"السقوط الكبير"في البحرين ..الانتخابات بددت اوهام جابر الأنصاري

[المعتمد بن عباد]

هنا مقالة مميزة للكاتب المتألق في ملحق"الرسالة" الأستاذ بكر بصفر ,والذي تهكم بإلماحة ذكية بالسقوط الكبير للقوميين واليساريين في البحرين ,وكيف أن نتائج الانتخابات بددت أوهام وطروحات المفكر القومي الكبير محمد جابر الأنصاري .

السقوط الكبير

يخطئ الكثير من السياسيين والمثقفين في فهم توجهات الرأي العام العربي وخياراته السياسية والفكرية والاجتماعية. ومبعث هذا الفهم الخاطئ هو الخطاب المضلل الذي تبثه النخب المحيطة بهم والتيارات المسيطرة على وسائل ومنابر الثقافة والإعلام.

وهذا الداء قديم في التاريخ العربي المعاصر. فقد لبَّس القوميون الأوائل- ساطع الحصري وحلفاؤه من نصارى الشام- على حكام العراق وسورية في ثلاثينات القرن الميلادي الماضي وما بعدها، فاعتقدوا أن القومية العلمانية هي خيار الأمة العربية، وأعموهم حتى كان سقوطهم على يد التنظيمات القومية في الأربعينات والخمسينات الميلادية.

ومثل هذا يقال عن تلبيس الليبراليين المصريين الذين تحالفوا مع الإنجليز على "القصر" في النصف الأول من القرن الماضي- سلامة موسى وطه حسين ولطفي السيد والمهاجرين النصارى القادمين من لبنان- الذين سيطروا على الحياة السياسية والثقافية المصرية في ذلك الوقت. وظن حكام مصر أن تلك هي توجهات الرأي العام، فأعموهم وفصلوهم عن مجتمعهم المصري الأصيل في تدينه، حتى كان سقوطهم المذل على أيدي الضباط القوميين في بداية الخمسينات.

ومن النادر أن تجد من يستقرئ ذلك التاريخ القريب أو يلامس حركة المجتمع الحقيقية عن قرب إلا من رحم الله. فنظرة عابرة لمجتمعاتنا كافية لتظهر أنه مامن مرة أتيح للرأي العام العربي أن يبدي توجهاته إلا مال إلى الخيار الإسلامي.

وتوجهات الرأي العام العربي ليست في حاجة إلى مراكز دراسات استراتيجية أو تحليلات فلسفية وسياسية معمقة لفهمها. يكفينا أن نعرف أن العربي متدين بطبعه، وهو ميال للمتدينين الحقيقيين مثله، وكلما أتيحت له الفرصة ليعبر عن رأيه أعاد بعث نفس الرسالة: (هؤلاء الإسلاميون هم الذين يمثلونني، أما الآخرون الذين يملؤون الدنيا ضجيجا في الفضائيات والصحف والمجلات من الليبراليين والقوميين والوصوليين فسأرفضهم عند أول بطاقة انتخابية تقع في يدي).

وهاهو المثل الأعظم لهذه الحقيقة الساطعة، بل هاهو الزلزال الأكبر الذي فاجأ الذين اعتقدوا أن الخداع السياسي والفكري مازال ممكنا في المجتمعات العربية. فقد أسفرت نتائج انتخابات المجالس البلدية التي أجريت في البحرين الأسبوع الماضي عن فوز الإسلاميين بجميع المجالس الخمسين التي جرى التنافس عليها مع 320 من عتاة القوميين واليساريين والليبراليين والليبراليات الذين سيطروا على الجمعيات والمنابر السياسية والثقافية والاجتماعية في ذلك البلد لعشرات السنين.

لقد ظن الكثيرون أن البحرين هي مركز التحرر السياسي والفكري والاجتماعي في الخليج، فجاءت هذه الانتخابات لتكنس كل تلك الظنون البالية ولتقول إن التدين والمتدينين هم خيار المجتمع البحريني، وأن قشرة التحرر التي يراها البعض لن تلبث أن تزول، ويأتلف البحرينيون تحت راية السنة بإذن الله.

لقد أسقطت نتائج الانتخابات البلدية في البحرين كل الأسفار التي ألفها "المفكر القومي البحريني الكبير" محمد جابر الأنصاري الذي أخذ يبشر في السنتين الأخيرتين بسقوط التيار الإسلامي السياسي، كما يسميه، فما سقطت إلا أحلامه وما سقط إلا تلاميذه ومريدوه!! لقد بددت تلك الانتخابات آمال أعتى تجمع يساري في الخليج (المنبر الديمقراطي التقدمي) الذي شغل البحرين بعفنه الاشتراكي المغشوش لأكثر من خمسين سنة، وأسقطت كهول القوميين والبعثيين في " جمعية العمل الوطني الديمقراطي " الذين هدم الله بنيانهم الذي بنوه منذ الثلاثينات من القرن الماضي.

كم هم بائسون أولئك القوميون!! سبعون عاما من التعب والنصب ثم التجاهل والفض من الجميع عند فتح أول صناديق الاقتراع في ذلك المساء البحريني البهيج.

شكرا للمجتمع البحريني الذي قال "لا" للبضاعة الآيديولوجية المقلدة المغشوشة التي عششت دهرا على أرض البحرين، ثم قضى الله في يوم واحد أن تتزلزل الأرض من تحتها وتبتلعها....فهل يعي الدرس بقية الليبراليين والقوميين والوصوليين العرب؟

بكر بصفر- ملحق "الرسالة"