اذا رغبنا في الحفاظ على توفر الضوء في امريكا بعد 2020 فعلينا بالتأكيد اللجوء الى القوة النووية مع كل مشاكلها العملية والبيئية . وتحت ظروف قصوى يلزمنا عشر سنوات من اجل انتاج جيل جديد من المفاعلات النووية الفاعلة وقد يكون الثمن فوق احتمالنا . اليورانيوم ايضا مصدر محدود. اننا لسنا اقرب الى مشروع الانشطار الذري مما كنا عليه في السبعينات.
خلاصة هذا اننا ندخل فترة تاريخية تحتمل عدم استقرار كبير واضطرابات وعناء . ومن الواضح ان المناورات الجيوبولتيكية حول مناطق العالم الغنية بالطاقة قد ادت الى حرب ووعود بمزيد من الصراعات العسكرية الدولية .
وبما ان الشرق الاوسط يحتوي على ثلثي امدادات النفط المتبقي في العالم فقد حاولت الولايات المتحدة بطريقة يائسة ان تعيد الاستقرار للمنطقة وذلك باقامة مركز شرطة كبير لها في العراق . الغرض لم يكن فقط وضع اليد على نفط العراق ولكن ايضا لتغيير والتأثير على سلوك الدول المجاورة حول الخليج العربي خاصة ايران والسعودية . النتيجة كانت ابعد ماتكون عن الاجابية واحتمالات مستقبلنا في ذلك الجزء من العالم ليست شيئا نشعر بالثقة فيه .
ثم هناك قضية الصين التي في 2004 اصبحت ثاني اكبر مستهلك للنفط في العالم متجاوزة بذلك اليابان. ان النمو الصناعي المتزايد في الصين جعلها تعتمد بشكل متزايد على الواردات التي نعول عليها . اذا ارادت الصين يمكنها ان تدخل بسهولة في بعض هذه الاماكن : الشرق الاوسط وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في وسط اسيا وتمد هيمنتها بالقوة . هل امريكا مهيئة للمنافسة على هذا النفط في حرب مع الجيش الصيني في ارض صينية ؟ اشك في ذلك ، كما ان الجيش الاميركي لن يستطيع احتلال مناطق في نصف الكرة الشرقي الى مالانهاية او الامل في وضع اليد على اراض او بنى تحتية نفطية في بلد معاد بعيد واحدا بعد الاخر . والسيناريو المحتمل هو ان الولايات المتحدة قد تجهد وتفلس نفسها وهي تفعل ذلك وسوف تضطر الى الانسحاب الى داخل نصفنا من الكرة الارضية بعد خسارة الوصول الى معظم ما تبقى من نفط العالم في هذه العملية .
نحن نعرف ان قادتنا كانوا على علم بهذه الكارثة فالرئيس جورج بوش قد اوجز باخطار ذروة النفط قبل انتخابات عام 2000 وتكرارا منذ ذلك الحين .
في مارس نشرت وزارة الطاقة تقريرا يقر رسميا وللمرة الاولى ان ذروة النفط حقيقية ونص بوضوح على ان " لم يصدف العالم مشكلة مثل هذه من قبل . وبدون تخفيف المشكلة قبل عشر سنوات من حدوثها فإن المشكلة سوف تستمر ولن تكون طارئة "
اكثر من اي شيء فإن الطواريء طويلة المدى سوف تتطلب منا ان نضع ترتيبات اخرى لطريقة الحياة داخل الولايات المتحدة . ان امريكا في محنة خاصة بسبب عدد من الاختيارات السيئة التي اخترناها كمجتمع في القرن العشرين . ربما اسوأها كان ترك مدننا تضمحل لنستبدلها بالضواحي التي كان لها التأثير الاضافي في تبوير افضل المزارع في امريكا . الضواحي يمكن اعتبارها اخطر اساءة لعادة تسكين الموارد في تاريخ العالم . كانت نهايتها مأساوية . ان علم نفس الاستثمار السابق يوحي بأننا سوف ندافع عن مدينتنا الفاضلة المعتمدة على ثقافة السيارات بعد وقت طويل من كونها عبء رهيب.
قبل مضي وقت طويل سوف تخيب آمالنا في الضواحي عمليا . لقد صنعنا النمو المستمر في تقسيمات السكن وشرائح الطرق العامة واكشاك الطعام السريع ومولات التسوق اساس اقتصادنا وحين نتوقف عن صناعة المزيد من هذه سوف ينهار الاساس.
ان ظروف الطواريء طويلة المدى سوف تتطلب منا ان نعيد تقييم كل مانفعله تقريبا وكيف نفعله من نوع المجتمعات التي نعيش فيها الى طريقة انبات طعامنا الى طريقة عملنا وتسويق منتجاتنا . سوف تكون حياتنا بشكل اساسي محلية . ستكون الحياة اليومية اقل حركة واكثر استقرارا في المكان الذي نقيم فيه . وسوف يتضاءل كل ما اسس على نطاق واسع سواء كان الحكومة او الشركات والمشاريع مثل وال مارت بانهيار الطاقة الرخيصة التي تدعم التوسع والنمو . ان اضطرابات الطواريء طويلة المدى سوف تخلف الكثير من الخاسرين الاقتصاديين والكثير من هؤلاء سوف يكونون اعضاء طبقة متوسطة سابقة غاضبة .
سيكون انتاج الطعام مشكلة كبيرة في فترة الطواريء طويلة المدى . لأن الزراعة الصناعية سوف تفشل لندرة المدخلات القائمة على النفط والغاز وسوف نضطر الى زرع طعامنا في اماكن اقرب الى اقامتنا . وسوف نفعل ذلك على نطاق محدود . وقد يتركز الاقتصاد الامريكي في منتصف القرن الواحد والعشرين على الزراعة وليس المعلومات وليس الهاي تيك وليس "الخدمات" مثل مبيعات العقارات او صناعة التشيسبرجر او السياحة . الزراعة : هذه بدون شك فكرة مفاجئة راديكالية وتثير اسئلة بالغة الصعوبة حول اعادة تحديد المواقع على الارض وطبيعة العمل .
ان اقتطاع الارض الزراعية في اواخر القرن العشرين بدون هوادة قد ساعد على تخريب الرقعة الزراعية في كثير من الاماكن وعملية اعادة الهيكلة ستكون غير منظمة وارتجالية . وستتطلب صناعة الغذاء بالضرورة ايد عاملة اكثر كثافة مما كان عليه منذ عقود . ونتوقع اعادة تشكيل الطبقة الزراعية الامريكية . ستكون بشكل كبير مكونة من الخاسرين الاقتصاديين المشار اليهم سابقا الذين سيحاولون استعادة قبضتهم على الحلم الامريكي . وقد يدخل هؤلاء الناس الذين فقدوا املاكهم في علاقات اجتماعية شبه اقطاعية مع مالكي الاراضي مقابل الامن الغذائي والجسدي .
ولكن احساسهم بالخسارة سيظل متقدا ولهذا فأي اساءة لهم قد تدفعهم الى انتزاع الارض .
ان الطريقة التي نظمت بها التجارة في امريكا سوف لن تعيش كثيرا في فترة الطواريء طويلة المدى . ولن يكون مايقدمه وال مارت من (مخزن على عجلات) صفقة في اقتصاد مابعد النفط الرخيص . وقد يقطع الطريق على سلاسل المخازن الوطنية ، الصراعات العسكرية على النفط والصراعات الداخلية في الدول التي كانت تزودنا ببضائع مصنعة بالغة الرخص لأنهم ايضا سينهمكون في الصراع حول قضايا مماثلة بسبب فقر الطاقة وكل الاضطرابات التي تتبع ذلك .
وبينما تحدث هذه الاشياء سوف تضطر امريكا الى اتباع ترتيبات اخرى للتصنيع والتوزيع وبيع البضائع العادية . سوف تعتمد حينها على الاكثر على نظام "صناعة المنزل" اكثر من نظام المصانع ولن نعيد ماحدث في القرن العشرين . عشرات الالوف من المنتجات الشائعة التي نتمتع بها اليوم من الاصباغ الى الدواء والمصنعة من النفط. سوف تكون هذه نادرة جدا او غير متوفرة .
ولابد من اعادة بيع الاشياء في نطاق محلي . وهذا يتطلب نقل البضائع داخل مسافات اقصر . وستكون اسعار البضائع اغلى بسبب قلة الاختيارات .
ستكون السيارات اقل وجودا في حياتنا . ومع ندرة البنزين ناهيك عن عوائد الضرائب ستعاني طرقنا بالتأكيد . ان نظام الطرق الخارجية اكثر عرضة للتلف مما يعتقد الجمهور . اذا لم يتم المحافظة على "مستوى الخدمات " (كما يسميه مهندسو المرور ) باعلى درجة سوف تتضاعف المشاكل وتتصاعد بسرعة . ان النظام لايحتمل الفشل الجزئي اما ان يكون بحالة ممتازة او ينهار .
ان امريكا تملك اليوم نظام سكة حديد يخجل منها البلغار. ولم يذكر اي من مرشحي الرئاسة في عام 2004 السكة الحديدة ولكن اذا لم نهتم بنظام القطارات فلن يكون لدينا سفر لمسافات طويلة ولا نقل للبضائع مطلقا بعد عدة عقود من الان. اما صناعة الطيران التجاري فهي مفلسة حاليا ومن المحتمل ان تتلاشى . وسيكون لن تغطي كلفة الحفاظ على مطارات عملاقة ،عمليات اسطول طيران على نطاق محدود . ان القطارات اكثر كفاءة من السيارات والشاحنات والطائرات . ويمكن تسييرها على اي شيء من الخشب الى الكهرباء . كما ان البنى التحتية للسكك الحديدية اقل كلفة من شبكة الطرق الضخمة .
المناطق التي ستكون ناجحة في القرن الواحد والعشرين هي تلك التي ستكون محاطة باراض زراعية . والمدن الصغيرة و الاصغر سيكون لها مستقبل اكثر من المدن الكبيرة والتي سيكون عليها التقلص بشكل كبير . ستكون العملية مؤلمة ومثيرة للاضطرابات . في الكثير من المدن الامريكية مثل كليفلاند ودترويت وسانت لويز بدأت تلك العملية وتطورت والمدن الاخرى ستسقط .
نيويورك وشيكاغو تواجه مشاكل غير عادية لأن فيها مبان عملاقة لا تتماشى مع واقع تدهور امدادات الطاقة . وقد تم رصف اراضيها الزراعية وستكون محاطة بضواحي تزيد من مشاكل هذه المدن .
ومع ذلك فإن مدننا تحتل مواقع مهمة . سوف تتكون في المستقبل نوع من الوحدة الحضرية ولكن ربما ليس ضخامة التصنيع في القرن العشرين .
ان هذه توقعات مخيفة . ستكون فترة الطواريء طويلة المدى مشكلة هائلة للجنس البشري . لن نصدق ان هذا يحدث لنا . وان 200 سنة من المدنية سوف تركع على ركبتيها بسبب نقص الطاقة . سيكون علينا ان نرعى ايمانا بالامل : ايمان عميق وشامل بأن البشرية تستحق ان تستمر .
الكاتب
www.kunstler.com
** James Howard Kunstler
روائي امريكي وكاتب مهموم بشؤون المدينة الحضرية ومستقبلها . له عدة كتب حول هذه المواضيع .
ترجمة دورية العراق
شبكة الأخبار العالمية
www.world-news-network.net