مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 24-08-2002, 02:00 PM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي عصر المصادرة الثقافية

عصر المصادرة الثقافية
(جزء من مقال)


تمهيد:

منظروا الحداثة يقولون إن عصرها هو عصر المساءلة، عصر وضعت فيه كل المؤسسات القديمة المادية والمعنوية، كل الأشكال الفكرية والفنية التي بناها الإنسان في تجربته الطويلة مع الحياة قيد المساءلة وأمام امتحان إثبات الجدارة بالوجود والأغلب أن لا تنجح هذه المؤسسات والأشكال في هذا الامتحان الحداثي ويعمل "المناضلون" الحداثيون على إزالتها من الوجود بلا رحمة لأنها على رأيهم عائق أمام الحرية والتقدم لا بد من تحطيمه.
لا فرق أكان الحديث عن المؤسسات الاجتماعية القديمة أم السياسية أم كان عن المنظومات الدينية أم عن الأشكال الأدبية والفنية. كلها ينظر إليها بمنظار التعالي والاستكبار كما ينظر الابن المتعلم الحديث إلى أبيه الأمي الغارق في أفكاره التقليدية وخرافاته وأوهامه.
يتكلمون كثيراً عن سمة المساءلة في عصر الحداثة ولكنهم فيما أرى لا يذكرون سمة أخرى لهذا العصر أراها أنا جديرة بالذكر وهي سمة المصادرة.
الحداثة هي منطقياً استمرار للعصر الذي سبقها، ومؤسساتها لم تنبثق بلا خبرة سابقة وتطور طبيعي على طريقة منيرفا التي خرجت دفعة واحدة من رأس جوبيتر كما قال قدماء اليونان ولكن منظري الحداثة عندهم ميل غريب للجحود وإنكار أي دور للماضي في بناء مفاهيم وممارسة مؤسساتهم المادية والمعنوية التي هي موضع فخرهم. وليتهم اقتصروا على الجحود فهم زادوا عليه ميلاً فاقعاً إلى مصادرة المفاهيم لحسابهم فحتى لو أكد لنا التاريخ مثلاً أن "الشعر" اختراع قديم تجدهم ينكرون أن يكون الأقدمون قد فهموا "حقيقة الشعر" وأن "الشعر الحقيقي" لم يظهر إلا على أيامهم ولو دققت في تنظيراتهم فستجد أن هذا هو حقاً معنى ما يقولون وإن اختلفت صيغ التعبير.
ونزعة المصادرة في الحداثة التي أنا بصدد الكلام عنها تنبثق من هذا الميل فحيث أن الحداثة في الواقع ورثت المؤسسات القديمة وفي النظرية أنكرت هذه الوراثة فقد كان لا بد من بروز نزعة المصادرة التي تتلخص في اغتصاب المفاهيم القديمة والادعاء أنها لم توجد على حقيقتها إلا مع الحداثة وفي هذا المقال سأذكر مثالي "الشعر" و"العلم" كمفاهيم صودرت ملكيتها من مخترعيها الأصليين ونسبتها الحداثة إلى نفسها معلنة أنها مفاهيم "لم توجد على حقيقتها" إلا بفضل الحداثة.
خطر على بالي الحديث عن هذه السمة بمناسبة قراءتي لمقال وسجال. المقال كان في استنكار أن يطلق علماء الدين الإسلامي على أنفسهم اسم "العلماء" وبدا لي أن التعليق عليه قد ينير جانباً من جوانب نزعة المصادرة الحداثية في مثال مفهوم "العلم" والسجال تمثل في مجموعة من المقالات نشرتها للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي جريدة السفير تباعاً بالتعاون مع وكالة الأهرام للصحافة وساجل فيها حجازي دعاة قصيدة النثر وقد دخل في النقاش عدد من الشعراء والمهتمين الذين نشروا في جريدة "أخبار الأدب " المصرية ردودهم وبدا لي أن التعليق على هذا السجال قد يعينني في توضيح ما عنيته بنزعة المصادرة عند الحداثة في مفهوم "الشعر" وفي التعليق على هذا السجال سأبدأ أولاً علما أنني لم أقتصر في المناقشة كما سيرى القارئ على ما قيل في هذا السجل بل عدت أيضاً إلى تنظيرات أقدم للشعر العربي منها تنظيرات أدونيس.






1-مصادرة مفهوم "الشعر"

- هاجس الشرعية
في هذه المقالات تكلم حجازي عن مكان قصيدة النثر في الشعر ويرى القارئ للمقالات أن هاجس "الشرعية" يهيمن عليها وأعني بهذا الهاجس السؤال عن "الممثل الشرعي للشعر الحقيقي" وقد رد عليه في السفير أيضاً عباس بيضون وكان الرد مسكوناً أيضاً بهذا الهاجس وإن كانا كلاهما قد أخذا في الحقيقة موقفاً معتدلاً لا يماثل الموقف الحداثي الجذري المصادر الذي يريد أن يقول إن ما عرفته البشرية لحد الآن باسم الشعر لم يكن "شعراً حقيقياً" وإن "الشعر" بالتعريف هو هذا الذي اخترعوه هم على أنقاض "الشعر الزائف" الذي هو كل "ما توهمت البشرية أنه شعر" بل وجدنا من يصل في المغالاة إلى حد إنكار صفة "قصيدة النثر" على ما ينشر في المنابر الأدبية العربية على أنه كذلك.(1)
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 24-08-2002, 02:01 PM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

حجازي يقول: "من حق قصيدة النثر أن توجد، وأن تولد عل مهل بصرف النظر عن رأيي أو رأي غيري ممن يعتقدون بأن علاقتها بالشعر علاقة ضعيفة، لأن لغة الشعر تعتمد على الإيقاع الذي يتحقق بالوزن قبل أي عنصر آخر. والجميع الآن يسلمون لقصيدة النثر بحقها في أن تجرب نفسها وأن توجد. والمشكلة أن أصحابها لا يكتفون بهذا الحق، ولا يريدون أن يعتبروا مجرد محاولين أو مجربين، بل يريدون أن ينتزعوا من الجميع اعترافاً مسبقاً أو توقيعاً على بياض الورقة التي لم يكتبوا فيها قصيدتهم بعد بأنهم شعراء. وأكثر من هذا يريدون أن يعتبروا هم الشعراء، وأن يمثلوا وحدهم الشعر العربي في المحافل القومية و الدولية. وهذا هو الطغيان الذي دعوت إلى مواجهته ولقد كنا ننكر على الشعراء والنقاد المحافظين طغيانهم، مع أنهم أقرب من غيرهم لتراث الشعر، وأولى بادعاء تمثيله. لكننا لا نقبل هذا الطغيان لأننا نعتقد أن كل طغيان شر، وأن كل استبداد فساد مهما كانت مغرياته وتبريراته.فكيف نقبل الطغيان من تجربة لم تكتمل ولم تنضج، ولم تقنع أحداً بأنها صارت جديرة بالوجود إلى جانب غيرها، بله أن تقنعه بأن توجد وحدها وان تحل محل أي شعر آخر"(2).
وخاتمة هذا الاستشهاد طريفة كما يرى القارئ فقد بدأ حجازي بالإقرار لقصيدة النثر بحق الوجود ثم انتهى إلى القول إنها لم تقنع أحداً بحقها في الوجود!
أما عباس بيضون فرد عليه بالقول "وجدت قصيدة النثر، وجدت بحضورها واستمرارها وحدها ولا يحتاج الشعر وزناً أو نثراً لأكثر من ذلك ليوجد" (3)
و بيضون يقول في هذا المقال: "قصيدة النثر تختلف عن قصيدة الوزن بحيث تستوي إزاءها نوعاً آخر لا بديلاً".
بهذا القول يكون بيضون "عدّاه العيب" كما يقول إخواننا المصريون فلم يصادر حق الأنواع الأخرى من الشعر في الوجود مثبتاً بهذا أنه أعقل من زملائه في التيار "المفرط في الحداثة" الذي ينكر صفة الشعر على ما سبقه معطياً بهذا الغلو الحق لأنصار ذلك الشعر السابق أن يردوا له التحية بأحسن منها فيعدونه مدعياً نصاباً.
وما يهمني هنا هو لفت انتباه القارئ إلى هم إثبات الحق في الوجود الذي يحرك المتساجلين حجازي و بيضون وآخرين شاركوا في السجال في أسبوعية "أخبار الأدب" المصرية.
- شرعية مكونات الشعر
حجازي يواجه مسألة جدوى وجود الوزن في الشعر( فمن بديهيات كتاب الشعر المنثور أن الوزن مجرد حلية شكلية لا داعي لها ولا تفعل أكثر من تقييد الشاعر وأن "الشعر الحقيقي" يكمن في عناصر لفظية ومعنوية أخرى) فيقول إن الشعر ليس مجرد معنى يمكن أن يستقل والمعنى ليس دلالة فقط بل هو دلالة وصوت ويقول إن الشعر تجربة عقلية انفعالية تتحقق بلغة خاصة وعمل الشاعر منصب على تزويدها بأقصى ما تستطيع من طاقة لتتمكن من أن تنسلخ من وظيفتها العادية لتؤدي وظيفتها الشعرية وإيقاعات الألفاظ تتشارك مع العلاقات المعنوية لهذه الألفاظ في صنع اللغة المجازية التي هي مادة الشعر وقوامه فالوزن طاقة تساعد الكلام على أداء الوظيفة الشعرية مثله مثل اتصال الدلالات وتداخلها وتقاطعها.إن الوزن هو الجناح الآخر للمجاز إلى جانب الصورة الشعرية.
لنلاحظ هنا أن "المساءلة" في الحداثة تنتهي دوماً بالمصادرة! فقد بدأ الحداثي مثلاً في "مساءلة" مؤسسة الوزن والقافية عن مبررات وجودها وانتهى إلى مصادرة هذه المؤسسة لصالحه "فالوزن الحقيقي" هو "الإيقاع الداخلي" أما ما كان لحد الآن معدوداً إيقاعاً فهو مجرد قعقعة خارجية –"دربكة" كما عبر عنها مشارك في المساجلة التي نحن بصددها.
في بداية هذا القرن ظهرت الفكرة القائلة أن الوزن والقافية قيدان يقيدان الشاعر فخليل مطران يقول: "إن الفن ينضج في جو من الحرية وهذه القيود الثقيلة، قيود القافية الواحدة والوزن الواحد تتعارض مع حرية الفن" (4)
وكان الزهاوي قبل ذلك قال عن القافية إنها "عضو أثري قد بقي من كلمات كان يكررها في آخر كل بيت النادب في المناحات والمتحمس في الحرب والصدام يوم تولد الشعر في عصور الجاهلية الأولى، ولا بد من زواله بالتمام لعدم فائدته اليوم ولتقييده الشعر فلا يتقدم حراً كبقية الفنون. فإذا حرر الشعر من قيود القافية، انصرف الشعراء إلى المعاني التي يريدونها لا إلى الألفاظ، وإلى الشعور الحقيقي الذي تجيش به نفوسهم لا إلى الشعور الكاذب الذي تضطرهم إلى تصنعه ضرورة القافية وضرورة كونها على صورة خاصة من صور الإعراب في آخر كل بيت".
جدوى الوزن والقافية أصبح مشكوكاً بها إذاً وقد كان هذان العنصران يعدان عنصرين مميزين للشعر عن النثر فيما مضى وإن كنا نرى كثيراً من مفكري تراثنا يؤكدون إن الوزن والقافية لوحدهما ليسا هما ما يميز الشعر.
وحيث أن الوزن والقافية على كل حال مكونان من مكونات الشعر منذ أن نشأ فإن الشك في ضرورتهما هو شك في أحقية جزء مكون من الشعر القديم في الوجود على الأقل.
- الوضوح والشرعية
ولكي يصل التشكيك إلى أحقية الشعر نفسه في الوجود كان لا بد لنا من نظريات لاحقة تتعلق بالبعد الميتافيزيقي للشعر إن جاز التعبير وقد تكفل بإنشاء هذه النظريات أو نقل بعضها عن الفرنسية المنظر الأساسي للحداثة الشعرية العربية أدونيس.
هذا البعد الميتافيزيقي الحدسي الذي لا يمكن البرهان عليه ولا تحديده منطقياً رفع سلاحاً في وجه الشعر العربي كما عرفناه إلى الآن وقد كان أدونيس أذكى من متعصبي الحداثة الآخرين فلم يلجأ إلى شطب الشعر العربي الذي وجد إلى الآن بجرة قلم بل لجأ إلى قراءة حدسية صوفية على طريقته للشعر القديم فاعدم وجوده فعلياً لا عن طريق الإعلان أنه غير جدير بالوجود بل عن طريق إعادة تأويله تأويلاً باطنياً على طريقة المتصوفة في تأويل القرآن بحيث أصبحنا حيال نصوص جديدة وإن كانت الألفاظ لم تزل على حالها!
لقد اجتث أدونيس شرعية الشعر القديم باجتثاثه لشرعية تأويله الظاهر لأنه عدو الوضوح في الشعر ويرى أن الشعر الواضح ليس شعراً حقيقياً.
يقول في كتابه الذي نشره في مطلع السبعينات "مقدمة للشعر العربي": "ولئن كان الوضوح طبيعياً في الشعر الوصفي أو القصصي أو العاطفي الخالص، لأنه يهدف إلى التعبير عن فكرة محددة أو وضع محدد، فإن هذا الهدف لا مكان له في الشعر الحق" (5).
كما نلاحظ أسقط أدونيس بجرة قلم الشعر الوصفي والقصصي والعاطفي الخالص من ملكوت "الشعر الحق" وليس العرب فيما أظن هم أول من سيحتج على هذا القول إن سمعه بل ربما من سيحتج أولاً هم اليونان الذين كان شاعرهم الأكبر هوميروس أول من سيسقطه أدونيس من سجلات أهل "الشعر الحق".
- الشرعية والعصرية
إذا كان حضور واستمرار قصيدة النثر عند بيضون يكفي للقول إن هذه القصيدة موجودة فإن هذا البرهان البديهي غير كاف عند أدونيس فقد يكون الشعر موجوداً وشائعاً عند الناس ولكنه ليس "عصرياً" وقد يكون نوع آخر من الشعر معزولاً لا يقرؤه أحد ولكنه يكون هو "العصري" أي هو الممثل الشرعي الوحيد للعصر! وهذا ما يقوله أدونيس بمناسبة حديثه عن قصيدة مطران "المساء": "إذا قسنا عصرية القصيدة بمدى انتشارها بين الناس، كانت هذه القصيدة اقل عصرية من أية قصيدة لشوقي، مثلاً. فشعر خليل مطران ما يزال حتى الآن قليل الانتشار. لكن في حين يتقلص شوقي، يأخذ مطران بالامتداد شيئاً فشيئاً، لكن بصعوبة. يمكن، بناء على ذلك، أن نستنتج أن القصيدة لا تكتسب عصريتها من كونها منتشرة جداً في مرحلتها الزمنية، بين الناس" (6)
هكذا نرى أن مبدأ بيضون في كفاية الحضور والاستمرار لا يكفي أدونيس للحكم على شرعية الشعر ومن المفهوم طبعاً أن الشعر غير العصري هو مثل المعلبات التي انتهت مدة صلاحيتها غير صالح للاستهلاك الآدمي فهو ليس شعراً حقيقياً لأنه بكل بساطة زائف فهو بالبداهة لا يعبر عن عصره وبالتالي فهو اصطناع كامل: "في حين تبدو قصيدة مطران نبتة صغيرة لكن في تربة طبيعية ومناخ طبيعي، تبدو قصائد شوقي نباتات طويلة لكن في تربة اصطناعية ومناخ اصطناعي. الأولى أكثر اتصالاً بالحاضر، والثانية أكثر اتصالاً بالماضي. الأولى تختار الحياة والإنسان قبل التقليد، والثانية تختار التقليد قبل الحياة والإنسان"(7)
قول أدونيس هذا يستحق بالفعل تحليلاً مطولاً جداً لمفهوم الحداثية العربية عن الإنسان والحياة ومصادراتها ولكنني هنا أكتفي بالإشارة إلى نقطة أحسب القارئ قد انتبه إليها وهي أن أدونيس يخرج ما يدعوه بالتقليد من ملكوت "الإنسان والحياة" ولكنه للأسف لم يبين لنا النقطة التي يغادر فيها الشاعر إذا تجاوزها عالم "الإنسان والحياة" ليدخل عالم "التقليد".
إن الزمن في الواقع متصل ولكن الحداثي يصادر على انقطاعيته فهو يرى أن ما كان في الماضي لا علاقة له بما هو موجود في الحاضر ومن هنا يكون مقلداً خارجاً عن عصره كل من يتابع سيره على خطى من سبقه ويكون عصرياً كل من قطع مع الماضي وبدأ في سلوك جديد غريب عما يعهده مجتمعه وإلا فكيف تكون القصيدة غير عصرية رغم انتشارها وعصرية رغم عزلتها؟
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 24-08-2002, 02:02 PM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

- عصران متزامنان
لا بد لفهم ذلك من الخروج من الإطار الحدسي– الصوفي (أو الصوفي المزعوم بالأحرى فقد فعل أدونيس بالصوفية الحقيقية التاريخية ما فعله بالشعر العربي: أبقى عليها لفظياً وأعاد تأويلها على طريقته ومزاجه) الذي صاغ به أدونيس حكمه الصارم وإعادة القضية إلى بعدها الواقعي: إن عصرنا الثقافي هو بالفعل عصران متغايران: عصرنا الطبيعي وعصر الغرب وحين نكون امتداداً لعصرنا الخاص فإننا نكون في قطيعة مع عصر الثقافة الأخرى والحال أن هذا بالضبط ما يدعوه الحداثي بالتخلف عن "العصر" إذ أن الممثل الشرعي الوحيد للعصر عند الحداثية العربية هو الغرب والعصرية هي الثقافة الغربية والتقليدية هي الثقافة المحلية أو سمات الثقافة المحلية التي لم تتغرب بعد.
- مرجعية الغرب في تحديد الشعرية والنثرية
وقد يهدينا هذا التحليل إلى تفسير لا يخطر على البال لظواهر من نوع نشوء الشعر النثري فقد نسأل: إذا كان الأقدمون كما يقول الأستاذ حجازي و أدونيس أيضاً في بعض المواضع كانوا رواداً للنثر الشعري (في مقال حجازي الذي ذكرته قبل قليل يذكر من أمثلة هذه الريادة لغة القرآن والتوراة ولغة التصوف وإشارات أبي حيان التوحيدي) فلماذا لم يخطر على بالهم أن يسموا هذه الكتابات شعرا؟ً وأعني طبعاً الأمثلة جميعها باستثناء القرآن الكريم الذي لا نجادل نحن المسلمين لا قديماً ولا حديثاً في أنه ليس شعراً ولا نثراً بل هو كلام الله وحسب.
ولنعكس السؤال لنصل إلى بيت القصيد: لماذا يصر المحدثون على تسمية هذا النوع من الكتابات شعراً مع أن اللغة لم تضق بأنواع التسميات الممكنة؟
وأنا أعرف أن هذا السؤال سيبدو لإخواننا هؤلاء غريباً جداً ذلك أن الحداثة العربية لم تبدأ إلى الآن بنقد نفسها ومراجعة مسلماتها ومن أسباب ذلك أن هذه المسلمات قد أتت من مرجع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ألا وهو الغرب.
وجوابي أنا على هذا السؤال هو أن أصحابنا سموا هذه الكتابة شعراً لأن مثل هذه الكتابة تسمى في الغرب كذلك!
ولأجل الاقتناع بذلك ما علينا إلا أن نمارس تمريناً عقلياً يسمونه "سيناريو تخيلياً" فنقول: لنفرض أن هذه الكتابة لا تسمى في الغرب شعراً وإنما تسمى مثلاً باسم ثالث فيكون في الغرب ثلاثة أشكال هي النثر والشعر وهذا الشيء الثالث. ألن يلجأ أصحابنا عند ذلك إلى ترجمة هذا الاسم الثالث بكلمة أخرى غير "النثر" و "الشعر" ويعدوا تميز هذا الكائن الأدبي عن النثر وتميزه- وهنا بيت القصيد- عن الشعر مسلمة بديهية كما يعدون انتسابها إلى الشعر الآن مسلمة بديهية؟
- تضييق هوامش الإبداع
النزعة الحداثية للمصادرة هي بآن واحد نزعة لتضييق هوامش الإبداع ولاستبعاد أشكال الإبداع التي لا تتناسب مع الدوغما الحداثية أو لا تتناسب مع تفضيلاتها الجمالية ذات الأصل الاستلابي غالباً كما ذكرت في مقالات كثيرة سابقة.
وبالمقارنة مع هذه النزعة الحداثية الاستبعادية الاستبدادية كانت الثقافة العربية قبل الحداثة أوسع أفقاً وأكثر قبولاً للتنوع الإبداعي فأجدادنا تقبلوا الشعر الفلسفي كما تقبلوا شعر المجون وتقبلوا الشعر الفصيح كما تقبلوا الزجل وتقبلوا بحور الخليل كما تقبلوا الموشحات والدوبيت وتقبلوا أبا تمام كما تقبلوا والبة وأبا نواس ولم يحاولوا أن يصدروا فرماناً يحدد شروطاً صارمة لمن يريد أن يدخل البلاط الشعري ومن العجب حقاً أن تعبر الحداثة العربية عن كل هذه النزعة للاستبداد ثم تظل تؤكد أنها هي ولا أحد غيرها المبشرة بعصر حرية الإنسان وتحرره من القيود!
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 25-08-2002, 10:44 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

جميل جميل.

لا تعليق لدي على المقال، إلا أني أستغرب من شيء.

أريد أن أذكر أن الشعر الغربي فيه قافية وهي ما يسمونه (رايم Rhyme) وفيه وزن، وهو ما يسمونه (ريذم rhythm) ويسمونه أيضا كيدنس Cadence والميزان الشعري Pentameter.

ولديهم قصائد موزونة: السونيت والستانزا والكوبلت؟

ولديهم السجع والجناس. بل إن لديهم جناس لفظي وجناس خطي.

أما ما يدعو إليه المستغربين في الشعر العربي فهو الحركة التحررية في الشعر الغربي التي نشأت في فرنسا في القرن التاسع عشر (أعتقد أنها لم تصل إلى أمريكا بقوة حتى القرن العشرين)، والتي تسمى بحركة الشعر الحر، أو ربما الشطر الحر، بالفرنسي vers libre وبالإنجليزي free verse وهذا هو أصل التسمية أخي محمد، وهو كلام لا يربطه وزن ولا قافية، على خلاف شعر الغرب القديم.

وتريد أن تسمع شيئا عجيبا؟

كنا من قبل نحذر أن ما ينادي به القوم من إطلاق اسم الشعر على الكلام المنثور غير الموزون وغير المقفى هو في نهايته أسلوب للنيل من القرآن الكريم، حيث أن الذي يرضى بأن الكلام غير الموزون يمكن أن يكون شعرا سيقول بعدها مباشرة: إذن القرآن شعر.

وإذا نظرت في النموذج الغربي، فإن القوم هناك يطلقون على إنجيل الملك ديفيد اسم Free Verse يعني الشعر الحر، وبالذات القسم المسمى بأغنية سليمان Song of Solomon ، والقسم الثاني (الترانيم Psalms). طبعا إنجيل الملك ديفيد هو كلام الملك نفسه في فهمه للأناجيل السابقة، ولا يخلو من الأساليب البشرية في الكتابة، ولكن نقل هذه الفكرة إلى الشرق -كما يحب أصحابنا أن يفعلوا- قد ينتج عما نحذر منه.
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 27-08-2002, 05:23 AM
الصمصام الصمصام غير متصل
ذهـَــبَ مـَــعَ الرِيحْ
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2001
المشاركات: 1,410
إفتراضي

قد قيل أخي عمر
إليك ما يقوله أحدهم:
(وقصيدة النثر لها مرجعية منذ العصر الجاهلي فانه لما جاء القرآن...
قراءه رسول الإسلام...قال المشركون ان هو إلا شاعر وكان الرسول يقرألهم فيما يقرأ شيئا من السجع وشيئا من النثر الخالص...كما في سورة البقرة مثلا...
معنى هذا أن العربي القديم كان يفقه الشعر ويعرف في مرجعيته شكلا آخر له...غير التلاعب اللفظي بالوزن والقافية...)
__________________
-----------------------------
الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
-----------------------------
إن عـُـلـّب المـجـدُ في صفـراءَ قـد بليتْ
غــــداً ســـنلبسـهُ ثـوباً مـن الذهـــــــــبِ
إنّـي لأنـظـر للأيـّام أرقـــــــــــــــــــبـهــــا
فألمحُ اليســْــر يأتي من لظى الكــــــرَبِ


( الصـمــــــصـام )
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م