"..*.." لا تقل أبدا : أنا فاشل "..*.."
" الفشل .." لفظة لا وجود لها في قاموس حياتي ، لأني لا أعترف بها ، واستبدلتها بجملة " أنا لم أُوَفَّقْ "
لا تستعجلوا و تحكموا على من يقول هذا بأنه محظوظ ، و أن حياته مليئة بالمسرات ، و أنه حاز كل ما يتمناه !
لا تقيّموا شخصاً ما أنه إنسانُ " فاشل " أو " ناجح " لأنها مقاييس لا وجود لها عند من يحقق الإيمان بأحد أركانه و هو الإيمان بالقدر خيره وشره .
" الفشل " مظهر خارجي للعمل ، يدركه الجميع بما يظهر لهم من نتاج السعي ، فإن كانت النتيجة هي ما تعارف عليها الجميع أنها رديئة فهو في عُرفهم " فشل " و ما تعارفوا أنه جيد و حسن ، فهو إذاً " نجاح " .
و لكن .. أين ما وراء الظواهر؟
أين علم الغيب مما يحدث من واقع السعي ؟
فقد يكون من نحكم عليه بأنه " ناجح " هو في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن النجاح .
و من نرثي اليوم لفشله ، قد يكون في قمة النجاح وهو أو نحن لا ندرك هذا .
عندما أقرأ في سيرة الصحابي الجليل ( زيد بن حارثة )
تعلمت كيف لا أصدر حكمي على الأمور بظاهرها ، أو أجعلها مقياسا لتحديد النجاح و الفشل في حياتي.
عندما أراد الصحابي زيد ( رضي الله عنه ) الزواج ، و لمّا كانت منزلته الكبيرة عند النبي " صلى الله عليه وسلم " .. يشهد لها الجميع ، فقد خطب له النبي
" صلى الله عليه وسلم " ابنة عمته زينب ( رضي الله عنها ) فقبلت به لأنها تعلم تلك المنزلة ، رغم فارق النسبين .. فقلت في نفسي :
إنهما مثالُ لأنجح زوجين ، فهو ربيب النبي " صلى الله عليه وسلم " و يملك ما يجعله مثال الزوج الصالح في نظر أي امرأة ..
وهي ابنة الحسب و النسب العفيفة الشريفة ذات الأخلاق الكريمة _ ولست أهلا لأزيد من الثناء عليها ( رضي الله عنها ) .. ومع ذلك ، انفرط عقد زواجهما ، و انفصلا بالطلاق !
فهل يمكنني أن أصف زيدا بأنه " فاشل " ؟
وهل يمكنني أن أصف زينب بأنها " فاشلة "؟
أليس الطلاق بين الزوجين علامة لفشلهما في تحقيق الاستقرار الأسري ؟
إذاً حسب المقاييس التي اتفق الجميع عليها ، هما" فاشلان !" وحاشا لله أن يكونا كذلك .
فقد قدّر رب العالمين أن تنتهي رابطة الزواج بالانفصال .. ليبدأ بعدها رباط أقوى وأسمى لكل منهما .
فقد كان أمر الزواج و الطلاق بعد ذلك لحكمة خفيت على الجميع ، وهي إبطال التبني ، ونحن نعلم أن زيداً كان في البدء يُنسب لسيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم " بحكم تبنيه له .. وكان يدعى ( زيد بن محمد ) .
و لأن الله أنزل تشريع الأحكام متدرجة بما يتناسب مع المجتمع حينها ، وقد تعارف الجميع على جواز التبني ، وجواز أن يرث الرجل إحدى نساء أبيه بعد موته .
طلق زيدُ زينب .. فأمر الله تبارك و تعالى نبيه أن يتزوجها ..
فأدرك المسلمون أن التبني محرم ، و الدليل زواج نبيهم بطليقة من نسبه إليه ..... الله أكبر !
وها هي زينب قد تحولت في نظر النساء إلى امرأة محظوظة " ناجحة " !!
و تزوج زيد من امرأة أخرى ، و أنجبت منه أسامة بن زيد بن حارثة ( حبُّ رسول الله " صلى الله عليه وسلم " وابن حبه ... ونجح في تربية أسامة ) " الصحابي القائد لجيش يضم كبار الصحابة ، وهو في الخامسة عشرة من عمره !!
فأين تقييم " الفشل " و " النجاح " في ما حدث ؟!!
ولأضرب لكم مثلا من عصرنا الحاضر :
يتقدم طالبان لامتحان القبول لمعهد العلوم الصرفية !
ينجح الأول في امتحان القبول و بتفوق ، ويعود لأهله يُبشرهم بهذا " النجاح " ، بينما لم يحقق الثاني درجة القبول ، فيرجع لأهله ليلقى اللوم و التقريع على تقصيره في الاستعداد للامتحان بمزيد من الدراسة و المذاكرة ، ورغم أنه بذل أقصى ما بوسعه .. و لأنه في نظر من حوله ، ونظره هو أيضا " فاشل " فقد أصيب بالإحباط ، وانزوى في بيته يتجرع كؤوس الندم .
الأول يصبح رئيس بنك ربوي عظيم ذو شأن .. بمرتب كبير مكَّنه من اختيار زوجة جميلة من أسرة عصرية ، وعاش حياة مرفهة ..
__________________
رب جنبني صداها ، فهي اعدى من عرفت .. هي نفسي و هي شيطاني الذي منه هربت
آخر تعديل بواسطة نور الحياة ، 30-05-2005 الساعة 01:57 PM.
|