بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة من الشيخ المأسور ناصر الفهد إلى نايف بن عبدالعزيز
(يسر الله إخراجها من المعتقل)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فانطلاقا من قول الله تعالى : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين " ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنه كان من قبلكم كان يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة بالأرض فيجعل فيها ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه وما يرده ذلك عن دينه )
ومن قول عمر بن الخطاب ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )
ومن قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ما يفعل أعدائي بي ؟! أنا جنتي في صدري ، إن قتلت فقتلي شهادة ، وإن سجنت فسجني خلوة ، وإن أخرجت فإخراجي سياحة )
ومن قول الجرجاني رحمه الله تعالى :
يقولـون لي فيك انقباض وإنمـا رأوا رجلاً عن موضع الذل أحجما
وأكـرم نفسي أن أضاحك عابساً وأن أتلقى بالمـديح مذممــــا
ولـو أن أهل العلم صانوه صانهم ولــو عظموه في النفوس لعظّمـا
ولكـن أهـانوه فهـان ودنسوا محيــاه بالأطمـاع حتى تجهمـا
أأشقـى بـه غرسـاً وأجنيه ذلةً إذن فإتبـاع الجهل كان أرحمــا
أكتب هذه الكلمات وأقول بين يديها إنني أكتبها وقد حفرت قبر في زنزانتي وطلقت الدنيا ثلاثاً وقطعت كل صلة بيني وبينها ، وبعد هذا أقول وعلى الله أتوكل وبه أستعين :
أولاً : أعلن عن تراجعي عن ( التراجع المزعوم ) ، وعن توبتي من ( التوبة الكاذبة ) ، وأنني لا زلت مصراً على الإقرار المصدق بتاريخ 2/5/1424هـ .
ثانياً : أعلن عن ندمي الشديد على خطأي الفادح وزلتي الشنيعة في استجابتي للدولة وخروجي في التلفزيون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما فعلت ذلك مهما كانت النتائج ولكن قدّر الله وما شاء فعل .
ثالثاً : إنني لم أندم على شيء فعلته قبل السجن ، وأمّا مداهنتي السابقة للدولة فقد كنت متأولاً بأنني مكره والله سبحانه يقول : " إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " وقد ثبت عن عمر أن السجن من الإكراه حيث يقــول : ( أربع كلهن كره السجن والضرب والقيد والوعيد ) وقال أيضاً ( ليس الرجل يأمن على نفسه إذا ما أوثق أو عذب )
وقال ابن مسعود : ( ما كلمة تردّ عني سوطين إلاّ كنت متكلماً بها ) ولمّا امتحن المأمون السلف في مسالة خلق القرآن أجاب أكثرهم متأولين فرأيت في هذه الأدلة رخصة وفي السلف قدوة ففعلت ما فعلت ، ولكني لمّا رأيت الدولة استغلت هذا أبشع استغلال في تشويه صورتنا وصورة الجهاد والمجاهدين وفي المقابل أخذت تظهر نفسها بمظهر الدولة الإسلامية الطاهرة مع أنها من أعظم أعوان الصليبيين في حملتهم الحالية على الإسلام وأهله رأيت من الخطأ الاستمرار في هذا التأول وأن أصدع بالحق مهما كانت النتائج .
رابعاً : أنني لا زلت أكفر الدولة ، ولم أتراجع عن ذلك ، بل لم أزدد في كفرها إلاّ بصيرة ، فقد رأيت أثناء مجريات التحقيق كيف كانت الدولة أحرص على الصليبيين من أنفسهم ، بل وأصبحت الدولة تتبجح في وسائل الإعلام وتعلن أنها مع الصليبيين في خندق واحد ، وهذه ردة بالإجماع – وممن ذكر الإجماع الشيخ ابن باز رحمه الله – بل وتجاوزت الدولة مسألة مظاهرة الكفار على المسلمين إلى محاولة تغيير دين المسلمين إرضاءً للصليبيين كما صرح وزير المعارف بأنه سيتم تعديل المناهج الدينية ويحذف ( الولاء والبراء ) منها ، مع أن ( الولاء والبراء ) أصل دين الإسلام ، فأي كفر أعظم من هذا الكفر ؟ وأي ردة أعظم من هذه الردة ؟ .
خامساً : انه إذا كانت الحجة في إثبات كفر الدولة ( القوة ، والسجن ) فستنتصر الدولة لأنها تملك هذه الحجة ولا أملكها ، وإذا كانت الحجة في إثبات كفر الدولة هي القرآن والسنّة والعلم والبرهان فسأنتصر بالتأكيد وأتحدى جميع علماء الدولة وعلى رأسهم المفتي في مناظرة علنية في هذه المسألة ، وأقسم بالله لأثبتن ردة الدولة من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال العلماء من جميع المذاهب بل ومن أقوال علماء هذه الدولة من الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله حتى الشيخ بن باز رحمه الله ، وقد كنت كتبت الجزء الثالث من كتاب ( التبيان في كفر من أعان الأمريكان ) وهوا بعنوان ( مساهمة الدولة السعودية في الحملة الصليبية العالمية ) وذكرت فيها أكثر من ثلاثين نقلاً من علماء هذه الدولة – الأولى والثانية والثالثة – كلها تثبت كفرها وردتها عن دين الإسلام ، ومسودة الكتاب عند المباحث .
سادساً : أنني أرى الجهاد فرض عين وهذا بالإجماع ، فإن جميع العلماء يذكرون الصور التي يكون فيه الجهاد فرض عين في حالة مداهمة العدو بلاد المسلمين وعدم قيام من يكفي لصده ، وقد داهم العدو بلاد المسلمين من كل جانب كما نرى ، وفي مثل هذه الحالة لا يستأذن من الإمام ولو كان من الخلفاء الراشدين فكيف بمن يوالي الكفار ويعينهم؟ .
سابعاً : إنني أعتز وأفتخر بجميع ما أصدرته من فتاوى وبيانات وبما الفته من كتب ورسائل مثل كتاب ( التبيان في كفر من أعان الكفار ) و ( التبيين لمخاطر التطبيع على المسلمين ) و ( حكم استخدام أسلحة الدمار الشامل ) وغيرها ، وأحمد الله عليها ، ولو استطعت لأخرجت فتوى بوجوب الجهاد في العراق .
ثامناً : إنني أعتز وأفتخر بجهادي للصليبيين وأعوانهم بلساني وقلمي ، وأتمنى والله لو جاهدتهم بيدي .
تاسعاً : أمّا المواجهة مع الدولة فقد كنت أنصح الشباب بالابتعاد عنها لعدم تكافؤ القوى ولأن الدولة ستستغل هذه الأحداث في تصفية الشباب واحداً بعد الآخر وستقوم بملء السجون منهم ومن غيرهم وقد حصل ما توقعته فعلاً ، إلاّ أنني أقر وأعترف أنني ما ندمت على شيء قط كندمي على أنني استسلمت للدولة أثناء القبض عليّ ولم أقاوم وأقسم بالله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما تركت الدولة تقبض عليّ إلاّ جثة هامدة ولكن قدّر الله وما شاء فعل .
عاشراً : أنني أؤيد الشيخ البطل أسامة بن لادن حفظه الله ونصره ، وأرغم به أنوف الطواغيت ، أعتبره من أبطال الإسلام ، وأمّا الذين يتكلمون فيه ويقولون ماذا جرّ على الأمّة ؟ فهذا هوا طريق الجهاد مملوء بالجثث والدماء والآلام والعرق والدموع ، لذلك كان فضله عظيماً ، وكانت عاقبته حميدة ،
وما يقال في الشيخ ابن لادن الآن قد قيل مثله في الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ،
فإن الشيخ محمداً لمّا استخدم الجهاد لنشر التوحيد وتسلّطت الدول الخارجية آنذاك واسقطوا دولته تكلم فيه كثير من العلماء بأنه سبب هذا ، فهذا التاريخ يعيد نفسه فهذه دولة طالبان سقطت كما سقطت الدولة الأولى ،
واحتلت أفغانستان كما احتلت الجزيرة ، وقتل المسلمون في أفغانستان كما قتلوا في الجزيرة ،
وهدّمت المدن والقرى في أفغانستان كما هدّمت الدرعية وغيرها في الجزيرة ،
وسيق المسلمون أسرى إلى ( جوانتناموا ) كما سيقوا من الجزيرة إلى مصر واسطنبول ،
وأختفى الملا عمر وابن لادن في كهوف أفغانستان كما اختفى الإمام تركي بن عبدالله – جد الملك عبدالعزيز – في ( مغارة ) جنوب الرياض لا تزال معروفة إلى اليوم باسم ( مغارة تركي )
وحوكم أتباع ابن لادن في كل مكان كما حوكم أتباع ابن عبدالوهاب وعلى رأسهم ( الإمام عبدالله بن سعود آل سعود ) آخر أئمة الدولة الأولى حيث حوكم في اسطنبول بتهمة أنه من ( الخوارج التكفيريين )
وقتل وصلب ثلاثة أيام ثم ألقيت جثته في البحر رحمه الله تعالى ،
ثم كان ماذا ؟ ذهبت الدولة العثمانية ودولة باشا مصر وكل من حارب دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وصاروا أثراً بعد عين وبقيت دعوة الشيخ محمد وانتشرت وبقيت هذه الدولة بفضل تلك الدعوة – وإن كانت تنكرت لها – وهكذا الدعوات الإصلاحية العظيمة والتي منها دعوة الشيخ ابن لادن حفظه الله ستبقى وسيزول كل من حاربها بحول الله وقوته .
حادي عشر : أن الدولة صارت تحارب أمرين لولاهما ما قام لها كيان وهما ( التوحيد الذي يسمونه التكفير ) و ( الجهاد الذي يسمونه الإرهاب ) فلولا هذان الأمران ما قام للدولة كيان ولا عرف آل سعود الحكم ،
فإن الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى ما كان يحكم غير قريته الدرعية ولم يكن له في غيرها حل ولا عقد ، حتى جاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عام 1158 وتعاقد معه على نشر ( التوحيد ) بـ ( السيف ) وبدأو الجهاد ، وخرجوا على ستة من سلاطين الدولة العثمانية من السلطان عثمان الثالث حتى السلطان محمود عدلي الثاني وجاهدوهم بالسيف وهكذا الدولة الثانية والثالثة ، ولولا ضيق الوقت لسردت ما أحفظه من الفتاوى ( التكفيرية الإرهابية ) لعلماء الدولة بمراحلها الثلاث ، فلولا هذان الأمران اللذان تحاربهما الدولة الآن أشد المحاربة ما قام لها كيان أصلاً ، والله سبحانه يقول : " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لايكونوا أمثالكم " .
ثاني عشر : أن الدولة صارت تتلفت يميناً ويساراً تبحث عن سبب ظاهرة ما يسمونه بالعنف والإرهاب ، وقتلت الشباب وملأت السجون وكممت الأفواه ، وحاربت الدعاة وغيّرت المناهج الدينية ، ومكنت العلمانيين من العباد ، وسلّطت الصليبيين على البلاد ، وتركت أعظم الأسباب وأهمها وهي سياسة الدولة نفسها ،
فإن هذه الجزيرة جزيرة الإسلام وأرض محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يحكمها غير شرع الإسلام ، وقد بقيت هذه الجزيرة أربعة عشر قرناً قد حماها الله من الاستعمار حتى جاءت هذه الدولة ووضعت فيها القواعد الصليبية وجعلت من جزيرة الإسلام مسرحاً للصليبيين لتنفيذ مخططاتهم لضرب الإسلام وأهله ، فلمّا أعلن بوش الحملة الصليبية الأولى على أفغانستان كانت تدار من قاعدة الأمير سلطان ، ثم لمّا أعلن الحملة الصليبية الثانية على العراق كانت تدار من القاعدة نفسها ثم زادت الدولة من الخضوع للصليبيين بتغيير مناهج المسلمين إرضاءً لهم ، فهذه الأمور وأمثالها هي التي أخرجت هذه الظاهرة فإذا أرادت الدولة أن تعالجها فلتعالج نفسها أولاً ، وهب أنكم قتلتم هؤلاء الشباب أو كاتب هذه السطور هل ستنتهي هذه الظاهرة ؟ وأنا أقول إذا كانت سياسة الدولة السابقة قد أخرجت ( ابن لادن واحد ) فسياستها الحالية ستخرج ألف ابن لادن ، وستذكرون ما أقول لكم .
وأخيراً : وأخيراً فهذا مختصر ما أريد أن أكتبه ، أكتبه بكامل حريتي وإرادتي ، أكتبه براءة للذمة ، ونصحاً للأمة ، وتصحيحاً للخطأ الذي ارتكبته ، فإذا كان عند الدولة عقوبة أعظم من القتل والصلب فلتطبقها عليّ ولا تتردد في ذلك مطلقاً
فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أيّ جنب كان في الله مصرعي
( فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون )
أسأل الله أن يثبتني على دينه وأن يقبضني إليه غير مفتون ولا مضيع ولا مفرط، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1)
المقر بما فيه
ناصر بن حمد بن حميد الفهد
يوم الاثنين ليلة الثلاثاء 25/12/1424هـ
التوقيع ( بصمة الإبهام الأيسر )
الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية
GLOBAL ISLAMIC MEDIA FRONT