عندما تتكلم الجمادات
عندما تتكلم الجمادات
(1)
عندما تتكلم خيوط السجادة ..
السجاد أنواع كثيرة ، ومن منآشئ مختلفة ، كلما أتقنت صناعته ، وكلما كانت أصباغه ثابتة ، وكلما كان من خيوط طبيعية ، وكانت الرسوم التي تزينه من خيال رسام مبدع ، كلما علا شأن السجادة و افتخر صاحبها بها ..
وكلما دخلت الخيوط الصناعية ، بها و تم حبك نسيجها بالمكائن ، وكلما كانت ألوانها مبتذلة ، وكلما كانت الغاية التجارية تطغى على الغاية الحرفية والإبداعية كلما قصر عمر السجادة ، وكرهها صاحبها ..
تعالوا لنرى هذا الحوار بين خيوط السجادة ..
الخيوط البنية : نحن الأكثر في تلك السجادة ، وعلى صاحبنا أن ينادي السجادة ، ناسبا إياها للوننا البني ، فيقول ، انظروا الى السجادة البنية ، وافرشوا السجادة البنية ..
تتدخل بعض الخيوط الخضراء : فتقول ، لا نحن من نعطي السجادة الصبغة الخضراء التي تعني الخصوبة والعطاء .. فلا يعني أن البني هو الأكثر ، يجب أن تسمى السجادة به ، فكم من الصحراء القاحلة يعافها سكانها بحثا عن الخضرة ..
تتدخل الخيوط الزرقاء : نحن الأكثر أهمية ، فلوننا يرمز للماء و لولا الماء لما نبت نبات ، ولا تلون باللون الأخضر ..
تتدخل الخيوط الحمراء : مهما تقولوا عن مزاياكم ، فيبقى اللون الأحمر هو اللون الذي يدل على الصحة والصرامة والحزم ، فمن غيره تبدو وجوه البشر شاحبة لا حيوية فيها ..
تتدخل الخيوط الصفراء : وتقول نحن من ندلل على نضج القمح والفاكهة ، وغيرنا ألوان تدل على الفجاجة و عدم النضج ..
و تتدخل كل الألوان كل يبدي أهميته ، الأبيض لدلالة السلام والطهر .. والأسود للستر ولتبيان أهمية الألوان الأخرى .. وتتكلم كل الخيوط ..
فيبتسم الحكيم صاحب السجادة ويخاطب الخيوط : كلكم صادقين .. ولكن ستكون السجادة باهتة لو كان لونها واحدا ، فروعتها آتية من امتزاج ألوان خيوطها مع بعض .. فلا تبتئسوا كل لون يؤدي دوره في لوحة السجادة الجميلة .
__________________
ابن حوران
|