النيجر ودور المجتمع الدولي لمواجهتها" جاء فيه: في إقليم "زندر" (إحدى المناطق الزراعية الرئيسية) التقيت امرأة شابة في الثالثة والعشرين من عمرها تدعى "سويبة" كانت تبحث عن مصدر للغذاء، وكانت قد قطعت ما مسافته 75 كيلومترا حاملة ابنتها "زليدان" ذات السنتين في يديها بعد أن فقدت من قبل طفليها بسبب الجوع، وأما ابنتها التي كانت تحمل فهي في الواقع لا تزن إلا ما يقارب %60 من الوزن الطبيعي لطفل في مثل سنها. لقد كانت تخشى أن تلقى هذه الطفلة نفس مصير شقيقيها. لن أنسى أبدا تلك النظرات التي كانت تنطلق من عيني الأم".
واضطر النيجرون بعد تفاقم الأوضاع الغذائية بسبب الجفاف الحاد وهجوم الجراد لحفر بيوت النمل بحثًا عن القوت، مما دفع برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة لاطلاق صرخة مدوية ومحذرة بوفاة أكثر من 4 ملايين شخص.
ويعتبر الأطفال الضحية الأولى لهذه الكارثة فقد أنهكت المجاعة حوالي 8 آلاف طفل لم يبلغوا سن الخامسة لقي أغلبهم حتفه بسبب المرض وسوء التغذية، فيما عانى ما يزيد عن 15 ألف حالة معظمهم من الرضع من الأمراض المتصلة بسوء التغذية بسبب ضعف مناعتهم والنقص الشديد في التغذية.
وفي العاصمة نيامي أصيب أكثر من %77 من الأطفال بأمراض متعددة بسبب عدم تلقيهم لأي لقاح، كما انتشر مرض السحايا الفتاك الذي يقتل المريض خلال ساعات ووصلت نسبة المصابون به الى 5800 شخص كلهم من الأطفال.
وحسب منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية استقبل مخيم "داكورو" 4000 حالة خلال أربعة أشهر مات منهم 80 طفلاً فيما لقي %5 من الأطفال حتفهم في مخيم "مرادي" لأنهم يصلون المخيم وقد أصبحت حالتهم الصحية سيئة جدًّا، فكيف بآلاف القرى حيث يموت كثير من الأطفال من سوء التغذية دون أن تتمكن أمهاتهم من نقلهم الى المراكز الصحية مشيًا على الأقدام عدة كيلومترات تحت حرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية، حيث ذكرت الاحصاءات أن شخصاً واحداً من كل عشرة يستطيع الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء والصحية.
غزو الجراد وقلة الامطار سببا الكارثة
لم تتسبب الحروب الأهلية والداخلية في هذه الوضعية بل إن البلاد عانت من كارثة طبيعية صرفة سببها زحف الجراد وقلة الامطار حيث كانت ثلاث سنوات من الجفاف كافية لتحول النيجر الى أرض المجاعات بعد أن كانت الزراعة أهم مورد اقتصادي لتوفر البلاد على مساحات زراعية شاسعة ونهر من أهم أنهار إفريقيا، ومما زاد من تفاقم الوضع غياب السدود المائية واتلاف أسراب الجراد لما تبقى من الأراضي الزراعية.
كما تسبب الجفاف في نفوق أعداد كبيرة من الماشية مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من القرويين إلى المدن بحثا عن الطعام. ويعيش أكثر من %60 من النيجيريين تحت وطأة الفقر غذاءهم الوحيد قبل المجاعة والذي يستطيعون تحمل نفقاته هو حبوب الثخن الذي يقدمه الكثير من سكان العالم كغذاء للطيور ولا تتجاوز نسبة التعليم المدرسي في النيجيريين الذين يبلغ تعدادهم 11 مليون نسمة، أكثر من %30.
وقد سارعت الدول والمنظمات لمد يد العون للشعب النيجيري حيث قام برنامج الأغذية العالمية بتقديم معاونات غذائية للأشخاص المتضررين وتعاون مع جمعيات أهلية في المنطقة للمساعدة من خلال مراكز التغذية العلاجية والتكميلية المتواجدة في المنطقة المنكوبة، كما قامت منظمة أطباء بلا حدود بفتح خمس مراكز لرعاية الأطفال.
كما كان لحضور المنظمات العربية حيزا لا بأس به في المساعدة رغم ضعفه بالمقارنة مع المنظمات الغربية، ومن ضمن المنظمات العربية هيئة الهلال من المملكة العربية السعودية، كما قامت الكويت بتقديم مساعدة من خلال لجنة ممثلي إفريقيا، أما المغرب فقد أرسل مساعدات غذائية وطبية للناس المتضررين إلى جانب دول عربية أخرى سارعت في تقديم التبرعات للمحتاجين.
وقد شكلت الأزمات التي تعصف بالمسلمين في افريقيا خصوصا ميدانا خصبا للتنصير من خلال منظمات تقدم المعونة خدمة للديانة المسيحية وهذا ما حدث لمسلمي النيجر الذين تبلغ نسبتهم %98 من مجموع السكان.
ولا تزال افريقيا تنتظر من ينقذها من الحضيض الذي تغرق فيه بسبب الجهل والفقر والمرض ويغير صورتها التي لا تليق بالكرامة الإنسانية، كما لا يزال شبح المجاعة يهدد اجزاء واسعة من القارة السمراء في اثيوبيا، اريتريا، أوغندا، صومال، وجيبوتي وبدرجة أقل رواندا، تنزانيا، كينيا وبوروندي، ففي هذه الدول أفراد يتضورون جوعاً وهم معرضون للموت في أي لحظة، حتى خلال السنوات غير العجاف يعانون بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية والفقر المدقع.
(من موقع إيلاف)
|