مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 12-09-2000, 06:54 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post إلى المعجبين بالحياة الغربية: صورة من لندن

تمتلئ لندن بالحياة، حياة متدفقة لا تتوقف، ملايين من البشر، أعداد من الشباب والشيب، أجناس وألوان وألسنة وشرائح، تسعى في حركة متواصلة في الشوارع وخلف وسائل المواصلات دون انقطاع، وتكتظ بها قطارات الأنفاق الأرضية، وتنحشر أجسادها داخل الحافلات الحمراء ذات الطابقين، وتدفع كل فرد في طريقها بالاتجاه الذي يريد، وأحياناً بالاتجاهات التي لا يريد، والمواعيد دقيقة، والبرامج مضبوطة، ومواعيد الانطلاق والوصول مدروسة.

يشدك في بريطانيا الدقة والبروتوكول، حتى تخال أصحاب كل اختصاص مبرمجين على نمط واحد من التصرف والأداء، ابتسامة مرسومة، وعبارات منمقة، ووضوح في العرض والشروط واتخاذ القرار، مع استحضار قوي لسلطة القانون، فاتفاقيات الأعمال في لندن (Black & White) أبيض وأسود بلا مساحة غائمة وعبارات ضبابية، السلعة أمام ناظريك وأمامها السعر والوزن والطول والعرض ومبلغ الضريبة وتكلف الشحن. وكذلك الخدمات من حجوزات الفنادق وحتى برامج التدريب مروراً بالسياحة والصيرفة والترفيه. فلك حقوق وعليك واجبات، ولكل سلعة وخدمة ثمن، ادفع وخذ.

ويظهر أن البريطانيين طلقوا الجدل منذ زمن بعيد، إلا في أسواق الأحد الشعبية، ففيها مجال واسع لممارسة هواية المساومة والاختيار وتضييع الوقت في الجدل وما لا طائل من ورائه، وكأني بها متنفس لصرامة الحياة البريطانية، والإنسان يحتاج بين فينة وأخرى ليخرج من الجد إلى الهزل، ومن الرصانة إلى شيء من اللهو والطفولة.

ومقابل هذه الصورة صور أخرى يعاني منها البريطاني، فرداً وأسرة ومجتمعاً، صور لا يميزها إلا الذي يعايشها أو يستمع إلى من عايشها. ومنهم صديقي الطبيب العامل في مجال المعالجة النفسية والاجتماعية، عربي قدم منذ ثلاثين سنة واستقر وتزوج وأنجب واختار ميدان الطب النفسي، وهو في الغرب مختلف الإمكانيات والمكانة عما هو عندنا في الشرق، ولعل عمله أشبه ما يكون بدور إمام المسجد في معالجة ذات البين، وهو عندنا يقوم على العرف والخبرة الذاتية والتذكير بالقيم والمعاني الإسلامية السامية، ويقوم في الغرب على علم وقواعد ومفاهيم لصيقة بأعراف القوم ومفاهيمهم.

يحذرني من إعجاب النظرة السطحية ويخبرني عن تفكك الأسرة، وضياع أبنائها وتخلفهم العلمي، وتراجع الالتزام الاجتماعي، ونظرتهم الحاقدة على الحياة وعلى القانون، وتفشي ظاهرة الإدمان على أنواع متعددة ومبتكرة من الكحول والخمور والمخدرات، بل وممارسة كل رذيلة بحجة التغيير والتجريب والخروج من أزمة الفراغ القاتل. حتى صارت الموبقات – عند الشباب - جزءاً من هوايات قتل الوقت، ومثله كل كبيرة في قاموسنا وقاموس الإنسانية كالسرقة والاغتصاب.

ولما أبديت اعتراضي على التعميم والمبالغة بدأ بسرد وقائع عايشها واعتنى بها بنفسه، آخرها الآنسة (سو) وهو اختصار لاسم (سوزان)، جاؤوا بها إلى المشفى زرقاء من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، فتاة في مقتبل العمر تجاوزت الثامنة عشر منذ أشهر قليلة، ويبدو من صورتها على الهوية أنها على شيء من الجمال، وكانت حتى عهد قريب منتظمة في سنتها الأولى الجامعية في كلية علمية.

روت البنت قصتها، فهي ابنة أسرة متوسطة، أبوها مهندس وأمها مدرسة، ولها أخ واحد يكبرها في العمر، استحوذ على كل اهتمام العائلة، في دراسته ومصروفه ودلاله، تصفه بأنه حساس ومطيع، لا يخالف لوالديه أمراً ولا طلباً فنعم برضاهما، بينما كانت مشاكستها سبب اضطراب حبل الود معهما، وجاءت مرحلة الجامعة المكلفة فكانا أمام طريق مسدود، لا يملكان مالاً كافياً سوى لواحد منهما، والولد في الجامعة قبلها فاختاراه وقدماه، ولما اعترضت وثارت طرداها من البيت. والذكر في الغرب كالأنثى، سيان لا فرق بينهما في الحقوق والحظوظ، ولا في الأعباء والمسؤوليات والطرد من المنزل.

وجدت (سو) نفسها في الشارع، فقصدت لندن لتوفر فرص العلم والعمل، طلبت منحة جامعية فجاء جواب الجامعة بالرفض، لأنها ما زالت تحت كفالة والديها وهما يعملان ولا حظ لها في منحة بحسب الإجراءات المتبعة، فقصدت المحلات التجارية للعمل، ووجدت عملاً في أحد مخازن الألبسة الكبرى، ولكن ساعات العمل تأخذ ثلث اليوم (8 ساعات) وتأخذ المواصلات ساعتين وتصل مهدودة مكدودة عليها الاهتمام بطعامها وشرابها وثيابها، وكل شيء في لندن مكلف، السكن والمواصلات والكهرباء والماء والطعام، وانكسر الميزان فما تحصل عليه أقل من التزاماتها.

ولسن الشباب متطلبات، وهي ترى أقرانها يلهون ويلعبون ويترددون على النوادي الليلية ودور السينما، ولديهم رفقة وهي تشعر بالوحدة والوحشة، فاختارت (صديقاً) تودد إليها في البدء حتى تمكن منها، فاكتشفته مدمناً على المخدرات، لم يتورع عن إلزامها بممارسة أقذر ما يمكن أن تدفع إليه فتاة، ليستولي على كل ما تجنيه من أجل السموم التي يتناولها.

أما الضرب المبرح الذي نالها وحول لونها من البياض الناصع إلى الزرقة الداكنة فلأنها اشترت ثوباً يقيها برد الشوارع وهي تتصيد جرذان الشوارع لأجل سمومه.

بدت البنت يائسة، ومثلها عشرات، تهوي يومياً على مراكز الخدمات الاجتماعية والمستشفيات أو يعانين بصمت لأنهن لا يجدن من يستمع أو يعين، والمصيبة عندما تعم تصبح جزءاً من روتين الحياة.

وختم صديقي الطبيب النفسي قصة (سو) بأنه يفكر بجدية تامة أن يهرب بنفسه وأسرته إلى بلده العربي المشرقي بالرغم من الظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها بلده الأم، فهو يفضل أن يخضر بطنه من الجوع، ولا يزرق جسد بناته من الانحراف.
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م