وصية الشهيد العشر دين في أعناقكم

[بيص]

ما أن يتقدم المرء بالسن وتدنو ساعته حتى ينادي على ورثته ليوزع عليهم ممتلكاته حياً لئلا يتنازعون عل حفر قبره ميتاً. تموت العير وتورث للعير الكلأ، ويتكلف الراعي بدبغ جلودها بمقتضى الحال.
أما أنا - ومن أنا..! لن تتورع الأيادي الضخمة من التعفر بقطرات الدم المتبقية في عروقي. لذا عزمت على تصفية حساباتي في الحياة الدنيا، استعداداً للمثول أمام جزاري البشر الذين سيرسلوني حتما لمقابلة الحاكم العادل في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. وعليه أقول قولي هذا وأنا لا أملك حق القول بعدما سلبت مني الأهلية القانونية فأُشهد الشمس والقمر، النهر والبحر، الزيتونة العتيقة وكل صراصير الحقل فأشهدوا أني أسوة بمن يملكون الأرض وما عليها من بشر ودواب أوصي بتوزيع ممتلكاتي الواردة أدناه على:

1. الأحياء من شرفاء قبيلتي يتقاسمون بالعدل والقسطاس عار انتمائي وبؤسي وشقائي.

2. محاربي القبيلة المسلحين بأقلام شح مدادها وجف يراعها يرثون عار صمتي عن سرقة البسمة من على شفاه أطفال القبيلة، وأن يأخذوا بقايا دمي حبراً لأقلامهم يكتبون فيه الأغاني التي تعيد البسمة الضائعة لمرابعها.




3. الأمهات يرثن بقايا قلبي المدمى من أثر حد مدية الجزار ليعتبرن ولا يلدن أشباه الرجال.

4. أولي الأمر منا، الذين كموا الأفواه وسلخوا جلود الأحياء منا المستمتعين بأنوثة الرجال أن يرثوا فشلي المتكرر بالحياة الدنيا من أجل العيش آمناً في ظل نخلة القبيلة الوارفة وأن يروا صوتي في مناماتهم عواصف وزوابع مفزعة.

5. أخوتي شحاذي القبيلة من أبناء السبيل أن يتسولوا ثمن شراء كتاب ألف ليلة وليلة بما فيه الفصول التي سيؤلفها الوالي بعد رحيلي كي لا أمضي بقية الوقت وحيداً في مثواي وتؤنسني وحشة القبر ريثما ينفخ في الصور وتهب الرجال .

6. البقية الباقية من عذراوات القبيلة أن يغزلن من خيوط دموعهن التي تذرف في مأتم وفاة شرف وكرامة الرجال في عصر ندر في الرجال وينسجن لي منها كفناً يقيني برودة القبر.

7. معوقي الحرب وأبناء الشهداء أن يحفروا قبري، لكونهم اعتادوا حفر القبور ودفن جثث الآباء لئلا تتفسخ جثتي أمام قصر الوالي ونصير أضحوكة يتشدق بها ولاة القبائل الأخرى. وحفاظا على البيئة على الأقل.

8. ما بقي من رجال أشداء على قيد الحياة أن يردوا ديناً بعنقي وأعناقهم، الحليب الصافي الذي رضعته من ثدي أمي.

9. الوالي أن يرد ديناً لي بعنقه الغليظة ويعيد لأمي المسمار الفولاذي الذي يعلوه الصدأ، الذي سُبك من عظامي ودُق في كرسي عرشه الزائل.

10. الإنسان الذي يأكل لحم أخيه الإنسان نيئاً، الذين صادروا الكلمة وحرّموا النظر إلى السماء، الذين منعوا بزوغ الفجر، مناحيس القبيلة وفخر عارها أن يرثوا فقري المدقع وجوعي وظمأي ما دبوا على الأرض.