قراءة لقصيدة الشاعرة وله ( سيبقى السعد حرفا أبجديا)
لقد أرسل لي الاستاذ جمال حمدان قصيدة لفارستنا الشاعرة وله وكان مطلعها – سأشهق في هذا الهواء وأزفرُ - وكنت قد أبلغته بإعجابي بالفكرة وجزالة وقوة البيان وعقدت العزم على تقديم قراءة لها ولكني وجدت الشاعرة وله تتحفنا بمقطوعة ( ثورية أنثوية) تتحدث بلسان الكثيرات من أخواتها وربما بلسان كل حواء ...
قراءة مبدئية لهذه القصيدة تجعلنا نقف على تسلسل الأفكار في مبنى القصيدة لنلاحظ بأن شاعرتنا قد استهلت قصيدتها بكلمات تقبض نفس متلقيها مما يستلزم علينا أن نقف بتؤدة وأناة مستشرفين الدوافع التي اضطرت شاعرتنا لاستعمال هذه الكلمات كغرة لقصيدتها ..
سأنسى أن لي قلبا فتيا.......وأدفن دمعتي في راحتيا
سأنسى ,قلبي , أدفن , دمعتي ..
هل هي ثورة أو تمرد أم ترجمة لحالة إحباط , أم هي حيثيات دفاع عن مبدإ أو قضية تبنتها الشاعره ؟ لندع الاحتمالات الأولى إلى حين, و لنسلط الضوء على الإحتمال الأخير ونبلوره على صورة تساؤلٍ ألا وهو – لمن كانت الشاعرة تقدم حيثيات دفاعها وعن أي شئ ؟
بعد هذه التقدمة , سنبدأ الإبحار مع ربانتنا وفارستنا نحاورها من خلال حروفها وكلماتها آخذين بعين الإعتبار تسليط الضوء على خبايا النفس التي انبثقت منها هذه الثورة ومستنطقين كل احتمال لمفرداتها .
ونتساءل لماذا تقررُّ أنثى ذات قلب فتيٍّ نسيان أن لها قلبا في مقتبل الحياة وتعقد العزمَ على دفن دموعها عن سبق إصرار وقصد وبيديها ؟ فلنواصل معها عبر متن البيت التالي :
تناديني المشاعر لا أبالي....أتحسب كل من نادته حيا؟
تنقلنا شاعرتنا هنا وبسرعة إلى حيث أرادت أن نكون - ولا تمهلنا كثيرا لنغرق في حيرتنا إذ نراها انتقلت إلى خصائص الأعضاء لتستنطقها وقد آثرت إلا أن تجعل من قصيدتها أشخاصا يتحركون أمامنا لهم صوت وصورةٌ , فنسمع المشاعر الحيرى وهي تطرح اسئلتها وتستدرك بالجواب بصورة تراجيدية لترتد خاوية الوفاض ... وما نراها هنا إلا أنها قد أضافت لحيرتنا ما يزيد من فضولنا للإبحار إلى مسافات أعمق في أعماق نصها لنتعرَّفَ على المنادي والمنادى , فنمر على البيتين الثالث والرابع ونأخذهما كوحدة بنائية مستقلة :
دلفت لعزلتي أوصدت بابي......خلعت بشاشتي أبحرت فـيَّا
توجهني الهموم إلى يراعي .....تحرر غضبتي قلبا سبيا
نرى هنا بأنها استعملت كلمات ذات وقع غير مستقر تعكس صورة نفس قلقة, وكيف تستقر نفس يتجاذبانها شعوران كقطبين في كلمتي ( لعزتي ) والتي تشعر بها الشاعرة أنها قد سُلبت منها أو تكاد وكلمة ( تحرر ) التي هي كلمة فضفاضة حمالة لكثير من المعاني ونقيضة للقطب السابق في حركته واتجاهه . هنا نقف فعلا عند بيت القصيد حيث نحاول قراءة هذا الصراع الذي يصل لدرجة الاملاء من قطب على قطب.
فلو نظرنا للبيت التالي :
بـدا في صفحة الإسلام حرا......فكيف يعش عصرا جاهليا؟
نقرأ هنا أولى حيثيات الدفاع عن قضية تبنتها محامية مؤمنة بعدالة قضيتها , لم تترك تعزيز دفاعها لشهود سوى بنات أفكارها . فقد أتت بشاهد صدقٍ , صادق القول , صدقُ منطقه يغني عن قسمه, فلا يشك بثوابت الدين الا كل من سفه نفسه .
مقارنة مختصرة وذكية بين عالمين وعصرين بما يحملانه من ظلمات ونور عصر جاهلية بأعرافه البالية وعصر إسلام بشريعته الحقة ومحجته البيضاء , ونحسب لشاعرتنا صياغتها الذكية لهذا البيت حيث قدمت الإسلام على الجاهلية وذكرت الجاهلية بطريقة تساؤلية لا يختلف على إنكارها ورفض إرثها إثنان .
سأكفر بالأنوثة لست أنثى......فكحلي سال يهجر مقلتيا
( سأكفر ) ... لا يجب أن يفوتنا هنا بأن شاعرتنا قد قدمت لهذه الكلمة ببينات لا تدحض, فالكفر هو نقيض الايمان وقد أثبتت في البيت السابق بأن حقوقها مكفولة في منهاج لشارعٍ لا يُرد شرعه لدى أي منصف. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا لم تقل المحامية ( كفرتُ ) فلو قالتها لما بدا لنا لأول وهلة أن المعنى سيتغير كثثيرا ولكنا لو تأملنا كلمة ( كفرتُ ) سنجدها تاخذنا لمنحى آخر لا يستقيم مع فكر وجنان من يؤمن بمبدئه ولا يألو جهدا للدفاع عنه . لذلك نراها تستعمل كلمة ( سأكفرُ) لتأتي بها على صيغة عتاب واستخفاف بل وتمردٍ ونية بالتحدي ضد كل ما يدورمن حولها من تهميش لدورها ولنقل لنظرة البعض لها بأنها دمية متجاهلين أحاسيسها ومشاعرها وحقوقها , ولم نرها تعقد النية بالقطع بأنها ستتخلى عن أنوثة تعتز بها أي أنثي أيما إعزاز . فلا يتنازل عن تاج ملكه إلا غير المستحق له . فكيف بالأنثى إذن ؟؟
لنواصل الإبحار مع فارستنا ممعنين النظر بجواهر التاج وخصائصه لنرى الظلم الذي وقع عليها عندما هددت القاضي ( المجتمع بعاداته وتقاليده وربما الحبيب ) بطريقة ذكية بأنها لن تتخلى عن تاجها الأنثوي بجواهره التي تعتز بها وإن بدا من القراءة الظاهرية بأنها زاهدة فيه . فنراها هنا تلوح بتعطيل ما فُطرت عليه كأنثى بصورة تهكمية إحتجاجا على واقع لمجتمع غير منصف .
خذوا كل الثياب وبعض نفسي...ومشطي والجواهر والحليا
خذوا عطرا يضوع لكل صحبي...ويأبى ينعش القلب العييا
خذوا عني مساحيقا عجافا........تظن بأنها تضفي عليَّا
خذوا كل المرايا لست أقوى....على نظرٍ لمن يرنو إليَّا
( خذوا ) كلمة تتكرر ثمانِ مرات في القصيدة وفي كل مرة نجد بأن الاشياء التي ذكرتها بعد كلمة خذوا تتلخص بجملة مختصرة ووحيدة , فكأنها أرادت القول ( لمَ لا تئدوني ) وتُسدلُ الستارة ؟
ولابد لنا من التأمل في كلمة ( خذوا ) متسائلين عن سبب استعمال محاميتنا لهذه الكلمة بالذات ؟ فقد كان بإمكانها القول ( سأعطيكم ) وتضبط التفعيلات وفقا لهذه الكلمة .
فهل قصدت حواء أن تتنازل عن عرشها وتاجها حقا ؟ لا وألف لا .. ولكنها أرادت أن تتساءل وبطريقة ذكية كمن يقول ( ما جدوى العينين لمن يعيش في ظلمة حالكة ) ! أو كمن يقول ماذا تتوقعون من عطاء من أرض جنيتم أنتم بأيديكم عليها عندما جعلتوها يبابا وأقررتم بجهلكم وظلمكم أنها عاقرا بورا , ولا يؤمل منها نتاجٌ !!
ثيابٌ , مشط , جواهر , حلي , عطر , مساحيق , مرايا . قلبا عييا متعبا.. ولاننس كلمة ( نفسي ) .
لله درك كم في التاج من درر !!!!
حممٌ بركانية تتناثر باتساق كنيازك مصوبة لقلب وعقل مجتمع يحاول تعطيل أجمل نصف فيه .. وصورٌ تدمي شغاف المتلقي عندما يرى ما سيُسلبُ من هذه المتظلمة البارعة في تقديم حيثياتها حيث وقفت ثابتة الجنان لا تستجدي إرجاع حقوقها أو نيلها كهبة أو منة بقدر ما بينت سفاهة أحلام من يظن بأنه قادر على إجبارها على الزهد بهذا التاج بما يحتويه من نفائس لا تقدر بثمن . فالعطر والجواهر والحلي والثياب والمرايا والامشاط يمكن شراؤها إن فقدت ولكن حواء لم تنس أن تقول بان هذا الأشياء مجتمعة هي بمثابة نفسها وليت شعري كيف نفس تعادُ للحياة إن فُقدت ! فكما نعلم أن كل مادة تقترن بعناصرها المكونة لها وكل خاصية بهذه المادة تضيف عاملا جديدا للتعرف عليها . فالأعمى لا يرى الوردة بعينيه ,ولكنه يستدل على جمالها بلمسها ويشعر بقيمة وجودها من تضوع عبقها .. فلو وضعنا وردة بقرب ضرير فإنه بلا شك سينبئنا بوجود الوردة إن اشتم رائحتها مع أنه لم يرها .
هكذا إذن- فلا معنى لشئ إن جردته من خصائصه التي يتكون منها جوهره أو نفسه لذلك نرى بأن فارستنا قد أتقنت إستعمال مفرداتها بذكاء سخي لم يدع لمنكر من سبيل في إنكار .
فما فائدة استعمال الحلي والعطور والثياب والمرايا إن لم تقدر قيمة من يستعمل هذه الاشياء أولا ! وما فائدة الحسن والجمال عند منكر لهما ؟ بل وما فائدة كل هذه الاشياء مجتمعة لأنثى ميتة ؟ تماما هي نفس الفائدة للبخور عند مزكوم كما هي فائدة المغني الصيّت لدى أطرش ؟؟
ولنستمر في استشرافنا واستنطاق الابيات التالية :
فكم أدميت بالمرآة كفا.....تثور وتلكم الوجه الشقيا
فينثرني الزجاج على دمائي......يبدد صورتي وأظل حيّا
صور أخرى نسمع صوتها صارخة في وجوهنا حينما تستعرض الشاعرة وقع انتفاء الجدوى من استعمال أشيائها الخاصة بل تنقل لنا بصورة مأساوية العذاب والاحباط اللذان يساوران نفسها عند استعمالها لبعض أدواتها الملازمة لممارسة طقوسها الأنثوية . صورة لابد أن نقف عندها لنجلو كنهها مسلطين الضوء على مفرداتها أدميت , مرآة , كفا , .. صورتي وحيا ..
صور ناطقة متحركة كأشخاص نلحظهم ماثلين لكل ذي بصيرة ولا أقول بصر .. فربما يراهم مبصر ظالم ولا يأخذ بهم بعين الاعتبار أو يحفل بهم . لذلك نرى الشاعرة المحامية قد ساقت هذه المفردات لترسم في بيتين إثنين ما تواجهه من معاناة وما تسفر عنه من بقائها على قيد الحياة ! فهل هي فعلا راضية بمثل هذه الحياة ؟ وكيف لمن تبددت صورته ودرست معالمة أن يقال عنه حيا ..
صراع معبر بصورة جلية عما يعتمل في النفس وما يحيط بها ونتيجة حتمية لمعطيات تضافرت ضدها لتأت بصورة مسخ لا إنسان سوي . فهل هذا ما أرادته شاعرتنا ؟ سؤال ساذج لا يستحق الالتفات إليه إحتراما منا لفكر هذه الفارسة العربية الأصيلة المتمكنة من قدراتها والواثقة بمشروعية قضيتها وأحقية حقوقها, والعارفة بخط بداية المضمار وانتهائه لتظفر بالقدح المعلى .
فلنستمر ::!
خذوا قلبا يرق لكل خطبٍ......خذوا وهنا ودمعا أنثويا
خذوا صوتا رقيقا كبلته.......قيودا ناصرت قلبا حييا
خذوا ضعفي وليني وانكساري....خذوا ثوبا جميلا مخمليا
قراءة متسرعة لهذه الابيات نحسب أن شاعرتنا أرادت أن تذكرنا لما نفتقده نحن معشر الرجال ونعتبره – أحيانا - ثلمة في رجولتنا بينما نستحسنه ونكبره إن تواجد في المرأة .. فعلى سبيل المثال – وهنا أسوق بعض الأمثلة ليس على سبيل الإطلاق بغير حدود أو سبب - نطلب الرقة في المرأة ونعتبرها ميزة وننكرها أو نستعيبها - أحيانا- أو لا نتوقعها أو نتقبلها من الرجل . ودمع الأنثى هو أقرب من دمع الرجل فلا نستعيبه من الانثى بقدر ما يحرص الرجال على عدم إظهاره . وضعف الانثى فطرة خلقية في بنيتها إذا ما قورنت ببنية الرجل , كذلك هو الحال على اللين والانكسار التي تفتخر بهما الانثى عندما ( تستلزم الضرورة المشروعة ) . ويكفي أن نضرب مثالا في علاقة الرضيع بأمه وقيام الأم بواجب رضيعها بصورة فطرية وغريزية بل نراها تؤدي واجبها تجاه طفلها بصبر وعزم وقوة وتحمل يكل منه أعتى الرجال .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا نرى انخفاض وتيرة صوت المحامية هنا ؟ أرى العكس تماما فلم يكن انخفاضا لوتيرة بقدر ما هو استنهاض لذهن القاضي الماثلة أمامه لتذكره بما لديها من أياد عليه في وقوفها جنبه في معترك الحياة وإبرازا لما لديها من قدرات وميزات بل وخصائص هو – كرجل – في حاجة إليها يفتقدها في نفسه فيطلبها من حواء . وما الثوب المخملي الذي ذكرته الشاعرة إلا النرجسية الذكورية حيث كست الشاعرة هذه النرجسية بثوب ( مخملي ) لتبين لبعض الرجال غير المقدرين لقيمة ومكانة ودور المرأة كم ارتكبوا من جرم بحق أنفسهم قبل حقها . فبعد كل هذه القراءة الظاهرة لنا لِمَ لا ننصف الشاعرة ونقول بأنها تقول لنا : إذا غبنتم حقي وتجاهلتموني فخذوا مني أشلاء إنسان خاو من أي قيمة ذات معنى .
ولنأت على الأبيات التالية :
سأفتعل الجلادة غير أني......أرى قلبي يموت على يديا
يُشد من الهموم إلى ثراه........وناظره تعلّق بالثريا
تواصل شاعرتنا سياق حيثيات دفاعها عن قضيتها بإظهار نيتها فيما هي عازمة عليه فتضعها على صورة معطيات ونتائج كمن يقول من لا يزرع لا يحصد .
ففي البيتين السابقين نراها تبين بمفردات واضحة المعاني بأنها ( ربما ) ستضطرُّ إلى اللجوء للظهور بصورة تغاير ما تمنته وتؤمن به وكأني أراها تستعمل مرة أخرى كلمة ( خذوا ) ولكن هذه المرة بطريقة تأنيبية للقاضي .. نعم .. فإن توقعتم مني أن أصمت وأصطبر فسوف أفعل ولكن هاكم نتيجة هذا الصبر جسدا بلا قلب يموت كل يوم وببطئ ! وإن أردتم إياي أن أدفن قلبي وأكبح جماح نبضه فسأفعل ولكن إعلموا أن هذا القلب الذي أردتم له الوأد هو قلب طموح لأبعد مدى بقدر طموح حواء وإيمانها بكبريائها . وما أجمل كلمتي الثرى والثريا هنا حيث وظفت شاعرنا كلمة الثرى وكأنها تعني القبر لا وجه البسيطة واستعملت الثريا دلالة على بعد همتها ورفعة شأنها وشأوها .. فلا فض فوك أحسنت توظيف المفردات , فأبدعتِ !
ولنستمر !
ضياء كل هذا الكون حولي........ولكن الظلام بناظريا
إذا كانت خطاي بدون دربٍ......وحبل الرق يدمي معصميا
بيان جليٌّ جلاء شمسٍ وقت ظهيرة , تبيان لنتائج تعطيل الأشياء ورسمٌ لهواجس النفس وما يعتمل بها , بل هي سهام مطعمة بما يؤدي لوخز الضمير مصوبة نحو مجتمع أراد ظلم حواء . ضياء لا تقدر هي على رؤيته لا يساوي عندها إلا ظلاما وخطى مشتتة كيفما اتفق هي قيد وأصفاد إذ لا جدوى من هذا المسير .
ونكمل مع فارستنا!
توسد ظله رأسي ونادت........شفاه الفكر حرفا شاعريا
هو الخل الذي ألقاه دوما.....حنون القلب صبَّارا وفيا
هذه الحيثيات التي ساقتها محاميتنا تخامر جنانها حيث تلوذ للشعر لتستنطق شفاهه لتبيان ما ألحق بها المجتمع من ظلم وإجحاف , فلا شك فإنها تتوق أن تجد آذانا صاغية لما تؤمن به وإلى صدر حنون تتكئ عليه . فلا غرو إن لجأت لموهبتها الجزلة في بيانها لتعطيها تفويضا بثقتها في الوفاء وعدم الخذلان إن لزب الأمر وشعرت أنها لا حول لها ولا قوة . وهل أجمل من البيان إن كان لسانه الشعر !!
ولنستمر في الإبحار مع فارستنا !
إذا بخلت عليّ بنات فكري.......يُلقّنها حديثا عاطفيا
وإن شح الزمان رأيت حرفي....وإن قصرت يداه بدا سخيا
يشاغلني عن الأحزان حتى......ترى قلبا خمولا فوضـويـا
إذا هذا هو الركن المنيع الذي تلجأ إليه شاعرتنا لتستمد قوتها وهذا هو الرفد الذي تهرع إليه لري صداها . إعتمادها على شعرها وحرفها ضد نوائب الدهر وقلة الحيلة . فلا شك أن لبيت شعر أحيانا وقع يفوق عن فعل كتائب .
ولنكمل !
يقطِّر دمع عيني في يراعي.....يحيل العجز حرفا عبقريا
صورة مأساوية تنم عن قمة العتاب واللوم لمجتمع تأبى فارستنا الإقرار بمنطقه والرضوخ لحكمه الظالم فما أقسى من وقع كلمتي ( دمع يقطر ) على النفس المرهفة والحية ! فهل تقر بجواز استمرار هذا الدمع ؟ ولِمَ؟ وأين الخللُ وما الداعي له ؟ أسئلة نستقرئها من بين سطور القصيدة بل من نبض قلب مبدعتها لنرى الإجابة بين صدر البيت وعجزه حين تُظهر قوتها في ضعفها وهذه صورة رائعة لابد لها من لفتة للإشادة بها وتبيانها الا وهي ربط الشاعرة بين الدمع والمداد وبين اليراع وبيانه لكي نخلص لما رنت إليه الشاعرة من تحويل هذا الضعف والعجز إلى قوة حقيقية تجلى في عبقرية الشاعرة حين رأيناه في عبقرية حرفها .
وأخيرا !
خذوا مني..وأعطوني صحافي...سيبقى السعد حرفا أبجديا
تختتم فارستنا قصيدتها بعد أن قدمت ببراعة قضيتها أمامنا جميعا بكلمة ( خذوا ) وتترك بعدها مساحة تفيض بالكلمات والمعاني بالرغم من عدم ذكرها لهذه الأشياء , وكأنها تقول بأنها ستراهن على الحصان المجلى في خوض هذا المضمار ألا وهو الشعر وحصافة بيانها فإنه السيف الباتر واللسان القاطع .. نعم أيتها الفارسة لقد خُضتِ غمار القريض فتألقتِ وغمار المضمار فظفرتِ وغمار الحرف فأبدعتِ فشكرا لكم على هذه الدرة التي بهرتنا ببريقها وأسعدتنا باستقرائها ولله درك حين قلت : سيبقى السعدُ حرفا أبجديا !
واقبلي تحيات
Samy
د. سامي بدران
آخر تعديل بواسطة Samy ، 07-01-2002 الساعة 03:55 AM.
|