مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 15-08-2000, 07:04 PM
الأستاذ محمد عادل التريكي الأستاذ محمد عادل التريكي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2000
المشاركات: 4
Post الحداثة والتراث



نسمع من حين لآخر أصواتا تضع بصورة أو بأخرى، "الاشتغال بالتراث" موضع السؤال:لماذا كل هذا الإهتمام بالتراث ؟ ألا يتعلق الأمر بردة فكرية ؟ بل هناك من يذهب إلى حد القول إن الأمر يتعلق بظاهرة مرضية، ب" عصاب جماعي" أصاب المثقفين العرب بعد نكسة 1967م، فارتدوا ناكصين إلى الوراء، إلى"التراث" والذين يقولون هذا يشتكون من أن الاهتمام ب"التراث" وقضاياه يصرف عن الاهتمام ب"الحداثة" ومتطلباتها. إنهم يرون أو يتخيلون أن التراث العربي الإسلامي هو، ككل تراث، مجرد بضاعة تنتمي إلى الماضي ويجب أن تبقى في الماضي وبالتالي فلا يشتغل بها – إذا كان ولا بد – إلا المختصون الأكاديميون في دراسة شؤون الماضي، وفي هذه الحالة يجب أن ينحصر الاهتمام به في إطار قاعات الدرس الجامعي وصفحات المجلات العلمية المختصة وحدها. بعبارة أخرى أن هؤلاء المشتكين من اهتمام المفكرين العرب المعاصرين بالتراث، هذا الاهتمام "الزائد" يعتقدون أن ذلك إنما يتم على حساب الاهتمام ب"الحداثة".
ونحن نعتقد أن هذا الموقف ينم عن عدم تقدير كاف للمشكل المطروح في الثقافة العربية، ذلك أن ما يميز الثقافة العربية منذ عصر التدوين إلى اليوم هو أن "الحركة" داخلها لا تتجسم في إنتاج الجديد، بل في إعادة إنتاج القديم، وقد تطورت عملية الإنتاج هذه منذ القرن السابع إلى تكلُّس وتقوقع واجترار،فساد فيها ما سبق أن عبرنا عنه ب"الفهم التراثي للتراث"وهو الفهم الذي مازال سائدا إلى اليوم، ومن هنا كان من متطلبات الحداثة، في نظرنا، تجاوز هذا "الفهم التراثي للتراث" إلى فهم حداثي،إلى رؤية عصرية له، فالحداثة في نظرنا، لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي بقدر ما تعني الارتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى ما نسميه ب" المعاصرة " أعني مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العالمي، صحيح أن من شأن الحداثة أن تبحث عن مصداقية أطروحاتها في خطابها نفسه، خطاب ب" المعاصرة" وليس في خطاب "الأصالة" الذي يُعنى بالدعوة إلى التمسك بالأصول واستلهامها، ولكن صحيح أيضا أن الحداثة في الفكر العربي المعاصر لم ترتفع بعد إلى هذا المستوى، فهي تستوحي أطروحاتها وتطلب المصداقية لخطابها من الحداثة الأوربية التي تتخذها "أصولا" لها.وحتى إذا سلمنا بأن الحداثة الأوربية هذه تمثل اليوم حداثة "عالمية" فإن مجرد انتظامها في التاريخ الثقافي الأوربي، ولو على شكل التمرد عليه، يجعلها حداثة لا تستطيع الدخول في حوار نقدي تمردي مع معطيات الثقافة العربية لكونها لا تنتظم في تاريخها. إنها إذ تقع خارجها وخارج تاريخها لا تستطيع أن تحاورها حوارا يحرك فيها الحركة من داخلها، إنها تهاجمها من خارجها مما يجعل رد الفعل الحتمي هو الانغلاق والنكوص. وإذن فطريقة الحداثة عندنا يجب، في نظرنا، أن ينطلق من الانتظام النقدي في الثقافة العربية نفسها وذلك بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل. لذلك كانت الحداثة بهذا الاعتبار تعني أولا وقبل كل شيء حداثة المنهج وحداثة الرؤية، والهدف: تحرير تصورنا ل"التراث" من البطانة الأيديولوجية والوجدانية التي تضفي عليه، داخل وعينا، طابع العام و المطلق وتنزع عنه طابع النسبية و التاريخية.
من هنا خصوصية الحداثة عندنا، أعني دورها الخاص في الثقافة العربية المعاصرة، الدور الذي يجعل منها بحق "حداثة عربية". والواقع أنه ليست هناك حداثة مطلقة، كلية وعالمية، وإنما هناك حداثات تختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر. وبعبارة أخرى الحداثة ظاهرة تاريخية، وهي ككل الظواهر التاريخية مشروطة بظروفها، محدودة بحدود زمنية ترسمها الصيرورة على خط التطور، فهي تختلف إذن من مكان لآخر. من تجربة تاريخية لأخرى، الحداثة في أوربا غيرها في الصين، غيرها في اليابان…في أوربا يتحدثون اليوم عن "ما بعد الحداثة " باعتبار أن الحداثة ظاهرة انتهت مع نهاية القرن التاسع عشر بوصفها مرحلة تاريخية قامت في أعقاب" عصر الأنوار" ( القرن الثامن عشر ) هذا العصر الذي جاء هو نفسه في أعقاب "عصر النهضة "( القرن السادس عشر ).
أما في العالم العربي فالوضع يختلف: إن" النهضة " و"الأنوار" و"الحداثة" لا تشكل عندنا مراحل متعاقبة يتجاوز اللاَّحق منها السَّابق، بل هي عندنا متداخلة متشابكة متزامنة ضمن المرحلة المعاصرة التي تمتد بداياتها إلى ما يزيد على مائة عام، وبالتالي فنحن عندما نتحدث عن"الحداثة" فيجب أن لا نفهم منها ما يفهمه أدباء و مفكروا أوربا، أعني أنها مرحلة تجاوزت مرحلة " الأنوار " ومـرحلـة
" النهضة" التي تقوم أساسا على"الإحياء"، إحياء " التراث" والانتظام فيه نوعا من الانتظام. إن الحداثة عندنا، كما تتحدث في إطار و ضعيتنا الراهنة، هي النهضة والأنوار وتجاوزهما معاً، والعمود الفقري الذي يجب أن تنتظم فيه جميع مظاهرها هو العقلانية والديمقراطية. والعقلانية والديمقراطية ليستا بضاعة تُستَورد بل هما ممارسة حسب قواعد. ونحن نعتقد أنه ما لم تمارس العقلانية في تراثنا وما لم نفضح أصول الاستبداد ومظاهره في هذا التراث فإننا لن ننجح في تأسيس حداثة خاصة بنا، حداثة ننخرط بها ومن خلالها في الحداثة المعاصرة " العالمية " كفاعلين وليس مجرد منفعلين.
قد يكون هناك من بين دعاة الحداثة من يقول: أنا آخذ الحداثة " العالمية " كما هي، كحضور مستقل يكفي ذاته بذاته، ومع شكنا في إمكانية قيام مثل هذه الوضعية، وضعية مثقف يعيش حداثة تكفي ذاتها بذاتها، فإننا قد نَسلَم، جَدَلاً، بهذه الأطروحة لو أن الأمر يتعلق ب " حل مشكلة " أشخاص، إن من يقول بهذه الأطروحة يقيس الأمر بمقياسه ويحصر المشكلة في نطاق حالته وتجربته، قد يكون هذا مَوقِفاً حَداثِياً في نظر البعض باعتبار أن الحداثة تُكَرِّسُ قيمة الفرد كفرد، فهي إذن موقف "فردي". ونحن نرى أن هذا الطرح خاطئ: ذلك لأنه لو كان الأمر بهذه الصورة لما وجد هؤلاء في أنفسهم حاجة إلى انتقاد اشتغال غيرهم بالتراث، إذ ما شأنهم وهذا "الغير" لو كانت الحداثة موقفا فرديا بهذا المعنى؟
كلا ليست الحداثة موقفا فرديا إلا من حيث ارتباطها بانبثاق روح النقد والإبداع داخل ثقافة ما، باعتبار أن النقد والإبداع كلاهما عمل فردي، يقوم به أفراد بوصفهم أفرادا لا بوصفهم جماعة.ولكن، مع ذلك، فهي ليست موقفا سلبيا انعزاليا، ليست إنكفاء على الذات، إن الحداثة هي، على الرغم من الأهمية التي تعطيها للفرد كقيمة في ذاته، ليست من أجل ذاتها بل هي دوما من أجل غيرها، من أجل عموم الثقافة التي تنبثق فيها.
الحداثة من أجل الحداثة لا معنى لها.الحداثة رسالة ونزوع من أجل التحديث، تحديث الذهنية، تحديث المعايير العقلية والوجدانية. وعندما تكون الثقافة السائدة ثقافة تراثية فإن خطاب الحداثة فيها يجب أن يتجه، أَوَّلاً وقبل كل شيء إلى"التراث" بهدف إعادة قراءته وتقديم رؤية عصرية عنه. واتجاه الحداثة بخطابها، بمنهجيتها ورُؤاها،إلى "التراث" هو، في هذه الحالة،اتجاه بالخطاب الحداثي إلى القطاع الأوسع من المثقفين والمتعلمين، بل إلى عموم الشعب، وبذلك تؤدي رسالتها، أما التقوقع في فردية نرجيسية فإنه يؤدي حتما إلى غربة انتحارية، إلى التهميش الذاتي.
بعض مدعي "الحداثة" عندنا يرفعون شعار الديمقراطية، التي يصرفون معناها إلى الحرية الفردية لا غير، وفي نفس الوقت يرفضون العقلانية بدعوى أنها ترفض "النظام" وتقيد "الحرية" وهم في هذا يقلدون بعض فروع تيار الحداثة في الغرب غافلين أو متغافلين عن الفارق الهائل بين وضعيتنا ووضعية الغرب.
فعلًا، لقد عَمَّت العقلانية في الغرب الصناعي مختلف مرافق الحياة، الجماعية والفردية، فهيمنت على العلاقات والتصورات، على الفكر والسلوك، إن التنظيم العقلاني للاقتصاد والإدارة وأجهزة الدولة ومؤسساتها قد انعكس أثره على الحياة بأسرها، الجماعية والفردية. وجاءت الثورة التكنولوجية والمعلوماتية لتفرض الطابع المنظومي على كل شيء في حياة الإنسان مما مَسَّ مَسًّا خطيرًا قيمته بل خصوصيته ككائن حر. أو من شروط اكتمال كينونته أن يكون حرا. ليس هذا وحسب بل خرجت العقلانية الغربية عن طورها في كثير من المجالات فسخرت العلم والتكنولوجيا،اللذين يفرض الموقف العقلاني أن يكونا في خدمة حرية الإنسان وحقوق الشعوب، سخرتهما في إنتاج وسائل التدمير الجماعي والفردي والمضي في تنويعها وتطوير أدائها، فكان رد الفعل الإنساني،الطبيعي والحداثي في آن واحد، هو التمرد على هذا التتويج اللاعقلاني لهرم العقلانية الحديثة.وقد ذهب التمرد ببعضهم، لأسباب مختلفة، ذاتية في الغالب، كالفشل في تأكيد الذات اجتماعيا، إلى السقوط في مخالب نزعة صوفية ودينية أو ملحدة، والوقوف بالتالي موقف العداء للعقلانية جملة وتفصيلا.
هذا الموقف اللاعقلاني يتبناه بعض أدعياء" الحداثة" عندنا، لأسباب من جنس التي ذكرنا، مقلدين بذلك مواقف ليس في الواقع العربي ما يبررها. إن الواقع العربي الراهن يعاني من هيمنة نوع آخر من اللاعقلانية يختلف تماما عن ذلك النوع الذي قام في أوربا المعاصرة كتتويج لعقلانيتها، نوع ينتمي تاريخيا للقرون الوسطى بكل ما كانت تتميز به من طغيان سلوك القطيع وعصا الراعي، سواء على مستوى الحياة الفكرية أو على مستوى الحياة الاجتماعية…
وأمام هذا النوع من اللاعقلانية المتخلفة تاريخيا تبرز ضرورة العقلانية كسلاح لا بديل عنه. وهل يمكن تحقيق حداثة بدون سلاح العقل والعقلانية؟ هل يمكن تحقيق نهضة بدون عقل ناهض؟ إن العداء للعقلانية أو الطعن فيها، في حال مثل حالنا، سلوك لا يمكن إيجاد مكان له خارج ظلامية اللاعقلانية، ومن يضع رجله فيها يحكم على نفسه بالعمى. والعقلانية مصباح يوقده الإنسان ليس وسط الظلام وحسب، بل قد يضطر إلى التجوال به في"واضحة" النهار.
تلك وجهة نظرنا في الحداثة كما يجب أن تتحدد على ضوء معطيات واقعنا الراهن، إنها قبل كل شيء: العقلانية والديمقراطية. والتعامل العقلاني النقدي مع جميع مظاهر حياتنا – والتراث من أشدها حضورا ورسوخا- هو الموقف الحداثي الصحيح. وإذن ف"الحاجة إلى الاشتغال بالتراث" تمليها الحاجة إلى تحديث كيفية تعاملنا معه خدمة للحداثة وتأصيلا لها. وهذه وجهة نظر عبرنا عنها منذ بداية اشتغالنا بالتراث.


بقلم الأستاذ محمد عادل التريكي




 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م