الأرض بتتكلم عربي

[بيص]

زعموا أنه قبل آلاف السنين كانت القبائل تعبد الآلهة عن طريق التوسل للشمس التي كانت أكثر وهجاً وسطوعاً وتدور حول الأرض أبعد بكثير مما هي عليه اليوم، كان اليوم الواحد في ذلك الوقت بألف سنة مما يعدون اليوم، وكانت سن الشباب تبدأ بعد مضي قرن من الزمن، يعيش الناس جميعاً متحابين لا سيد ولا مسود، لا فرق بين الحملان والأسود، تتعايش الهررة والفئران لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. إلا أن سكان الأرض ظلموا وتظلموا، استنوقوا الجمال، صارت الذئاب تنقض على الحملان وكل من صار نعجة أكلته الذئاب، ازداد بغيهم وغيهم يوم بعد يوم فبدأت الشمس تقترب من الأرض شيئاً فشيئاً. غضبت آلهتهم من أن يأكل الإنسان لحم أخيه الإنسان حياً. على مسمع ومرأى الآلهة تنصّب بعضهم سادة على بعض، تفرد أولي الألباب بالقرار وصار الوالي يأمر الرعاة بسلخ جلود دوابهم، ويسمح للنعاج العارية منهم بالرعي في الهضاب الإسمنتية المسلحة والوديان الخرسانية. تحولت مراعي دواب القبيلة الخضراء لمعتقلات وزنازين، قَدِمَ زبانيتها من وهم الماضي وعهر الحاضر، قبع فيها رجال حبالى يرضعون جرذان الديوان من قيح أثداء متورمة، يعلقون أقراطاً بآذانهم، يصبغ رعاتهم من أشباه الرجال أظافيرهم وشفاههم، ينتفون ريش شواربهم فانتفخت أثداؤهم وعلى رؤوسهم التيجان. تساقطت أحلام الرعية كهشيم أحوى، طافوا كرفوف ذباب حول رمّة. ترنحوا ثمالى في أزقة التاريخ المظلمة، نجروا للناس أقفاصاً ذهبية وخوازيق من أقسى الأحجار الكريمة صلابة، التهموا القضّ والقضيض(*). بلغ غضب الآلهة مبلغاً حتى جاوز السيل الزبى والتصقت الشمس بالأرض، فزع الولاة من نهيق البراغيث وارتعدت فصائلهم لصهيل النوق، عوى القطيع جملة وثغت السباع، ثم زأر الجمع معاً، جلجل الرعد بث في قلوبهم الرعب، وحطت أثقالها، قال الوالي للحاشية مالها، فزهق ما كان زهوقاً، ونَعِمَت الكلاب من بؤس أهلها.
عادت المياه لمجاريها وعاش الناس من جديد بوئام وتفاهم، بلا ظلم ولا ظلام، لكن تشير الأرصاد الجوية أنه خلال الحقبة الأخيرة بدأت الشمس تسبح في الفضاء متجهة نحو الأرض بسرعة جنونية وقد تصطدمان ببعضهما بعد سنوات معدودات فما السبب يا ترى..!؟.
* * *
-------------------------
* القضّ صغير ما تكسّر من الحجارة والقضيض كبيرها.