في البعد عنك
في البعد عنك طريُّ الفرشِ جلمودُ
.................والصبح معتكرٌ والليلُ تسهيدُ
في القلبِ حبّكِ، بل سيّان إنهما
..............قلبي وما غرسته الأعين السودُ
ما وحدتي من فراقِ الخلقِ بل وطنٍ
..............سمراءُ حيث أقامت فهو موجودُ
فإن نأيتِ فما شوقي لحضرتهم
.....................إلا كما بجرادٍ هامَ أملودُ
حبّيكِ حقٌّ وصنو الروح ما اتصلت
................بالجسمِ، إن فارقته فهْوَ مهدودُ
بئس الحياة لنفسي يا مولّهتي
.................إن لم يكن لحديث البعد تفنيدُ
أحلْتِها أيكةً مذ أن حللتِ بها
...................للطير في ظلّها ريّانَ تغريدُ
ألا ترينَ بأن الخير أجمعه
...............له احتفالٌ بحبل الوصل مشدودُ
وما احتفائي بحالٍ إن نأيتِ سوى
.................كما برملٍ وقيظٍ تحتفي البيد
ما الشِّعر دونك إلا ضجّةٌ وأذىً
....................كما يغنّي بلا أوتاره العودُ
وكل إغماضة للعين راحلةٌ
....................تحثها نحو سمرائي التناهيدُ
لكلّ عينِ محبٍّ بيتُ مدنِفَةٍ
...............لدى الغيابِ لها من ذاك تثميدُ...(1)
وظلّ لي منك أبياتٌ مشيّدَةٌ
..............من القصيدِ ودونَ الشعر صَيْخودُ
فيها أراك بأزهى حلّةٍ عبقت
................بنفح ريح الخُزامى نعم ذا الجودُ
وها هنا ألِفٌ ترنو بهمزتها
...............للقلبِ منها بعهد الوصلِ تجديدُ
وها هنا السينُ مع نونٍ تزينها
...................عَيْنٌ وباءٌ وفي التعميمِ تجريدُ
وها هنا الحاءُ في بيتٍ أردده
.............والحلْمُ كالحبُّ عند الحاء مشهودُ
لولا احتياطي لإسم لا أبوح به
...................لخصّ أحرفه لا غيرَ تحديدُ
فكلّ حرفٍ كأنّ الروحَ تسكنه
..............قنعتُ بالحرفِ لا ثغْرٌ ولا جيدُ
تذوي الشّفاهُ ويبقى الحرفُ مؤتلقاً
.....................له بفكرك يا سمراءُ ترديدُ
أبياتُ حلمٍ وأشعارٍ أعيش بها
...............وكلّها دون وعدٍ منك مهدودُ
يا ويحَ نفسيَ كم أزرى الفراقُ بها
................فكم يومِ ابتعادٍ عنك تنكيدُ
عودي تعدْ كلّ أحلامي مرفرفةً
..............ففي وصالكِ للأحلام تجديدُ
كم أنشب البعدُ ناباً في الفؤادِ لها
..........كم من قروحٍ لهنّ الوصلُ تضميدُ
لا زال قلبي بالإقدامِ متّهماً
...........أمّا بشأن النوى فالقلبُ رعديدُ
إن يأتِ عيدٌ بلا لقياك قلت له
............."عيدٌ بأية حالٍ عدتَ يا عيدُ" ؟
كم من أمانٍ كِذابٌ أن أُبَلَّغها
......قد يزعم الوصلَ شخصٌ وهو مصدودُ
أهْذي؟ أجل كيف لا يهذي الذي كَبَلت
................لسانَهُ ألفُ آهٍ فهوَ معقودُ
فكم همومٍ لغير الله ما ارتفعت
...............مني شكاةٌ بها والله موجودُ
كم من ظلومٍ بثوب الحقّ مؤتزرٍ
...........وكم كذوبٍ له بالكذْب تمجيدُ
قد ساد فينا فسادٌ لا نظير له
.............فيه الممجَّد "كلبٌ وهو محمودُ "
"وإن يمت تثقل الأرضينَ جيفته"
.............يعفّ عنها خشاش الأرضِ والدودُ
وكم لبيتِ رسول الله منتسبٍ
......من غاص في الظلمِ، أنّى؟ وهو إخشيدُ
فما له نسب بالآلِ يلحقه
....................ولا له معهم بالخير توحيدُ
أليس يتبع روماً من يناصرهم
.................كما الولاء لإسرائيلَ تَهويدُ
هنا ادّكرتُ مقالا منكِ أوقفني
................للرأي منكِ على الآراءِ تسويدُ:
"أرى عيونَ قريضٍ في الهوى نُجُلاً
...................بشوبهنّ اختتامٌ فيه ترميدُ"
العفو منكِ، دروب القلبِ واحدةٌ
...................وما يطاقُ لهمِّ فيهِ تحييدُ
ربّاه عجّل لهذا الدين نٍصْرَتَه
...............فكلّ حقٍّ به لا شكّ مردودُ
---------
(1) الإثمد : حجر الكحل
|