مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #21  
قديم 14-05-2005, 02:26 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

السلام، وكون الرسول مجتهداً أو يجوز عليه الاجتهاد ممنوع عقلاً وشرعاً، ، فلا يجوز في حق الرسول صلى الله عليه وسلم الاجتهاد فيما يبلّغه عن ربه من أحكام سواء أكان التبليغ بالقول أو السكوت أو الفعل، لأن الآيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة على أنه لا ينطق ولا يتّبع ولا يُنذِر إلاّ بالوحي. ومن هنا كان من غير الجائز في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حق سائر الرسل أن يخطئوا فيما يبلّغونه عن الله سواء أكان الخطأ عن اجتهاد أو نسيان أو تعمّد، لأنه ينافي العصمة الواجبة في حقهم عليهم الصلاة والسلام.

علوم النفس والاجتماع والتربية

يوجد عند الناس خلط بين الأفكار الاستنتاجية الناتجة عن الطريقة العقلية والأفكار العلمية الناتجة عن الطريقة العلمية، وبناء على هذا الخلط يعتبرون ما يسمى علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية علماً، ويعتبرون أفكارها أفكاراً علمية، لأنها جاءت بناء على ملاحظات جرى تتبعها على الأطفال في ظروف مختلفة وأعمار مختلفة؛ أو جرى تتبعها على جماعات مختلفة في ظروف مختلفة؛ أو على أعمال مختلفة لأشخاص مختلفين في ظروف مختلفة، فسمّوا تكرار هذه الملاحظات تجارب.
والحقيقة أن أفكار علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية ليست أفكاراً علمية، وإنّما هي أفكار عقلية، لأن التجارب العلمية هي إخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة أثر هذا الإخضاع، أي هي إجراء التجارب على نفس المادة كتجارب الطبيعة والكيمياء. أمّا ملاحظة الشيء في أوقات وأحوال مختلفة فليس بتجارب علمية. وعليه فملاحظة الطفل في أحوال مختلفة وأعمار مختلفة، وملاحظة الجماعات في بلدان مختلفة وظروف مختلفة، وملاحظة الأعمال من أشخاص مختلفين وفي أحوال مختلفة، كل ذلك لا يدخل في بحث التجارب العلمية، فلا يعتبر طريقة علمية، وإنّما هو ملاحظة وتكرار للملاحظة واستنتاج فحسب. فهو طريقة عقلية وليست علمية. وعليه فإن أفكار ما يسمى علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية أفكار عقلية وتدخل في الثقافة ولا تدخل في العلم.
على أن علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية هي أمور ظنية قابلة للخطأ وليست من الأمور القطعية، فلا يصح أن تُتخذ أساساً للحكم على الأشياء ولا يجوز أن يُستدل بها على صحة الأشياء أو عدم صحتها، لأنها ليست من قبيل الحقائق العلمية أو القوانين العلمية حتى يقال هي صواب حتى يثبت خطؤها، بل هي معارف ظنية جاءت عن طريق الظن. وهي وإن كان قد تُوصّل إليها بالطريقة العقلية ولكنها ليست من قبيل الحكم بوجود الأشياء بل هي من قبيل الحكم على حقيقة الشيء ما هو، وهذا الحكم ظني قطعاً فيه قابلية الخطأ. على أن هذه المعارف الثلاث: علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية مبنية على أسس مغلوطة، وهذا ما جعل كثيرا من الأفكار التي احتوتها أفكاراً مغلوطة.
وذلك لأن علم النفس مبني في جملته على نظرته للغرائز ونظرته للدماغ. فهو ينظر إلى أن في الإنسان غرائز كثيرة منها ما اكتُشف ومنها ما لم يُكتشف، وبنى علماء النفس على هذه النظرة للغرائز نظريات خاطئة، فكان ذلك من الأسباب التي أدت إلى الخطأ في كثير من الأفكار الموجودة في علم النفس. أمّا النظرة إلى الدماغ، فإن علم النفس يعتبر الدماغ مقسماً إلى مناطق وأن كل منطقة لها قابلية خاصة، وأن في بعض الأدمغة قابليات ليست موجودة في أدمغة أخرى. وبناء على هذا فإن بعض الناس فيهم قابلية لفهم اللغات وليس فيهم قابلية لفهم الرياضيات، وهناك أشخاص على العكس فيهم قابلية لفهم الرياضيات وليس فيهم قابلية فهم اللغات. وهكذا بُنيت على هذه النظرة الخاطئة نظريات خاطئة. فكان هذا أيضاً من الأسباب التي أدت إلى الخطأ في كثير من الأفكار الموجودة في علم النفس.
والحقيقة في هذا كله هي: أن المشاهَد بالحس مِن تتبُّع الرجْع أو رد الفعل أن الإنسان فيه طاقة حيوية لها مظهران: أحدهما يتطلب الإشباع الحتمي وإذا لم يُشبَع يموت الإنسان والثاني يتطلب الإشباع وإذا لم يُشبَع يبقى الإنسان حياً ولكنه يتألم وينزعج من عدم الإشباع. والمظهر الأول يتمثل في الحاجات العضوية كالجوع والعطش وقضاء الحاجة، والمظهر الثاني يتمثل في الغرائز وهي غريزة التدين وغريزة النوع وغريزة البقاء. وهذه الغرائز هي الشعور بالعجز والشعور ببقاء النوع والشعور ببقاء الذات ولا يوجد غير ذلك. وما عدا هذه الغرائز الثلاث هي مظاهر للغرائز كالخوف والسيادة والملكية مظاهر لغريزة البقاء، وإكبار الأبطال والعبادة مظاهر لغريزة التدين، والميل الجنسي والأبوة والأمومة والأخوة مظاهر لغريزة النوع. وهكذا كل مظهر من المظاهر يرجع إلى غريزة من هذه الغرائز.
هذا من ناحية الغرائز، أمّا من ناحية الدماغ، فالحقيقة هي أن الدماغ واحد وأنّ تفاوت الأفكار واختلافها نابع لتفاوت المحسوسات والمعلومات السابقة واختلافها، وتابع لتفاوت قوة الربط. وأنه لا توجد في دماغ قابلية لا توجد في الآخر بل جميع الأدمغة فيها قابلية الفكر في كل شيء متى توفر الواقع المحسوس والحواس والمعلومات السابقة والدماغ. وإنّما تتفاوت الأدمغة في قوة الربط وفي قوة الإحساس كما تتفاوت العيون في قوة الإبصار وضعفه، وكما تتفاوت الآذان في قوة السمع وضعفه. ولذلك يمكن إعطاء كل فرد أي معلومات وفيه قابلية لهضمها، ولا أساس لما جاء في علم النفس من القابليات للأدمغة أو للدماغ الواحد.
وعلى هذا فاعتبار علم النفس للغرائز اعتباراً خاطئاً، واعتباره للدماغ اعتباراً خاطئاً أدى إلى خطأ النظريات التي بُنيت على أساسها.
أمّا علم الاجتماع فمبني في جملته على نظرته للفرد والمجتمع، فهي مبنية على النظرة الفردية. ولهذا تنتقل نظرتها من الفرد إلى الأسرة، وإلى الجماعة، وإلى المجتمع، على اعتبار أن المجتمع مكون من أفراد. ولهذا تعتبر المجتمعات منفصلة وأن ما يصلح لمجتمع لا يصلح لمجتمع آخر. وبنى علماء الاجتماع على هذه النظرة نظريات خاطئة، وكان ذلك السبب الرئيسي الذي أدى إلى الخطأ في أفكار علم الاجتماع.
والحقيقة هي أن المجتمع ليس مكوناً من أفراد مطلقاً، فالفرد مع الفرد مع الفرد يكوّنون جماعة وليس مجتمعاً، والجماعة لا تشكل مجتمعاً إلاّ إذا نشأت بين أفرادها علاقات دائمية، فإذا لم تنشأ علاقات ظلوا جماعة. ومن هنا كان وجود عشرة آلاف شخص مسافرين في باخرة لا يجعل منهم مجتمعاً بل يظلون جماعة، ولكن وجود مائتي شخص في قرية يشكلون مجتمعاً لِما بينهم من علاقات دائمية. فوجود العلاقة الدائمية بين الجماعة هو الذي يجعل منهم مجتمعاً. فالبحث في المجتمع يجب أن يكون بحثاً في العلاقات لا بحثاً في الجماعة. إلاّ أن الذي يوجِد هذه العلاقة بين الأفراد إنّما هو المصلحة التي لهم، فإذا كانت هنالك مصلحة لهم نشأت بينهم علاقة، وإذا لم تكن هناك مصلحة لا تنشأ علاقات. والمصلحة لا تُنشئ علاقة إلاّ إذا اجتمعت فيها ثلاثة أمور: أحدها أن يتوحد فكر الطرفين على اعتبار أن هذه مصلحة، فإذا رآها أحدهما مصلحة والآخر رآها مفسدة لا تنشأ بينهما علاقة، فلأجل أن تنشأ العلاقة يجب أن يراها كل منهما أنها مصلحة. والثاني أن تتوحد المشاعر على المصلحة، فإذا فرح لها الطرفان أو غضبوا منها تكوّنت علاقة، أمّا إذا فرح بها أحدهما وغضب منها الآخر لا تنشأ منها علاقة. والثالث أن يتوحد النظام الذي ينظم هذه المصلحة، فإذا نظم أحد الطرفين المصلحة على نظام ورفض الآخر هذا النظام ونظمها على نظام آخر لا تنشأ بينهما علاقة، فلا بد أن يتفق الطرفان على كيفية تنظيم المصلحة لهما.
فبتوحيد الأفكار والمشاعر والأنظمة في الأفراد ينشأ المجتمع. إلاّ أن هؤلاء الأفراد يُنشئون مجتمعاً معيناً خاصاً بهم، فإذا أرادوا ضم غيرهم لهم من مجتمعات أخرى، كان عليهم أن ينقضوا الأفكار والمشاعر والنظام عند الطرفين بأفكار ومشاعر وأنظمة أخرى للجميع حتى يكوّنوا مجتمعاً، ولذلك لا يكون تعريف المجتمع بالأفراد منطبقاً على المجتمع المبدئي وإنّما ينطبق على مجتمع خاص.
أمّا المجتمع بمعناه الصحيح فهو مكون من الإنسان والأفكار والمشاعر والأنظمة، وأن ما يصلح من أفكار ومعالَجات للإنسان في مكان ما يصلح للإنسان في كل مكان ويحوّل المجتمعات المتعددة إلى مجتمع واحد تصلحه الأفكار والمشاعر والأنظمة.
والفرق بين الإنسان والفرد، أنك حين تبحث محمداً وخالداً وحسناً بما لكل منهم من صفات لا يشاركه فيها غيره من بني الإنسان طبيعياً فتكون قد بحثتَ فيه باعتباره فرداً، وإذا بحثتَ محمداً وخالداً وحسناً بما عنده من أمور فطرية طبيعية موجودة عند بني الإنسان طبيعياً فتكون قد بحثتَ فيه باعتباره إنساناً وإن كنت تبحث أشخاصاً معينين. ومن هنا كان إصلاح المجتمع إصلاحاً جذرياً إنّما يكون ببحث المجتمع باعتباره إنساناً وأفكاراً ومشاعر وأنظمة لا باعتباره فرداً. فالنظرة إذن نظرة إنسانية لا نظرة فردية حتى لو بُحثت في فرد معين.
هذا هو تعريف المجتمع، وهذه هي النظرة الصحيحة له. وهذا هو واقع المجتمع وواقع الجماعة وواقع الفرد. وبهذا يتبين أن خطأ النظرة إلى المجتمع ترتب عليها خطأ النظريات، وترتب عليها خطأ علم الاجتماع في جملته.
أمّا ما جاء في علم الاجتماع عن الجماعة من حيث الضعف العام في إدراك الأمور لها عن الفرد الواحد، ومن ناحية قربها لإثارة المشاعر أكثر من الفرد، فالصحة فيه ليست آتية من ناحية النظرة إلى المجتمع وإنّما هي آتية من حيث غلبة المعلومات الكثيرة المترددة على المعلومات الفردية فتتحكم بالحكم على الواقع، وآتية من حيث أن مظهر القطيع الذي يظهر في الجماعة يثير المشاعر لأنه من مظاهر غريزة البقاء.
وعلى ذلك فإن كل ما بُني على النظرة إلى المجتمع فهو فاسد، وما صح منه تكون صحته آتية من كونه ناتجاً عن سبب آخر لا عن النظرة إلى
  #22  
قديم 14-05-2005, 02:28 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

المجتمع. وعلى هذا فإن علم الاجتماع فاسد لأنه مبني على نظرة فاسدة وهي النظرة إلى المجتمع والفرد.
أمّا علوم التربية فهي مبنية على علم النفس ومتأثرة بنظريات علم الاجتماع، وناتجة عن ملاحظة أعمال الأفراد وأحوال الأطفال. وهذا يجعل علوم التربية مختلط فيها الصحيح بالفاسد، فما بُني على علم النفس وتأثر بعلم الاجتماع فهو فاسد. وفساده هذا أدى إلى الوقوع في أفكار تربوية فاسدة أدت إلى فساد مناهج التعليم وطرقه. فاعتبار الطفل غير قابل لبعض العلوم وقابلاً للبعض الآخر اعتبار فاسد، ولذلك كان تقسيم التعليم إلى علمي وأدبي وترك الشخص يختار حسب استعداده/ من أفسد الأمور. فهو مخالف للواقع ومُضِر في صالح الأمّة. واعتبار الشخص غير قابل لتعلم بعض العلوم وقابلاً لغيرها اعتبار فاسد أيضاً، وقد أدى إلى حرمان الكثيرين من تعلم بعض العلوم وحرمان الكثيرين من مواصلة التعليم.
أمّا ما بُني من علوم التربية على ملاحظة الأطفال وملاحظة أعمال الأفراد في ظروف وأحوال مختلفة، فإنّ ما كان منها موافقاً للواقع صحيح الاستنتاج كالتعب والراحة والنشاط الذهني وما شاكل ذلك، فإنه صحيح في جملته. وما كان منها غير موافق للواقع مثل تقسيم السنة إلى ثلاثة فصول وإعطاء أربعة أشهر عطلة للتلميذ، ومثل الامتحانات وما شاكلها فإنه خطأ في جملته. ومن هنا جاء خطأ النظريات التربوية وفساد علوم التربية في جملتها، وخاصة فيما بُني على علم النفس وتأثر بعلم الاجتماع.

الطريقة العلمية والطريقة العقلية

الطريقة العلمية هي منهج معين في البحث يُسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يُبحث عنه عن طريق إجراء تجارب على الشيء، ولا تكون إلاّ في بحث المواد المحسوسة، ولا يتأتى وجودها في بحث الأفكار. وهي تكون بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة المادة والظروف والعوامل الأصلية التي أُخضعت لها ثم تُستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة، كما هي الحال في المختبرات.
وتفرض هذه الطريقة التخلي عن جميع المعلومات السابقة عن الشيء الذي يُبحث وعدم وجودها، ثم تبدأ بملاحظة المادة وتجربتها، لأنها تقتضيك إذا أردت بحثاً أن تمحو من نفسك كل رأي وكل إيمان سابق لك في هذا البحث وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة ثم بالموازنة والترتيب ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية، فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية خاضعة بطبيعة الحال للبحث والتمحيص، ولكنها تظل علمية ما لم يثبِت البحث العلمي تسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها.
فالنتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العلمية هي مع تسميتها حقيقة علمية أو قانوناً علمياً فإنها ليست قطعية وإنّما هي ظنية فيها قابلية الخطأ. وقابلية الخطأ هذه في الطريقة العلمية أساس من الأساس التي يجب أن تلاحَظ فيها حسب ما هو مقرر في البحث العلمي. وقد حصل الخطأ في نتائجها بالفعل وظهر ذلك في كثير من المعارف العلمية التي تبيَّن فسادها بعد أن كان يُطلَق عليها حقائق علمية. فمثلاً الذرّة كان يقال عنها إنها أصغر جزء في المادة ولا تنقسم، فظهر خطأ ذلك وتبين بالطريقة العلمية نفسها أنها تنقسم.
وعلى هذا تكون الطريقة العلمية خاصة بالمادة لأن من أسسها الرئيسية التجربة على المادة بإخضاعها لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وهذا لا يتأتى في الفكر إذ لا يمكن أن تجري عليه تجربة. وعلى هذا أيضاً تكون النتائج التي يُتوصل إليها في الطريقة العلمية نتائج ظنية وليست قطعية، وفيها قابلية الخطأ.
أمّا الطريقة العقلية فهي منهج معين في البحث يُسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يُبحث عنه عن طريق نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسَّر بواسطتها الواقع، فيُصدر الدماغ حكمه عليه. وهذا الحكم هو الفكر أو الإدراك العقلي. وتكون في بحث المواد المحسوسة وفي بحث الأفكار، وهي الطريقة الطبيعية في الوصول إلى الإدراك من حيث هو، وعمليتها هي التي يتكون بها عقل الأشياء أي إدراكها، وهي نفسها تعريف للعقل، وعلى منهجها يصل الإنسان من حيث هو إنسان إلى إدراك أي شيء سبق أن أدركه أو يريد إدراكه.
إلاّ أن النتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العقلية يُنظر فيها: فإن كانت هذه النتيجة هي الحكم على وجود الشيء فهي قطعية لا يمكن أن يتسرب الخطأ إليها مطلقاً ولا بحال من الأحوال. وذلك لأن هذا الحكم جاء عن طريق الإحساس بالواقع، والحس لا يمكن أن يخطئ بوجود الواقع، إذ أن إحساس الحواس بوجود الواقع قطعي، فالحكم الذي يصدره العقل عن وجود الواقع في هذه الطريقة قطعي.
أمّا المغالطات التي تحصل فيخطئ فيها الحس مثل رؤية السراب وظنه أنه ماء ورؤية القلم الصحيح المستقيم وهو في كوب من الماء أنه مكسور أو أعوج، فليس خطأ في وجود الواقع وإنّما هو خطأ في صفات الواقع، فهو لم يخطئ في وجود شيء وهو السراب أو القلم، وإنّما أخطا في صفة الشيء فقال عن السراب إنه ماء وعن القلم الصحيح المستقيم إنه مكسور أو أعوج.
وهكذا في جميع الأشياء مهما حصلت فيها من مغالطات، فإن الحس لا يمكن أن يخطئ في وجودها، فهو حين يحس بوجود شيء يكون هذا الشيء موجوداً قطعاً، والحكم على وجوده يكون قطعياً. أمّا إن كانت النتيجة هي الحكم على حقيقة الشيء أو صفته فإنها تكون نتيجة ظنية فيها قابلية الخطأ، لأن هذا الحكم جاء عن طريق المعلومات أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهذه يمكن أن يتسرب إليها الخطأ ولكنها تبقى فكراً صائباً حتى يتبين خطؤها وحينئذ فقط يُحكم عليها بالخطأ، وقبل ذلك تبقى نتيجة صائبة وفكراً صحيحاً.
أمّا البحث المنطقي فليس طريقة في التفكير وإنّما هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية، لأن البحث المنطقي هو بناء فكر على فكر بحيث يُنتهى إلى الحس والوصول عن طريق هذا البناء إلى نتيجة معينة مثل: لوح الكتابة خشب، وكل خشب يحترق، فتكون النتيجة أن لوح الكتابة يحترق. ومثل: لو كان في الشاة المذبوحة حياة لتحركت لكنها لم تتحرك، فتكون النتيجة أنه لا توجد في الشاة المذبوحة حياة، وهكذا. فقد قرنت في المثال الأول فكرة كل خشب يحترق مع فكرة لوح الكتابة خشب، فنتج عن هذا الاقتران أن لوح الكتابة يحترق. وقرن في المثال الثاني كون الشاة المذبوحة لم تتحرك مع فكرة أن الحياة في الشاة تجعلها تتحرك، فنتج عن هذا الاقتران أن الشاة المذبوحة لا توجد فيها حياة.
فهذا البحث المنطقي إذا كانت قضاياه التي تتضمن الأفكار التي جرى اقترانها صادقة، تكون النتيجة صادقة، وإذا كانت كاذبة تكون النتيجة كاذبة. وشرط المقدمات أن تنتهي كل قضية منها إلى الحس، ولذلك ترجع إلى الطريقة العقلية ويحكم فيها الحس حتى يُفهم صدقها. ومن هنا كانت أسلوباً من الأساليب المبنية على الطريقة العقلية وفيها قابلية الكذب وفيها قابلية المغالطة، وبدل أن يُختبر صدق المنطق بالرجوع إلى الطريقة العقلية فالأوْلى أن تُستعمل الطريقة العقلية في البحث ابتداءً وأن لا يُلجأ إلى الأسلوب المنطقي. وإن كان يمكن أن يُستعمل إذا صحت قضاياه بإرجاعها إلى الطريقة العقلية.
وعلى هذا فإن للتفكير طريقتين اثنتين فقط هما: الطريقة العلمية والطريقة العقلية. والأولى تفرض التخلي عن المعلومات السابقة، والثانية تحتم وجود المعلومات السابقة. والطريقة العقلية هي الأساس في التفكير وبها وحدها ينشأ الفكر، وبدونها لا ينشأ فكر ولا يتأتى أن توجد الطريقة العلمية ولا الأسلوب المنطقي ولا غير ذلك. فبواسطة الطريقة العقلية يوجد إدراك الحقائق العلمية بالملاحظة والتجربة والاستنتاج؛ وبواسطتها يوجد إدراك الحقائق المنطقية في المنطق وما شابهه؛ وبواسطتها يوجد إدراك حقائق التاريخ وتمييز الخطأ من الصواب فيها؛ وبواسطتها توجد عند الإنسان الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وعن حقائق الكون والإنسان والحياة.
أمّا الطريقة العلمية فإنها لا يمكن أن توجَد ولا يتأتى أن تكون إلاّ إذا بُنيت على الطريقة العقلية وعلى ما ثبت بالطريقة العقلية. فمن الطبيعي، ومن المحتم، أن لا تكون هي أساساً للتفكير. على أن الطريقة العلمية تقضي بأن كل ما لا يُلمس مادياً لا وجود له في نظر الطريقة العلمية، وإذن لا وجود للمنطق ولا للتاريخ وغيرهما، لأن ذلك لم يثبت علمياً، أي لم يثبت عن طريق ملاحظة المادة وتجربتها والاستنتاج المادي للأشياء الملموسة، وهذا هو الخطأ الفاحش، لأن العلوم الطبيعية فرع من فروع المعرفة، وفكر من الأفكار، وباقي معارف الحياة كثيرة، وهي لم تثبت بالطريقة العلمية، بل تثبت بالطريقة العقلية، ولذلك لا يجوز أن تُتخذ الطريقة العلمية أساساً للتفكير. والذي يجب أن يُتخذ أساساً للتفكير هو الطريقة العقلية وحدها.
على أن هذا لا يعني أن الطريقة العلمية طريقة خاطئة، بل الخطأ هو جعلها أساساً للتفكير، لأن جعلها أساساً لا يتأتى إذ هي ليست أصلاً يُبنى عليها وإنّما هي فرع بُني على أصل، ولأن جعلها أساساً يُخرِج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى الحكم على عدم وجود كثير من المعارف التي تُدرس والتي تتضمن حقائق مع أنها موجودة بالفعل، وملموسة بالحس والواقع.
على أن الطريقة العلمية ظنية وقابلية الخطأ فيها أساس من الأسس التي يجب أن تلاحَظ فيها، فلا يجوز أن تُتخذ أساساً للتفكير. وذلك أن الطريقة العلمية توجِد نتيجة ظنية عن وجود الشيء وعن صفته. وأمّا الطريقة العقلية فإنها تُعطي نتيجة قطعية عن وجود الشيء وعن وجود صفات معينة له. وإن كانت تعطي نتيجة ظنية عن كنه الشيء وحقيقة صفته، فهي من حيث حكمها على وجود الشيء ووجود صفات معينة له قطعية يقينية فيجب أن تُتخذ هي أساساً للبحث باعتبار أن نتائجها قطعية. وعلى هذا فلو تعارضت نتيجة عقلية
  #23  
قديم 14-05-2005, 02:30 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

مع نتيجة علمية عن وجود الشيء وعن وجود صفة معينة له، تؤخذ النتيجة العقلية حتماً، وتُترك النتيجة العلمية التي تتعارض مع النتيجة العقلية، لأن القطعي هو الذي يؤخذ لا الظني.
ومن هنا كان الخطأ الموجود في العالِم هو اتخاذه للطريقة العلمية أساساً للتفكير، وجعلها حكماً في الحكم على الأشياء، فيجب أن يصحح هذا الخطأ، ويجب أن تصبح الطريقة العقلية هي أساس التفكير وهي التي يُرجع إليها في الحكم على الأشياء.

الوعي السياسي

الوعي على الأوضاع السياسية أو على الموقف الدولي أو على الحوادث السياسية غير الوعي السياسي. لأن الوعي على الأوضاع السياسية أو الموقف الدولي أو الحوادث السياسية هو تدبّرها، أمّا الوعي السياسي فهو تدبر الإنسان لرعاية شؤونه. والوعي السياسي هو النظرة إلى العالم من زاوية خاصة. فالنظرة إلى العالم من غير زاوية خاصة تعتبر سطحية وليس وعياً سياسياً، والنظرة إلى المجال المحلي وحده تفاهة وليس وعياً سياسياً. ولا يتم وجود الوعي السياسي إلاّ إذا توفر فيه عنصران: أحدهما أن تكون النظرة إلى العالم كله، والثاني أن تنطلق هذه النظرة من زاوية خاصة محددة، أياً كانت هذه الزاوية، سواء أكانت مبدأ معيناً أو فكرة معينة. إلاّ أن الزاوية الخاصة إن كانت مبدأ تجعل الوعي السياسي ثابتاً آخذاً طريقه في اتجاه غاياته كلها نحو غاية واحدة لا يتحول عنها ويكسب العراقة والتركيز في نفس الأمّة لا في نفس أفراد فحسب.
والوعي السياسي يحتم طبيعياً خوض النضال في سبيل تكوين مفهوم معين عن الحياة لدى الإنسان من حيث هو إنسان، في كل مكان. وتكوين هذا المفهوم هو المسؤولية الأولى التي ألقيت على كاهل الواعي سياسياً والتي لا تنال الراحة إلاّ ببذل المشقة لأدائها.
والواعي سياسياً يتحتم عليه أن يخوض النضال ضد جميع الاتجاهات التي تناقض اتجاهه وضد جميع المفاهيم التي تناقض مفاهيمه، في الوقت الذي يخوض فيه النضال لتركيز مفاهيمه وغرس اتجاهاته، فإنه لا ينفصل أحدهما عن الآخر في النضال قيد شعرة. ويدخل في ذلك النضال ضد المطاعن التي تهاجم مفهومه عن الحياة وضد مفاهيم الأعماق التي جاءت من العصور الهابطة، وضد التأثير الرأسمالي الذي يتمكن منه بواسطة تحقيق الطلبات الآنية، وضد اختصار الغايات السامية بغايات جزئية.
والوعي السياسي لا يعني الإحاطة بما في العالم ولا الإحاطة بالمبدأ أو بما يجب أن يُتخذ زاوية خاصة للنظرة إلى العالم، وإنّما يعني فقط أن تكون النظرة إلى العالم مهما كانت معارفه عنه قليلة أو كثيرة، وأن تكون هذه النظرة من زاوية خاصة مهما كانت معرفته بهذه الزاوية قليلة أو كثيرة. فمجرد وجود النظرة إلى العالم من زاوية خاصة تدل على وجود الوعي السياسي، وإن كان يتفاوت هذا الوعي قوة وضعفاً بتفاوت المعارف للعالم وللزاوية، لأن المقصود من النظرة إلى العالم يتركز في النظرة إلى الإنسان الذي يعيش في العالم، والمقصود من النظرة من زاوية خاصة يتركز في مفهومه عن الحياة الذي اتخذه زاوية خاصة. وعلى هذا فالوعي السياسي ليس خاصاً بالسياسيين والمفكرين، وإنّما هو عام وممكن إيجاده في العوام والأميين كما يمكن إيجاده في العلماء والمتعلمين، بل يجب إيجاده ولو إجمالاً في الأمّة بجملتها، لأنه بدون هذا الوعي السياسي عند الأمّة، بل عند أي فرد، لا يمكن إدراك قيمة الأفكار التي لديه في حياة الأمّة.
والوعي السياسي هو الحاجة الملحة التي لا غنى عن سدّها وتأمينها لدى الأمّة الإسلامية. وبدون هذا الوعي السياسي لا يمكن إدراك قيمة الإسلام في حياة الأفراد والمجتمع، ولا يمكن ضمان سير الأمّة مع حملة الدعوة الذين يكافحون الكفر ويكافحون الاستعمار سيراً دائمياً في جميع الظروف في الانتصار والهزيمة سواء.
وبدون الوعي السياسي تتعطل فضائل الإسلام، وبدون الوعي السياسي تزداد حالة الأمّة سوءاً وتنقطع أسباب الرقي عنها وتُهدر كل الجهود التي تُبذل في إنهاضها. وبدون الوعي السياسي عند المسلمين بوصفهم مسلمين، يُسرع الانقراض إلى الإسلام ويزداد خطر الإبادة للمسلمين وتنعدم الطرق والوسائل التي تمكّن من استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية. فوجود الوعي السياسي مسألة في منتهى الضرورة للأمّة الإسلامية وهي دون مبالغة مسألة حياة أو موت.
ووجود أفراد في الأمّة يتمتعون بالوعي السياسي لا يمكن أن يجنّب الأمّة الكارثة ولا أن يحفظها من الانزلاق، مهما كثر عدد الأفراد الواعين في الأمّة، ما داموا أفراداً، بل لا بد أن تجرفهم الكارثة مع الأمّة وأن يشهدوا انزلاقها ويصطلوا بنار هذا الانزلاق. بل يجب أن يوجد الوعي في الأمّة بمجموعها وإن كان لا ضرورة لأن يوجد في جميعها.
لذلك لا بد من أن ينفَق من الجهد أقصى حد في إيجاد الوعي السياسي لدى الأمّة بقدر ما ينفَق من جهد في إيجاد المفاهيم الإسلامية وإذكاء المشاعر الإسلامية، فإيجاد الشعور بحاجة العالم إلى الإسلام لهدايته يجب أن ينبثق عن الشعور بحاجة الأمّة إلى الإسلام، وأن يغذّى هذا بتفهيم الناس الإسلام وإثارة مشاعرهم له. أي يجب أن ينفَق الجهد لأن تنظر الأمّة إلى العالم من زاوية الإسلام حتى تتركز هذه النظرة ولو إجمالاً في جمهرة الناس وأن يلاحَظ هذا الأساس عند بذل الجهد لتفهيم الإسلام وإثارة الشوق إليه.
إن أول ما يجب أن يلاحَظ أن الوعي الذي يثمر يتميز بنظرة شاملة إلى مصلحة العالم من زاوية الإسلام. ويجب أن تعتقد الأمّة بمجموعها أن إنقاذ العالم بدون الإسلام مستحيل، وأن تدرك الأمّة ولو إجمالاً أن إيجاد الإسلام في معترك الحياة في المجتمع بدون الدولة الإسلامية خيال. ويجب أن يكون واضحاً لدى الذين نما لديهم الوعي السياسي وتفتّح أن تحقيق الدولة الإسلامية بدون الأمّة الإسلامية وهْم، وأن جعل الأمّة تحقق الدولة الإسلامية دون الوعي السياسي أكثر خيالاً وأشد وهماً.
ويظهر الوعي السياسي في الأمّة إذا ظهرت نظرتها إلى العالم من زاوية الإسلام، ولكن الفرد لا يظهر عليه الوعي السياسي إلاّ إذا نما هذا الوعي وتفتّح. ومن هنا تجد من الصعوبة أن تدرك على الشخص أنه واعٍ سياسياً إذا لم يتمثل مثل هذا الوعي فيه بشكل ظاهر. والواعي سياسياً لا يمكن أن يؤخذ بالألفاظ أو بالأسماء أو بالألقاب، ويحذر دوماً أن يكون ذهنه فريسة الدعايات والإعلانات. ويتحاشى أن يضيع عن الوقائع أو يضل في تحري الحقيقة عن الغاية التي يُعمل لها.
والميزة التي يتمتع بها الواعي سياسياً هي الحذر في تلقي الأنباء والآراء من أن يعلق بها شيء مهما بلغت تفاهته. أي أن يأخذ كل شيء في حالة وعي وهو يفكر في حقيقته وفي موقعه من الغاية التي يُعمل لها.
وليحذر الواعي سياسياً من تسلط ميوله على الآراء أو الأنباء. فرغبات الناس لشيء ذاتي أو حزبي أو مبدئي قد يفسِّر الرأي أو النبأ أو قد يضفي عليه ما يجعله يخيل إلى الرائي أنه صدق وهو كذب، أو يخيل إليه أنه كذب وهو صدق. ولذلك لا بد من أن يتبين الواعي الكلام الذي يقال والعمل الذي يُعمل. ولا يكفي أن يدرك ذلك هو، بل الواعي سياسياً هو الذي يدرك الأشياء ويعلنها للناس حتى توضع على بساط البحث والمناقشة وحتى يعمل على إيجاد الوعي عند الأمّة في مجموعها فتتعوّد أن لا تؤخذ بالألفاظ وتتعود على تنقيح الآراء والأنباء.
ولا يصح اعتبار المرء واعياً وعياً سياسياً إذا كان يقول شيئاً ويعمل بخلافه، أو يرى رأياً ولا يجهد في تطبيقه. إن إيمان الواعي بمبدأ أو بفكرة وعياً سياسياً يتمثل في أفعاله لا في خطاباته وكتاباته ولا في أحاديثه ومناقشاته. فإذا لم تتجسد أفكاره في أعمال وآثار حق له ولغيره أن يشك في وعيه أو في صحة وعيه على الأقل. فالواعون أفراداً كانوا أو جماعات أو كتلة، لا يتأكد وعيهم إلاّ بالعمل ولا يظهر صدقهم إلاّ بالإقدام والتضحية. وهذي هي العلامة الفارقة للوعي السياسي الصحيح لأن معنى كونه وعياً هو كونه تدبراً، ومعنى كونه سياسياً، هو كونه يرعى شؤونه كلها وشؤون أمّته على أساس هذا الوعي.
ولذلك كان اصطدام الواعين بالقضايا في احتكاكهم بالواقع والناس ومشاكل الحياة المباشرة أمراً حتمياً، لا فرق في ذلك بين الصعيد المحلي الداخلي والصعيد الدولي العالمي. وفي هذا الاصطدام تبرز المقدرة على جعل الرسالة التي يحملها أو الزاوية الخاصة التي ينظر إلى العالم منها هي الأساس وهي الحكم، وهي الغاية التي يسعى إليها. ولا فرق في ذلك بين الأفراد وبين الأمّة، فعمل الأمّة بما تقتضيه الزاوية الخاصة التي تنظر إلى العالم منها أمر حتمي كعمل الفرد، وتصديقها بها أمر حتمي كالفرد، واصطدامها بالقضايا واحتكاكها بالمشاكل أمر حتمي أيضاً كالفرد حتى يصح اعتبار وجود الوعي السياسي لديها. ولهذا يجب أن تتأصل في نفوس الأمّة كمجموعة واحدة، ثلاث خصال:
إحداها: الاهتمام بمصالح الأمّة اهتماماً تاماً بشكل آلي بديهي، فيقول المسلم في دعائه: "اللهم ارحم الأمّة الإسلامية" كما يقول: "اللهم ارحمني"، ويسأل: هل انتصر الجيش، قبل أن يسأل عن ابنه في الجيش.
ثانيها: وحدة الرأي والانتظام تجاه ما يجب القضاء عليه، وتجاه ما يجب تأييده من أفكار وأعمال وأشخاص. أي تجاه ما يجب بناؤه وتجاه ما يجب هدمه.
ثالثها: جعل الطاعة سجية من السجايا، والتمرد رذيلة مستقبَحة ومستنكَرة. ولا يسمى الخضوع للعدو طاعة ولا الوقوف في وجه الطغيان تمرداً، وإنّما الطاعة تنفيذ أمر من له الصلاحية بخضوع ورغبة ورضا واطمئنان، والتمرد عكسه.
  #24  
قديم 14-05-2005, 02:31 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

القوة الروحية أكثر القوى تأثيراً

يندفع الإنسان للقيام بالعمل بمقدار ما يملك من قوى، وكلما كانت قواه أكثر كان اندفاعه أكثر. ويكون مقدار ما يحققه من أعمال بمقدار ما يملكه من قوى. غير أن الإنسان يملك قوى متعددة، فيملك قوى مادية تتمثل في جسمه والوسائل التي يستعملها لإشباع شهواته، ويملك قوى معنوية تتمثل في الصفات المعنوية التي يهدف إلى الاتصاف بها، ويملك قوى روحية تتمثل في إدراكه لصلته بالله أو شعوره بها أو بهما معاً. ولكل قوة من هذه القوى الثلاث أثر في قيام الإنسان بالعمل. إلاّ أن هذه القوى ليست متساوية في التأثير في الإنسان بل تتفاوت تأثيراً على الإنسان. فالقوى المادية أضعفها تأثيراً والقوى المعنوية أكثر تأثيراً من القوى المادية. أمّا القوى الروحية فهي أكثرها تأثيراً وأشدها فعالية.
وذلك أن القوى المادية من جسمية أو وسيلة تدفع لإرضاء شهوة صاحبها إلى العمل بمقدار تقديره لها ليس أكثر. وقد لا تدفعه إلى العمل مطلقاً مع توفرها لأنه لا يجد حاجة لهذا العمل. وعلى هذا فهي قوى محدودة الاندفاع ووجودها وحده لا يحتم الاندفاع إلى العمل. فالإنسان حين يريد أن يحارب عدوه يزن قواه الجسمية ويبحث وسائله المادية، فإذا وجد فيها الكفاية لمحاربة عدوه أقدم وإلاّ أحجم وتراجع. وقد يجد قواه كافية لسحق عدوه ولكن يتوهم أنه قد ينتصر بمن هو أقوى منه فيجبُن، أو يرى أن صرف قواه في رفاهة نفسه أو رفع مستوى عيشه فيتقاعس. فمحاربة العدو عمل يريد أن يقوم به الإنسان، ولكن لمّا كان يريد أن يندفع لذلك بمقدار ما يملك من قوى مادية صار اندفاعه محدوداً بها وصار متردداً في القيام بالعمل مع توفرها حين عرضت له عوارض بعثت فيه الجُبن أو التقاعس.
وهذا بخلاف القوى المعنوية فإنها تبعث في النفس تيار القيام بالعمل أولاً ثم تسعى للحصول على القوى الكافية للقيام به دون أن تقف عند حد قواها الموجودة، وقد تندفع بأكثر مما تملك من قوى مادية عادة، وقد تقف عند حد ما وصلت إلى جمعه من قوى. وعلى أي حال فهي تقوم بأكثر مما تملك من قوى مادية، وذلك كمن يريد أن يحارب عدوه لتحرير نفسه من سيطرته أو للأخذ بالثأر أو للشهرة أو انتصاراً للضعيف أو ما شاكل ذلك، فإنه يندفع أكثر ممن يحارب عدوه للغنيمة أو للاستعمار أو لمجرد السيطرة أو ما شابه ذلك. والسبب في هذا هو أن القوى المعنوية هي دافع داخلي مربوط بمفاهيم أعلى من المفاهيم الغريزية ويتطلب إشباعاً معيناً فتندفع القوى لإيجاد الوسائل لهذا الإشباع فتسيطر على المفاهيم الغريزية وتسخر القوى المادية، وبذلك تصبح لها هذه القوى التي تفوق القوى المادية.
ومن هنا كانت دول العالم كله تحرص على إيجاد القوى المعنوية لدى جيوشها مع استكمال القوى المادية.
أمّا القوى الروحية فإنها أقوى تأثيراً في الإنسان من القوى المعنوية والقوى المادية، لأن القوى الروحية تنبعث من إدراك الإنسان صلته بالله خالق الوجود وخالق القوى. وهذا الإدراك العقلي أو الشعور الوجداني بهذه الصلة بالله يجعل اندفاع الإنسان بمقدار ما يطلب منه الخالق، لا بمقدار ما يملك من قوى، ولا بمقدار ما يمكنه أن يجمع من قوى، بل بمقدار ما يُطلب منه مهما كان هذا الطلب سواء أكان بمقدار قواه أم أكثر أم أقل، فقد يكون الطلب تقديم حياته صراحة، أو قد يكون مؤدياً إلى تقديم حياته، فإنه يقوم بالعمل وإن كان أكثر مما يملك من قوى وأكثر مما يجمع من قوى. ومن هنا كانت القوى الروحية أكثر تأثيراً من جميع القوى التي لدى الإنسان.
إلاّ أن هذه القوى الروحية إن كانت ناجمة عن شعور وجداني فقط فإنه يُخشى عليها من الهبوط والتغير بسبب تغلب مشاعر أخرى عليها أو تحولها بالمغالطة إلى أعمال أخرى غير التي كانت مندفعة لها. ولذلك كان لزاماً أن تكون القوى الروحية ناجمة عن إدراك وشعور يقينيين بصلة الإنسان بالله، وحينئذ تثبُت هذه القوى ويظل تيارها مندفعاً بمقدار ما يُطلب منها دون تردد. وإذا وُجدت القوى الروحية لم يصبح أي أثر للقوى المعنوية لأن الإنسان حينئذ لا يقوم بالعمل بدافعها بل بدافع القوى الروحية فقط، إذ لا يحارب عدوه لأخذ غنيمة ولا لفخر النصر، بل يحاربه لأن الله طلب منه ذلك، سواء حصلت له غنيمة أم لم تحصل، نال فخر النصر أو لم يعلم به أحد، لأنه لم يقم بالعمل إلاّ لأن الله طلب منه ذلك. أمّا القوى المادية فإنها تصبح وسائل للعمل لا قوى دافعة عليه.
وقد حرص الإسلام على جعل القوى الدافعة للمسلم قوى روحية حتى ولو كانت مظاهرها مادية أو معنوية، إذ جعل الأساس الروحي هو الأساس الوحيد للحياة الدنيا كلها. فجعل العقيدة الإسلامية أساس حياته، والحلال والحرام مقياس أعماله، ونوال رضوان الله غاية الغايات التي يسعى إليها. وحتم عليه أن يقوم بأعماله كلها صغيرها وكبيرها بحسب أوامر الله ونواهيه بناء على إدراك صلته بالله تعالى. فإدراك الصلة بالله والشعور بها إدراكاً وشعوراً يقينيين هو الأساس الذي تقوم عليه حياة المسلم، وهو القوى التي تدفعه للقيام بأي عمل صغُر أم كبُر. فهو الروح التي تقوم بها حياته الدنيوية في جميع أعماله، وبمقدار ما يملك من هذا الإدراك والشعور يكون مقدار ما عنده من قوى روحية. ولذلك كان واجباً على المسلم أن يجعل قواه هي القوى الروحية، فهي كنزه الذي لا يفنى وهي سر نجاحه وانتصاره.

الأسلوب الفكري والأسلوب الأدبي

أسلوب الكتابة هو معانٍ مرتبة في ألفاظ منسقة، أو هو كيفية التعبير لتصوير ما في نفس المتكلم من معانٍ بالعبارات اللغوية. فالصورة اللفظية وإن كانت هي الظاهرة في الأسلوب ولكنها لا يمكن أن تحيا مستقلة عن المعاني، وإنّما يرجع الفضل في نظامها اللغوي الظاهر إلى نظام آخر من المعاني انتظم وتألف في نفس الكاتب أو المتكلم، فكان بذلك أسلوباً معيناً، ثم تكوّن التآلف اللفظي على مثاله وصار ثوبه الذي لبسه.
ويتطلب الأسلوب من الكاتب أو المتكلم أن يكون فاهماً لما يريد أداءه فهماً دقيقاً جلياً ثم يحرص على أدائه كما هو، ولذلك أثره البعيد في قيمة الأسلوب. وبعد ذلك يأتي التعبير اللغوي الذي يتطلب من المنشئ ثروة لغوية وقدرة على التصرف في التراكيب والعبارات والكيفية التي يريد أداء الأفكار بها، كما يتطلب الأسلوب من المتكلم أن يكون هو نفسه متأثراً منفعلاً قد أدرك الحقائق وحرص على إذاعتها. فيجب أن يوقظ عقله ومشاعره وأخيلته لتدرك المعاني بقوة، ثم بعد ذلك تأتي قوة التعبير باختيار الألفاظ التي تؤدي المعاني بما يتلاءم مع المعنى. فالمعنى الرقيق يؤتى له باللفظ الرقيق والمعنى الفخم يؤتى له باللفظ الفخم، وهكذا. وفوق ذلك فإن الأسلوب يتطلب من الكاتب أو المتكلم أن يدرك ما في المعاني من عمق واستنارة وما يتصل فيها من أسرار جميلة إدراكاً حاداً رائعاً، ثم بعد ذلك يختار أصفى العبارات وأليقها بهذا الخيال الجميل أو المعنى البديع مبتعداً عن الألفاظ الخشنة والمتنافرة التي تؤذي الحس والذوق.
هذا هو الأسلوب وهذا ما يتطلبه. ومنه يتبين أن المراد من الكتابة أو التكلم إنّما هو أداء المعاني التي لدى الكاتب أو المتكلم للقارئ أو السامع. ومن هنا كان الأصل في التعبير إنّما هو المعاني ثم تأتي بعد ذلك الألفاظ التي تؤدي
  #25  
قديم 14-05-2005, 02:33 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

هذه المعاني كما هي لدى الكاتب أو المتكلم. فالمسألة إذن تنحصر في أمرين: : المعاني والألفاظ التي تؤدى بها هذه المعاني؛ ومن هنا اختلفت عناية الكتّاب والمتكلمين بالمعاني والألفاظ، فمنهم من وجّه عنايته إلى المعاني أولاً وأخضع الألفاظ إلى الدقة في أدائها، ومنهم من وجّه عنايته إلى الألفاظ أولاً وتساهل في دقة أداء المعاني في سبيل الألفاظ. ولذلك انقسم الأسلوب في الكتابة والتكلم إلى قسمين اثنين: أحدهما فكري والآخر أدبي، ولكل منهما نسيج خاص يخالف الآخر.
أمّا الأسلوب الفكري فإن الكاتب أو المتكلم يختار الأفكار التي يريد أداءها لجدّتها أو أو قيمتها أو ملاءمتها لمقتضى الحال، ثم يرتب هذه الأفكار ترتيباً معقولاً ليكون ذلك أدعى إلى فهمها وحسن ارتباطها في ذهن القارئ، وأخيراً يعبر عنها بالألفاظ اللائقة بها. والأسلوب الفكري فيه الانفعال طبيعي أساسي صادر من نفس صادقة، والمعارف العقلية هي الأساس الأول في بنائه، ولا يظهر فيه أي أثر لصنعة الانفعال، وعنايته إنّما هي باستقصاء الأفكار، وهو لغة العقل. والغرض منه أداء الحقائق قصد التعليم وخدمة المعرفة وإنارة العقول. وتمتاز عبارته بالدقة والتحديد والاستقصاء. والأصل فيه هو قيامه على العقل ونشر الحقائق الفكرية والمعارف التي يحتاج الوصول إليها إلى جهد وتعمق. وهو في جملته يتكون من عنصرين أساسيين: أحدهما الأفكار والثاني العبارات.
والأسلوب الأدبي نجد الكاتب أو المتكلم فيه لا يقف عند حد الحقائق والمعارف ولا يجعل قصده تغذية العقل بالأفكار وإنّما يقرب هذه الحقائق ويختار أهمها وأبرزها الذي يستطيع أن يجد فيه مظهراً لجمال ظاهر أو خفي أو معرّضاً لعِظة واعتبار أو داعياً لتفكير أو تأثير. ثم يفسر ما اختاره تفسيراً خاصاً به بما يخلع عليه من نفسه المتعجبة أو المتعظة أو الراضية أو الساخطة، ثم يحاول نقل هذا الانفعال أو إثارة مثله إلى نفوس القراء والسامعين ليكونوا متعجبين أو مغتبطين، راضين أو ساخطين.
والأسلوب الأدبي فيه صنعة الانفعال والعناية بإظهار هذا الانفعال في المعاني والألفاظ التي يؤدي بها أفكاره، والاهتمام فيه منصب على قوة الانفعال وهو لغة العاطفة والمشاعر، والغاية فيه هي إثارة القراء والسامعين، وذلك بعرض الحقائق رائعة جميلة كما يتصورها الكاتب، أو كما يجب أن يتصورها السامعون والقراء. ويقصد فيه أن تتصف عبارته بالتفخيم والتعميم والوقوف عند مواطن الجمال والتأثير. ويتميز بقوة العاطفة التي تؤثر في عباراته تأثيراً واضحاً يبدو في الكلمات والصور والتراكيب. وهو في جملته يتكون من ثلاثة عناصر: أحدها الأفكار، والثاني الصور التي يؤلفها، والثالث العبارات التي يصوغ بها الأفكار والصور.
أمّا قوة الأسلوب ووضوحه وجماله فهي تكون بالأسلوب الفكري كما تكون في الأسلوب الأدبي ولا تختص بأسلوب معين، فهي صفة للأسلوب من حيث هو، سواء أكان أدبياً أم فكرياً.
ومن هنا نجد أن كثيراً من الأساليب الفكرية بلغ فيها وضوح الأسلوب وجماله وقوته ما جعلها تفوق كثيراً من الأساليب الأدبية تأثيراً. والأسلوب الفكري يتحتم في تعليم الناس الأفكار وتفهيمهم إياها وإيجاد التصديق بها لديهم، ولا يؤدى ذلك إلاّ بالأسلوب الفكري وهو أيضاً يفيد بإثارة المشاعر للعمل بالأفكار التي فهمها، ولكن إثارته بطيئة وتحتاج إلى وجود إدراك للفكر حتى تثور المشاعر؛ إلاّ أن المشاعر التي توجد في هذا الأسلوب مشاعر دائمية لا تخبو إلاّ إذا فُقد التصديق بالفكر الذي أثارها.
بخلاف الأسلوب الأدبي فإنه لا يفيد إلاّ باثارة المشاعر وهو يتحتم لتحريض الناس على العمل. وهو وإن كان يعلّم السامع والقارئ حقائق ولكنه يعلّم الحقائق السطحية والمعارف التافهة ولا قدرة له على أداء الأفكار العميقة، وإذا أن يؤديها فإنه يبسطها وينفشها ويتصرف بها فيذهب عنها عمقها ومعانيها فتسخف.
ولذلك لا يمكن أن تؤدى أفكار المبادئ والفلسفة والتشريع والعلوم التجريبية وما شاكلها إلاّ بالأسلوب الفكري، ولا يمكن أن يؤدى الشعر والخطابة وما شابهها إلاّ بالأسلوب الأدبي. فالأسلوب الفكري يتحتم لأداء الفكر، والأسلوب الأدبي يتحتم لاثارة الناس وتحريضهم على العمل الذي يراد منهم.
ومن هنا تجد الأسلوب الفكري يفشو في الأمّة وهي في حال نهضتها وعنفوان سيرها التصاعدي؛ والأسلوب الأدبي يفشو في الأمّة وهي سطحية التفكير أو في حالة الترف. ولذلك نجد العصر الذي بُعث فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد ضعُف فيه الشعر وقل النثر الأدبي، وفشا الأسلوب الفكري في الخطب والأحاديث، وكان القرآن الكريم أروع مثل في الأسلوب الفكري وكان أكثره من هذا الأسلوب، وإن كان قد حوى أروع ما في الأسلوب الأدبي ولكنه يلتزم ما يُلتزم في الأسلوب الفكري من الدقة والتحديد.
والأمّة الإسلامية في هذا العصر قد دبّت فيها أحاسيس النهضة فهي في حاجة إلى الأسلوب الفكري لأداء الحقائق للناس وجعل مشاعرهم المثارة للعمل بها دائمية وإن كنا لا نستغني عن الأسلوب الأدبي في تحريض الناس على العمل، ولكن بعد وضع الفكر الذي نريد منهم أن يعملوا به في أذهانهم وتركيز تصديقهم به.

إنتهى الكتاب
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م