شعر سكان الأراضي القريبة من الدولة العثمانية الوليدة صدق إخلاص عثمان ونيته الجادة في نشر الإسلام فتحركوا وانضموا للأمير عثمان في رحلته الجهادية المقدسة، من هؤلاء جماعة 'غزياروم' أي غزاة الروم وهى جماعة إسلامية كانت ترابط على حدود الروم بنية الرباط وصد غارات الروم على المسلمين وذلك منذ عهد الخليفة العباسي المهدى بالله، أي أنهم كانوا أصحاب خبرة طويلة في قتال الروم، ومن هؤلاء أيضا جماعة 'الإخيان' أي الإخوان وهى جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويقومون بخدمة المسافرين والجيوش المجاهدة وهى جماعة تتألف من كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين سخروا أموالهم لنصرة الدين وأيضا جماعة 'حاجيات روم' أي حجاج أرض الروم وهى جماعة معنية بالعلم الشرعي وتفقيه المسلمين بأمور الدين، وكان لانضمام أمثال هذه الجماعات أثر قوى وزخر كبير للحملة الجهادية.
ظهرت شجاعة الأمير عثمان الأول وحزمه في المائة يوم الأولى من قيام الدولة العثمانية حيث شن أمراء النصارى بالأناضول حملة صليبية على الدولة الوليدة سنة 700 هجرية، فقاد عثمان الجيوش بنفسه وباشر القتال بسيفه ورمحه واستطاع بفضل الله عز وجل ثم قوة عزمه وشجاعته الفائقة في القتال أن يشتت هذه الحملة الغادرة ثم شرع بعد ذلك في فتح الحصون الصليبية ففتح حصون 'كته' و'لفكه' و'آق حصار' و'قوج حصار' وذلك سنة 707 هجرية، ثم فتح حصون 'كبوة' و'يكيجه' و'تكرربيكارى' سنة712 هجرية، ثم توج فتوحاته بفتح مدينة بورصة أو بورسة وذلك بعد مجاهدة ومحاصرة ومرابطة عدة سنوات قضاها الأمير عثمان في مواجهة عدوه حتى تم له الفتح سنة 717 هجرية، وأظهر فتح بورصة مدى صبر وثبات الأمير عثمان في جهاد أعداء الإسلام.
حاول أمراء النصارى في الأناضول إعادة الكرة مرة أخرى وتحالفوا هذه المرة مع 'المغول' الذين كانت تربطهم بالنصارى علاقة وثيقة قائمة في الأساس على كره الإسلام ومحاربة المسلمين وإلا فهؤلاء كفار مشركون والآخرون وثنيون يعبدون الشمس والكواكب، فجهز الأمير عثمان الأول جيشاً بقيادة ابنه الثاني 'أورخان' وسيره لقتال المغول قبل تحالفهم مع النصارى فأوقع بهم هزيمة كبيرة شتت بها شملهم وصرفهم عن فكرة الاتحاد مع البيزنطيين.
الشخصية الآسرة
كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة وآثرة في نفس الوقت، فشدة إيمانه بالله عز وجل، وحماسته العالية في نشر الإسلام بأوروبا، جعلت منه شخصية شديدة الجاذبية للجميع مسلمين وكافرين على حد سواء، فلم تطغ قوته على عدالته ولا سلطته على رحمته، وكان إذا وعد وفى، فعندما اشترط أمير قلعة 'أولوباد' البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني، ألا يمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم إلى داخل القلعة التزم بذلك الأمير عثمان وكذلك كل من جاء بعده.
هذه الشخصية الجاذبة جعلت حتى أعداءه الكافرين ينبهرون بتلك الشخصية الباهرة فيدخلون في الإسلام، وأوضح مثال على ذلك القائد البيزنطي 'إقرنيوس' الذي كان والياً على مدينة بورصه والذي استمات في الدفاع عنها ودخل في صراع طويل مع الأمير عثمان حتى سقطت المدينة في النهاية بعد خمس سنوات من الحصار وخلال تلك الفترة احتك 'إقرينوس' بالأمير عثمان وانبهر بخصاله وأخلاقه النبيلة وشخصيته الآسرة وفى النهاية أعلن 'إقرينوس' إسلامه عن صدق ويقين، بل صار من كبار قادة الجيش العثماني الذي يحارب دولته الأصلية 'بيزنطة' وما أشبه هذه القصة بقصة إسلام القائد الرومي 'جريجورى بن تيودور' الذي تسميه المراجع العربية 'جرجة' والذي أسلم على يد الصحابي العظيم 'خالد بن الوليد' أثناء معركة 'اليرموك' الخالدة ودخل القتال مع المسلمين ضد بنى جنسه حتى استشهد آخر المعركة وهكذا أثر الشخصية الإيمانية وعملها في النفوس.
وصية رجل عظيم
ظل الأمير عثمان يعمل على تثبيت دعائم الدولة الإسلامية الوليدة في هذه البقعة الحساسة والملتهبة من العالم القديم ويؤسس الدولة على القيم الإيمانية والأخلاقية المتينة ليضمن لها بإذن الله الاستمرار والنهوض والبقاء، ظل هذا الرجل الصالح ناصحاً لأمته ولدينه حتى وهو على فراش موته وقد حفظ لنا التاريخ وصية الأمير عثمان لابنه وخليفته من بعده 'أورخان الأول' وهى تعتبر دستور الدولة العثمانية التي سارت عليه أيام قوتها وأوج مجدها إذ قال له:
{ يا بنى: إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلا} .
{ يا بنى: أحط من أطاعك بالإعزاز وأنعم على جنودك ولا يغرنك الشيطان بجندك ومالك وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة} .
{ يا بنى: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الأفاق فتحدث مرضاة الله جل جلاله} .
{ يا بنى: لسنا هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت وهذا يا ولدى ما أنت أهله} .
وهكذا يتضح لنا الأسس التي وضعها الأمير عثمان لمن بعده ومنها:
1. الإيمان العميق بالله عز وجل والعمل على اتباع أوامره وشريعته في شتى أمور الدولة.
2. مشورة العلماء وأهل الفقه والشرع في مجريات وأمور الحكم والنزول على رأى الشورى.
3. تحديد الهدف الذي قامت من أجله دولة بنى عثمان وهو إعلان كلمة الله ونشر دين الإسلام.
4. تحديد الوسيلة لتحقيق هذا الهدف وهو الجهاد في سبيل الله.
وفي سنة 726 هجرية توفي الأمير العظيم بعدما أسس دولة صغيرة مساحتها ستة عشر ألف كيلو متر مربع من الأرض ولكنها على تقوى من الله ورضوان وغاية جهادية جعلت هذه الدولة تمتد في ظرف قرن واحد من الزمان لتشمل آسيا الصغرى والبلقان ومعظم أوروبا الشرقية، ودحرت الدولة البيزنطية وفتحت القسطنطينية وأعادت الخلافة الإسلامية من جديد وتنشر الإسلام في قلب أوروبا، فجزاه الله عز وجل عن الإسلام كل خير.
كتبه للمفكرة شريف عبد العزيز
shreef@islammem.cc
المصادر :
1. تاريخ الدولة العلية.
2. سلاطين آل عثمان.
3. الدولة العثمانية.
4. العثمانيون في التاريخ.
5. تاريخ الدولة العثمانية.
6. التاريخ الإسلامي.
منقول