الفريقان يأتيان زمرا، أهل النار يصلونها جماعات جماعات ويدخلونها كذلك، وأهل الجنة يتقدمون إليها جماعات ويلجونها جماعات. إلام يشير ذلك يا ترى؟
إنها إشارة إلى ضرورة التجمع والائتلاف في حياة الإنسان فهو في الدنيا يحتاج للصحبة فيتخذ له ممن حوله جماعة ترافقه أو تؤيده، وفي الآخرة سيحشر معها إن امتلأ قلبه بودها ونسج أخلاقه على منوالها فليحاذر إذن، وليختر تلك الصحبة التي تكون في الدنيا اختيارا دقيقا ممحصا لتكون رفيقته إلى الجنة، فإن أحسن الاختيار وجاهد في انتقاء الأصحاب كما ينتقي الدر باحثا عن أفضله فهو أثمن من أي دُرّ كان فوزه بالرفقة معهم إلى الجنة وإلا تكن الأخرى، فليختر من الآن، فلا دخول إلى جنة إلا زمرا.
وإلى اللقاء في وقفة أخرى مع آية أخرى من كتاب الله بإذن الله تعالى .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
يصف الله تبارك وتعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل فقال تعالى:
[الذين يقولون ربناإننا آمنا] أي بك وبكتابك وبرسولك
[فأغفر لنا ذنوبنا] أي بإماننا بك وبما شرعته لنا فأغفرلنا ذنوبنا بفضلك ورحمتك وقنا عذاب النار.
ثم قال تعالى[الصابرين] أي في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات
[والصادقين] أي فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة
[والقانتين] والقنوت هوالطاعة والخضوع.
[المنفقين]أي من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات وصلة الأرحام والقربات وسد الخّلات ومواساة ذوي الحاجات
[والمستغفرين بالأسحار] أي دل على فضيلة الإستغفار وقت الأسحار وقد قيل أن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه [سوف أستغفر لكم ربي] إنه أخرهم الى وقت السحر. وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفرله)) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت ((من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره فانتهى وتره الى السحر)). وكان عبدالله بن عمر يصلي من الليل ثم يقول لمولاه نافع هل جاء السحر فإذا قال نعم أقبل على الدعاء والإستغفار حتى يصبح. وقال إبن جرير عن ابراهيم بن حاطب عن ابيه قال سمعت رجل في السحر في ناحية المسجد وهو يقول يارب أمرتني فأطعتك وهذا السحر فأغفر لي فنظرت فإذا هو إبن مسعود رضي ألله عنه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ((كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخرالسحر سبعين مرة)).تفسيرإبن كثير.
وإلى اللقاء في وقفة أخرى مع آية أخرى من كتاب الله بإذن الله تعالى .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
قال الله تعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (111) سورة النحل
عندما تقرأ هذه الآية وتتفكر بها دون تجاوز حتى تتكون لدينا فكرة عن وضع النفوس في الدنيا وفي الآخرة . نفوسنا في الدنيا يفصح عنها لساننا وجوارحنا ساكتة، ونفوسنا في الآخرة تفصح عنها جوارحنا وألسنتنا ساكتة نحن اليوم في الدنيا نجادل ونحاول ونستخدم الحجج والبراهين، وقد يقوي موقفنا مكانتنا الاجتماعية أو سلطتنا أو براعة ألفاظنا ........ا
يا للفتنة !
كم نحن مفتونون إن حِدنا عن الحق وإن انتصرنا لأنفسنا، غدا الحقيقة تظهر، وأعضاؤنا تنطق، فإن كنا في الدنيا من أهل الحقيقة، ولم نظلم أحداً بألسنتنا، أو باستغلال مكانتنا يتطابق قول أعضائنا يوم الدين مع قول ألسنتنا في الدنيا، وعندها نكون ممن أحسنوا لأنفسهم. وإن كان لساننا يخالف ما اقترفته جوانحنا وجوارحنا نكون قد أسأنا لأنفسنا. لا تكريم للنفس في الدنيا والآخرة أهم من اتباع الحق ومخافة الهوى والعصيان، واتهام النفس أولاً والسير بها إلى خطوات الاستقامة .
عندما يذكر القرآن حكام مصر القدامى لا يذكرهم إلا بلقب فرعون وذلك في حوالي ستين آية كريمة إلا في سورة واحدة ذكر فيها حاكم مصر بلقب ملك وذلك في سورة يوسف، قال تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ .. وقوله تعالى: وقـال الـملك ائتـوني به ... إنها سورة يوسف لم يذكر فيها لقب فرعون مع أن يوسف عليه السلام عـاش في مصر … وذكرت السورة في ثلاث آيات هي (43 و50 و54) أن حاكم مصر كان لقبه ملكاً وليس فرعوناً فكيف هذا؟..
بقيت هذه الآيات الثلاث إعجازاً قرآنياً، حتى فكك شامبليون حجر رشيد وتعرف على الكتابة الهيرروغلوفية في أواخر القرن التاسع عشر، فتعرف العالم على تاريخ مصر في مطلع القرن الحالي بشكل دقيق فظهرت المعجزة.
إن حياة يوسف عليه السلام في مصر كانت أيام الملوك الرعاة: الهكسوس الذين تغلبوا على جيوش الفراعنة، وظلوا في مصر من 1730 ق.م إلى 1580 ق.م حتى أخرجهم أحمس الأول وشكل الدولة الحديثة الإمبراطورية.
لذلك كان القرآن العظيم دقيقاً جداً في كلماته لم يقل: قال فرعون ائتوني به، ولم يقل: وقال فرعون إني أرى سبع بقرات سمان، بل قال: وقال الملك لأن يوسف عليه السلام عاش في مصر أيام الملوك الرعاة حيث تربع على مصر ملوك بدل الفراعنة الذين انحسر حكمهم إلى الصعيد وجعلوا عاصمتهم طيبة .
أليس هذه معجزة قرآنية تاريخية تشهد بدقته وصحته… وتشهد بالتـالي بنبـوة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؟؟
قبل أعوام قليلة اجتمع مجموعة من علماء الكفّار في سبيل البحث عن خطأ في كتاب الله تعالى حتى تثبت حجتهم بأن الدين الإسلامي دين لا صحة فيه، وبدأوا يقلبون المصحف الشريف، ويدرسون آياته؛ حتى وصلوا إلى الآية الكريمة التي ذكرتها في بداية حديثي، أو بالأحرى عند لفظ "يَحطِمَنَّكم" وهنا اعترتهم الغبطة والسرور فها قد وجدوا _ في نظرهم _ ما يسيء للإسلام؛ فقالوا بأن الكلمة "يَحطِمَنَّكم" من التحطيم والتهشيم والتكسير، فكيف يكون لنملة أن تتحطم؟؟ فهي ليست من زجاج أو من أي مادة أخرى قابلة للتحطم ! إذن فالكلمة لم تأتَ في موضعها؛ هكذا قالوا؛ "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا" وبدأوا ينشرون اكتشافهم الذي اعتبروه عظيماَ، و لم يجدوا ولو رداً واحداً على لسان رجل مسلم!!
وبعد أعوام مضت من اكتشافهم؛ ظهر عالم أسترالي أجرى بحوثاً طويلة على تلك المخلوقة الضعيفة ليجد ما لا يتوقعه إنسان على وجه الأرض!!!! لقد وجد أن النملة تحتوي على نسبة كبيرة _ أجهل قيمتها _ من مادة الزجاج، ولذلك ورد اللفظ المناسب في مكانه المناسب..!!!! وعلى إثر هذا أعلن العالم الأسترالي إسلامه ... فسبحان الله العزيز الحكيم .... "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"؟؟؟؟
وفي الآية من وجوه البلاغة الكثير كما يقول الدكتور فاضل السامرائي. فالنملة حذّرت ونادت ونصحت قومها وأنذرت وعممت وأكدّت وقصّرت وبالغت وغيره وكل هذا ليس مهماً فكل كلام يقال فيه أوجه بلاغية لكن المهم كيف عبّر عن ذلك. فالنملة بدأت مخاطبة قومها مخاطبة العقلاء وجاءت بلفظ مساكنكم ولم تقل بيوتكم أو جحوركم لأنهم في حالة حركة والحركة عكسها السكون فاختارت لفظ المساكن من السكون حتى يسكنوا فيها ولم تقل المساكن والجحور وإنما قالت مساكنكم أي أن لكل نملة مسكنها الخاص الذي تعلم مكانه، ولم تقل ادخلن وإنما قالت ادخلوا، ثم أكدّت بالنداء بقولها (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) حرف النداء الدال على البعد حتى يسمعوا نداءها، وقالت سليمان وجنوده ولم تقل جنود سليمان حتى ترفع العذر عن سليمان أيضاً فلو قالت جنود سليمان لكان سليمان غير عالم إذا كان قاصداً أو غير قاصد وجاءت بلفظ سليمان بدون أي لقب له كالنبي سليمان للدلالة على أنه مشهور بدون أن يوصف، ثم حثتهم على الإسراع في التنفيذ قبل أن تنالهم المصيبة، ونسبت الفعل لسليمان (لا يحطمنكم). إذن ليس المهم جمع أوجه بلاغية في التعبير لكن المهم كيف التعبير عن هذه الأوجه وهذا ما يتفرّد به القرآن الكريم.