مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 22-10-2001, 08:06 AM
GaNNaS GaNNaS غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2001
المشاركات: 62
إرسال رسالة عبر ICQ إلى GaNNaS
Lightbulb الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي

الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي


أخوتي الأحبة
السلام عليكم
لـمـا للموضوع من أهمية لكل مسلم عامي أم متبع أم مقلد أم متخصص كان ، أحببت نشره . . .
وعذراً إن كان هناك أية أخطاء طباعية مني

الحكم الشرعي

الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ، وهو إما أن يكون قطعي الثبوت كالقرآن الكريم والحديث المتواتر : فإن كان قطعي الثبوت ينظر ، فإن كان قطعي الدلالة يكون الحكم الذي تضمنه قطعياً كركعات الفرائض كلها ، فإنها في الحديث المتواتر ، وكتحريم الربا وقطع يد السارق وجلد الزاني ، فإنها أحكام قطعية ، والصواب فيها متعين ، وليس فيها إلا رأي واحد قطعي .

وإن كان خطاب الشارع قطعي الثبوت ظني الدلالة فإن الحكم الذي تضمنه ظني مثل آية الجزية ، فإنها قطعية الثبوت ولكنها ظنية الدلالة في التفصيل ، فالحنفية يشترطون أن تسمى جزية ، وأن يظهر الذل على معطيها حين إعطائها . والشافعية لا يشترطون تسميتها جزية ، بل يصح أن تؤخذ باسم زكاة مضاعفة ، ولا ضرورة لإظهار الذل ، بل يكفي الخضوع لأحكام الإسلام .

أما إذا كان خطاب الشارع ظني الثبوت كالحديث غير المتواتر ، فيكون الحكم الذي تضمنه ظنياً ، سواء أكان قطعي الدلالة كصيام ستة أيام من شوال فإنها ثبتت بالسنة ، أو ظني الدلالة كمنع إجارة الأرض فإنه ثبت بالسنة .

وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد صحيح ، ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي ، وعلى ذلك فحكم الله في حق كل مجتهد هو ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه .


الاستدلال بالسنة

من المعروف أن السنّة هي كلام الرسول ( ص ) وأفعاله وسكوته ، وهي واجبة الاتباع كالقرآن. غير أنه لا بد أن يثبت أن الرسول هو الذي قال هذا الكلام ، أو سكت عن هذا الكلام ، أو هذا الفعل . وإذا ثبتت السنة صح الاستدلال بها على الأحكام الشرعية وعلى العقائد ، وكانت حجة على أن هذا الثابت بالسنة حكم شرعي ، أو عقيدة من العقائد . إلا أن ثبوت السنة إما أن يكون ثبوتاً قطعياً ، كأن يرويها جمع من تابعي التابعين عن جمع من التابيعن عن جمع من الصحابة عن النبي ( ص ) ، بشرط أن يكون كل جمع يتكون من عدد كافي ، بحيث يؤمن تواطئهم على الكذب . وهذه هي السنة المتواترة أو الخبر المتواتر . وإما أن يكون ثبوت السنة ثبوتاً ظنياً كأن يرويه واحد أو آحاد متفرقون من تابعي التابعين عم واحد أو آحاد من التابعين ، عن واحد أو آحاد من الصحابة ، عن النبي عليه السلام ، وهذا هو حديث الآحاد أو خبر الآحاد . ومن هنا كانت السنة من حيث الاستدلال قسمين اثنين هما الخبر المتواتر وخبر الآحاد . أما الخبر المشهور أو المستفيض وهو الذي يروي بطريق الآحاد عن النبي ( ص ) ثم يشتهر في عصر التابعين أو تابعي التابعين فإنه من خبر الآحاد وليس قسماً ثالثا . لأنه لا يرتفع في الاستدلال عن مرتبة خبر الآحاد ، فلا يصل الى مرتبة المتواتر مطلقاً . وما دامت الرواية قد تطرق إاليها وجود آحاد في أي مرتية من المراتب سواء أكان في الصحابة أم التابعين أم تابعي التابعين فإنه يعتبر آحاداً ولو كانت المرتبتان الأخريان جمعاً . فالسنة إما متواترة أو آحاد ولا ثالث لهما . وخبر الآحاد إذا كان صحيحاً أو حسناً ، يعتبر حجة في الأحكام الشرعية كلها ويجب العمل به ، سواء أكانت أحكام عبادات أم معاملات أم عقوبات . والاستدلال به هو الحق . فإن الاحتجاج بخبر الآحاد في اثبات الأحكام الشرعي هو الثابت ، وهو ما أجمه عليه الصحابة رضوان الله عليهم . والدليل على ذلك أن الشرع قد اعتبر الشهادة في إثبات الدعوة ، وهي خبر آحاد ، فيقاس قبول رواية السنة وقبول الآحاد على قبول الشهادة ، ذلك أنه ثبت بنص القرآن الكريم أنه يقضى بشهادة شاهدين رجيلن أو رجل وامرأتين في الأموال ، وبشهادة أربعة من الرجال في الزنا ، وبشهادة رجلين في الحدود والقصاص ، وقضى رسول الله ( ص ) بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق ، وقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع ، وهذا كله خبر آحاد . وقد سارع على ذلك الصحابة كلهم ولم يروى عنهم مخالف . والقضاء إلزام بترجيح جانب الصدق على جانب الكذب ما دامت الشبهات التي تجعل الخبر مظنة الكذب قد انتفت وغير ثابتة . وهذا الإلزام ليس إلا عملاً بخبر الآحاد . فوجب بالقياس أن يعمل بخبر الآحاد المروي عن النبي ( ص ) لترجيح جانب الصدق ما دام الراوي عدلاً ثقة ضابطاً قد التقى بمن روى ، قد انتفت شبهة مظنة الكذب ولم تثبت عليه هذه الشبهة . فكان قبول خبر الآحاد عن الرسول ( ص ) والاستدلال به على الحكم مثل قبول الشهادة والحكم . فموجبها على الأمر المقضي به . وعلى ذلك يكون خبر الآحاد حجة بدليل ما أرشد إليه القرآن .
على أن الرسول ( صلى الله عيه وسلم ) قال : ( نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها عني وأداها فرُبَّ حامل فقه غير فقيه ، ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) . فاقلرسول يقول نضَّر الله عبداً ولم عبيداً ، وعبداً جنس يصدق على الواحد وعلى الأكثر فمعناه أنه يمدح الواحد والآحاد في نقل حديثه .
وفوق ذلك فإن النبي عليه السلام يدعو إالى حفظ قوله وأدائه فكان فرضاً على كل من يسمعه واحداً أو جمعاً ، أن يؤديه ولا يكون لأدائه ونقله أئر من حمله لغيره إلا إذا كان كلامه مقبولاً . فالدعوة من النبي ( صلى الله عيه وسلم ) إلى نقل أقواله ، هي الدعوة إلى قبولها ما دام المنقول إليه قد صدَّق أن هذا كلام الرسول ، أي ما دام الناقل ثقةً أميناً تقياَ ضابطاً يعرف ما يحمل وما يدع ، حتى تنتفي عنه مظنة الكذب ويترجح فيه جانب الصدق . وهذا يدل على أن خبر الآحاد حجة بصريح السنة وبما دلت عليه السنة .
وعلاوة على هذا ، فإن النبي ( صلى الله عيه وسلم ) بعث في وقت واحد اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر ملكاً يدعوهم إلى الإسلام ، وكان كل رسول واحداً في الجهة التي أرسل إليها . فلو لم يكن تبليغ الدعوة واجب الاتباع بخبر الواحد لما اكتفي الرسول بإرسال واحد لتبليغ الإسلام . فكان هذا دليلاً صريحاً من عمل الرسول ، على أن خبر الواحد حجة في التبليغ . وكان الرسول يرسل الكتب إلى الولاة على يد الآحاد من الرسل ولم يخطر لواحد من ولاته ترك إنفاذ أمره لأن الرسول واحد ، بل كان يلتزم بما جاء به الرسول من عند النبي عليه السلام من أحكام وأوامر ، فكان ذلك دليلاً صريحاً أيضاً من عمل الرسول على أن خبر الآحاد حجة في وجوب العمل بالأحكام الشرعية وفي أوامر الرسول ونواهيه ، وإلا لما اكتفى الرسول بإرسال واحد إلى الوالي .
والثابت عن الصحابة فيما اشتهر بينهم واستفاض عنهم أنهم كانوا يأخذون بخبر الآحاد إذا وثقوا بالراوي . والوقائع الثابتة في ذلك تخرج عن الحد والحصر ولم يرد عن واحد منهم أنه ردَّ خبر الواحد لأنه قد رواه واحد ، وإنما كانوا يردونه لعدم ثقتهم براويه . وعلى ذلك يكون خبر الواحد حجة في الأحكام الشرعية وفي تبليغ الإسلام بدليل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم .


خبر الآحاد ليس بحجة في العقائد

إن الإيمان بالرسول محمد ( صلى الله عيه وسلم ) يوجب طاعته واتباعه ، ويوجب الاستدلال بسنته على الإسلام عقيدة وأحكاماً ، قال الله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولُهُ أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسولُهُ فقد ضل ضلالاً مبيناً ) وقال تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .
إلا أن هذا الاستدلال باسنة يختلف شأنه بالنسبة لما يستدل به عليه . فإن كان ما يستدل عليه يكفي فيه أن يغلب الظن عليه ، فإنه يستدل به بما يغلب الظن على الشخص أن الرسول قاله ، ويستدل به بما يتيقن الشخص أن الرسول قاله من باب أولى . أما ما يجب الجزم واليقين ، فإنه يجب أن يستدل به بما يتيقن الشخص أن الرسول قاله ، ولا يستدل عليه بما غلب الظن على الشخص أن الرسول قاله ، لأن الظن لا يصلح دليلاً لليقين ، إذ ما يتطلب فيه الجزم واليقين لا يكفي فيه إلا اليقين .
والحكم الشرعي يكفي فيه ما غلب على ظن الشخص أنه حكم الله فيجب عليه اتباعه ، ومن هنا جاز أن يكون دليله ظنيا ; سواء كان ظنياً من حيث الثبوت أم ظنياً من حيث الدلالة . ومن هنا صلح خبر الآحاد لأن يكون دليلاً على الحكم الشرعي . وقد قبله الرسول في القضاء ودعا إلى قبوله في رواية حديثه ، وقبله الصحابة في الأحكام الشرعية. أما العقيدة فإنها التصديق الجازم المطابق للزاقع عن دليل. وما دامت هذه هي حقيقة العقيدة، وهذا هو واقعها، فلا بد أن يكون دليلها محدثاً التصديق الجازم. وهذا لا يتأتى مطلقا إلا إذا كان هذا الدليل نفسه دليلاً مجزوماً به حتى يصلح دليلاً للجزم. لأن الظني يستحيل أن يحدث جزماً فلا يصلح دليلاً للجزم. ولذلك لا يصلح خبر الآحاد دليلاً على العقيدة لأنه ظني، والقيدة يجب أن تكون يقينية. وقد ذم الله تعالى في القرآن الكريم اتباع الظن فقال : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) وقال : ( وما يتبع أكثرُهُم إلا ظناً إن الظن لا يُغني من الحق شيئاً ) وقال : ( وإن تطع أكثرَ من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلا الظن ) وقال : ( إن يتّبعون إلا الظن وما تهوى الأنفُس ) وقال: ( وما لهم به من علم إن يتّبعون إلا الظن وإن الظن لا يُغني من الحق شيئاً ) فهذه الآيات وغيرها صريح في ذم من يتبع الظن في العقائد، وذمهم والتنديد بهم دليل على النهي عن اتباع الظن. وخبر الآحاد ظني، فالاستدلال به على العقيدة اتباع للظن في العقائد، وهذا ما ورد ذمه في القرآن صريحاً. فالدليل الشرعي، وواقع العقيدة، يدل كل ذلك على أن ىالاستدلال بالدليل الظني على العقائد لا يوجب الاعتقاد بما جاء في هذا الدليل. وعلى ذلك فإن خبر الآحاد ليس بحجة في العقائد.
وإنما حصرت هذه الآيات خاصة في العقائد دون الأحكام الشرعية لأن الله اعتبر اتباع الظن في العقيدة ضلالاً، وأوردها في موضوع العقائد، فنعى نعياً واضحاً على من يتبعون الظن في العقائد قال تعالى : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفُس ) قالها عقب قوله : ( أفرأيتم اللآت والعز * ومناة الثالثة الأخرى * ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن ) الآية. فدل ذلك على أن موضوع الكلام هو العقائد. وقال تعالى: ( وإن تُطع أكثر من في الأرض يُضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن ). فاعتبر الضلال وهو الكفر أنه قد حصل من اتباع الظن. فدل ذلك على أن موضوع الآيات هو العقائد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه ثبت أن الرسول ( صى الله عليه وسلم ) حكم بخبر الآحاد، وأن المسلمين في أيامه أخذوا الحكم الشرعي بخبر الآحاد وأقرهم عاى ذلك، فكان حديث الرسول مخصصاً للآيات في غير الحكم الشرعي أي في العقائد، أي استثنى الحكم الشرعي منها، على فرض أن بعض الآيات عامة.
أما ما ورد من أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث رسولاً واحداً إلى الملوك ورسولاً واحداً إلى عماله، وما ورد بأن الصحابة كانوا يقبلون قول الرسول الواحد فس إخبارهم عن حكم شرعي، كأمر استقبال الكعبة، وأمر تحريم الخمر، وإرسال الرسول عليه السلام لعلي رضي الله عنه إلى الناس يقرأ عليهم سورة (التوبة) وهو واحد إلى غير ذلك، فإن هذا لا يدل على خبر الواحد في العقيدة، بل يدل على خبر الواحد في التبليغ، سواء أكان تبليغ الأحكام الشرعية، أو تبليغ الإسلام. ولا يقال أن قبول تبليغ الإسلام هو قبول للعقيدة، لأن قبول تبليغ الإسلام قبول لخبر وليس قبولاً لعقيدة، بدليل أن على المبلّغ أن يُعمل عقله فيما بلغه، فإذا قام الدليل اليقيني عليه اعتقده وحوسب على الكفر به. فرفض خبر عن الإسلام لا يعتبر كفراً، ولكن رفض الإسلام الذي قام الدليل اليقيني عليه هو الذي يعتبر كفراً، وعلى ذلك فتبليغ الإسلام لا يعتبر من العقيدة. وقبول خبر الواحد في التبليغ لا خلاف فيه، والحوادث المرورية كلها تدل على التبليغ، إما تبليغ الإسلام أو تبليغ القرآن أو تبليغ الأحكام. أما تبليغ العقيدةفلم يرد دليل واحد على الاستدلال عليه بخبر الآحاد.
وعلى هذا فلا بد أن يكون دليل العقيدة يقينياً أي دليلاً قطعياً، لأن العقيدة قطع وجزم ويقين، ولا يفيد القطع والجزم واليقين إلا الدليل القطعي. ولهذا لا بدّ أن يكون قرآناً أو حديثاً متواتراً على أن يكون كل منهما قطعي الدلالة. ويجب أخذه في العقائد وفي الأحكام الشرعية، ويكفر منكره، ومنكر ما دل عليه، سواء أكان عقيدة، أم حكماً شرعياً.
أما إذا كان الدليل خبر آحاد فإنه لا يكون قطعياً، فإن كان صحيحاً فإنه يفيد غلبة الظن، فتُصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً، لا تصديقاً جازماً، ولهذا لا يجوز أن تُعتقد، ولا أن يُجزم بها. لأن العقيدة قطع وجزم، وخبر الآحاد لا يفيد قطعاً ولا جزماً، وإنما يفيد ظناً، ولا يكفر منكره، ولكن لا يجوز أن يكذب، لأنه لو جاز تكذيبه لجاز تكذيب جميع الأحكام الشرعية المأخوذة من الأدلة الظنية، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين.
ومثله في هذه الناحية مثل القرآن سواء بسواء. فالقرآن قد نقل إلينا نقلاً بطريق التواتر فيجب الاعتقاد به ويكفر منكره. وما نقل من آيات بطريق خبر الآحاد على أنها قرآن مثل قوله : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فإنها لا تعتبر من القرآن ولا يجب الاعتقاد بها، لأنه وإن رويت على أنها قرآن، ولكن كون روايتها كانت بطريق الآحاد نفى عنها وجوب اعتبارها من القرآن ، ونفى وجوب الاعتقاد بها. وكذلك خبر الآحاد، فإنه وإن روي على أنه حديث، ولكن كون روايته كانت بطريق الآحاد نفى عنه وجوب اعتقاده حديثاً، ونفى عنه وجوب الاعتقاد بما جاء به إلا أنه يصدق ويعتبر حديثاً، ويجب الأخذ به في الأحكام الشرعية.

الفرق بين العقيدة والحكم الشرعي

العقيدة في اللغة ما عقد عليه القلب. ومعنى عقد عليه أي جزم به، أي صدقه يقينياً، وهذا عام يشمل التصديق بكل شيء. غير أن التصديق بالشيء ينظر فيه إلى الشيء الذي يصدق به، فإن كان أمراً أساسياً أو متفرعاً عن أمر أساسي فإنه يصح أن يسمى عقيدة لأنه يصح أن يتخذ مقياساً أساسياً لغيره، فيكون لانعقاد القلب عليه أثر ظاهر. وإن كان هذا الشيء الذي يصدق به ليس أمراً أساسياً ولا متفرعاً عن أمر أساسي فإنه لا يكون من العقائد، لأن انعقاد القلب عليه لا يكون له أي أثر، فلا يوجد في الاعتقاد به أي واقع أو أي فائدة. أما إن كان لانعقاد القلب عليه أثر يدفع لتعيين موقف تجاهه من التصديق والتكذيب فيكون من العقيدة.
والعقيدة عي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وما قبل الحياة الدنيا وما بعدها، وعلاقتها بما قبلها وما بعدها. وهذا تعريف لكل عقيدة وينطبق على العقيدة الإسلامية، وتدخل فيها المغيبات. فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى هو القيدة الإسلامية. والإيمان بالجنة والنار والملائكة والشياطين وما شاكل ذلك هو من العقيدة الإسلامية والأفكار وما يتعلق بها. والأخبار وما يتعلق بها من المغيبات التي لا يقع عليها الحس يعتبر من العقيدة.
أما الأحكام الشرعية فهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. وبعبارة أخرى هي الأفكار المتعلقة بفعل من أفعال الإنسان، أو بصفة من صفاته باعتبارها من أفعاله. فالإجارة، والبيع والربا والكفالة والوكالة والصلاة وإقامة خليفة وإقامة حدود الله، وكون الخليفة مسلماً، وكون الشاهد عدلاً، وكون الحاكم رجلاً، وما شاكل ذلك، تعتبر كلها من الأحكام الشرعية، والتوحيد، والرسالة، والبعث وصدق الرسول، وعصمة الأنبياء، وكون القرآن كلام الله، والحساب والعذاب، وما شاكل ذلكـ تعتبر كلها من العقيدة. فالعقائد أفكار تصدق، والأحكام الشرعية خطاب يتعلق بفعل الإنسان. فركعتا سنة الفجر حكم شرعي من حيث صلاتهما، والتصديق بكونهما من الله عقيدة. فصلاة ركعتي سنة الفجر سنة لو لم يصلّها لا شيء عيه، ولو صلاها له ثواب مثل ركعتي سنة المغرب سواء بسواء من حيث الحكم الشرعي، أما من حيث العقيدة، فالتصديق بركعتي سنة الفجر أمر حتمي وإنكارهما كفر، لأنهما ثبتا بطريق التواتر. أما التصديق بركعتي سنة المغرب فمطلوب، ولكن إنكارهما لا يعتبر كفراً، لأنهما ثبتا بدليل ظني وهو خبر آحاد، وخبر الآحاد ليس بحجة في العقائد. وقطع يد السارق حكم شرعي، وكون ذلك من الله والتصديق به عقيدة، وتحريم الربا حكم شرعي، والتصديق بكونه حكماً من الله تعالى عقيدة، وهكذا ...
وعليه فهنالك فرق بين العقيدة والحكم الشرعي. فالعقيدة هي الإيمان وهو التصديق الجازم المطابق للولقع عن دليل، والمطلوب فيه هو القطع واليقين. والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، ويكفي فيه الظن. فإدراك الفكر والتصديق بوجود واقعه أو عدم وجوده هو عقيدة. وإدراك الفكر واعتباره معالجة لفعل من أفعال الإنسان أو عدم اعتباره معالجة، هو حكم شرعي. فلأجل اعتبار الفكر معالجة يكفي الدليل الظني. أما لأجل التصديق بوجود واقع الفكر فلا بد من الدليل القطعي.

* نقلاً عن كتاب ( نظام الإسلام ) وكتاب ( الشخصية الإسلامية ج1 ) لعلامة العصر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -

الخلاصة :

قطعي الثبوت : هو ما ثبت وروده إلينا قطعيا ، كأن يرويه جمع من تابعي التابعين عن جمع من التابعين عن جمع من الصحابة عن النبي ( ص ) ، بشرط أن يكون كل جمع يتكون من عدد كافي ، بحيث يؤمن تواطؤهم على الكذب ، وبذلك فهو قطعي الثبوت لا محالة ، وهذا هو القرآن أو الحديث المتواتر.
ظني الثبوت : كأن يرويه واحد أو آحاد متفرقون من تابعي التابعين عن واحد أو آحاد من التابعين ، عن واحد أو آحاد من الصحابه عن النبي عليه السلام ، وهذا هو حديث الآحاد.
قطعي الدلالة : وهو آيات القرآن أو أحايث النبي عليه السلام التي لها معنى واحد في اللغة ، ولاتفسر إلا تفسيراً واحداً.
ظني الدلالة : وهو آيات القرآن أو أحايث النبي عليه السلام التي لها عدة معاني في اللغة ، وتفسر بعدة تفاسير ، لأن القرآن نزل باللغة العربية ، واللغة العربية لها عدة معاني ، ويكون أحيانا للكلمة الواحدة عدة معاني ، ولذلك يكون للآية أو الحديث عدة معاني .

من حيث الاستدلال على الأحكام الشرعية أو العقائد :

القطعي الثبوت القطعي الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، أو في عقيدة من العقائد .
القطعي الثبوت الظني الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح الاستدلال به في العقائد .
الظني الثبوت القطعي الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح الاستدلال به في العقائد .
الظني الثبوت الظني الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح الاستدلال به في العقائد .

أي :

القطعي الثبوت القطعي الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، أو في عقيدة من العقائد ،
القطعي الثبوت الظني الدلالة : ح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح في عقيدة من العقائد ، فتصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً ، لا تصديقاً جازماً ، ولهذا لا يجوز أن تعتفد ، ولا أن يجزم بها لأن العقيدة قطع وجزم .
الظني الثبوت القطعي الدلالة ، أو الظني الثبوت الظني الدلالة : يصح الاستدلال به في حكم شرعي من الأحكام الشرعية ، ولا يصح في عقيدة من العقائد ، فتصدق العقائد التي جاء بها تصديقاً ظنياً ، لا تصديقاً جازماً ، ولهذا لا يجوز أن تعتفد ، ولا أن يجزم بها لأن العقيدة قطع وجزم ، وخبر الآحاد لا يفيد قطعاً ولا جزماً ، وإنما يفيد ظناً ، ولا يكفر منكره ، ولكن لا يجوز أن يكذب ، لأنه لو جاز تكذيبه لجاز تكذيب جميع الأحكام الشرعية المأخوذة من الأدلة الظنية ، ولم يقل بذلك أحد من المسلمين.

من حيث اجتهاد المجتهدين وبالتالي الاختلاف بين المسلمين في الأحكام الشرعية ( أي من حيث الدلالة ):

آيات القرآن القطعية الدلالة ( الآيات المحكمة ) أو أحاديث النبي عليه السلام القطعية الدلالة : فهي تدل على معنى واحد في اللغة والتفسير ، وليس فيها إلا رأي واحد قطعي ، ولا يجوز اجتهاد المجتهدين فيها ، ولا خلاف بينهم عليها.
آيات القرآن الظنية الدلالة ( الآيات المتشابهات ) أو أحاديث النبي عليه السلام الظنية الدلالة : فهي تدل على عدة معاني في اللغة والتفسير ، وفيها عدة آراء ، ويجوز اجتهاد المجتهدين فيها ، وفيها خلاف بينهم عليها.

والله من وراء القصد
__________________
المسلمون أمة واحدة من دون الناس
يجـب عليهم أن يكونوا دولة واحدة
تحـت رايــة خـلـيـفـــة واحـــد
  #2  
قديم 24-10-2001, 12:36 PM
سعود صلف سعود صلف غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2001
المشاركات: 56
Post

الاخ GaNNaS حفظه الله...

أخي أنا اخالفك الرأي في ما ذكرت وحديث الرسول الصحيح يفيد اليقين دائماً...

وكيف يصبح كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم الصحيح السند يفيد الظن..!!!!

أخي سأنقل لك رد أحد المشائخ لهذا الموضوع للفائدة...

الفصل الأول
وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها
أيها الإخوان الكرام : إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة ، أن السنة النبوية – على صاحبها أفضل الصلاة والسلام – هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي ، في كل نواحي الحياة من أمور غيبية اعتقادية – أو أحكام عملية ، أو سياسية ، أو تربوية وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في آخر " الرسالة " : " لا يحل القياس والخبر موجود " ، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول :" إذا ورد الأثر بطل النظر " ،" لا اجتهاد في مورد النص " ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم ، والسنة المطهرة .
* القرآن يأمر بالاحتكام إلى سنة الرسول r
أما الكتاب ففيه آيات كثير ، أجتزىء بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى ]فإن الذكرى تنفع المؤمنين[.
1- قال تعالى:] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً[ (الأحزاب : 36) .
2- وقال عز وجل:]يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم[ (الحجرات : 1) .
3- وقال : ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[ (آل عمران:32) .
4- وقال عز من قائل : ]وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيداً . من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً[ (النساء:80) .
5- وقال : ]يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً[ (النساء:59).
6- وقال : ]وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين[ (الأنفال : 46) .
7- وقال: ]وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ، فإن توليتم فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين[ (المائدة : 92) .
8- وقال : ]لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً ، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ (النور : 63) .
9- وقال : ]يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعملوا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون [ (الأنفال : 24) .
10- وقال: ]ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين[(النساء13-14)
11- وقال : ]ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً[ (النساء:60-61) .
12- وقال سبحانه : ]إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون[(النور:52).
13- وقال: ]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب[ (الحشر : 7) .
14- وقال تعالى : ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً[ (الأحزاب:21) .
15- وقال : ]والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو
إلا وحي يوحى[ (النجم:1-4) .
16- وقال تبارك وتعالى:]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون[(النحل:44)
إلى غير ذلك من الآيات المباركات .
* الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي r في كل شيء :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : p كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ،
قالوا : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى i .
أخرجه البخاري في "صحيحه – كتاب الاعتصام " .
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :
p جاءت ملائكة إلى النبي r وهو نائم ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا ، فاضربوا له مثلا ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيه مأدبة ، وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا : أولوها يفقهها ، فقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا فالدار الجنة ، والداعي محمد r ، فمن أطاع محمداً r فقد أطاع الله ، ومن عصى محمداً r فقد عصى الله ، ومحمد r فرق ( 1 ) بين الناس i أخرجه البخاري أيضاً .
3- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي r قال :
p إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ، فأنطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق i . أخرجه البخاري ومسلم .
4- عن أبي رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : p لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه
( وإلا فلا ) i . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة والطحاوي وغيرهم بسند صحيح .
5- عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : p ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه ( 2 )، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه i . رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح .
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : p تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم ( ما تمسكتم بهما ) كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض i .
أخرجه مالك مرسلاً ، والحاكم مسنداً وصححه .
* ما تدل عليه النصوص السابقة :
وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جداً يمكن إجمالها فيما يلي :
1- أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله ، وأن كلا منهما ، ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما ، وأن عصيان الرسول r كعصيان الله تعالى ، وأنه ضلال مبين .
2- أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول r كما لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى ، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته r ، قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين"(1/58) :" أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر ، ولا تفتوا حتى يفتي ، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي " .
3- أن التولي عن طاعة الرسول r إنما هو من شأن الكافرين .
4- أن المطيع للرسول r مطيع لله تعالى .
5- وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول r ، قال ابن القيم (1/54) :
"فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل ( يعني قوله : وأطيعوا الرسول ) إعلاماً بأن طاعته تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب ، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان
ما أمر به في الكتاب ، أو لم يكن فيه ، فإنه " أوتي الكتاب ومثله معه " ، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً ، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول " ومن المتفق عليه عند العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ، هو الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، وأن ذلك من شروط الإيمان .
6- أن الرضى بالتنازع ، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم ، ولذهاب قوتهم وشوكتهم .
7- التحذير من مخالفة الرسول r لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة .
8- استحقاق المخالفين لأمره r الفتنة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .
9- وجوب الاستجابة لدعوة الرسول r وأمره ، وأنها سبب الحياة الطيبة ، والسعادة في الدنيا والآخرة .
10- أن طاعة النبي r سبب لدخول الجنة والفوز العظيم ، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين .
11- أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول r وإلى سنته ، لا يستجيبون لذلك ، بل يصدون عنه صدوداً .
12- وأن المؤمنين على خلاف المنافقين ، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول r بادروا إلى الاستجابة لذلك ، وقالوا بلسان حالهم وقالهم : " سمعنا وأطعنا " ، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين ، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم .
13- كل ما أمرنا به الرسول r يجب علينا اتباعه فيه ، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه .
14- أنه r أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر .
15- وأن كل ما نطق به رسول الله r مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه . لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
16- وأن سنته r هي بيان لما أنزل إليه من القرآن .
17- وأن القرآن لا يغني عن السنة ، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع ، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له ، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات .
18- أن ما حرم رسول الله r مثل ما حرم الله ، وكذلك كل شيء جاء به رسول الله r مما ليس في القرآن ، فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله : p ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه i.
19- أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة ، وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة ، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه r تسلمياً كثيرا .
* لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام :
أيها الإخوة الكرام ! هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعاً مطلقاً في كل ما جاء به النبي r ، وأن من لم يرض بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمناً ، فإني أريد أن ألفت نظركم إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين هامين أيضاً :
الأول : أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة ، وذلك صريح في قوله تعالى : ]لأنذركم به ومن بلغ[ ، وقوله : ]وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً[ وفسره r بقوله في حديث :
p... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة i متفق عليه ، وقوله : p والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار i رواه مسلم وابن منده وغيرهما ( الصحيحة 157 ) .
والثاني : أنها تشمل كل أمر من أمور الدين ، لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية، أو حكماً عملياً، أو غير ذلك ، فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله حين يبلغه من النبي r أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين يبلغه عن الصحابي ، فكما لا يجوز للصحابي مثلاً أن يرد حديث النبي r إذا كان في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه r ، فكذلك لا يجوز لمن بعده أن يرده بالحجة نفسها مادام أن المخبر به ثقة عنده ، وهكذا ينبغي أن يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد كان الأمر كذلك في عهد التابعين والأئمة المجتهدين كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
* تحكم الخلف بالسنة بدل التحاكم إليها :
ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها ، بسبب أصول يبناها بعض علماء الكلام، وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين ، كان من نتائجها الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها ، ورد قسم آخر منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد ، فتبدلت الآية عند هؤلاء ، فبدل أن يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها ، فقد قلبوا الأمر ، ورجعوا بالسنة إلى قواعدهم وأصولهم ، فما كان منها موافقاً لقواعدهم قبلوه ، وإلا رفضوه ، وبذلك انقطعت الصلة التامة بين المسلم وبين النبي r ، وخاصة عند المتأخرين منهم ، فعادوا جاهلين بالنبي r وعقيدته وسيرته وعبادته ، وصيامه وقيامه وحجة وأحكامه وفتاويه ، فإذا سئلوا عن شيء من ذلك أجابوك إما بحديث ضعيف أو لا أصل له ، أو بما في المذهب الفلاني ، فإذا اتفق أنه مخالف للحديث الصحيح وذكروا به لا يذكرون ، ولا يقبلون الرجوع إليه لشبهات لا مجال لذكرها الآن ، وكل ذلك سببه تلك الأصول والقواعد المشار إليها ، وسيأتي قريباً ذكر بعضها إن شاء الله تعالى .
ولقد عم هذا الوباء وطم كل البلاد الإسلامية ، والمجلات العلمية والكتب الدينية إلا نادراً ، فلا تجد من يفتي فيها على الكتاب والسنة إلا أفراداً قليلين غرباء ، بل جماهيرهم يعتمدون فيها على مذهب من المذاهب الأربعة ، وقد يتعدونها إلى غيرها إذا وجدوا في ذلك مصلحة – كما زعموا – وأما السنة فقد أصبحت عندهم نسياً منسياً ، إلا إذا اقتضت المصلحة عندهم الأخذ بها ، كما فعل بعضهم بالنسبة لحديث ابن عباس في الطلاق بلفظ ثلاث وأنه كان على عهد النبي r طلقة واحدة ، فقد أنزلوها منزلة بعض المذاهب المرجوحة ! وكانوا قبل أن يتبنوه يحاربونه ويحاربون الداعي إليه !
* غربة السنة عند المتأخرين :
وإن مما يدل على غربة السنة في هذا الزمان وجهل أهل العلم والفتوى بها ، جواب إحدى المجلات الإسلامية السيارة عن سؤال : " هل تبعث الحيوانات ..." ونصه :
" قال الإمام الآلوسي في تفسيره : " ليس في هذا الباب – يعني بعض الحيوانات – نص من كتاب أو سنة يعول عليه يدل على حشر غير الثقلين من الوحوش والطيور " .
هذا كل ما أعتمده المجيب ، وهو شيء عجيب يدلكم على مبلغ إهمال أهل العلم – فضلاً عن غيرهم– لعلم السنة، فقد ثبت فيها أكثر من حديث واحد يصرح بأن الحيوانات تحشر، ويقتص لبعضها من بعض، من ذلك حديث مسلم في "صحيحه" : p لتؤدون الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء i . وثبت عن ابن عمرو وغيره أن الكافر حين يرى هذا القصاص يقول : ( ياليتني كنت ترابا).


* أصول الخلف التي تركت السنة بسببها :
فما هي تلك الأصول والقواعد التي أقامها الخلف ، حتى صرفتهم عن السنة دراسة واتباعاً ؟ وجواباً عن ذلك أقول :
يمكن حصرها في الأمور الآتية :
الأول : قول بعض علماء الكلام : إن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة ، وصرح بعض الدعاة الإسلاميين اليوم بأنه لا يجوز أخذ العقيدة منه ، بل يحرم .
الثاني : بعض القواعد التي تبنتها بعض المذاهب المتبعة في " أصولها " يحضرني الآن منها ما يلي :
تقديم القياس على خبر الآحاد . ( الإعلام 1/327و300 شرح المنار ص623 ) .
رد خبر الآحاد إذا خالف الأصول . ( الإعلام 1/329 ، شرح المنار ص646 ) .
ج - رد الحديث المتضمن حكماً زائداً على نص القرآن بدعوى أن ذلك نسخ له ، والسنة لا تنسخ القرآن ( شرح المنار ص647 ، الأحكام 2/66 ) .
د - تقديم العام على الخاص عند التعارض ، أو عدم جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد !
( شرح المنار ص289-294 ، إرشاد الفحول 138-139-143-144 ) .
هـ - تقديم أهل المدينة على الحديث الصحيح .
الثالث : التقليد ، واتخاذه مذهباً وديناً .

الفصل الثاني
بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث
إن رد الحديث الصحيح بالقياس أو غيره من القواعد التي سبق ذكرها مثل رده بمخالفة أهل المدينة له ، لهو مخالفة صريحة لتلك الآيات والأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والتنازع ، ومما لا شك فيه عند أهل العلم أن رد الحديث لمثل ما ذكرنا من القواعد ، ليس مما اتفق عليه أهل العلم كلهم ، بل إن جماهير العلماء يخالفون تلك القواعد ، ويقدمون عليها الحديث الصحيح اتباعاً للكتاب والسنة ، كيف لا ، مع أن الواجب العمل بالحديث ولو مع ظن الاتفاق على خلافه أو عدم العلم بمن عمل به ، قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص463/464) : " ويجب أن يقبل الخبر في الوقت الذي ثبت فيه ، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر " .وقد قال العلامة ابن القيم في
"إعلام الموقعين" (1/32-33) :
" ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقدم على الحديث الصحيح ، عملا ولا رأيا ولا قياساً ولا قول صاحب ، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً ، ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع ، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت ، وكذلك الشافعي أيضاً نص في "رسالته الجديدة" على أن ما لا يعلم فيه بخلاف لا يقال له إجماع ... ونصوص رسول الله r أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها ما توهم إجماع ، مضمونه عدم العلم بالمخالف ، ولو ساغ لتعطلت النصوص ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص " .
وقال ابن القيم أيضاً (3/464-465) :
" وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله r برأي أو قياس ، أو استحسان ، أو قول أحد من الناس كائناً من كان ، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال ، ولا يسوغون غير الانقياد له r والتسليم ، والتلقي بالسمع والطاعة ، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس ، أو يوافق قول فلان وفلان ن بل كانوا عاملين بقوله تعالى : ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم[ وأمثاله
( مما تقدم ) فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي r أنه قال : كذا ، وكذا ، يقول : من قال بهذا ؟ دفعاً في صدر الحديث ، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل ن وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله r بمثل هذا الجهل ، وأقبح من ذلك عذره في جهله ، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين ، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله r ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذه الإجماع ، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان " .
قلت : وإذا كان هذا حال من يخالف السنة ، وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها ، فكيف يكون حال من يخالفها ، إذا كان يعلم أن كثيراً من العلماء قد قالوا بها ، وأن من خالفها لا حجة له
إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها ، أو التقليد على ما سيأتي في الفصل الرابع .
* سبب الخطأ في تقديم القياس وأصولهم على الحديث :
ومنشأ الخطأ في تقديهم القواعد المشار إليها على السنة في نظري إنما هو نظرتهم إلى السنة أنها في مرتبة دون المرتبة التي أنزلها الله تبارك وتعالى فيها من جهة ، وفي شكهم في ثبوتها من جهة أخرى ،
وإلا كيف جاز لهم تقديم القياس عليها ، علماً بأن القياس قائم على الرأي والاجتهاد ، وهو معرض للخطأ كما هو معلوم ، ولذلك لا يصار إليه إلا عند الضرورة كما تقدم في كلمة الشافعي رحمه الله :
" لا يحل القياس والخبر موجود " ، وكيف جاز لهم تقديم عمل أهل بعض البلاد عليها ، وهم يعلمون أنهم مأمورون بالتحاكم إليها عند التنازع كما سلف ؟ وما أحسن قول الإمام السبكي في صدد المتمذهب بمذهب يجد حديثاً لم يأخذ به مذهبه ، ولا علم قائلاً به من غير مذهبه :
" والأولى عندي اتباع الحديث ، وليفرض الإنسان نفسه بين يدي النبي r ، وقد سمع ذلك منه أيسعه التأخر عن العمل به ؟ ! لا والله ، وكل أحد مكلف بحسب فهمه " ( 3 ) .
قلت : وهذا يؤيد ما ذكرنا من أن الشك في ثبوت السنة هو مما رماهم في ذلك الخطأ ، وإلا فلو كانوا على علم بها وأن رسول الله r قد قالها ، لم يتفوهوا بتلك القواعد فضلا عن أن يطبقوها ، وأن يخالفوا بها مئات الأحاديث الثابتة عن النبي r ولا مستند لهم في ذلك إلا الرأي والقياس واتباع عمل طائفة من الناس كما ذكرنا ، وإنما العمل الصحيح ما وافق السنة ، والزيادة على ذلك زيادة في الدين ، والنقص منه نقص في الدين ، قال ابن القيم (1/299) مفسراً للزيادة والنقص المذكورين :
" فالأول القياس ، والثاني التخصيص الباطل ، وكلاهما ليس من الدين ، ومن لم يقف مع النصوص ، فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ، ويقول هذا قياس ، ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ، ويخرجه عن حكمه ويقول : هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة ، ويقول : ليس العمل عليه ، أو يقول : هذا خلاف القياس ، أو خلاف الأصول . ( قال ) : ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس إشتدت مخالفته للسنن ، ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس ، فالله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به ، وكم من أثر درس حكمه بسببه ، فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها ، معطلة أحكامها ، معزولة عن سلطانها وولايتها ، لها الاسم ، ولغيرها الحكم ، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي ، وإلا فلماذا ترك :


* أمثلة من الأحاديث الصحيحة التي خولفت بتلك القواعد :
1 - حديث قسم الابتداء وأن للزوجة حق العقد سبع ليال إن كانت بكراً ، أو ثلاثا إن كانت ثيباً ، ثم يقسم بالسوية ؟
2 – وحديث تغريب الزاني غير المحصن .
3 – وحديث الاشتراط في الحج ، وجواز التحلل بالشرط .
4 – وحديث المسح على الجوربين .
5 – وحديث أبي هريرة ومعاوية بن الحكم السلمي في أن كلام الناسي والجاهل لا يبطل الصلاة .
6 – وحديث إتمام صلاة الصبح لمن طلعت عليه الشمس وقد صلى منها ركعة .
7 – وحديث إتمام الصوم لمن أكل ناسياً .
8 – وحديث الصوم عن الميت .
9 – وحديث الحج عن المريض الميئوس من برئه .
10 – وحديث القضاء بالشاهد مع اليمين .
11 – وحديث قطع يد السارق في ربع دينار .
12 – وحديث من تزوج إمرأة أبيه ضرب عنقه ويأخذ ماله .
13 – وحديث لا يقتل مؤمن بكافر .
14 – وحديث لعن الله المحلل والمحلل له .
15 – وحديث لا نكاح إلا بولي .
16 – وحديث المطلقة ثلاثاً لا سكنى لها ولا نفقة .
17 – وحديث أصدقها ولو خاتماً من حديد .
18 – وحديث إباحة لحوم الخيل .
19 – وحديث كل مسكر حرام .
20 – وحديث : ليس فيما دون الخمس أوسق صدقة .
21 – وحديث المزارعة والمساقاة .
22 – وحديث ذكاة ( 4 ) الجنين وذكاة أمه .
23 – وحديث الرهن مركوب ومحلوب .
24 – وحديث النهي عن تخليل الخمر .
25 – وحديث لا تحرم المصة والمصتان .
26 – وحديث أنت ومالك لأبيك .
27 – وحديث الوضوء من لحوم الإبل .
28 – وأحاديث المسح على العمامة .
29 – وحديث الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى خلف الصف وحده .
30 – وحديث من دخل والإمام يخطب يوم الجمعة يصلي تحية المسجد .
31- وحديث الصلاة على الغائب .
32 – وحديث الجهر بآمين في الصلاة .
33 – وحديث جواز رجوع الأب فيما وهب لولده ، ولا يرجع غيره .
34 – وحديث الخروج إلى العيد من الغد إذا علم بالعيد بعد الزوال .
35 – وحديث نضح بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام .
36 – وحديث الصلاة على القبر .
37 – وحديث بيع جابر بعيره واشتراط ظهره ( 5 ) .
38 – وحديث النهي عن جلود السباع .
39 – وحديث لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره .
40 – وحديث إذا أسلم وتحته أختان يختاره أيتهما شاء .
41 – وحديث الوتر على الراحلة .
42 – وحديث كل ذي ناب من السباع حرام .
43 – وحديث : من السنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ( 6 ) .
44 – وحديث لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في ركوعه وسجوده .
45 – وأحاديث رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه .
46 – وأحاديث الاستفتاح في الصلاة .
47 – وحديث : تحريمها التكبير ، وتحلها التسليم .
48 – وحديث حمل الصبية في الصلاة .
49 – وأحاديث العقيقة .
50 – وحديث : لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذنك .
51 – وحديث أن بلالا يؤذن بليل .
52 – وحديث النهي عن صوم يوم الجمعة .
53 – وحديث صلاة الكسوف والاستسقاء .
54- وحديث عسب الفحل .
55 – وحديث المحرم إذا مات لم يخمر رأسه لم يقرب طيباً " .
قلت : هذه الأحاديث كلها أو جلها إلى أضعافها تركت من أجل القياس أو القواعد التي سبق ذكرها ، بعضها أعزاها ابن حزم للتاركين للسنة من أجل عمل المدينة ، وإليكم أمثلة أخرى من مخالفة هؤلاء للسنة ، فمن ذلك مخالفتهم لـــ :
1 – حديث قراءته r ( بالطور ) في المغرب و ( المرسلات ) في آخر عمره r .
2 – تأمينه r بعد الفاتحة .
3 – سجوده r في ]إذا السماء انشقت[ .
4 – صلاته r بالناس جالساً وهم جلوس وراءه . فقالوا : صلاة من صلى كذلك باطلة !
5 – حديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ابتدأ بالناس الصلاة فأتى النبي r فدخل فجلس إلى جنب أبي بكر رضي الله عنه ، فأتم عليه السلام الصلاة بالناس . فقالوا : ليس عليه العمل ، ومن صلى هكذا بطلت صلاته !
6 – حديث جمع بين الظهر والعصر ( يعني في المدينة ) في غير خوف ولا سفر ( 7 ) .
7 – حديث أنه أتى بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء ، فأتبعه إياه ونضحه ولم يغسله .
8 – وحديث أنه عليه السلام كان يقرأ في صلاة العيد بسورة ( ق ) و ( اقتربت الساعة ) .
9 – حديث أنه عليه السلام صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد .
10 – حديث أنه عليه السلام رجم يهوديين زنيا . فقالوا : لا يجوز رجمهم !
11 – حديث أنه r وهو محرم .
12 – حديث تطيبه r لحله قبل أن يطوف بالبيت ( 8 ) .
13 – أحاديث التسليمتين في الصلاة .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي خالفوا فيها أوامره r التي لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف كما قال ابن حزم رحمه الله تعالى .
وقد درسنا مسألة تقديم القياس وغيره على الحديث فيما مضى ، فلندرس الآن الأمرين الآخرين على ضوء الكتاب والسنة ، والنصوص المتقدمة لنتبين منها حقيقتها ، في فصلين اثنين .









الفصل الثالث
حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام
إن القائلين بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة ، يقولون في الوقت نفسه بأن الأحكام الشرعية ثبتت بحديث الآحاد ن وهم بهذا قد فرقوا بين العقائد والأحكام ، فهل تجد هذا التفريق في النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة ، كلا ، وألف كلا ، بل هي بعمومها وإطلاقاتها تشمل العقائد أيضاً ، وتوجب اتباعه r فيها ، لأنها بلا شك مما يشمله قوله ( أمراً ) في آية ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [وهكذا أمره تعالى بإطاعة نبيه r والنهي عن عصيانه ، والتحذير من مخالفته – وثناوه على المؤمنين الذين يقولون عندما يدعون للتحاكم إلى الله ورسوله : سمعنا وأطعنا ، كل ذاك يدل على وجوب طاعته واتباعه r في العقائد والأحكام . وقوله تعالى ]وما آتاكم الرسول فخذوه[ فإنه ( ما ) من ألفاظ العموم والشمول كما هو معلوم . وأنت لو سألت هؤلاء القائلين بوجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام عن الدليل عليه ، لاحتجوا بهذه الآيات السابقة وغيرها مما لم نذكره اختصاراً ، وقد استوعبها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه "الرسالة" فليراجعها من شاء ، فما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها وهي داخلة في عموم الآيات ؟ إن تخصيصها بالأحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص ن وذلك باطل ، وما لزم منه باطل فهو باطل .
* شبهة وجوابها
لقد عرضت لهم شبهة ثم صارت لديهم عقيدة ! وهي أن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ، ويعنون به الظن الراجح طبعاً ، والظن الراجح يجب العمل به في الأحكام اتفاقاً ، ولا يجوز الأخذ به عندهم في الأخبار الغيبية ، والمسائل العلمية ، وهي المراد بالعقيدة ، ونحن لو سلمنا لهم جدلا بقولهم : ( إن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ) على إطلاقه ، فإنا نسألهم : من أين لكم هذا التفريق ، وما الدليل على أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة ؟ !
لقد رأينا بعض المعاصرين يستدلون على ذلك بقوله تعالى في المشركين : ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس[ وبقوله سبحانه : ]إن الظن لا يغني منن الحق شيئاً[ ، ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله تعالى فيها المشركين على اتباعهم الظن . وفات هؤلاء المستدلين أن الظن المذكور ففي هذه الآيات ليس المراد به الظن الغالب الذي يفيده خبر الآحاد ، والواجب الأخذ به اتفاقاً ، وإنما هو الشك الذي هو الخرص ن فقد جاء في "النهاية" و "اللسان" وغيرها من كتب اللغة : " الظن : الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم عليه " .
فهذا هو الظن الذي نعاه الله تعالى على المشركين ، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى فيهم : ]إن يتبعون
إلا الظن وإن هم إلا يخرصون[ فجعل الظن هو الخرص الذي هو مجرد الحزر والتخمين .
ولو كان الظن المنعي على المشركين في هذه الآيات هو الظن الغالب كما زعم أولئك المستدلون ،
لم يجز الأخذ به في الأحكام أيضاً ، وذلك لسببين أثنين :
الأول : أن الله أنكره عليهم إنكاراً مطلقاً ، ولم يخصه بالعقيدة دون الأحكام .
والآخر : أنه تعالى صرح في بعض الآيات أن الظن الذي أنكره على المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضاً ، فاسمع إلى قوله تعالى الصريح في ذلك : ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ( فهذه عقيدة ) ولا حرمنا من شيء ( وهذا حكم ) كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل : هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ؟ إن تتبعون إلا الظن ، وإن أنتم إلا تخرصون[ ، ويفسرها قوله تعالى : ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم والبغي بغير الحق ، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ فثبت مما تقدم أن الظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن الغوي المرادف للخرص والتخمين ، والقول بغير علم ، وأنه يحرم الحكم به في الأحكام كما يحرم الأخذ به في العقائد ولا فرق .
وإذ كان الأمر كذلك فقد سلم لنا القول المتقدم : إن كل الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام ، تدل أيضاً بعمومها وشمولها على وجوب الأخذ به في العقائد أيضاً ، والحق أن التفريق بين العقيدة والأحكام في وجوب الأخذ فيها بحديث الآحاد فلسفة دخيلة في الإسلام، لا يعرفها السلف الصالح ولا الأئمة الأربعة الذين يقلدهم جماهير المسلمين في كل العصر الحاضر.
* بناؤهم عقيدة ( عدم الأخذ بحديث الآحاد ) على الوهم والخيال :
وإن من أعجب ما يسمعه المسلم العاقل اليوم هو هذه الكلمة التي يرددها كثير من الخطباء والكتاب كلما ضعف إيمانهم عن التصديق بحديث ، حتى ولو كان متواتراً عند أهل العلم بالحديث كحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، فإنهم يتسترون بقولهم : " حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة " ، وموضع العجب أن قولهم هذا هو نفسه عقيدة ، كما قلت مرة لبعض من ناظرتهم في هذه المسألة ، وبناء على ذلك ، فعليهم أن يأتوا بالدليل القاطع على صحة هذا القول ، وإلا فهم متناقضون فيه ، وهيهات هيهات فإنهم لا دليل لهم إلا مجرد الدعوى ، ومثل ذلك مردود في الأحكام فكيف في العقيدة ؟ وبعبارة أخرى : لقد فروا من القول بالظن الراجح في العقيدة ، فوقعوا فيما هو أسوأ منه وهو قولهم بالظن المرجوح فيها ، ( فاعتبروا يا أولى الأبصار ) ! وما ذلك إلا بسبب البعد عن التفقه بالكتاب والسنة ، والإهتداء بنورهما مباشرة ، والانشغال عنه بآراء الرجال .

* الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة :
إن هناك أدلة أخرى أخص في الدلالة مما سبق على وجوب الأخذ بخبر الواحد في العقيدة أرى أنه
لا بد من التعرض لذكر بعضها ، وبيان وجه دلالتها .
الدليل الأول : قوله تعالى : ]وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[ .
فقد حض الله تبارك وتعالى المؤمنون على أن ينفر طائفة منهم إلى النبي r ليتعلموا منه دينهم ويتفقهوا فيه . ولا شك أن ذلك ليس خاصاً بما يسمى بالفروع والأحكام بل هو أعم . بل المقطوع به أن يبدأ المعلم بما هو الأهم فالأهم تعليما وتعلما ، ومما لا ريب فيه أن العقائد أهم من الأحكام ، ومن أجل ذلك زعم الزاعمون أن العقائد لا تثبت بحديث الآحاد ، فيبطل ذلك عليهم هذه الآية الكريمة ، فإن الله تعالى كم حض فيها الطائفة على التعلم والتفقه عقيدة وأحكاماً حضهم على أن ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما تعلموه من العقائد والأحكام ، و ( الطائفة ) في لغة العرب تقع على الواحد فما فوق . فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد عقيدة وحكماً لما حض الله تعالى الطائفة على التبليغ حضاً عاماً، معللاً ذلك بقوله: ]لعلهم يحذرون[ الصريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة، فإنه كقوله تعالى في آياته الشرعية والكونية: ]لعلهم يتفكرون[ ، ]لعلهم يعقلون[ ، ]لعلهم يهتدون[ ، فالآية نص في أن خبر الآحاد حجة في التبليغ عقيدة وأحكاماً .
الدليل الثاني : قوله تعالى : ]ولا تقف ما ليس لك به علم[ أي لا تتبعه ، ولا تعمل به ، ومن المعلوم أن المسلمين لم يزالوا من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ، ويعملون بها ، ويثبتون بها الأمور الغيبية ، والحقائق الإعتقادية مثل بدء الخلق وأشراط الساعة ، بل ويثبتون بها لله تعالى الصفات ، فلو كانت
لا تفيد علما ، ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (مختصر الصواعق– 2/396) وهذا مما لا يقوله مسلم.
الدليل الثالث : قوله تعالى : ]يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا[ وفي القراءة الأخرى
]فتثبتوا[ ، فإنها تدل على أن العدل إذا جاء بخبر ما فالحجة قائمة به ، وأنه لا يجب التثبت بل يؤخذ به حالاً ، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "الإعلام" (2/394) :
"وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد وأنه لا يحتاج إلى التثبت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم . ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون : قال رسول الله r كذا ، وفعل كذا وأمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وهذا معلوم في كلامهم بالضرورة ، وفي "صحيح البخاري" : قال رسول الله r في عدة مواضع ، وكثير من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم : قال رسول الله r ! وإنما سمعه من صحابي غيره ، وهذه شهادة من القائل ، وجزم على رسول الله r بما نسب إليه من قول أو فعل ، فلو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله r بغير علم".
الدليل الرابع : سنة النبي r وأصحابه تدل على الأخذ بخبر الآحاد : إن السنة العملية التي جرى عليها النبي r وأصحابه في حياته وبعد وفاته تدل أيضاً دلالة قاطعة على عدم التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام ، وأنه حجة قائمة في كل ذلك ، وأنا ذاكر الآن بإذن الله بعض ما وقفت عليه من الأحاديث الصحيحة ، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه" - 8/132) :
" باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام ، وقول الله تعالى : ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[ ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى : ]وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا[ فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية ، وقوله تعالى : ]إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا[ وكيف بعث النبي r أمراءه واحداً بعد واحد ، فإن سها أحد منهم رد إلى السنة " .
ثم ساق الإمام البخاري أحاديث مستدلاً بها على ما ذكر من إجازة خبر الواحد ، والمراد بها جواز العمل والقول بأنه حجة فأسوق بعضاً منها :
الأول : عن مالك بن الحويرث قال :
p أتينا النبي r ونحن شببه ( 9 ) متقاربون ، فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة ، وكان رسول الله r رحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا ، أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا ، فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم ، وصلوا كما رأيتموني أصلي i.
فقد أمر r كل واحد من هؤلاء الشببة أن يعلم كل واحد منهم أهله ، والتعليم يعم العقيدة ،
بل هي أول ما يدخل في العموم فلو لم يكن خبر الآحاد تقوم به الحجة لم يكن لهذا الأمر معنى .
الثاني : عن أنس بن مالك : أن أهل اليمن قدموا على رسول الله r فقالوا : إبعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام . قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال هذا أمين هذه الأمة i أخرجه مسلم
(7/29) ورواه البخاري مختصراً .
قلت : فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لم يبعث إليهم أبا عبيدة وحده ، وكذلك يقال في بعثه r إليهم في نوبات مختلفة ، أو إلى بلاد منها متفرقة غيره من الصحابة رضي الله عنهم كعلي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري ، وأحاديثهم في "الصحيحين" وغيرهما ، ومما لا ريب فيه أن هؤلاء كانوا يعلمون الذين أرسلوا إليهم العقائد في جملة ما يعلمونهم ، فلو لم تكن الحجة قائمة بهم عليهم
لم يبعثهم رسول الله r أفرداً ، لأنه عبث يتنزه عنه رسول الله r ، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الرسالة" (ص412) :
" وهو r لا يبعث بأمره ، إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان قادراً على أن يبعث إليهم فيشافههم ، أو يبعث إليهم عدداً ، فبعث واحداً يعرفونه بالصدق " .
الثالث : عن عبد الله بن عمر قال :
" بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال إن رسول الله r قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة " رواه البخاري ومسلم .
فهذا نص على أن الصحابة رضي الله عنهم قبلوا خبر الواحد في نسخ ما كان مقطوعاً عندهم من وجوب استقبال بيت المقدس ، فتركوا ذلك واستقبلوا الكعبة لخبره ، فلولا أنه حجة عندهم ما خالفوا به المقطوع عندهم من القبلة الأولى . قال ابن القيم :
"ولم ينكر عليهم رسول الله r ، بل شكروا على ذلك " .
الرابع : عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى نبي إسرائيل ، فقال ابن عباس : كذب عدو الله ، أخبرني أبي بن كعب قال : خطبنا رسول الله ، ثم ذكر حديث موسى والخضر بشيء يدل على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر . أخرجه الشيخان مطولاً ، والشافعي هكذا مختصراً وقال (442/1219) :
الشافعي يثبت العقيدة بخبر الواحد :
"فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله r حتى يكذب به امرءاً من المسلمين ، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله r بما فيه دلالة على أن موسى نبي إسرائيل صاحب الخضر" .
قلت : وهذا القول من الإمام الشافعي رحمه الله دليل على أنه لا يرى التفريق بين العقيدة والعمل في الاحتجاج بخبر الآحاد ، لأن كون موسى عليه السلام هو صاحب الخضر عليه السلام هي مسألة علمية وليست حكماً عملياً كما هو مبين ، ويؤيد ذلك أن الإمام رحمه الله تعالى عقد فصلاً هاماً في "الرسالة" تحت عنوان "الحجة في تثبيت خبر الواحد" وساق تحته أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، (ص401-453) وهي أدلة مطلقة ، أو عامة ، تشمل بإطلاقها وعمومها أن خبر الواحد حجة في العقيدة أيضاً ، وكذلك كلامه عليها عام أيضاً ، وختم هذا البحث بقوله :
"وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها ، ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه ( 10 ) السبيل .
وكذلك حكى لنا عمن حكى لنا عنه أن أهل العلم بالبلدان" .
وهذا عام أيضاً . وكذلك قوله (ص457) :
"ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والإنتهاء إليه بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي ، ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد" .
* عدم الإحتجاج بحديث الآحاد في العقيدة بدعة محدثة :
وبالجملة ، فأدلة الكتاب والسنة ، وعمل الصحابة ، وأقوال العلماء تدل دلالة قاطعة – على
ما شرحنا – من وجوب الأخذ بحديث الآحاد في كل أبواب الشريعة ، سواء كان في الإعتقاديات
أو العمليات ، وأن التفريق بينهما ، بدعة لا يعرفها السلف ، ولذلك قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى
(3/412) :
" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) ، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته ، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته ، فأين سلف المفرقين بين البابين ؟ ! نعم سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم
بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرين ... وادعوا الإجماع على هذا التفريق ، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ... فنطالبهم بفرق صحيح بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين ، وما لا يجوز ، ولا يجدون إلى الفرق سبيلا إلا بدعاوى باطلة ... كقول بعضهم : الأصوليات هي المسائل العلميات ، والفروعيات هي المسائل العملية ( وهذا تفريق باطل أيضاً ، فإن المطلوب من العمليات ) ( 11 )أمران : العلم والعمل ، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً ، وهو حب القلب وبغضه ، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته ، وبغضه للباطل الذي يخالفها ، فليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع ، فكل مسألة علمية ، فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه ، بل هو أصل العمل ، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال ! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي r غير شاكين فيه ، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب ، من حب ما جاء به والرضا به وإرادته ، والموالاة والمعاداة عليه ، فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جداً ، به تعرف حقيقة الإيمان .
فالمسائل العلمية عملية ، والمسائل العملية عليمة ، فإن الشارع لم يكتف من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العمليات بمجرد العلم دون العمل" .
فتحرر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى أن التفريق المذكور مع كونه باطلاً بالإجماع لمخالفته ما جرى عليه السلف ، وتظاهر الأدلة المتقدمة على مخالفته ، فهو باطل أيضاً من جهة تصور المفرقين عدم وجوب اقتران العلم بالعمل ، والعمل بالعلم ، وهذه نقطة هامة جداً تساعد المؤمن على تفهم الموضوع جيداً ، والإيمان ببطلان التفريق المذكور يقيناً .
* إفادة كثير من أخبار الآحاد العلم واليقين :
ثم إن ما تقدم من البحث وتحقيق القول ببطلان التفريق المذكور ، إنما هو قائم كله على افتراض صحة القول بأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن الراجح ، ولا يفيد اليقين ، والعلم القاطع فينبغي أن يعلم أن ذلك ليس مسلماً على إطلاقه ، بل فيه تفصيل مذكور في موضعه ، والذي يهمنا ذكره الآن هو أن خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان ، من ذلك الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول ، ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما لم ينتقد عليهما فإنه مقطوع بصحته ، والعلم اليقيني النظري حاصل به ، كما جزم به الإمام ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" (ص28-29) ونصره الحافظ بن كثير في "مختصره" ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتبعه العلامة ابن قيم الجوزية في "مختصر الصواعق"
(2/383) ، ومثل له بعدة أحاديث ، منها حديث عمر : p إنما الأعمال بالنيات i وحديث : p إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل i ، وحديث ابن عمر : p فرض رسول الله r صلاة الفطر في رمضان على الصغير والكبير والذكر والأنثى i وأمثال ذلك ، قال ابن القيم (2/373) :
" قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد r من الأولين والآخرين ، أما السلف ، فلم يكن بينهم في ذلك نزاع ، وأما الخلف ؛ فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة ، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ، مثل السرخسي وأبي بكر الرازي من الحنفية ، والشيخ أبي حامد وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية ، وابن خويز منداد وغيره من المالكية ، ومثل القاضي أبي يعلى وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية ، ومثل أبي إسحاق الإسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظام من المتكلمين ، وذكره ابن الصلاح وصححه واختاره ، ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم ، وإنما قاله بموجب الحجة الصحيحة وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علم ودين ، وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة : أن هذا الذي قاله أبو عمرو بن الصلاح انفرد به عن الجمهور ! وعذرهم أنهم يرجعون في هذه المسائل إلى ما يجدونه من كلام ابن الحاجب ، وإن ارتفعوا درجة صعدوا إلى السيف الآمدي ، وإلى ابن الخطيب ، فإن علا سندهم صعدوا إلى الغزالي والجويني والباقلاني . ( قال ) : وجميع أهل الحديث
ما ذكره الشيخ أبو عمرو ، والحجة على قول الجمهور : أن تلقي الأمة للخبر تصديقاً وعملاً ، إجماع منهم والأمة لا تجتمع على ضلالة ، كما لو اجتمعت على موجب عموم ، أو مطلق أو اسم حقيقة ، أو على موجب قياس ، فإنها لا تجتمع على خطأ وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمن عليه الخطأ ، فإن العصمة تثبت بالنسبة الاجماعية ، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحد واحد من المخبرين بمفرده ، ولا يجوز على المجموع ، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ، ( قال : ) والآحاد في هذا الباب قد تكون ظنوناً بشروطها ، فإذا قويت صارت علوماً ، وإذا وضعت صارت أوهاماً وخيالات فاسدة . (قال : )
وأعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب كما ذكره الشيخ أبو عمرو ، ومن قبله العلماء كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره ، فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم ، مفيد لليقين ، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين ، فإن الإعتبار في الإجماع
على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم ، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية
إلا العلماء بها ، دون المتكلمين والنحاة والأطباء ، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله ، وهم علماء الحديث ، العالمون بأحوال نبيهم ، الضابطون لأقواله وأفعاله ، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين لأقوال متبوعيهم ، فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص ، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوماً لغيرهم ، فضلاً أن يتواتر عندهم ، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم ، وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علماً لا يشكون فيه
مما لا شعور لغيرهم به البتة " .
* فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (2/368) :
" وإنما أتى منكر إفادة خبر الواحد العلم من جهة القياس الفاسد فإنه قاس المخبر عن رسول الله r بشرع عام للأمة ، أو بصفة من صفات الرب تعالى على خبر الشاهد على قضية معينة ، ويا بعد
ما بينهما ! فإن المخبر عن رسول الله r لو قدر أنه كذب عمداً أو خطأ ن ولم يظهر ما يدل على كذبه لزم من ذلك إضلال الخلق ، إذ الكلام في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول ، وعملت بموجبه ، وأثبت به صفات الرب وأفعاله ، فإن ما يجب قبوله شرعاً من الأخبار
لا يكون باطلا في نفس الأمر ، لاسيما إذا قبلته الأمة كلهم وهكذا يجب أن يقال في كل دليل يجب اتباعه شرعاً ، لا يكون إلا حقاً ، فيكون مدلوله ثابتاً في نفس الأمر ، هذا فيما يخبر به عن شرع الرب تعالى وأسمائه وصفاته ، بخلاف الشهادة المعينة على مشهود عليه معين ، فهذه قد لا يكون مقتضاها ثابتاً في نفس الأمر .
وسر المسألة أنه لا يجوز أن يكون الخبر الذي تعبد الله به الأمة وتعرف به إليهم على لسان رسوله r في إثبات أسمائه وصفاته كذباً وباطلاً في نفس الأمر ، فإنه من حجج الله على عباده ، وحجج الله
لا تكون كذباً وباطلا ، بل لا تكون إلا حقاً في نفس الأمر ، ولا يجوز أن تتكافأ أدلة الحق والباطل ،
ولا يجوز أن يكون الكذب على الله وشرعه ودينه مشتبهاً بالوحي الذي أنزله على رسوله ، وتعبد به خلقه ، بحيث لا يتميز هذا عن هذا ، فإن الفرق بين الحق والباطل ، والصدق والكذب ، ووحي الشيطان ، ووحي الملك عن الله ، أظهر من أن يشبه أحدهما بالآخر ، ألا وقد جعل الله على الحق نوراً كنور الشمس يظهر للبصائر المستنيرة ، وألبس الباطل ظلمة كظلمة الليل .
وليس بمستنكر أن يشتبه الليل بالنهار على أعمى البصر ، كما يشتبه الحق بالباطل على أعمى البصيرة ، قال معاذ بن جبل في قضيته (!) " تلق الحق مما قاله ، فإن على الحق نوراً " ولكن لما أظلمت القلوب ، وعميت البصائر بالإعراض عما جاء به الرسول r ، وازدادت الظلمة باكتفائها بآراء الرجال التبس عليها الحق بالباطل ، فجوزت على أحاديثه r الصحيحة التي رواها أعدل الأمة وأصدقها أن تكون كذباً ، وجوزت على الأحاديث الباطلة المكذوبة المختلقة التي توافق أهواءها أن تكون صدقاً فاحتجت بها ! قال (2/379) :
وإنما المتكلمون أهل ظلم وجهل، يقيسون خبر الصديق والفاروق وأبي بن كعب بأخبار آحاد الناس، مع ظهور الفرق المبين بين المخبرين ، فمن أظلم ممن سوى بين خبر الواحد من الصحابة وخبر الواحد من الناس في عدم إفادة العلم ؟ وهذا بمنزلة من سوى بينهم في العلم والدين والفضل . قال (2/379) :


* سبب ادعائهم ( عدم إفادة حديث الآحاد العلم ) هو جهلهم بالسنة :
فإذا قالوا : أخباره r وأحاديثه الصحيحة لا تفيد العلم ، فهم مخبرون عن أنفسهم أنهم لم يستفيدوا منها العلم ، فهم صادقون فيما يخبرون به عن أنفسهم ، كاذبون في إخبارهم أنها لا تفيد العلم لأهل الحديث والسنة . (وقال 2/432) إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم ، فقولهم : لم نستفد بها العلم لم يلزم منه النفي العام على ذلك ، ( وهذا ) بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء العالم به غير واجد له ، ولا عالم به ! فهو كمن يجد من نفسه وجعاً أو لذة أو حباً أو بغضاً ، فينتصب له من يستدل على أنه غير وجع ولا متألم ولا محب ولا مبغض ، ويكثر له من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته ، ولو كان حقاً لاشتركت أنا وأنت فيه ! وهذا عين الباطل ،
وما أحسن ما قيل :
أقول للائم المهدى ملامته ذق الهوى فإن استطعت الملام لم
فيقال له : اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول r واحرص عليه ، وتتبعه واجمعه ، و ( الزم ) معرفة أحوال نقلته وسيرتهم ، وأعرض عما سواه ، واجعله غاية طلبك ، ونهاية قصدك ، بل احرص عليه حرص أتباع المذاهب على معرفة مذاهب أئمتهم ، بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهبهم وأقوالهم ، ولو أنكر ذلك عليهم منكر لسخروا منه ، وحينئذ تعلم : هل تفيد أخبار رسول الله r العلم أو لا تفيده ، فأما مع إعراضك عنها ، وعن طلبها فهي لا تفيدك علماً ، ولو قلت : لا تفيدك أيضاً ظناً لكنت مخبراً بحصتك ونصيبك منها ! " .
* مثالان على موقف بعض الفقهاء من الحديث وجهلهم بالسنة :
أقول : وهذه حقيقة يلمسها كل مشتغل بعلم الحديث متتبع لطرقه وألفاظه ، مطلع على موقف بعض الفقهاء ، من بعض رواياته وأضرب على ذلك مثلين اثنين ، أحدهما قديم ، والآخر حديث :
الأول : قوله r : p لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب i فهو مع كونه صحيحاً مخرجاً في "الصحيحين" فقد رده الحنفية بدعوى أنه مخالف لظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى : ]فاقرأوا ما تيسر منه[ فتأولوه لكونه حديث آحاد بزعمهم ، مع أن أمير المؤمنين في الحديث وهو الإمام البخاري صرح في مطلع كتابه "جزء القراءة" بأنه حديث متواتر عن رسول الله r !
ترى ألم يكن من الواجب على هؤلاء أن يستفيدوا من علم هذا الإمام المختص بالحديث ، ويغيروا رأيهم فيه أنه آحاد ، ويضموه إلى الآية ويخصصوها به ؟ هذا مع العلم بأن الآية الكريمة المذكورة هي في موضوع صلاة الليل وليست في موضوع القراءة المفروضة في الصلاة !
والآخر : حديث نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، وهو مروي في "الصحيحين" أيضاً ، فقد سئلت عنه منذ سنين مشيخة الأزهر ، فأجاب أحدهم في مجلة "الرسالة" بأنه حديث آحاد ، وأن مدار طرقه على وهب بن منبه وكعب الأحبار .
والحقيقة التي يشهد بها أهل الاختصاص والمعرفة بحديث رسول الله r أنه حديث متواتر ، وقد كنت تتبعت أنا شخصياً طرقه إلى النبي r ، فرأيته قد رواه عنه عليه الصلاة والسلام نحو أربعين صحابياً ، أسانيد عشرين منهم على الأقل صحيحة ، وبعضها له عند بعضهم أكثر من طريق واحد صحيح في "الصحيحين" و"السنن" و"المسانيد" و"المعاجم" وغيرها من كتب السنة .
ومن الغريب أن كل هذه الطرق ليس فيها ذكر مطلقاً لوهب وكعب ! ! وقد كنت كتبت خلاصة للتتبع المشار إليه في صفحتين أرسلتهما إلى "الرسالة" يؤمئذ ، راجياً أن تنشرهما خدمة للعلم ، ولكن
لم يكتب لهما النشر !
فهذان المثالان من مئات الأمثلة تبين لنا أن الحديث النبوي لم ينل من أهل العلم العناية الواجبة عليهم على اعتبار أنه الأصل الثاني للشريعة الإسلامية ، الذي بدونه لا يمكن أبداً أن يفهم الأصل الأول فهماً صحيحاً كما أراده الله تبارك وتعالى ، فوقعوا بسبب ذلك في هذا الجهل الفاضح بأحاديث النبي r ، وهذا الإنحراف المكشوف عن التصديق بها ، وهي قطعاً مما جاء به عليه السلام ، والله تعالى يقول :
]وما آتاكم الرسول فخذوه.. [فأخذوا بعضه وتركوا بعضه !]فما جزاء من يفعل ذلك إلا .. [.
والخلاصة أنه يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله r ، عند أهل العلم به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواتراً أم آحاداً ، وسواء أكان الآحاد عنده يفيد القطع واليقين ، أو الظن الغالب على ما سبق بيانه ، فالواجب في كل ذلك الإيمان به والتسليم له ، وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول الله تبارك وتعالى : ]يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ، وأنه إليه تحشرون[ وغيرها من الآيات التي سبق ذكرها في مطلع هذه الكلمة التي أرجو الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه ، ناصرة لكتابه ، خادمة لسنة نبيه r تسليماً .
__________________
حايل بعد حيي
  #3  
قديم 24-10-2001, 05:34 PM
GaNNaS GaNNaS غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2001
المشاركات: 62
إرسال رسالة عبر ICQ إلى GaNNaS
Post

أخي الكريم
السلام عليكم
جزاك الله خيرا

سأقرأ ما كتبته على مهل ومن ثم أرد عليك

والله من وراء القصد
__________________
المسلمون أمة واحدة من دون الناس
يجـب عليهم أن يكونوا دولة واحدة
تحـت رايــة خـلـيـفـــة واحـــد
  #4  
قديم 25-10-2001, 05:42 AM
GaNNaS GaNNaS غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2001
المشاركات: 62
إرسال رسالة عبر ICQ إلى GaNNaS
Post

أخي العزيز
السلام عليكم

أولاً : نحن نصدق بخبر الآحاد في العقائد ولا نرده كما ذكرت ، ولكن ولا تعتقد يقينيا به 100%

التصديق ممكن أن يصل إلى 99 % ولكن ليس 100 %

أما ما تفضلت به وجزاك الله خيرا

فأرى أنه كلام كثير ليس فيه أي دليل يقيني على أنه يجب أن يُتيقين بخبر الآحاد في العقائد

كذلك : إجماع الأمة ليس بدليل لعى الأحكام ( أي أن اجماع الأمة ليس من مصادر التشريع ) أما قولك بأن الأمة لا تجتمع على ضلالة فهو صحيح ، والضلالة هي الكفر بمعناها اللغوي ، أي ان الأمة لا تجتمع على الكفر ولكن قد تجتمع على الخطأ

مصادر التشريع يجب عند اثباتها أنها مصادر تشريع ، يجب الاتيان بدليل يقيني ، لأنها أصل الدين وما هو أصل الدين لا يجوز أخذه ظنأ لأنه يحتمل الخطأ وبالتالي اذا كان مصدر التشريع يحتمل أن لا يكون مصدر تشريع يكون التشريع خطأ

كذلك رأي الصحابي أو التابعي ليس بحجة في الأحكام الشرعية ، وهو ما قاله الأمام الشافعي
حتى أن كتي كتابا يبطل الاستحسان كمصدر تشريع ( إبطال الاستحسان )

فمصادر التشريع هي : الكتاب والسنة واجماع الصحابة والقياس وليس غير ، ولا توجد أدلة يقينية على غيرها ، وهو رأي الإمام الشافعي رحمه الله

كما أن عموم أهل السنة يقولون بأن منكر خبر الآحاد لا يكفر ، ونحن لا ننكر خبر الآحاد ، نحن نأخذه ونعمل به في الأحكام ونصدقه في العقائد

وقال عموم أهل السنة ذلك دليل منهم بأن خبر الأحاد لا يجب الاعتقاد به في العقائد ولذلك لم يكفروا منكره

والله من وراء القصد

[ 25-10-2001: المشاركة عدلت بواسطة: GaNNaS ]
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م