28-05-2006, 05:37 PM
|
من كبار الكتّاب
|
|
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
|
|
كلمة السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء في مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني
*بسم الله الرحمن الرحيم*
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
فخامة السيد الرئيس محمود عباس
رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
الأخ العزيز السيد / محمد صبيح ممثل السيد رئيس المجلس الوطني الفلسطيني
السيد الدكتور عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي
الأخوة والأخوات
إن هذا الشعب العظيم الذي أعطى بلا حدود، وقدّم مسرته الثورية والجهادية وعبر آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والأسرى والمعتقلين خلال انتفاضته المباركة يستحق منا أن نرتفع إلى مستوى طموحاته وأمانيه، وألا نُخيب رجاءه فينا وأمله في رؤيتنا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، لا يفرقنا الخلاف ولا تذهب عافيتنا في صراعات ومقاتل جانبيه حيث أن تناقضنا الأساسي هو مع الاحتلال الإسرائيلي وليست مع أحد من إخوة الدم والمصير.
إننا نأمل من هذه الصورة المشرقة التي رسمت جزءا من تاريخنا الفلسطيني, صورة اللقاء و الحوار و التفاهم, إن تظل العلم الذي يرفرف فوق رؤوسنا و يحمي وحدتنا, و هنا أجد لزاما عليّ أن أقدم شكري و تقديري إلى كل الجهود التي بذلت بهدف تمتين الساحة الفلسطينية و تجنيبها مخاطر الصراع و التنازع, و أخص بالذكر الأخ الرئيس "أبو مازن" ومن خلال التواصل الذي تم بيني وبينه خلال الأيام الماضية كما واخص بالذكر الإخوة في وفد جمهورية مصر العربية المقيم بيننا في القطاع، والذين تحركوا بتوجيهات من السيد الرئيس حسني مبارك و الذين عملوا معنا ليل نهار في سبيل تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، كما أثمن الدور الرائد الذي تقوم به لجنة المتابعة للقوى الوطنية الإسلامية، وأقدر لكل الغيورين والحريصين من أبناء شعبنا وقياداته جهودهم المباركة.
إن لقاءنا اليوم هو من أجل تعزيز وحدتنا الوطنية باعتبارها قدرا ومصيرا لشعبنا، فنحن جميعاً يتهددنا خطر واحد، وعدونا يتربص بنا الدوائر، ويعمل بمكر وخداع لانتزاع المزيد من أرضنا وتشريد أهلنا، وفرض الحصار علينا جميعا.
إن الصفحات البطولية الخالدة التي سجلها شعبنا عبر مسيرته النضالية والجهادية الممتدة على طول مساحات وطننا المحتل تستحق منا وقفة جادة للمراجعة، وخاصة نحن نعيش أوضاعاً صعبة أصبحت فيها معالم العداوة والاستهداف لشعبنا متجاوزة لمرحة "توشك أن تداعى عليكم الأمم"، فالتآمر الغربي والتواطؤ الإقليمي و الحرص الإسرائيلي المستمر على إرباك ساحتنا الفلسطينية من خلال وسائل عديدة, أشبه بالشبكة العالمية التي تطوق خاصرة حكومتنا الفلسطينية المنتخبة، وتضغط في اتجاه تصفية عناصر الحياة والاستمرارية فيها..
لقد أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة نظاما سياسيا مختلفا لكننا نؤكد بأننا نفخر بهذه التجربة الرائدة التي سجل فيها شعبنا إرادته و اختياره الحر, و هو ما يبشرنا بأننا نستطيع أن نبني مجتمعنا على أسس الحرية و العدالة و الديمقراطية. لكن للأسف فإن دولا غربية و على رأسها الولايات المتحدة لم يرق لها ما حدث فأعلنت علينا الحصار و محاولات العزل السياسي و أغلقت منافذ الأموال و هددت دولا و مؤسسات و بنوكا كي تصطف إلى جانبها لتجويع الشعب الفلسطيني وخنقه اقتصاديا و سياسيا.
إن القاصي والداني من شعبنا يعرف بأن الحكومة الفلسطينية المنتخبة لم تدخر جهداً في البحث عن مصادر تمويل بديلة عربية وإسلامية، وقد نجحت في ذلك، ولكن ما تقوم به الإدارة الأمريكية من تهديدات للبنوك التي تتعاطى مع الحكومة الفلسطينية، وما تمارس من ضغوط على الدول المانحة يجعل من الصعب تحريك الأوضاع المالية بالسرعة والفاعلية المطلوبة لتفكيك الحصار المفروض على شعبنا منذ 25 يناير 2005... إن شعبنا أكثر وعياً أن توهناً عزيمته هذه الحملات الهادفة إلى التشهير بحكومته المنتخبة وتشويه صورة التجربة الديمقراطية الرائدة على شعوب المنطقة، ولذلك بادر في لفته إنسانية راقية بالقيام بحملة التبرعات لحكومته، وهي مبادرة لم يسبق – وربما تاريخيا- أن كان لها مثيل من قبل في أي بقعة أخرى من العالم الشعب الذي ي.إننا نؤكد أننا جميعا مستهدفون في هذا الحصار حكومة و شعبا و قضية و لذا ينبغي أن نتوحد في مواجهة هذا الحصار و كسره .
إن هناك جملة من القضايا والتداعيات استدعت منا التعجيل بعقد مثل هذا الحوار، ولعلنا نشير هنا إلى بعض منها:
أولاً: العلاقة المتوترة بين حركتي فتح وحماس.
ثانياً: إشكالية الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة.
ثالثاً: الحصار الذي يتعرض له شعبنا.
رابعاً: بلورة رؤية سياسية موحدة.
خامسا: العلاقة مع محيطنا العربي والإسلامي.
فتح وحماس
إن هناك حقيقة ربما لا نجد عليها اختلافاً بيننا، وهي أن هناك قوتين رئيسيتين وهما فتح وحماس تتمتعان برصيد شعبي كبير في الشارع الفلسطيني، وإن هذا الرصيد الشعبي تم اكتسابه عبر سنوات طويلة من النضال والتضحيات منحت لكليهما رمزية تاريخية وصفحات مجد لا يمكن لأحد إنكارها أو تجاهلها... إن حركتا فتح وحماس لهما حضور واسع واحترام كبير داخل الشارع الفلسطيني باعتبار أنهما عمادة مشروعنا الوطني، فلا يكاد يخلو بيت من وجود انتماء لهذين الفصيلين بين أبنائه، ويجمعهما وفاق واتفاق فيما يخص الأجندة الوطنية.
إن سنوات المواجهة الطويلة مع الاحتلال، والتي كانت ما فيه القوى الوطنية والإسلامية وخاصة حركتي فتح وحماس هما العمود الفقري لمشروع المقاومة والتصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، واللذين سجلا بعملياتهما النوعية صفحات من التضحيات البطولية التي يتشرف بها تاريخنا الفلسطيني، وكانت لنا عنوان مجد وفخار بين شعوب أمتنا العربية والإسلامية.
لقد كانت جثامين الشهداء حفل أعراس لنا جميعاً، تجمعنا وتوحدنا، ويجمعنا على قبر كل شهيد عهدٌ بأن نكون الأوفياء لدمه، وأن نواصل على هدى هذه التضحيات وأنوارها الطريق لتحرير بيت المقدس وأكناف بيت المقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
لقد كان الجميع يحرص على طهارة الدم الفلسطيني وحرمة الاقتتال، وكانت الجهود المشكورة التي بذلاه إخواننا في لجنة المتابعة خلال سنوات الانتفاضة في رأب الصدع وتوحيد الصف، وإعادة هيكلة بوصلة النضال حتى لا تضل طريقها وسط ظلمات بحر التآمر الصهيوأمريكي عليها.
إن مضمون بأن يبقى صوت العقل والحكمة وجهد الخيّرين من شعبنا يتحرك في اتجاه الحفاظ على وحدتنا الوطنية وتعزيز جبهتنا الداخلية، وتكريس ثقافة "فلسطين يضحي من أجل استقلالها الجميع وسوف يجهد في بنائها الجميع".
إن علينا جميعًا أن نرتفع إلى مستوى المسئولية الوطنية لنحمي إنجازات دم الشهداء وتضحيات الأسرى النبلاء، ونتجاوز ظلمة نفق الحصار إلى فضاء الرؤية والضياء.
ومن هنا نقول: إن وحدة شعبنا هي عقيدة دينية وضرورة سياسية وحتمية وطنية، وليس أمامنا من سبيل إلا احترام خيار شعبنا الديمقراطي وتكريس مبدأ التعددية والتداول السلمي على السلطة، والتعايش وفق منظور الوحدة من خلال التعدد، باعتبار أن اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية، ولأن عاقبة التنازع وخيمة، يقول تعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".
الوضع السياسي:
لقد بات واضحاً أن الوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية سيشهد مخاطر وتعقيدات إضافية إثر وضوح البرنامج السياسي للحكومة الإسرائيلية، والذي يركز على تحقيق مصالح إسرائيل الأمنية والسياسية دونما اعتبار لأي حقٍ فلسطيني.
إن إسرائيل تركز جهودها في تحقيق دولة ذات غالبية يهودية، وهي في سبيل تحقيق ذلك تعتمد الحلول الأحادية الجانب القائمة على فرض حلٍ سياسي من طرف واحد، وذلك من خلال إجراءات تهدف إلى استكمال بناء الجدار العنصري واعتباره يمثل حدود إسرائيل، وإبقاء المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية والسيطرة على نحو 30% من أراضي الضفة، وإبقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
إن هذه التوجهات الخطيرة لحكومة إسرائيل تؤكد أنها ماضية في ترسيخ أقدام الاحتلال، وليس البحث عن حل سياسي كما تدعى وتروج في دول العالم.
وللأسف الشديد, فإن الإدارة الأمريكية تتساوق مع الأطروحات الإسرائيلية تحت مبرر انه لا يوجد شريك فلسطيني، وتمنح الحكومة الإسرائيلية ضوءا اخضر في تنفيذ مخططاتها العدوانية دون قيد أو شرط.
إن من شأن المخططات الإسرائيلية أن تزيد الوضع تعقيداً وسوءاً، وتهدد استقرار المنطقة بأكملها، خاصة وان الشعب الفلسطيني بكل أطيافه السياسية يرفض رفضاً قاطعاً هذه المخططات، بل سيعمل جاهداً للوقوف أمامها والتصدي لها.
إننا أحوج ما نكون اليوم إلى سياسية تجمعنا تحت مظلة واحدة، هذه الرؤية التي تحافظ على ثوابتنا وحقوقنا الوطنية المشروعة، خصوصاً حقنا في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين وتحرير الأسرى والمعتقلين.
إننا نعتقد أن مساحة الاتفاق في الرؤية السياسية هي اقرب بكثير مما نتصور لكن نحتاج إلى تعميق النقاش وتغليب المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار، والاستفادة من دروس الماضي كي لا نقع فريسة الخداع والتضليل الإسرائيلي الذي مورس ضد شعبنا طوال السنوات الماضية وزاده هماً وتعباً.
إننا نؤكد على موقفنا الداعم لتوحيد الرؤية السياسية بكل مسمياتها وأدواتها لان هذا سيكون أدعى لتوحيد وتعزيز مطالبنا، وسيمنحنا الثقة في أوساط شعبنا وكذلك أمام دول وحكومات العالم.
الوضع الأمني:
لا خلاف بان ساحتنا الفلسطينية مرّت بأزمة أمنية كانت لها تأثيراتها وتداعياتها على مجمل الحياة الفلسطينية، ولا شك بأن النزاعات والاشتباكات التي أودت بحياة العديد من أبناء شعبنا قد آلمت نفوسنا وأثرت سلباً على صورتنا كمقاتلين ومناضلين و باحثين عن الحرية و الاستقلال أمام الرأي العام وأمام شعبنا.
إننا وانطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية نؤكد على رفضنا القاطع لأي لجوء إلى العنف أو السلاح، مهما كانت الأسباب والظروف وأننا نعتبر الدم الفلسطيني مقدس ونستحضر هنا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم" لن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ".
ونؤكد على أن لغة الحوار والتفاهم هي اللغة الوحيدة لحل خلافاتنا.
إن تناقضنا الأساسي إنما هو مع الاحتلال، وليس داخل مجتمعنا وشوارعنا. وما يريده البعض من السعي لحرف بوصلة العمل الوطني إنما يدفع باتجاه تعميق شقة الخلاف الداخلي من خلال ممارسات خاطئة ومرفوضة وفي نفس الوقت تزيد من توتير الأجواء وتسهم في مزيد من الاحتقان والإرباك.
إن الحكومة الفلسطينية عازمة على وضع حدٍ لحالة الفوضى الأمنية ومحاربة الفلتان الأمني من خلال تفعيل دور الأجهزة الأمنية للقيام بدورها، ومن خلال تعزيز سيادة القانون والضرب على أيدي العابثين بأمننا واستقرارنا.
|